|
تاريخ العمل الإجتماعي
مصطفى العوزي
الحوار المتمدن-العدد: 3237 - 2011 / 1 / 5 - 02:11
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
يعني العمل الاجتماعي أولا و قبل كل شيء مجموع الأعمال التي تهدف إلى النهوض بالأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية للأفراد و كذا تنمية الأساليب الحياتية الخاصة بهم ، كما أنه سعي مباشر نحو تحقيق و ضمان العدالة الاجتماعية داخل المجتمع ، و هو فوق ذلك محاولة ممنهجة و مضبوطة بآليات و وسائل محددة من أجل تغيير الاستجابة العامة للمجتمع و لأفراده لأنواع مختلفة من الأزمات و المشاكل اليومية ، من تم يمكن القول آن الهدف الرئيسي للعمل الاجتماعي هو تحقيق رفاهية المجتمع و تحويل نقط السلب إلى نقط الإيجاب ، إنه من هذا المنظور كشف لبؤر العتمة في ثنايا المجتمع و فضحها ثم علاجها . و إذا كان العمل الاجتماعي عملا خيريا و تطوعيا ، فإن الشذرات الأولى لظهوره تعود إلى بداية التاريخ البشري ، منذ القدم و الناس تسعى بشكل وظيفي متكامل إلى التعاون و تقديم الخدمات الاجتماعية لبعضها البعض ، ليجد العمل الاجتماعي إقرارا له في الديانات السماوية التي سعت إلى جعل العمل التطوعي الخيري ركيزة يتقرب بها العبد من خالقه ، نجد مثلا الميثودية الطائقة الدينية المسحية البروتستانتية ، و التي ظهرت بالمملكة المتحدة في القرن الثامن عشر على يد جون ويزلي ، كانت تسعى إلى فعل الخير و تقديم الخدمات الاجتماعية للأفراد و الجماعات داخل المجتمع البريطاني و كذا خارجه بالمستعمرات التابعة للإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس ، و كانت تتخذ لأجل ذلك شبكة متراصة و ضخمة من الجمعيات الخيرية و التبشيرية في الآن ذاته . و مع هذا يمكن آن نعتبر أن الانطلاقة الفعلية للعمل الاجتماعي كانت متزامنة و الثورات العلمية و التكنولوجية و الصناعية كذالك التي تمخض عنها بزوغ النظام الرأسمالي في القرن التاسع عشر ، إذ أن التحولات و الدينامكية الاجتماعية المتسارعة التي صاحبت هذا النظام الاقتصادي و المعيشي كان من الضروري لها أن تجد قنوات للإعانة الاجتماعية تتدارك بها ما خلفه شبح التحولات هذه ، إذ آن تفشي ظاهرة البطالة و الفقر و الحاجة مع دخول المكننة و التواتر الحاصل في الإنتاج و استنزاف طاقات الطبقة العاملة و هدر حقوقها زاد من تفاقم المشاكل الاجتماعية التي تطلبت نشوء حركات احتجاجية منددة بالوضع و في الوقت نفسه نشوء حركات اجتماعية تسعى لخدمة المجتمع و مد يد العون لكل المحتاجين ، هذا الوضع سمح بظهور العديد من الجمعيات ذات الطابع الخيري ، و هي النقطة التي تجعلنا نقر أن العمل الاجتماعي كان في بدايته عملا تطوعيا غير هادف لتحقيق الربح المادي . عند منتصف القرن العشرين و تحديدا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي خلفت العديد من القتلة و المعطوبين و المحتاجين ، أصبح الوضع الاجتماعي لأغلب البلدان كارثيا ومتأزما إلى حد كبير ، لتظهر الحاجة الملحة لمنظمات و هيئات للخدمة الاجتماعية برزت بشكل كبير مع تأسيس عصبة الأمم المتحدة _ منظمة الأمم المتحدة حاليا _ منها من كان تابعا لهذه الهيئة الدولية الحكومية و منها من اتخذ صفة منظمات مدنية غير حكومية ، و مع تطور العالم المعاصر و ما صاحبه من تحولات عميقة ، اتجه العمل الاجتماعي من طابعه الخيري و الهاوي إلى طابع احترافي مؤسساتي، إذ أصبح مهنة مكفولة قانونيا ، بل و أصبح لزاما على الدول و الحكومات خلق مناصب شغل في هذا الميدان و تأسيس معاهد و مؤسسات للتكوين و التأطير في مجال العمل الاجتماعي ، كما هو الحال مع المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بالمغرب مثلا . بدوره لم يكن المغرب بعيدا عن هذه الوضعية العالمية ، إذ تطور به العمل الاجتماعي الذي لم يكون في البداية سوى عمل خيري مرتبط بوصايا الدين الإسلامي ، إلى عمل أكثر تنظيما و هيكلة ، و أصبح قطاع العمل الاجتماعي قطاعا حكوميا مع ظهور وزارة التنمية الاجتماعية و الأسرة و التضامن و كذا مؤسسات أخرى ، و انخرط المجتمع المدني في دينامية العمل الاجتماعي هذه و هو الآمر الذي يمكن ملاحظته على مستوى تطور جمعيات المجتمع المدي التي أصبحت تقوم بدور لا يقل أهمية عن الدور الذي تقوم به الدولة . ان العمل الاجتماعي في الوقت الراهن اضحى ضرورة و مطلبا اجتماعيا و سياسيا أيضا تصاغ البرامج السياسية وفقه و لا يمكنها إغفاله ، غير انه لازال في حاجة إلى تشخيص علمي رصين يكشف وظائفه و تمفصلاته المتعددة مع التركيز على ربطه بالقطاعين الاقتصادي و الثقافي
#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سميرة القادري : رحلة فن عبر التاريخ و الموسيقى و القيم
-
أيام من رمضان 2
-
أيام من رمضان 1
-
أحلام فتى المونديال
-
تكريم محمد الميموني ... شاعر المتوسط و السمراء
-
حينما تلتقي المنفى بالديكتاتورية لا أحد يتقن الحديث إلا مولر
-
يوم هاجرنا الطيب صالح
-
في ذكرى الوفاة
-
شذرات شبابية
-
تطوان في السرد الروائي ... تجارب و شهادات
-
عجوز يصارع للبقاء في هافانا
-
الإنتماء الى أفرقيا
-
قبلة و أغنية حزينة
-
غابرييل غارسيا ماركيز ... و ريح شقاء ايرينديرا
-
جامعة ... و دورة إستدراكية
-
الهجرة الى أين ؟
-
جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الفقيه داود التأهيلية بالمضيق و رس
...
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 4 )
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 3 )
-
الاسلام و ظواهر المجتمع ( 2 )
المزيد.....
-
ما الطريقة الصحيحة لاستخدام الشوكة والسكين أثناء تناول الطعا
...
-
مصر.. القوات البحرية تنقذ 3 سائحين بريطانيين بعد فقدانهم خلا
...
-
لماذا تريد أوكرانيا ضرب العمق الروسي باستخدام صواريخ غربية ب
...
-
فون دير لايين تكشف عن أعضاء المفوضية الأوروبية الجديدة
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لقتلى قوات كييف في كورسك
-
المجر تكشف كيف تحمي مصر أوروبا
-
الجيش الإسرائيلي يعلن قتل 3 عناصر في -حزب الله- (فيديو)
-
-حماس- تدين بأشد العبارات قصف إسرائيل لمربع سكني مكتظ شرق مخ
...
-
بفيديوهات جنسية.. ضجة في العراق وتحرك أمني إثر ابتزاز شبكات
...
-
روسيا.. إطلاق أقمار صناعية للأغراض العسكرية
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|