أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جوزيف بشارة - مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية















المزيد.....

مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 3237 - 2011 / 1 / 5 - 19:33
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لن يستقيم حال أوطاننا ولن ينصح حال شعوبنا ولن تحل المشاكل التي تواجهنا طالما بقينا ندفن رؤسنا في الرمال محاولين الهروب من حقائق الأمور. هذه حكمة لا يريد الكثيرون في بلادنا الإيمان بها والنتيجة دائما تكون المزيد من الكوارث فوق رؤسنا ورؤوس ذوينا وأهالينا. يغمض الحكام الدكتاتوريون أعينهم عادة أمام الحقائق بغرض الهروب من المسئولية أو إرضاء الجماعات ذات النفوذ الكبير في لضمان استمرار نظم حكمهم، بينما يتجاهل أخرون الحقائق بهدف فرض نتائج معينة تتفق مع الأيديولوجيات التي يتبنونها. كانت المذبحة البشعة التي وقعت في كنيسة القديسين بمدينة الأسكندرية بشمال مصر من المواقف التي تجلت فيها بحق مسألة إخفاء الحقائق.

كان الرئيس حسني مبارك من أوائل الذين أخفوا حقيقة جريمة كنيسة القديسين أولاً حين قال أن العمل الإرهابي الآثم استهدف مصر بمسلميها ومسيحييها وثانياً حين قال أن العملية الإرهابية كانت غريبة على المصريين وتحمل في طياتها تورط أصابع خارجية تريد أن تجعل من مصر ساحة للإرهاب. من الطبيعي أن يحاول الرئيس مبارك قدر طاقته صرف نظر المجتمع الدولي عن الطبيعة الطائفية للجريمة عبر إنكار أن الجريمة استهدفت المسيحيين واتهام قوى خارجية بالمسئولية عنها. أغلب الظن هنا أنه كان يقصد إيران التي كثيراً ما وجه لها أصابع الاتهام بدعم المتطرفين وتمويل عملياتهم في مصر. لم يكن إنكار مبارك لحقيقة الجريمة غريباً، فالرجل سعى، كعادته، للتأكيد على عدم طائفية الجريمة بغرض التغطية على تقصير جهازه الأمني في توفير الحماية اللازمة للمسيحيين وعمل على إلصاق التهمة بقوى أجنبية للتأكيد على عدم وجود تطرف إسلامي في بلاده.

لست أشك مطلقاً في أن الرئيس المصري يدرك تماماً مسئولية جهاز أمن نظامه عن انتشار التطرف والإرهاب، هذا الجهاز الذي يبدو أنه أصبح يضم رجالاً لا يقلّون تطرفاً عن متطرفي التنظيمات الإسلامية. ركز جهاز الأمن المصري جل اهتمامه في الفترة الأخيرة لقمع الأقلية القبطية المسالمة من ناحية، وحماية ورعاية الإرهابيين المجرمين الذين يهاجمون الأقباط ويحرقون كنائسهم ومساكنهم ومحال أعمالهم ويختطفون نساءهم من ناحية أخرى. لقد حمى جهاز الأمن الإرهابيين الذين نظموا سبعة عشر مظاهرة ضد الأقباط ولم يتدخل لوقف مهاتراتهم وأكاذيبهم وافتراءاتهم ضد الأقباط وعقيدتهم وقيادتهم الدينية في الوقت الذي تربص فيه بالأقباط وألقى القبض على نشطائهم وهاجمهم بالذخيرة الحية حين سعوا لبناء أو ترميم دور عبادتهم وكان أخرها في العمرانية. كان أخر تورط لجهاز الأمن المصري مع الإرهابيين قبيل ساعات قليلة من مذبحة الإسكندرية حين وقف رجاله يتفرجون على المظاهرات التي هاجمت الأقباط وتوعدتهم.

لست أدري كيف ادّعى الرئيس مبارك أن المذبحة كانت غريبة على المصريين، فلو أن الرئيس تابع جيداً المظاهرات السبعة عشر التي قام بها متطرفون مصريون في القاهرة والإسكندرية وكُرست لتهديد الأقباط بأنهار من الدم لتوقع الرئيس مبارك المذبحة، ولكن يبدو أن أجهزة الأمن لم تشأ أن تقلق الرئيس بأنباء المظاهرات على الرغم من خطورتها الشديدة. فضلاً عن هذا فادعاء الرئيس بغرابة المذبحة عن المجتمع المصري يبدو غير منطقي لأن النصف الأول عهد مبارك الذي بدأ قبل ثلاثين عاماً شهد مئات العمليات الإرهابية الذي استهدفت المسيحيين ومسئولي نظامه وراح ضحيتها الألاف من الأبرياء. لم تتوقف عمليات الإرهاب إلا بعد تعيين وزير الداخلية الحالي في أعقاب جريمة الأقصر البشعة الذي راح ضحيتها عشرات من السياح الأجانب والذي تحولت معه سياسة الدولة مع الجماعات الإسلامية من المواجهة إلى التحالف. الشيء الجديد الوحيد في مذبحة كنيسة القديسين كان نوعيتها إذ لم تعتد مصر إرهاب الأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة، ولكن هذا لا يعني أن المذبحة في حد ذاتها كانت غريبة عن المجتمع المصري الذي ارتكبت به العديد من المذابح الإرهابية في العقود الأربعة الماضية مثل مذبحة الزاوية الحمراء ومذبحة الكشح ومذبحة نجع حمادي.

على جانب أخر، لم يكن اتهام قوى مثل الإسلاميين واليساريين لإسرائيل بالمسئولية عن مذبحة الكنيسة أقل سخافة من إلقاء الرئيس مبارك اللوم على قوى خارجية. كان كل ما ردده هؤلاء وأولئك من أقاويل نسبوها إلى الرئيس السابق للموساد ليس إلا مزاعم أطلقها تنظيم حزب الله ونشرتها وسائل إعلامه للتغطية على ما تشير دلائل قوية على تورطه في عملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في مارس من عام 2005. مشكلة الإسلاميين واليساريين أنهم يرون أن إسرائيل هي مصدر كل الشرور في المجتمع المصري البريء والمتسامح والذي لا يعرف الفكر المتطرف ولا يسلك طريق الإرهاب. من المؤكد أن مرددي الاتهامات الهزلية هذه نسوا أن الإرهاب الذي يرفع راية الإسلام يستهدف المسيحيين ليس في مصر فقط وإنما في مختلف بقاع العالم وما العمليات الإرهابية الأخيرة التي خطط لها أو ارتكبت في السويد والولايات المتحدة والدنمارك ونيجيريا والعراق وغيرها إلا براهين على ذلك. فهل لإسرائيل مصلحة في زعزعة استقرار كل هذه الدول؟ الغريب أن من اتهموا إسرائيل قالوا أن اختيار كنيسة القديسين المقابلة لأحد المساجد كمسرح للجريمة جاء ربما للإضرار بالاثنين وربما للوقيعة بينهما. كلام غريب حقاً، لأنه حسب علمي لا توجد كنيسة واحدة في مصر لا يجاورها أو يقابلها مسجد بغرض إظهار وجه مصر الإسلامي وإخفاء وجهها المسيحي كما قال الدكتور سليم العوا ذات مرة.

لقد كانت الإدانات المحلية والإقليمية والدولية الواسعة لمذبحة كنيسة القديسين من دون شك مصدر ارتياح وطمأنينة ليس فقط للأقباط ولكن أيضاً لمسيحيي الشرق الأوسط الذين يتجرعون نفس كأس الاضطهاد المرة. ولكن بين كل الإدانات الصادرة كان هناك ما هو صادق ومعبر عن مشاعر رائعة وكان هناك ما هو شكلي غير مفيد، وكان هناك أيضاً ما هو استفزازي. صدرت الإدانات الصادقة عن منظمات معروفة بموضوعيتها وأفراد محترمين معروفين بحبهم لمصر، واعترفت إداناتهم بطائفية المذبحة البشعة. ولكن الإدانات الشكلية صدرت عن رجال الدين المسلمين الرسميين، وعملت إداناتهم على إخفاء حقيقة المذبحة وركزت على عدم مسئولية الإسلام ولا المسلمين عنها. أما الإدانات الاستفزازية فقد صدرت عن منظمات وأفراد معروفين بدعمهم وتبنيهم للتطرف، وفي هذا الصدد كانت إدانة جماعة الإخوان المسلمين غير منطقية بالنظر لدور الجماعة في نشر الفكر المتطرف، وكانت إدانات شيوخ الفضائيات المتطرفين استخفافاً بالعقول لأن الجميع يعرف تماماً الدور الذي لعبه هؤلاء في الفترة الأخيرة في إشعال نيران الفتنة وإثارة وتحفيز الإسلاميين.

من الجائز أن تكون هناك أثار سلبية لمذبحة كنيسة القديسين على مصر، ولكن هذا لا يعني أن المذبحة استهدفت مصر بمسلميها ومسيحييها. مذبحة كنيسة القديسين من دون جدال جريمة طائفية بحتة لأنها ارتكبت في مكان يرتاده فقط المسيحيون دون غيرهم ولأنها استهدفت فئة واحدة من المصريين دون غيرها. هذه الفئة هي المسيحيون الذين تواجدوا بالكنيسة للاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية. هذه حقيقة لا يجب أبداً إغفالها أو التعتيم عليها، إذ لم ترتكب المذبحة في ميدان عام أو في سوق تجاري حتى يتم الزعم بأنها استهدفت مصر بمسلميها ومسيحييها. صحيح أن مسلمين جرحتهم شظايا المتفجرات، ولكن يجب هنا التمييز بين من مات بطريق الخطأ كالمسلمين ومن كان مستهدفاً في ذاته كالمسيحيين.

لا ينبغي الارتكان كثيراً على نظرية المؤامرة التي تعمي عيوننا عن مظاهر وأعراض وطرق علاج قضايانا الملّحة. من الممكن ان يكون لبعض القوى الخارجية نفوذ على جماعات التطرف في مصر تماماً كما يحدث في العراق حيث تدعم دول وقوى خارجية سنية الطائفة السنية وتدعم إيران الطائفة الشيعية. ولكن من المؤكد أن هناك جذور داخلية لمذبحة كنيسة القديسين، ومن المؤكد أن هناك أصابع مصرية لعبت دوراً فيها سواء بالتحريض كما حدث في المظاهرات وربما بالتخطيط والتنفيذ أيضاً. المجتمع المصري لا يضم قديسين وإنما يضم أناساً عاديين تعرضت نسبة كبيرة منهم لعمليات غسيل مخ قام بها متطرفو الإخوان المسلمين والجماعات السلفية ومشايخ بعض الفضائيات والمساجد. ولا يوجد أدل على ذلك من حالة اللا مبالاة التي أبداها الكثيرون بعد مذبحة كنيسة القديسين، بل والهجمات التي تعرضت لها الأقباط الغاضبون وكنائسهم في اليومين التاليين للمذبحة. صدقوني ينبغي أن نصلح العيوب الموجودة في المجتمع المصري قبل أن نلعن القوى الخارجية.

إن الاعتراف بالحقيقة لهو أمر مهم جداً للوصول إلى الجناة الحقيقيين الذين حرضوا وخططوا ونفذوا الجريمة. ولا يساورني الشك في أن الاعتراف بالحقيقة سيهديء كثيراً من روع الأقباط الذين ثارت ثورتهم ليس فقط بسبب الضحايا والمناظر البشعة لجثث ذويهم ولكن أيضاً بسبب إنكار الكثيرين ومنهم مسئولي الدولة حقيقة أن المذبحة طائفية لها علاقة من قريب أو بعيد بالتطرف الإسلامي المنتشر في مصر والذي يتم التعبير عنه كثيراً قولاً وفعلاً. وإذا كانت الدولة المصرية تطالب الأقباط بالهدوء والتعقل في إبداء غضبهم بسبب مذبحة كنيسة القديسين وهو ما أطالب به أيضاً، إلا أنني أطالب أيضاً الدولة بإنهاء تحالفها مع الإسلاميين والتكشير عن أنيابها في مواجهة التطرف والإرهاب لتخفيف الأعباء عن الأقلية القبطية التي تكاد أن تنفجر من وقع الاضطهادات والضغوطات التي تتعرض لها.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلام مسيحيي العراق في عيد الميلاد
- مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية
- الجريمة في مصر والضحايا في العراق
- لماذا تنكر الحكومة المصرية مذبحة نجع حمادي الطائفية؟
- نفي المسيحيين في أوطانهم
- دور حركة حماس في المغامرات الإسلاموية في الدول العربية
- أحداث غزة بين المحرقة الحمساوية والإعلام العربي المضلل
- وسام الحذاء بين الحرية المنشودة والوعي الغائب
- هل يخذل باراك أوباما الشعب الأمريكي؟
- من يصدق ذئباً يدّعي بطش فريسته؟!
- أحدث طرائف محمود أحمدي نجاد
- دور تأويل النصوص المقدسة في مأساة المسيحيين العراقيين
- قرار العفو الرئاسي وثمن حرية إبراهيم عيسى
- اتهام المسيحيين بالحقد على الإسلام والمسلمين باطل
- النظر بإيجابية لتداعيات 11 سبتمبر
- جريمة التحول إلى المسيحية في مصر المحروسة
- صلوات المسيحيين من أجل المسلمين في رمضان
- رصد كوميدي ساخر لواقع تراجيدي مؤلم في حسن ومرقص!
- تحول نجل قيادي حمساوي إلى المسيحية بين الدين والسياسة
- إسرائيل ملجأ المضطهدين الفلسطينيين!


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جوزيف بشارة - مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية