|
مشاهد سريالية 3 / عن التاريخ والعلمانية
حنان بكير
الحوار المتمدن-العدد: 3223 - 2010 / 12 / 22 - 20:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الحياة مليئة بالمشاهد والحوادث، التي لا نستطيع فهمها، وأحيانا نستغرب حدوثها.. لكنها هي الحياة هكذا. وهنا بعض الحوادث، قد لا تكون غريبة بمعنى خيالية او ميتافيزيقية، بقدر ما هي تثير الاستغراب في نمط تفكير أصحابها. السيد واصف كمال، مواليد مدينة نابلس " جبل النار " عام 1907. توفي قبل ثلاث سنوات تقريبا. سيرته النضالية حافلة وغنية، وهي ليست موضوعي. قابلته في الذكرى الخمسينية للنكبة. وسجّلت شهادته، لجريدة الخليج الاماراتية. تنبع أهمية شهادته، من كونه أحد أعضاء الوفد الفلسطيني للأمم المتحدة عام 1947، في الجلسة التي خصصت، لطرح موضوع تقسيم فلسطين، واجراء الاستفتاء عليه، حيث كان على الوفد الفلسطيني والوفود العربية، حشد الأصوات لمنع تمرير قرار التقسيم. قال لي، وأنا أعيد إقتباس كلماته كما هي:... اقترحت الاتصال بالوفد الروسي، وفي جلسات التداول، إرتأينا أنه للحيلولة دون حصول القرار على تأييد ثلثي الأعضاء، فإن علينا أن نسعى لكسب تأييد الكتلة الشرقية التي تتزعمها روسيا( الاتحاد السوفياتي) في ذلك الوقت، وكانت مجموعة الشباب في الوفود العربية، مؤيدة لهذا الاتجاه، ولضرورة الاتصال بالوفد الروسي. وآشتدت المناقشة حول هذا الموضوع.. وعارض نوري السعيد هذا التوجه وقال لي بعد نقاش طويل ( يا أخي إحنا مش راح نصير شيوعيين علشان فلسطين) لذلك أنا أعارض. أجبناه أن الأمر لا يدور حول أن نصبح شيوعيين أو لا نصبح. وان هناك مصالح متبادلة بين الدول، وكل يسعى لمصلحته. ونحن نقترح الاتصال بالوفد الروسي، لنعرض عليه، أن الكتلة العربية الممثلة في هيئة الأمم المتحدة على استعداد للتصويت لصالح الأمور التي تهم روسيا، مقابل أن تصوت الى جانبنا ضد قرار التقسيم." إنتهى كلام المرحوم واصف كمال. العبرة أننا كعرب لا نجيد اللعب في السياسة، وأننا نستعمل الدين بالطريقة الخطأ التي تضرّ مصالحنا... والغريب أننا لا نعتبر ولا نتعلم..
أحد الأصدقاء العرب الذي له باع في الكتابة، عاش لفترة في النرويج. كان علمانيا وربما ملحدا. ربطتني صداقة بزوجته، ولم تكن حياتهما الزوجية، على ما يرام، ولاحقا انتهت بالطلاق.. وأكثر من مرة، أخبرني عن أخيه الذي قتل أخته في جريمة شرف، وكيف تحولت هذه الجريمة، الى مفخرة للأخ القاتل. كنا نتلاقى في العديد من الأفكار، سيما حول الأوضاع المزرية التي آلت أمورنا اليها، وضرورة التغيير و...الخ.ذات مرة التقيته في مقهى في أوسلو مع بعض الزملاء.. كان منشرحا على غير عادته.. أخبرني: أمس إنتقمت لدم أختي الضحية! قلت : كيف هل قتلت أخاك مثلا؟ وأنا أعلم أن أخاه في بلد عربي وليس في النرويج! أجاب: لأ، انتقمت بأن أرسلت ابنتي الى الديسكو! وسأكتب مقالا عن هذا الموضوع . تبعثر اللقاء، وبعد أقل من ربع ساعة، اتصلت زوجته، وأخبرتني" أن القيامة قامت" أمس في البيت ، وأنها ترغب في زيارتي، " لتفش خلقها". أخبرتني بأن ابنتها المراهقة ذهبت الى ديسكو خاص للصغار، وعند عودتها ضربها والدها ضربا مبرحا وكذلك الزوجة نالت نصيبها من الضرب المبرح الذي كانت آثاره واضحة على جسدها ! وأخبرتني، كيف كان الأب دائم التهديد لإبنته: لن يكلفني الأمر أكثر من ثمن تذكرة طائرة لعمك، فيأتي ويذبحك مثل عمتك" !!! وكان أن تدخلت دائرة حماية الطفل لحل الموضوع ! متى نسقط الأقنعة ونكون ذواتنا كما هي، إن لم يكن فيها ما يعيب؟ ولم نمارس في الخفاء ما نخجل من ممارسته في العلن؟؟
كانت حرب غزة على أشدها. وكانت الشوارع في أوسلو، كما في العديد من الدول الأوروبية، تغلي بالمتظاهرين وبالاعتصامات. غطت الفضائيات، كل ما كان يدور في الشوارع وأمام الدوائر الحكومية. حدث العديد من التجاوزات، التي لم تكن في حسبان المنظمين لها من النرويجيين، من حرق الدواليب الى تكسير بعض السيارات ونوافذ بعض البيوت. نظّم المسرح النرويجي، نشاطا أكاديميا، كان مكرسا لغزة. وكوني من المشاركين في هذا النشاط، فقد كنت على علم بالبرناج وضخامته، وقد كنت المشاركة الوحيدة من العرب، الى جانب الفنان العراقي هشام السامرائي، الذي أبكى العديد من الحضور، بعذوبة ألحانه وعزفه على العود. اتصلت بأحد مراسلي الفضائيات، والذي أعرفه جيدا، وأخبرته عن أهمية هذا النشاط، لتغطيته . كان الحضور قرابة مئة وخمسين شخصية، غير عادية.. كانوا أكاديميين وممن لهم علاقة بالمسرح والكتابة والاخراج والتمثيل وكتّاب السيناريو و..الخ. أكثر من ست ساعات، كُرست للشعر والأدب، سيما شعر محمود درويش الذي ترجم الى اللغة النرويجية.. شعراء وكتاب نرويجيون، ألقوا قصائد ونصوص بنفس انساني راق ومؤثر، ساهمت أنا بقراءة نص من روايتي باللغة النرويجية.. لم يكن هناك تصفيق أو هتاف.. النشاط مكرّس للصمت والأدب والفن، والوجهة كانت " غزة ". لم يحضر المراسل بالطبع، وفي تلك الليلة، وكما شاهدت على الفضائية، كانت التغطية، للمظاهرات وحرق الدواليب، رغم روتينيتها التي امتدت طيلة أيام الحرب الظالمة!! والسبب، فقط لأنها تحمل طابع " الأكشن ".. وتلت ذلك النشاط، أنشطة أكاديمية متعددة، لم يغطها الاعلام العربي الموجود في النرويج، رغم تأثير الأكاديميين الكبير على جماهيرهم، ورغم حاجتنا اليهم. لكنهم لا يحملون لنا الاثارة والأكشن والخطب الرنّانة !!
#حنان_بكير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هوس ديني أم كبت جنسي؟
-
فضائية يسارية علمانية !!!
-
مهاجرو فرنسا/ الوجه الآخر
-
مشاهد سريالية2/ عن الكتابة والتدوين
-
مشاهد سريالية
-
اشكالية العلاقة بين العلمانية والوطنية
-
شرق أوسط بلا مسيحيين 2/ عود على بدء
-
بين الأمس واليوم. هنا.. وهناك..
-
الذاكرة تثمر في الشمال البارد
-
على خطى ابن رشد التنويرية
-
صراع الآلهة على الأرض
-
آسف... فقد انكرتك يا أختي
-
لا تعترفوا لهم
-
الحيوان بين ثقافتين!
-
ابحار في الذاكرة
-
رحلة شاعر عبر التاريخ والشعر
-
أعداء الحياة يغيّرون وجهة الصراع
-
جغرافية الهوس الديني
-
جامعة بيروت العربية... صرح علمي يتألق التغيير بين الرؤية وقو
...
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|