|
كاهنُ إيطاليا ومتأسلمو مصرَ!
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 3230 - 2010 / 12 / 29 - 09:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لأنني أغار حين أرى جمالاً خارج مصر، فأرجو أن يكون ذاك الجمالُ في بلادي، ولأنني مؤمنةٌ أن صناعة الجمال قرارٌ وتصميم وجهدٌ شخصي واشتغالٌ على النفس، وليس قدرًا مقدورًا، ولأنني أصدق أن الجمال عدوى، بوسع المرء أن يصيب به أو يُصاب به، فقط لو فتح قلبه للنور والمحبة، أكتب هذا المقال. في نوفمبر 2007، وتحت عنوان "كنيسة إيطالية تتحول إلي مسجد كل يوم جمعة"، نشرت صحيفتان إيطاليتان واسعتا الانتشار خبرًا يقول: "كاهنٌ إيطاليّ قرر فتح أبواب كنسية سانتا ماريا أسونتا التي يرعاها، بإحدى مدن شمال إيطاليا، أمام المسلمين لأداء صلاة الجمعة، بسبب عدم وجود مسجد في تلك المنطقة. جزء من مبني الكنيسة، يتحول إلي مسجد كل يوم جمعة، يتوافد عليه 200 مسلم للصلاة، قادمين من مناطق مختلفة. وبرر الكاهن دون ألدو دانيلي قراره بأنه نابع من رغبته في توطيد التلاقي بين الثقافات والأديان وتعزيز سبل اندماج الجالية المسلمة المقيمة في تلك البلدة، مع سكانها الأصليين. ويبلغ عدد مسلمي إيطاليا حوالي مليون مسلم، 5% منهم فقط من أصل إيطالي." انتهى مضمون الخبر. وأفهم هذا جيدًا. ولا يدهشني. يدهشني في المقابل، قانونٌ مجحف عنيد لا يزال مُصِّرًا على منع تشييد كنيسة في مصر إلا بموافقة مباشرة من رئيس الجمهورية! رغم أن تعداد مسيحيي مصر يفوق12% من مواطنيها! وحتى عام 1999 كان مجرد ترميم أي جزء تالف من كنيسة، ولو كان حائطًا وشيك السقوط فوق رأس الناس، لا يتم إلا بعد موافقة مباشرة من أعلى سلطة سيادية في البلاد. وحتى بعد تصديق الرئيس يحتاج الأمر إلى سلسلة لا تنتهي من التوقيعات والموافقات الأمنية (كأن المطلوب بناؤه قاعدة حربية أو نووية مثلا!). وفي المقابل يُعفى مالكُ برجٍ سكنيّ من الضرائب مدى الحياة لو وضع أسفله زاوية لصلاة المسلمين. ولو وصل عدد طوابق البرج ثلاثين طابقا!! لن أخوض في حقائق تاريخية معروفة مثل أن مصر في أساسها قبطية، وأن كلمةEgypt مشتقّة من الأصلCoptic أي قبطيّ. ولن أضيف جديدًا حين أقول إن مسلمي مصر الراهنين ليسوا، في أصلهم، إلا عربًا فاتحين دخلوا البلاد مع جيش عمرو بن العاص، أو في أفضل الأحوال مسيحيين آمنوا بالدين الجديد، أو مسيحيين فقراء هربوا من الويل والتمييز العنصري لهم في البيع والشراء في الأسواق والتضييق عليهم في الحياة، أو عجزوا عن دفع الجزية فأسلموا. تلك الجزية الضخمة التي فرضها عليهم عمرو بن العاص تطبيقًا للآية رقم 29 من سورة "التوبة" التي تقول: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم اللهُ ورسوله ولا يدينون دينَ الحقّ من الذين أوتوا الكتابَ حتى يعطوا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون." عمرو بن العاص، تلك الشخصية الملتبسّة في التاريخ الإسلامي، الذي قيل إنه قام بتوزيع كتب مكتبة الإسكندرية على الحمامات لحرقها بعدما أرسل للخليفة عمر بن الخطاب رسالةً يسأله فيها عمّا يفعل بما وجد في المكتبة، فأجابه عمر برسالة تقول إن ما كان من هذه الكتب موافقًا لكتاب الله، ففي كتاب الله عنه الغِنى، وما كان منها مخالفًا لكتاب الله فلا حاجة لنا به! فخسرت مصرُ بهذا ثروةً تراثيةً من المستحيل تعويضها! كما انهارت مدينة الإسكندرية اقتصاديًّا وحضاريًّا بعدما كانت مركز للحضارة والثقافة في العالم. كان العرب، في مصر وغيرها من البلاد التي فتحوها، يضعون أمام أهالي البلاد خيارات ثلاثة: الإسلام- الجزية- الحرب. ومَن تمسّكوا بعقيدتهم من المصريين ولم يدخلوا الدين الجديد، كان يُعلّم على أجسادهم وأثوابهم وأبواب بيوتهم بعلامات تفيد أن نصرانيًّا يقطن هذا البيت! وقد بلغ من احتقار العرب للمصريين(أصحاب البلد) أن قال معاوية بن أبى سفيان: "وجدتُ أهلَ مصرَ ثلاثةَ أصناف: فثلثٌ ناسٌ، وثلثٌ يشبه الناسَ، وثلثٌ لا ناس. فأما الثلث الذين هم ناسٌ فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى؛ أي من أسلم من المصريين، والثلث الذين لا ناس فالمسالمة أي القبط"!!! ورد هذا حرفيًّا في كل من: "مروج الذهب"، المسعودي، ص 311، "المواعظ والاعتبار"، المقريزي، ص 56. وفي ذات المرجع، المقريزي ص 43، يقول: "أهل مصر يغلب عليهم الدعة والجبن والقنوط والشح والرغبة في العلم وسرعة الخوف والحسد والنميمة والكذب والسعي إلى السلطان وذم الناس بالجملة..."!!!! لن أعيد الكلام عن البند الثاني في الدستور المصري، الذي يحاول مثقفو مصر تعديله منذ دهر دون فائدة، ويقول إن مصر بلد إسلامي بما يعني أن كل مواطن مسيحي هو، بالتبعية، مواطن من الدرجة الثانية. ولا الكلام حول مطالبتنا، نحن المثقفين التعساء، بإلغاء خانة الديانة في بطاقة الهوية المصرية، أسوةً بكل بلدان العالم. إذ البطاقةُ القوميةُ إن هي إلا عقدُ مواطَنة بين المواطِن ودولته لا شأن له بالعقيدة. ولن أتعجّب من كون مباني جامعة الأزهر تُشيّد من ضرائب يدفعها مواطنو مصر من مسيحيين ومسلمين، ثم يُحرّم دخولها على غير المسلمين! ولن أحكي عن عراكنا من أحد الدعاة المتطرفين حين قال إن العقيدةَ الدينيةَ شرطٌ للمواطَنة! ولما قلنا له كلامك يا مولانا يعني أن المسلم الأفغاني له حقُّ المواطنة بمصر أكثر من المصري القبطي! قال نعم!!! "الدينُ لله والوطنُ للجميع" هو الشعار الذي رفعته ثورة 19، حكومةً وشعبًا، حين كانت مصر راقيةً وأكثر تحضرًا ووعيًا، مما غدت عليه الآن من ظلام وأحادية ورجعية. حين كانت خلوًا من مثل هؤلاء الغُلاة الذين يفتتون أوصال الوطن ثم يتعجبون من نشوب فتنة طائفية "غير مسبَّبة(!)". فأما الدينُ، فلله لم يزل، فهل الوطنُ مصرُ للجميع؟ لن أجادلَ في كل البديهيات السابقة لأننا تعبنا حقًّا من المجادلة والعراك بشأنها. لكنني سأجرّد الأمر دون الخوض في تفاصيل. كيف أمنع نفسي من الدهشة أن يأتي علينا حينٌ من الدهر يكون بناء نادٍ ليلي أو ملهى للترفيه أيسر من بناء دار عبادة، أيًّا كان اسمُها؟ شهدتُ مثل هذا الأمر بنفسي. أسكن في حيّ يضم مساكن لأفراد من جاليات أوروبية من أساتذة الجامعات والأطباء والعلماء وأسرهم. يعني نسبة المسيحيين به لا يُستهان بها. يوجد بها، حتى الآن فقط، سبعة مساجد ضخمة فخمة. وحين فكر البعض في بناء كنيسة واحدة وحيدة لمسيحيي الحي من مصريين وأجانب، ثارت الثائرةُ وانتفض القوم! ولم تتم الموافقة إلا بعد بيان استنكاري هدد فيه المسيحيون بالانسحاب من المدينة إن لم تُبنَ لهم كنيسة. وكان لهم ما أرادوا بعد عذاب سنوات طوال شهدتُه بنفسي وعاركتُ فيه، على أن تلك الكنيسة الوحيدة، لم تزل مشرعةً كهيكل خرسانيّ شاغر حزين غير مُفعّل، لسبب مجهول يعلمه الله وحده! وبعمل تجريد جديد أقول إن الفارق في الوعي بين "فرد واحد" هو ذلك الكاهن الإيطالي الجسور، وبين "مجموع ضخم" يمثّل الحكومة المصرية بدستورها الجائر، وبعض دُعاتها الغُلاة، وقسمٍ لا يُستهان به من القاعدة الشعبية، هو الفارق الحضاري والفكري والوجودي بين دولة مدنيّة متحضرة، وبين دولة من العالم الثالث. حتى وإن سبقت تك الدولةُ النامية التي اسمها مصرُ، أختَها المتحضرة المدنية، إيطاليا، بآلاف السنين على سلّم الحضارة والتمدن حين كان اسمها مصر، دون تعريف "عربية". طرفةٌ رياضية أن يكون وعي "فرد" أعلى من "محصّلة وعي مجموع"! لا أخفيكم يا أصدقائي، لقد شعرتُ بالغيرة من هذا الكاهن!
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نعم، قدرُنا واحد!
-
بطلوا اإفترا بالتي هي أحسن!!
-
الشعبُ، يدُ الحكومةِ الباطشةُ
-
السوبر غاندي-آينشتين
-
فلنعدْ للخطّ الهمايوني، إلا قليلا
-
إنها دارُ عبادة يا ناس!
-
بِدّي خبِّركم قصة صغيرة
-
غاضباتٌ وغاضبون
-
أنيس منصور، حنانيك!
-
«أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح
...
-
أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ
-
القتلُ الرحيم
-
الزمن الأخير، اللعبةُ على نحوها الصحيح
-
حبيبتان، من مصر!
-
الأحدبُ في مصعد العمارة
-
لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال
-
في صالون الرئيس مبارك
-
ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري
...
-
تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
-
رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|