أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - خلوة حارس الكرسي الدوار















المزيد.....


خلوة حارس الكرسي الدوار


ناصرقوطي

الحوار المتمدن-العدد: 3230 - 2010 / 12 / 29 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة ناصرقوطي

خلوة حارس الكرسي الدوار

- أرأيت الكثير من الدماء ؟
- بقعة واحدة فقط ..!
- حين قطعت رؤوسهن بأمر الدولة أليس كذلك ؟
- أجل ..
- هل كنت مسئولا في يوم ما عن الـ ...؟
- كنت أرى تشنج الأصابع ، قلع الأظافر والـ ...
- ألم يكن ثمة دماء ..
- بقعة واحدة فقط .
بقعة سوداء صغيرة بحجم حبة الخردل تلتصق بالمرآة ، كما لو أن ثلاث ذبابات اجتمعن في غفلة عن الوزغة المتربصة وألقين برازهن نقطة فوق أخرى وسط ذلك النقاء البلوري والالتماع الفاضح لمساحيق وجوههن .
- ربما بقعة زيت ..
- لا ..
- أوبقية قطرة دم خلفتها أثناء حلاقة ذقنك وأنت في عجالة من أمرك .
- لاأعتقد ذلك ، كما إنني لم أكن عجلا في يوم ما ولم أعتد رؤية الدماء .
المرآة مستطيلة بارتفاع ستة أقدام وعرض لايتجاوز الأربعة ، نقية ، صافية مثل قلب طفل ، كان أحدهم قد جاء بها كهدية لنزلي الجديد ؛ بل خربتي الموحشة ، تلك الأضلاع المتداعية وقد حصنتها الأزبال المرصوصة وبنت أهراماتها المتفاوتة الارتفاع . بينما الأذرع الكارتونية العملاقة لاتمل الدوران وهي تلوك الهواء بسأم وتذرو الغبار نحو الأعالي ، فالطاحونة الحمراء التي لاتبعد كثيرا عن النزل اعتادت على أن تعلك أجساد المومسات حتى انبلاج الفجر حين تقيئهن ثملات ، محتقنات الجفون ، ثيابهن اللاصفة تستقطب انكسارات شمس خائفة ، يترنحن تحت أعمدة النيون باتجاه الرصيف الآخر . في تلك الأفياء كان يزرع نظراته لتترقب وترصد أي شبح يتحرك وهو ينهي نوبة حراسته ليرجع بعد ذلك إلى نزله المتداعي مدققا في مرآته هامسا في ذات نفسه ..
- هل كنت تحرس نفايات المدينة ؟
- وكنت أسرق بعض الوقت للمطالعة ..
- أتعلم ان الحرباء تنتحر حين توضع في مكان متعدد الألوان ..!
- ليس التجانس مع الوسط هو المشكلة إنما صعوبة الاختيار ..
- ومرآتك أنت .. أنظرت إليها يوما .!
- كل يوم وكانت البقعة تتسع .. تتـ ....
بقعة صغيرة تتضاءل متى أشتد الضوء ، تخفي نفسها ، تراوغ ، تتلون كما الحرباء تمارس سحرها اللوني في المكان الذي تتعرف عليه ، تناور ولكنها باقية هناك وإلى الأبد محض بقعة مستترة تنطوي على مكنون ظلمتها وهي تغوص بعيدا في العمق الناصع للمرآة .
- وماذا كنت أسمع ..
- ضحكات المومسات من خلف الجدار اللصيق بالملهى ، كان صداه يؤرقني ويجعلني أتقلب في الفراش متمرغا لساعات طوال ..
- عاهرات ..
- لكن قلوبهن كما نديف الثلج ..
- بعضهن ..
- بل أغلبهن ، ألم تجرب في يوم ما .. ؟
- كان ذلك قبل سنين خلت في يوم مطير عرفت واحدة منهن أذكر حين سألتها عن اسمها ارتبكت في بادئ الأمر ورمقتني بنظرة خالطها الحزن والانكسار قالت :
- لاعليك سأتولى الأمر ودع عنك الأسماء ..
قلت :
- نرجس .. تبدين مثل نرجسة ..
- نرجس ، سوسن ، الأسماء ليست مهمة فكل شيء مزيف وكاذب هنا .
قالت ذلك وكنت أقف مشدوها وحائرا لأنها المرة الأولى التي ألج فيها مثل هذا المكان . في نهاية المطاف كشفت لي وراحت نظراتي تحرث الجسد المرمري ، تعاين التضاريس المدوخة . وهناك رأيت بقع حمراء صغيرة تستشري حول المكان المحدد ، بثور بلون الأرجوان ، صدفية ، لاصفة تتمارى بين نصاعة البياض الثلجي . تقدمت خطوة وأنا في كامل قيافتي ، حاولت أن ادخل وكان الباب مشرعا بين عمودين من المرمر وكانت الدماء قد احتقنت في اللسان وسرعان مااحتواني إحساس غريب وأنا أنظر إليها ممددة فوق السرير ، عارية وأكثر نصاعة من ذلك النهار ، دقيقة الصنع مثل دمية ، ينسرح شعرها البني بخصلات تتناثر فوق الوسادة القذرة . حاولت أن ادخل ولكن انتابني شعور بالخزي والضعة وكانت الدماء تندفع من كل خلايا الجسد ، تتسابق في فورات متدفقة ، تتجمع هناك ، في نقطة محددة على طرف اللسان الملتهب . لم أدخل وإنما بلعت لساني وانسحبت ، لم تبح باسمها وكانت المرة الأولى والمرأة الأولى التي عرفت وكنت فتيا شديد الحساسية ، لم أودع تلك النرجسة إنما اكتفيت بنظرة حالمة وهربت من الباب الخلفي المحاذي لمركز الشرطة وقد غدوت عاريا ، وكان قميصي أبيض لازلت أذكر ذلك ..
المرآة مثل صفحة ماء رقراقة ، جدول صغير صاف ولكن ثمة عين ضفدع تحرس المكان ، تحدق ، تتربص ، . بقعة سوداء تسبح بين ضفتي البرواز الذهبي ، حتى إذا دفع ظفر سبابته باتجاه عين الضفدع تشظت إلى ثلاثة رؤوس دامية .
- هل تأملت نفسك أمام المرآة ..؟
- ...!...
- ماذا رأيت ..
- انعكست البقعة أسفل اليسار ، باتجاه الصدر ..
- إنما في سويداء القلب ، بقعة مظلمة داخلك وداخل كل واحد منا ، بقعة مضببة تنطوي على مالايباح به و ..
- ثمة مسارب عديدة لتصريف الكبت ..! / سأل نفسه
- والمطالعة أهم تلك الطرق ..! / رد على سؤاله وراح يميل ذات اليمين وذات الشمال متذكرا وجوه أصحابه التي كان يتمرأى بها ويزدهي بطلعتها ..
- أين هم الآن ..! ../ سأل ..ثم أضاف
- مرآتك دون بقعة ، عارية أنت يانرجس لأنك لاتملكي سقفا.
- ومرآتك أنت ..
- تلوثت رغم الـ ..... وأخاطبك أيتها المرآة ... لاأخاطب أحدا و............................
كان يلازم كرسيه الدوار متنبها لأية حركة ، سواء لكلب مريض عابر أتعبته المسافات يمد لسانه لاعقا نفايات الأرصفة ، أو يقذف بصره نحو مومس ثملة ضلت دربها وربما تتقوس شفتاه بابتسامة ساخرة وهو يرى كرش رجل عجوز يتهدل على حزامه ويعوي أسفل مثانته حيوان شبق وهو يسعى بخطى وجلة نحو ثلاث مومسات لطخت وجوههن المساحيق الرخيصة بينما القوادة تتسلل نحو الرصيف الآخر ، تتربص مثل وزغة مذعورة بعد أن تناهى لسمعها خبر جز الرؤوس .
- أنت صاحبي ولن تكذب ..
- أنا مرآتك فاذهب أنى شئت ..
- أأبصرت ذاتك كما يجب ..
- أهبك مافي الروح ..
- مرآتك ..
- غدت سوداء ..
- ألطخها الأصحاب ..
- بعضهم أساء لنفسه ..
- ماذا تقصد ..
- توسخت مراياهم ..
- والآخرون ..
- أضاءوا شغاف القلب ..
بقعة سوداء بحجم حبة الخردل تلتصق في المرآة التي يحدثها ويحدق فيها وحيدا ، يقف مذهولا أمامها وهي تنظر إليه بصمت ، خالها الأسود يضيء على خدها الناصع البياض .
- ماذا حل بك ..؟ ../ سألته
- لاشيء .. كنت أفكر في أمور لاتعنيك ../ همس أمامها بذلك وضرب قدميه في الأرض ، دار دورة كاملة فوق كرسيه ثم اندفع واقفا ليواجه الرصيف المغبر الذي راح يميد أمامه ويموج بعشرات الجثث المقطوعة الرؤوس .



#ناصرقوطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتظار الظل
- ليل الأبد
- حلم غريق
- لعبة
- حلم يقظة
- مايتبقى من البياض
- آخر العمق
- الأعور والعميان
- السلالات السعيدة
- فتيات الملح
- خضرقد
- غرباء
- أعماق
- الحائك
- ايقاع الأمكنة
- قصة
- المحنة
- عين النخلة
- وهم الطائر
- قصة قصيرة


المزيد.....




- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...
- والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - خلوة حارس الكرسي الدوار