أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جوزيف بشارة - آلام مسيحيي العراق في عيد الميلاد















المزيد.....

آلام مسيحيي العراق في عيد الميلاد


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 3226 - 2010 / 12 / 25 - 22:52
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


يحتفل اليوم المسيحيون الذين يأخذون بالرزنامة الغربية بعيد ميلاد أمير السلام يسوع المسيح له المجد، ويدخل ضمن هؤلاء بضعة ملايين من مسيحيي البلدان التي تضم أغلبيات مسلمة منها لبنان والعراق والسودان وسوريا ومصر وباكستان إيران وأندونيسيا وماليزيا وغيرها. غيوم كثيفة لبدت سماء احتفالات المسيحيين الشرقيين بعيد الميلاد هذا العام، إذ أن مسيحيي لبنان يمرون بواحدة من أدق المراحل منذ انتهاء الحرب الأهلية فبل عقدين من الزمان، بينما يعاني مسيحيو العراق واحدة من أسوأ سنواتهم في ظل الضغوط التي يتعرضون لها لمغادرة بلدهم، في الوقت الذي يواجه فيه مسيحيو جنوب السودان بصبر تعنت حكومة الشمال الإسلامية قبيل أيام قليلة من الاستفتاء المصيري الذي سيحدد مستقبلهم كجزء من السودان أو كدولة مستقلة. هذا فضلاً عن المعاناة الدائمة للمسيحيين في مصر ونيجيريا وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وإلى أخره من هذه البلدان.

لا توجد أقلية مسيحية في أي بلد ذي أغلبية مسلمة تحتفل بعيد اليوم بسلام وقلوب مبتهجة. نعم لا توجد لأنه لا توجد أقلية مسيحية تتمتع بحقوقها كاملة في إي من هذه البلدان. هذه حقيقة ثابتة لا جدال فيها. ولكن يأتي وضع مسيحيي العراق باعتباره الأكثر خطورة نظراً للتحديات الرهيبة التي يواجههونها. لم تكن السنة الحالية سنة عادية لمسيحيي العراق، وإنما كانت سنة عرفت بمجازر بشعة قام بها إرهابيون باسم الإسلام ورسوله وقرآنه وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء العزل الذين ضمت قوائمهم أطفالاً وشيوخاًَ ونساءً. وكان أسوأ هذه المجازر ما شهدته كنيسة سيدة النجاة بالعاصمة العراقية بغداد في نهاية شهر اكتوبر الماضي عندما اقتحم مسلحون مسلمون ينتمو لتنظيم دولة العراق الإسلامية الكنيسة وأخذوا المتعبدين بها رهائن قبل أن يفجرو أنفسهم بعد نحو ثلاث ساعات قتلوا خلالها عدداً من الرهائن في عملية جبانة وخسيسة تضاف إلى المجلدات التي تدون التاريخ الأسود للإرهاب الإسلامي.

يرن في أذني كلما نقلت وكالات الأنباء أخباراً عن أوضاع المسيحيين في العراق وصف الفيلسوف المعروف سقراط للرجل الشجاع بأنه من لا يهرب من أعدائه وأنما يبقى لمواجهته. كان سقراط نفسه فيلسوفاً شجاعاً دافع عن مبادئه وأفكاره وفلسفته حتى الموت. وما وجود مسيحيين بالعراق اليوم رغم كل الحوادث الإرهابية التي تشن ضدهم بغرض التخلص منهم نهائياً إلا قمة الشجاعة التي تحدث عنها سقراط. فالمسيحيون الذين بقوا في العراق ولم يغادروها إما بسبب حبهم للعراق أو إغلاق نوافذ النجاة أمامهم أو بسبب عسر ذات اليد أو لأي سبب أخر يتحدون المصير الذي حتمه عليهم أعداء الحياة ومصاصوا الدماء وأتباع الباطل.

من السهل جداً الحديث عن الشجاعة، ولكن قليلين جداً هم من يقدرون أن يبقوا شجعاناً في وقت الشدة الحقيقية. ومسيحيو العراق هم من الشجعان القليلين القادرين على الصمود أمام وحشية الإرهاب الحقير. أليست شجاعة لا مثيل لها أن يبقى مسيحيو العراق متمسكين بمسيحهم بينما هم في مرمى رصاص الإرهابيين؟ أليست شجاعة لا مثيل لها أن يحتفظ مسيحيو بدينهم بينما يستهدفهم الإرهاب؟ أليست شجاعة لا مثيل لها أن يتمسك مسيحيو العراق بعقيدتهم في الوقت الذي يقدمون فيه أطفالهم وشبابهم ونسائهم وشيوخهم قرباناً على مذبح الإيمان. أقول مذبح الإيمان وليس مذبح الإرهاب لأن كل الشهداء من مسيحيين العراق ما هم إلا قرابين مقدسة تقدم دفاعاً عن الإيمان.

لم يرتكب مسيحيو العراق ذنباً حتى يدفعوا حياتهم وحياة ذويهم. الذنب يقع على عاتق البشرية التي تصمت على وحشية الإرهابيين ولا تزال تسمح لهم بممارسة أنشطتهم القبيحة. إنه ذنب المجتمع الدولي الذي لا مباديء له ويكيل بمكاييل. وإنه ذنب كل السياسيين الذين يغضون الطرف عن الجرائم ضد مسيحيي العراق إرضاءً لأطراف معينة أو ضماناً لصفقات تجارية أو حتى للحصول على بضعة جالونات من النفط. وإنه ذنب كل من جاء بزعماء يستخفون بمذابح المسيحين أويتجاهلونها أو ينكرونها مثل باراك أوباما الذي رفض إدانة جريمة كنيسة سيدة النجاة على أنها استهدفت المسيحيين العراقيين وأصر على أنها حادثة عادية تأتي في إطار حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العراق. وإنه ذنب زعماء عرب ومسلمين يشجعون الإرهابيين على جرائمهم بغرض خلق مصاعب كبيرة أمام النظام الجديد في العراق.

إن ما يحدث من تطهير عرقي لمسيحيي العراق لهو وصمة عار على جبين كل مسلم لا يتخذ موقفاً قوياً ضد التطرف والإرهاب اللذين يرفعان شعارات إسلامية ويبرران جرائمهما بنصوص من القرآن وأحاديث للرسول. لقد حان الوقت اليوم، نعم اليوم، من دون تاجيل لمواجهة التطرف والإرهاب بصراحة ومن دون مواربة. المسئولية تقع أولاً على رجال الدين المسلمين الذين يقولون أنهم معتدلون. أعني هنا رجال الإفتاء الرسميين والأزهر والمراجع الإسلامية. عليهم تفسير القرآن بصورة تلغي تماماً الجهاد المسلح، وعليهم إنكار بصوت عال المقولات الخائبة التي تدعي أن المسيحيين مشركين وكفرة يتوجب قتالهم، وعليهم الاعتراف بأن بالمساواة بين البشر وبأن المسلمين لا ينميزون أبداً عن غيرهم من خلق الله، وعليهم تكفير الإرهابيين بدلاً من المفكرين.

مناسبة سعيدة كان من المفترض أن يحتفل بها مسيحيو العراق، ولكن آلام الإرهاب قتل الفرحة في قلوبهم. كيف يحتفلون ودماء شهدائهم لا تزال تزين بناية كنيسة سيدة النجاة. كيف يحتفلون وهم غير قادرين على إعلان مسيحيتهم؟ كيف يحتفلون وهم يخشون غدر الإرهابيين من حولهم؟ أنني من خلال هذه السطور أوجه تحية قلبية شخصية لكل مسيحي لا يزال يعيش فوق التراب العراقي وبخاصة هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الملتهبة. أذكر مسيحيي العراق بقول السيد المسيح له المجد بأن مملكتنا ليست من هذا العالم، وبأن لا يخشوا من يقدر على قتل الجسد، وبأن إذا كان هو قد اضطهد وقتل فسنضطهد نحن أيضاً ونقتل. أذكرهم بأن الاضطهاد سمة كانت ولا تزال وستظل من أهم سمات المسيحية. وليعلم مسيحيو العراق بأن كل إنسان ذي ضمير حي يشاركهم أوضاعهم السيئة إن لم يكن بالجسد فبأنفس موجوعة ولكن أيضاً برجاء لا ينقطع في المخلص الذي نحتفل بميلاده اليوم. كل عام وأنتم بخير.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية
- الجريمة في مصر والضحايا في العراق
- لماذا تنكر الحكومة المصرية مذبحة نجع حمادي الطائفية؟
- نفي المسيحيين في أوطانهم
- دور حركة حماس في المغامرات الإسلاموية في الدول العربية
- أحداث غزة بين المحرقة الحمساوية والإعلام العربي المضلل
- وسام الحذاء بين الحرية المنشودة والوعي الغائب
- هل يخذل باراك أوباما الشعب الأمريكي؟
- من يصدق ذئباً يدّعي بطش فريسته؟!
- أحدث طرائف محمود أحمدي نجاد
- دور تأويل النصوص المقدسة في مأساة المسيحيين العراقيين
- قرار العفو الرئاسي وثمن حرية إبراهيم عيسى
- اتهام المسيحيين بالحقد على الإسلام والمسلمين باطل
- النظر بإيجابية لتداعيات 11 سبتمبر
- جريمة التحول إلى المسيحية في مصر المحروسة
- صلوات المسيحيين من أجل المسلمين في رمضان
- رصد كوميدي ساخر لواقع تراجيدي مؤلم في حسن ومرقص!
- تحول نجل قيادي حمساوي إلى المسيحية بين الدين والسياسة
- إسرائيل ملجأ المضطهدين الفلسطينيين!
- العدالة الدولية: ضروراتها وتحدياتها


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جوزيف بشارة - آلام مسيحيي العراق في عيد الميلاد