|
نور.. الحمل والعمل
باسل مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 3236 - 2011 / 1 / 4 - 00:42
المحور:
الادب والفن
لم توفر الشركة للعاملين فيها مطعم يقدم وجبات الأكل أو الشاي أو المشروبات الغازية والأشياء المأكولة الأخرى، فقام بعض العمال بفتح محال سوبر ماركت في الكثير من مصانع واقسام الشركة، يقدمون فيه المأكولات والمشروبات يبيعون السكائر والقرطاسية وكارتات الموبايل بأنواعها وكثير من الأحتياجات اليومية الأخرى. حيث عوضوا هذا النقص في الخدمات رغم ذلك لم تنتفي صفة المعتقل تلك الميزة التي وصمت بها شركات وزارة الصناعة، والتي صنعتها الدكتاتورية العسكرتارية السابقة وابقت عليها الديكتاتورية الدينية القادمة بكامل معمميها رغم أنوفنا. صارت محال أسواق العمال أماكن أستقطاب كبير لكل العمالين في الشركة مع تنوع أنتماءاتهم البايولوجية. هنا تحركت البيروقراطية الوظيفية تغلغلت وترنحت.. درست وحللت.. أفرزت وقررت أن تنهي اسواق العمال الغير مجازة من وزارة السياحة والشؤون الدينية، فقد يمن عليها هذا الملتصق بكرسي الرئاسة هو وجعوله المتناثرة في رحم الرساميل بلون من ألوانه الصفراء أو الخضراء أو السوداء. فقررت تلك البيروقراطية الوظيفية فتح مطعم بعد أرساءه على شخص يطلق عليه مسمى مقاول وتكون أسعاره منافسة لأسعار مطاعم العمال واسواقهم بعد غلقها. نور فتاة في بداية العقد الثاني من عمرها أوصلها بحثها الدائم عن العمل الى المقاول الذي وظفها عاملة داخل مطبخ المطعم، شاهدتها حامل في الأسابيع الأخيرة من الحمل أقتربت منها وتعارفنا حكت لي وحكيت لها، متزوجة وتنتظر طفلها الأول، قالت أن أبوها مات وترك معها خمس أخريات يصغرنها لكنها أستطاعت أن تكمل دراستها في معهد المعلمات الفرع المسائي، لكنها فوجئت بعد تخرجها من قرار تبنى الحكومة والحكومة تبنته لاتعيين لخريجي الدراسة المسائية لمعهد المعلمات، فلربما الأمر ملتبس على الحكومة في هذا الأمر فليس من المعقول أن الحكومة تفكر بأن خريجات الدراسة المسائية في معهد المعلمات، يجب أن يتم تعينهن على وضائف مسائية وهذا الأمر مخالف لتعاليم الشريعة الدينية السمحاء. قالت أنها تزوجت من أقارب لها وقررت أن تلج سوق العمل كي تحس بأنها تقنتص حق من حقوقها هكذا وصفت الأمر. قالت وقالت حدثتني عن أمتعاضها ونفورها من التقاليد والأعراف التي حكمت على أختها الصغيرة أن تتزوج، قالت أنها في الثالثة عشر وهي الأن حامل تنتظر مولود، حدقت بي وقالت هل تتصور بشاعة هذا الأمر أنها طفلة.. لعنت ولعنت ولعنت... كميات لعناتها لم تتفوق على حجم المأساة. قلت لها هذا هو التشريع الديني.. رمقتني بعتب ولم تلعن هذه المرة.. فقط.. رمقتني بعتب.. كان عملها داخل المطبخ من تحضير السلطات وغسل الصحون الى تهيئة المأكولات حركة دائبة مع الساعات السبع المحددة لوقت العمل، كنت أرها بعد نهاية رحلة العمل اليومي وقد أجهدها الحمل والعمل المضني، كانت متمسكة بكل قوة بعملها ومتماسكة فهي تريد أن تكون هكذا أخبرتني، قالت أن العمل بالنسبة لي هو وجودي هو أنسانيتي ثم أن عائلتي تعاني من عوز أقتصادي فرض عليهم خروجي للعمل. توسلت المقاول أن يصبر عليها أسبوع واحد فقط أسبوع واحد، تتفرغ من حملها وتعود للعمل، توسلته أن لا يأتي ببديل لها. قلت لها لا تستطيعين أن تأتي بعد أسبوع من الولادة هذا ضرب من الخيال، أنت بحاجة الى الراحة كما أن طفلتك تحتاجك في تلك الأيام. خلت أن اصرارها هذا يأتي من عناد قد لا افهم معناه، رغم أني من الناحية العلمية أعرف بشاعة رأس المال وقذارة العمل المأجور وأعرف سفالتهما. لكن نور تحتاج أن تأكل وأن تشرب تحتاج مورد مالي يغطي حياة عائلتها تحتاج أن تثبت ذاتها كأمرأة لها حق الحياة وحق العمل دون وصايا، تحتاج أن تبني حياتها وحياة طفلتها. بعد ايام عرفت أن نور قد تركت العمل للولادة وعرفت أنها ولدت طفلتها ومضى اسبوع ولم أرى نور ومضى أسبوع أخر ولم أرى نور، حين سألت عنها قالوا لي أنها قد جاءت بعد عشرة ايام من ولادة طفلتها. لكن المقاول أنهى خدمتها، المقاول أستغني عن خدماتها جاء ببديل غيرها وفي اليوم التالي لتركها العمل. المقاول سلبها حق العمل سلبها حق أنسانيتها سلبها كل أحلامها في بناء حياتها وحياة طفلتها، المقاول أسم لشيء لا يعرف غير الربح. والربح يعني لا مكان لنور في سوق العمل ولا مكان لأحلامها ولا مكان لأنسانيتها.
#باسل_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطعم البهجة صوتك
-
قوى الظلام تنشر غسيلها البربري في أروقة الجامعة التكنلوجية
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|