|
السلطات السعودية تحارب في المكان الخطأ .. تفريخ الارهاب صناعة محلية
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 967 - 2004 / 9 / 25 - 10:00
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
قال لي صديقي وهو يخلط الجد بالهزل: لن يصنفك السعوديون في جانب الأصدقاء ما لم تمتدح كل القرارات الحكومية، وتثني على حكمة كل أمير، وتنضم لمئات من الزملاء الصحفيين الطيبين الهادئين والصامتين الذين يحظون برضاء تام من السلطة في الرياض، وتعتبرهم وزارة الثقافة والإعلام جنود الكلمة للدفاع عن المملكة؟ قلت له: إنني أعلم تماما أن الخطوط الحمراء التي تجاوزتها حجبت كتاباتي عن الوصول إلى صانع القرار السياسي، لكنني سأستمر في وضع كل أصابعي فوق الجروح، ولن يغير الصمت السعودي موقفي فأبتعد عن هموم المملكة، أو أعتبر نفسي خصما، أو أقف موقفا مناهضا لآل سعود الكرام .. الشرعية الحاكمة في المملكة رغم أنف سعد الفقيه والمسعري وبن لادن والظواهري وغيرهم! مقالي الأخير المعنون بــ ( رسالة مفتوحة إلى الأمير عبد الله بن عبد العزيز .. فلسفة الصمت لن توقف الطوفان ) تناقلته عشرات المواقع على الانترنيت، وحظي بثناء كبير من القراء في كل مكان، وشد أزري، وشجعني على اعادة طرح قضية الواجب الديني والوطني والقومي الذي تكلفنا به أمانة الكلمة وشرف النون وحرمة القلم، حتى لو ساهم كل المسؤولين السعوديين في سياسة اقتلوهم بالصمت! المعركة التي تخوضها السلطات السعودية ضد الإرهاب العفن الذي يضرب عشوائيا في أمن الوطن، ويطارد الأبرياء، ويفجر الفزع في النفوس، ويروع الأطفال لن تحسم لصالح آل سعود إذا كان السيف هو اللغة الوحيدة المستخدمة، والتوبة تسبق المنطق والعقلانية والاقتناع لأنها بكل بساطة هدنة خوف، أو طريق مسدود على حفنة من رؤوس التمرد الذين عادوا مستغلين العفو الملكي، لكن آثارهم لا تزال تصنع في كل يوم سبعين متطرفا أو يزيد. إن تفريخ الإرهاب قامت به ثقافة الكراهية التي استندت على عشرات الآلاف من الفتاوى الفجة، فقَيّدت المسلم، وكبّلت العقل، وسَجَنَت التسامح، واعتقلت المحبة، وطاردت الفنون والآداب والجمال والفلسفة والحرية والتمرد والثورة والمرأة والموسيقى والصورة. وهذه ليست نتاجا مباشرا لأوامر أو توجيهات ستة وعشرين من المطلوبين أمنيا أو بعض المستمعين لإذاعة الدكتور سعد الفقيه أو المتأثرين بكتابات المسعري، أو المتابعين باعجاب بيانات عشاق الدم التي تتفضل الفضائيات بترويجها ونشرها على الملأ، مجانا مع وردة ومحلل استراتيجي وتكرار للبيان المجهول المصدر. الإرهاب صناعة محلية قام بها أباطرة الفتوى في كل مكان، من آلاف الفتاوى التي أصدرها المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز مرورا بالصحافة والكتب والجمعيات الدينية ونجوم التلفزيون وليس انتهاء بصفحتين في كل مطبوعة لكي يحصل ناشرها على صك الغفران أو ختم الموافقة الضمنية من القوى الدينية. بين يدي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الحل السحري لكنه لا يراه، وهو الطريق إلى انقاذ الوطن لكن التردد في دخول معركة لا يعلم إلا الله طولها وخسائرها وقسوتها سيطيل من عمر الإرهاب، ويزيد من غلظته، وقد يستدعي، لا قدر الله، طوفانا لا يبقي ولا يذر. الحفاظ على مكتسبات آل سعود مهمتنا جميعا، أما المؤلفة قلوبهم بصمتهم المريب فيناهضون الشرعية، ويعجلون في الفوضى، ويسارعون في انهيار دولة. الحل السحري والعصيب والذي يحتاج إلى جبل من الشجاعة، أحسب أن الأمير عبد الله بن عبد العزيز يحمله في قلبه، هو فتح الباب على مصراعيه أمام تفنيد وغربلة وتصفية وانتقاد وهدم وحذف مئات الالاف من الفتاوى التي اخترقت الجسد السعودي، وأثمرت قوى ارهابية، وحاولت اغتيال سماحة الاسلام، وصنعت قبورا بدلا من الحدائق، وموتا في الحياة، وهوسا جنسيا مختلطا بمفاهيم هابطة مختبئة خلف الدين الحنيف. الحل السحري في خطاب علني، منظم، ومقنع، يحمل سلطة السلطة، وقوة الشرعية، وقدرة الأمير ولي العهد على ايصال كلماته إلى كل أفراد الشعب، مطالبا بفتح الباب أمام الاجتهاد، وتأسيس هيئة من كبار المثقفين والكتاب والفنانين والمفكرين، رجالا ونساء، للقيام بعملية الغربلة والتصفية لعالم الفتاوى، وتوسعة مساحة التوجيه النبوي الشريف والرائع: أنتم أعلم بأمور دنياكم. اسقاط القداسة عن فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز، واعتبار أي فتوى هي رأي قابل للنقد والرفض والاعتراض، فالإسلام العظيم أكبر من أن يحيط به لسان رجل، أو تصادره جماعة لصالح عالم أو فقيه. الإرهاب لم يتم استيراده فقط من بيشاور أو تورا بورا أو جبال أطلس أو خطب علي بلحاج وعمر عبد الرحمن وحسن الترابي وأيمن الظواهري والشيخ عبد الحميد كشك، رحمه الله. لكن صناعته كانت تتم أمام أعيننا، وتحت أبصارنا، وكنا نبتسم له، ونكره الأهل، ونسوق الرجال بالسوط لدخول المساجد، ونقرأ فتاوى عن ضرورة كراهيتنا للكفار والمسيحيين والأوروبيين والموسيقى الكلاسيكية ورسائل ماركس وانجلز وفن النحت والتصوير وفلسفة ديكارت والمرأة الغربية ومنظمات حقوق الإنسان، ونشكك في توجهات أطباء بلا حدود والصليب الأحمر والجمعيات الانسانية والمستشرقين والمستعربين والمترجمين ودور النشر والندوات .. وتنتقل الكراهية إلى كل ذرة في نفوسنا، فنرفض الصلاة خلف إمام نختلف معه، وتطلب جماعات خيرية في السعودية من المحتاجين الذين يترددون عليها الحصول على شهادة من إمام أقرب مسجد بأن صاحب الحاجة يصلي بانتظام ونغتال عالم المرأة، ونطلب منها ارتداء اللون الأسود في قيظ الصيف، وتغطية الوجه، والفصل التام عن شقيقها وزميلها وأستاذها وتلميذها وابن عمها وصديق والدها الذى تربت في كنفه، فعالم الفتاوى يكره المرأة، ويحتقرها، ويجعل من ربع النساء السعوديات عوانس بدون زواج بسبب الفهم المتزمت. تدين جنسي محموم بكراهية الجنس الآخر، وتحقير للأم والابنة والزوجة والأخت والزميلة، وسباق عجيب يشترك فيه خصوم المرأة للحديث عنها، وعن الحيض والدم واختيار التعليم ومنع المرأة من قيادة السيارة لاصطحاب أولادها للمدارس حماية لهم. نفاق غريب وازدواجية للتعامل مع الشرعية السعودية الممثلة بأبناء المغفور له المؤسس الأكبر، فهم يدعون طاعة ولي الأمر، ويتعاطفون مع بن لادن، ويشجعون سعد الفقيه، ويسحبون البساط من تحت أقدام آل سعود الكرام. حديثي لن يروق لوزارة الثقافة والإعلام، ولن يصل للأمير عبد الله بن عبد العزيز إلا أن يكون هناك مستشار أو مساعد أمين وشجاع ينقل له الفكرة، ويعرض عليه كتاباتي، خاصة في السنوات العشر الماضية، وأنا على يقين من أن ولي العهد السعودي قادر على القيام بثورة من داخل النظام ولصالح النظام ومن أجل منع الطوفان وانهيار الدولة. المطاردة والقبض على المئات، وترك أنصاف المتطرفين يحتلون بوجوههم الشاشة الصغيرة والتعليق بمنطق غير موضوعي ومنفر لن يضع حدا للخطر، وستظل حياة كل مواطن على أرض هذا البلد الأمين معرضة للخطر مالم يجد الأمير عبد الله طريقا آخر للقضاء على الارهاب غير الطريق الذي سلكه. فكرة التوبة والعودة إلى أحضان السلطة والقاء بيان أمام الكاميرا عن ضرورة طاعة ولي الأمر وعن النعمة التي أنعم الله بها على المملكة لن تضع حدا لتضخم وتفريخ وتصنيع إرهابين صغار يكبرون، ويرضعون من ثدي عالم الفتاوى. ينبغي أن نعرف أن عالم الارهابيين مليء بمنتجات محلية تشجع وتساعد على السباق ناحية الموت، والحنين لنعيم القبر، والتعجيل في الجماع مع سبعين من الحور العين، والحصول على بيت في الجنة طوله ألف سنة، ووعد بالخلود بعد عملية انتحارية أو قتل رجل أمن مسكين أو اختطاف ضيوف الدولة أو اغتيال مفكر أو تكفير من يختلفون معه. يقيننا كبير بأن تحالفا مستنيرا، وقائما على منهج التسامح بين الأمير عبد الله والأمير سلمان بن عبد العزيز يمكن أن يكون بداية الهزيمة لقوى التطرف وعاشقي رائحة الموت. سيقول كثيرون من مساعدي ومستشاري الأمير عبد الله بأن هذه كتابات معادية للمملكة، لكن الزمن سيحكم، والله غالب على أمره، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فليصارح المستشارون والمساعدون ولي العهد قبل طوفان سيكونون هم أهم صانعيه، ولتسقط دولة أباطرة الفتاوى الفجة.
محمد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة طائر الشمال أوسلو النرويج http://www.tearalshmal1984.com [email protected] [email protected] Fax: 0047+ 22492563
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الخوف والصمت والبلادة صناعة عربية؟
-
من الذي يسرق البحر في مصر؟ .. بكائية على أوجاع وطن
-
اعترافات جاهل بالشعر العربي الحديث
-
كل الجزائريين يبكون، فمن القاتل؟
-
من الأكثر ولاء للوطن .. المواطن أم مزدوج الجنسية؟
-
سيدي الرئيس حسني مبارك .. استحلفك بالله أن تهرب
-
صراع الأبناء بعد وفاة الشيخ زايد .. هل يحكم محمد بن راشد آل
...
-
ابتسم فأنت في سلطنة عُمان
-
خذ حذرك فالاستخبارات الأردنية تتعقبك
-
النقاب حرام .. حرام .. حرام
-
نيلسون مانديلا ومنصف المرزوقي انطباعات شخصية
-
انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان
-
دعوة لتنازل الملك فهد عن العرش
-
لا شرعية لنظام حكم عربي لا يغلق المعتقلات
-
لماذا أحب الفلسطينيين؟ لماذا يكرهني الفلسطينيون؟
-
لماذا لا يشتري العربُ موريتانيا
-
صديق الغربة .. الصديق المفترس
-
التدين البورنوجرافي
-
رسالة مفتوحة إلى أم الدنيا.. ماذا فعل بك هذا الرجل؟
-
ولكن الرقيب سيظل احمقا .....
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|