|
النقاب والحجاب والعورة والإرهاب
سعد الله خليل
الحوار المتمدن-العدد: 969 - 2004 / 9 / 27 - 11:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
وجه المرأة عورة، ويجب ستره، لأن الله، والأعراف الاجتماعية من بعد، أمروا بستر العورة. هذه المقولة، بل هذه القناعة، تُعتبر من وجهة نظر بعض الجماعات: تعاليم دينية، يتمسك بها أصحابها، ويتشددون في تطبيقها، وقد سيطرت على وجدانهم وعقولهم. وإذا كان وجه المرأة عورة، فما الذي ليس عورة لديها؟ وثانيا: لماذا وجه المرأة عورة؟ وما هي الحكمة من جعله كذلك؟ لفهم هذه المسألة، (غطست) في قواميس اللغة التي أملكها، لأعرف كيف فسّر اللغويون كلمة (عورة) ومشتقاتها، فكما هو معروف- ودون الخوض في فقه اللغة وتطورها- لكل كلمة جذر، وهو: الأحرف التي تتألف منها الكلمة، وهذه الأحرف يكمن صياغة عدة كلمات منها، وهو ما يسمى ب: الاشتقاق. وكل كلمة في اللغة تشكل مصطلحا، له مقابل ومعنى في دماغ الإنسان. وكلمة (عورة) مشتقة من الفعل الثلاثي (عور)، ومؤلفة من الأحرف (ع و ر)، ومن هذه الأحرف يمكن صياغة ست كلمات وهي: ( عور- وعر- روع- ورع- عرو- رعو) – أعتذر عن هذا التفصيل الممل لبعض الأساتذة-. 1- عورة: وهي باللغة العامية- المحكية، تعني مكانين في وسط الإنسان، ذكرا كان أم أنثى، وهذان المكانان يطلقان روائح كريهة فاسدة، وعن طريقهما يتم تصرف الفضلات من الجسم بعد تخمّرها، إضافة لوظائف أخرى. وفي لغة القواميس الفصيحة، فكلمة: عور= كل شيء يستره الإنسان من أعضائه، أنفة وحياء، وكل أمر يستحيا منه؛ و (الأعور) من ليس له أخ، و (العور) هو الرديء السيرة، ومنه (العورة) وهي العيب؛ يقال سلعة ذات عوار: أي ذات عيب؛ وإنسان ذو عوار: أي ذو عيب؛ وبما أن كل إنسان طبيعي لا بد أن تكون له عورة، فكل إنسان طبيعي هو ذو عيب؛ ولكن المجتمع رفض هذه المقولة، وعمل بعكسها، واعتبر كل من ليس لديه عورة، هو إنسان غير طبيعي، و ذو عيب؛ وكل من لديه عورة هو إنسان طبيعي خالٍ من العيوب، (فتأمل يا رعاك الله). 2- وعر: وعورة المكان= عسره، وصعوبة الوصول إليه؛ والوعر= المخيف. 3- روْع - الروْع= الفزع، الحرب؛ راع= فزع. - الرَوَعْ: اسم من الأرْوَع= وهو الذي يعجبك لحسن منظره؛ و(الروعة)= المسحة من الجمال، ولأن الواو يمكن أن تقلب في العربية إلى ألف أو ياء، فإن (راع)= نما وازداد؛ و (ريع)= الغلة، الربح، ومن كل شيء أوله وأفضله، ومنها (ريعان الشباب)، و (مرياع)= كثير اللبن. وقريب منه راغ مراوغة، وزاغ مزاوغة. يقول الشاعر: (يعطيك من طرف اللسان حلاوة = ويروغ عنك كما يروغ الثعلب). ويكمن أن تقول: يزوغ. 4- ورع= ابتعد عن الإثم والشبهات والمعاصي؛ ومنه الرجل الورع. ورّع= حبس؛ تورّع= تجنب. 5- عرَو: جمعها أعراء= من لا يهتم بشيء ( أي خالي الفكر والبال)، و(العروة)= الخلو، ومنها يقال عروة الزر (في القميص) أي الفتحة أو الثقب الذي يدخل فيه الزر. ومنها أيضا: عرّى، وعَرِيَ، وعُري= أي عريان وعريانة وعراة، وهذا من العيب. 6- رعو: ومنها (راعي) وجمعها (رعاة، ورعيان): وهم كل من وليَّ أمر دواب أو قوم؛ و معنى قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) تفسرها بعض الجماعات أن الرجال وُكّلوا وتَوَلّوا أمر النساء، يفعلون بهم ما يشاؤون، لأن النساء تنطبق عليهم كلمة (رعية)، و (الرعية) من الماشية (الدواب)، وجمعها (رعايا) أي القوم أي عامة الناس؛ فنقول: رعية ورعايا الأمير حفظه الله؛ أي الخاضعين لأوامره ورغباته، ويقال أيضا: دونك الرعية!! عندما يغضب الأمير من أحد أبنائه ويريد أن يفش خلقه، أو عندما يحتاج لأموال إضافية. وهناك اشتقاقات ومعاني أخرى كثيرة. لكننا نلاحظ أن جميع معاني: (عورة) ومشتقاتها، تتركز في: (العيب، جمال المنظر، صعوبة الوصول، عامة الناس، الخوف، الثقب أو الفتحة، الابتعاد عن الشبهات والمعاصي، حبس الشيء). لماذا إذن اعتٌبر وجه المرأة عورة، ولم يُعتبر وجه الرجل كذلك؟ ما هي الصفات التي تنطبق على وجه المرأة، من معاني (عورة)، ومشتقات الجذر (ع و ر )، ولا تنطبق على وجه الرجل؟ بعض الناس لا تتعب نفسها، وتختصر بالقول: إن الله قد فضل الرجل على المرأة، ويستشهدون بآية، بهذا الخصوص، مؤكدين أن الرجل لا يحتوي على أية عيوب لا في وجهه ولا في غيره، بدليل أنه (لا يحيض ولا يحبل ولا يلد ولا يرضع أبناءه ولا يغسل لهم، ولا يتكحل أو يتمكيج)، ولله- يقولون- حكمة في ذلك لا يعرفها إلا وحده سبحانه وتعالى، أما المرأة، فمغضوب عليها لأنها أخرجت آدم من الجنة، وتحيض وتحبل وتلد، وتتكحل وتتمكيج وتطبخ وتكنس... الخ، وعندما تقول أن الشيطان لا المرأة هو من أخرج آدم من الجنة، يقولون: لا فرق بين المرأة والشيطان، فهي سبب الكفر والمعاصي والمفاسد!! ويستشهدون بأحاديث ينسبونها للنبي، مثل: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان) و(اتقوا الدنيا واتقوا النساء) و (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) و (لم يكفر من كفر ممن مضى إلا من قِبَلِ النساء، وكفر من بقي من قِبَلِ النساء) و (ما أيس الشيطان من أحد قط إلا أتاه من قِبَلِ النساء). أما البعض الآخر فإنه يوائم بين معاني (عورة ومشتقات جذرها) وبين وجه المرأة؛ فيقول: إن (عورة) تعني ما يخجل منه الإنسان، وما يتوجب عيه ستره؛ ومادة (عرو، وعروة) تعني الثقب أو الفتحة، وفي وجه المرأة كثير من الثقوب والفتحات، كالأنف والفم والأذن، ويجب ستر الفتحات. ومادة (وعر) تعني صعب المنال، والإنسان يرغب بما هو ممنوع عنه، وقد يورده ذلك مورد التهلكة، وهذا ما لا نريده له. ومادة (روع) تعني الفزع، وتعني حسن المنظر، فإن كان وجه المرأة قبيحا فهو مخيف، وإن كان جميلا فهو مخيف أيضا، ألا يقولون: مخيف هذا الجمال!! ولا نريد للناس أن يخافوا ، بل أن يعيشوا آمنين مطمئنين. ومادة (ورع) تعني الابتعاد عن الإثم والمعاصي، وقد يغري وجه المرأة بالمعاصي، ونفس المادة تعني حبس، وتجنب، إذن يجب حبسه- أي وجه المرأة- وتجنب إظهاره. وهناك من يقول: إن وجه المرأة ليس عورة، وإنما شعرها فقط هو العورة، لأن وجود الشعر هنا وهناك غير مستحب في المرأة، خاصة وإن كثيرين من الأعراب المتخلفين عقليا والفاسدين أخلاقيا، قد يقودهم خيالهم المريض إلى توهم أشياء وأشياء، فينقضون على المرأة، ويتسببون في أذيتها، ويحدث ما لا يحمد عقباه، وتكون فتنة. ويقول آخرون: إن الحجاب والنقاب لعامة الناس، مستحدثان، وليسا من الفرائض. وبعد: ما هي العلاقة بين النقاب والعورة والإرهاب؟ إن بعض الجماعات يظنون أنهم مكلفون بإقامة مجتمع خالٍ من كل عيب وعورة، بعيد عن الإثم والمعاصي، وأنهم مأمورون بقتل كل مخالف لا يؤمن بإيمانهم، ولا يتبع أهواءهم: إما بالذبح أو الخطف أو التفجير، وخشية الإطالة سأتوقف هنا، أود الإشارة فقط، إلى أنه بالأمس رفض ركاب طائرة روسية كانوا متوجهين من موسكو إلى الغردقة في مصر للراحة والاستجمام، رفضوا الصعود إلى الطائرة، إلا بعد إنزال امرأتين تستران وجهيهما بالنقاب، بحجة الخوف من أن تفجرا نفسيهما والطائرة والركاب معا.
#سعد_الله_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من ينقذ الإسلام والمسلمين؟
-
فجّر واقتل واذبح... يكافئك الشيطان
-
يخافون على الله من أعدائه
-
نعم للأسرى، لا للفساد
-
أيضا وأيضا مناهج التعليم
-
هل المسيحية ديانة غربية؟ من صادرها؟ ومن اضطهدها ونفاها؟
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|