جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 3223 - 2010 / 12 / 22 - 12:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
شذرات على شباك الذاكرة المناضل- سعيد إسحق في القصر الجمهوري مرة ثانية – 6
رأينا في الحلقة الماضية رفض رئيس الجمهورية السورية السيد هاشم الأتاسي البقاء في منصبه ورئيس مجلس وزرائه السيد معروف الدواليبي معتقل في سجن المزة مع رئيس المجلس النيابي السيد ناظم القدسي وعدد من الوزراء والنواب ..رفض رئيس الجمهورية المنتخب شرعياً من الشعب ,,الخضوع لضابط معتوه بحب السلطة والمال وبدوافع مشبوهة استولى على الإذاعة وأذاع البلاغ رقم واحد مختلطاً مع الموسيقا العسكرية الجنائزية التي تنعي النظام الجمهوري والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان ... وتردد الشعارات الكاذبة المعتادة في الأقطار التي إبتليت بحكم العسكر سواء كان هذا العسكر أمريكي الهوى كما في سورية والعراق وباكستان وليبيا ومصر والجزائرواليمن أوسوفياتي الهوى كما في اليمن الجنوبي أو في أثيوبيا أو الصومال أو في إنقلاب الأسد في سورية أو بومدين في الجزائر أو شراكة مع الأمريكان في أفريقيا وجنوب شرق اّسيا ... هذه السياسة المعادية لتحرر الشعوب منذ الإنقلاب العسكري الأول .هي هي تغيرت في الشكل فقط لا في الموضوع ...
. ويسرع المنافقون والمرتزقة أفواجاً بإرسال برقياتهم القديمة بعد أن ينفضوا عنها الغبار وبراز الفئران في مخازنهم ويبدلوا إسم زعيم الإنقلاب فقط...وهي المتضمنة :: تحية لجيشنا الباسل حامي الحمى والمدافع عن حقوق الشعب المهدورة...إلخ ودعوة الإنقلابيين المهووسين ..إلى : أضربوا بيد من حديد أعداءكم – سيروا ونحن من ورائكم . والله حاميكم
وهو وراء القصد . صدق الله العظيم ...دون أن تجرؤ برقية واحدة على القول : عودوا إلى ثكناتكم , وأعيدوا السلطة للشعب فهو مصدرها وصاحبها ...
نعم رفض رئيس الجمهورية السيد هاشم الأتاسي المذلة وقدم استقالته للسيد سعيد اسحق نائب رئيس المجلس النيابي الذي لم يبق غيره خارج المعتقل وسلمه رئاسة الجمهورية .. لهذا أسرع زعيم الإنقلاب أ ديب الشيشكلي إلى حل المجلس النيابي وألغاء دستور البلاد وعين شريكه في الإنقلاب العسكري فوزي سلو رئيساً للدولة . عندها عاد شيخنا سعيد إسحق إلى منزله....
وتتابعت أحداث عهد ديكتاتورية الشيشكلي الأمريكية الصنع التي كان هدفها الرئيسي:
تنفيذ إتفاقية التابلاين لتمرير النفط السعودي – الأمريكي من الظهران إلى الزهراني في جنوب لبنان عبر جنوب سورية ,, تلك الإتفاقية التي وقعها حسني الزعيم . وجمدها إنقلاب الحناوي وحكومة حزب الشعب الموالية للإنكليز وللعراق .. ُثم إلغاء النظام الجمهوري السوري وتكريس ديكتاتورية عسكرية في صيغة نظام رئاسي من فئة ال 99%99 المعروفة في ديمقراطية أنظمتنا الغير مستوردة ,,الدائمة الخضرة والحمد لله في أنظمتنا الصحراوية الدائمة الألوهية وحرق البخور في المعابد , التي تنفذ مشيئة أمريكا وإسرائيل في المنطقة .. إلى جانب ضرب القوى التقدمية والديمقراطية الصاعدة في سورية وفي طليعتها الشيوعيين .. يومها أصدر حزبنا الشيوعي بياناً تاريخياً تحت عنوان __ مرسوم تشريعي رقم 1 – من فرعون الشيشكلي إلى هامان سلو --- فضح فيه أهداف الإنقلابيين المعادية للشعب والوطن .. ودعا الشعب والقوى الوطنية الديمقراطية في الجيش والشعب للوحدة لإسقاط الديكتاتورية العسكرية و إنقاذ البلاد من الإستبداد
والتبعية للأجنبي ...
لم نكن يومها لقمة سائغة كما كانت الحركة الطلابية طليعة الحركة الوطنية الديمقراطية السورية .... كنا من أبناء فقراء المدن والريف مرتبطين بالمعمل والحرفة والمحراث والجامعة ,, ومنا من تطوع في الجيش الوطني ليهز فيما بعد عرش الديكتاتورية ويسقطها ,, لا لينضم إلى عسكر الطاووس المهووس بلمعان كتل النحاس على كتفيه أمام المراّة .. ويغتصب السلطة التي كانت في يده بعد تمرد حلب .. بل ليعيد برلمان 1949 المنحل وليعيد هاشم الأتاسي ليكمل رئاسته بعد إسقاط ديكتاتورية الشيشكلي في 25 شباط 1954..؟؟ ..وعاد ضباط الشعب أبطال تمرد حلب وقطنا – مصطفى وعبد الغفار وجورج ومحمود ,, وزلفو ; وسليم ..و القرا .وغيرهم .
أ رسلنا الشيشكلي وخادمه إبراهيم الحسيني قائد الأمن الداخلي إلى سجن تدمر لينال منا وفشل ...وكان رفاقنا بين الحراس مستعدين لتهريبنا والهرب معنا لكننا أبينا ,, وواصلنا مجابهة الديكتاتورية حتى النهاية ونحن نحفر بمعاولنا بين اّثار تدمر مع المجندين المعاقبين كنا نحفر قبر الديكتاتورية .. يومها كان صاحب الإقطاعية الاّغا خالد بكداش في رحلة رفاه ونقاهة دائمة بين براغ وموسكو ويرسل لنا رسائل خاصة يقول فيها أنتم جناحي أنتم الأمل ,, لم تكن معرفته عن قرب تهمنا كثيراً يومها ,..
كنا تسعة شيوعيين وبعثي واحد وتعاوني واحد فمن هم هؤلاء الذين ركًعوا الديكتاتور الشيشكلي وأرغموه أن يعتذر منهم ,, لأنه أضاع لهم عاماً دراسياً في السجن ويطلق سراحهم بلا قيد أو شرط ... كان ذلك الإعتقال - بين أول كانون الأول عام 1952 و نهاية اًب عام 1953 – والمناضلون هم : السادة – سميح الجمالي – توفيق أستور – توفيق أتاسي – عطالله قوبا – خالد الكردي – بشار موصلي -- فاضل الطائي - وهورفيقنا عراقي كان طالباً في كلية طب الأسنان في الجامعة السورية -- علاء الرفاعي -- نور الدين الأتاسي – عبد الرزاق شركس-- و كاتب هذه الشذرات ..
وفي شهر اّب أصدر الشيشكلي مرسوما حوّل بموجبه النظام البرلماني إلى نظام رئاسي ونصب نفسه رئيساً للجمهورية بعد استفتاء ال 99%99 المرافق لكل الطغاة ثم أجرى مسرحية إنتخاب برلمان كالمعتاد لخداع الناس ..قاطعتها معظم الأحزاب السورية واشترك فيها الاّغا بكداش بأئعاً نضال قواعد الحزب في سبيل مقعد نيابي لم ينله . ودون أخذ رأي قواعد الحزب التي قاطعتها .. ثم عين السيد مأمون الكزبري رئيساً للبرلمان ..
وانتخب في منطقة الجزيرة السيد سعيد إسحق نائباً للمرة الخامسة وانتخب نائباً أول لرئيس المجلس كالماضي .. وبعد عدوان الشيشكلي على جبل العرب المتمرد وقصف القرى الاّمنة بالمدفعية والطيران وتمرد الشعب في دمشق وحلب وسائر المدن السورية ومواصلتنا التظاهر من الجامعة حتى سوق الحميدية .. أغلق الشيشكلي الجامعة وجميع المدارس واستمرت التظاهرات حتى إسقاطه ..
لكن صغار الضباط تمردوا على الديكتاتور وانضموا للشعب وأعلنوا إنفصال حلب حاول الديكتاتور قصف مركزالبث الإذاعي في سراقب فأرسل طائرتين لقصفه لكن الطيارين التقدميين هبطا في مطار حلب وانضما للثورة ,, وتمرد صغار الضباط المرتبطين بالشعب في معسكرات قطنا ..وبمبادرة منهم تحركت اّلياتهم نحودمشق وقد سبق لي أن ذكرت في مقال سابق أننا كنا نحاصر الإذاعة في شارع جمال باشا يوم أطلت علينا دبابة قادمة من جهة محطة الحجاز وتفرقنا حتى تأكدنا أنها دبابة صديقة عدنا والتفينا حولها وخرج من برجها ضابط صغير وهو يهتف يحيا الشعب – يحيا الشعب – حملناه على أكتافنا وهتفنا لوحدة الشعب والجيش : كان معي من الرفاق : عبد الغني عرفات – توفيق أستور – سليمان شكور -- أسعد الزهر -- خالد الكردي -- عطا الله قوبا ...وكان الصديق العزيز المذيع الشهير في إذاعة دمشق – عبد الهادي البكار – معنا داخل الإذاعة كان ينتظرالفرصة الاًمنة ليدخل رفيقنا سليمان شكور للإذاعة ويلقي كلمتنا الجامعة للوطنيين - بعد أن منعنا أحد وجهاء حزب الشعب من تسلله عبر نافذة الإذاعة لإلقاء كلمة حزبه رغم أننا لم نر أياً منهم طيلة أيام تظاهرنا أمام رصاص الشرطة حتى سقوط الديكتاتور -- وغيرهم ........يومها حزم الديكتاتور أمتعته وهرب عن طريق بيروت رغم أن أنصاره في معسكرات القابون والشرطة العسكرية ومناطق أخرى كانوا يطالبونه بالبقاء لكنه رفض إجراء مجزرة في الجيش والشعب ..
سلّم الديكتاتور الرئاسة لرئيس المجلس النيابي السيد مأمون الكزبري ورحل .. ومأمون الكزبري سلمها بدوره في كتاب رسمي لنائبه السيد سعيد إسحق .. الذي جمع النواب في اليوم التالي بصفته رئيساً للجمهورية .. وقرروا بالأكثرية حل مجلس النواب ودعوة مجلس النواب الشرعي الذي حله الشيشكلي خرقاً للدستور ودعوة السيد هاشم الأتاسي ليكمل مدته في الرئاسة حتى إنتخاب مجلس جديد ورئيس جمهورية جديد..
ختم المناضل سعيد أسحق موجز مذكراته بقوله ...
وهكذا دعي رئيس الجمهورية المستقيل السيد هاشم الأتاسي لإستلام رئاسة الجمهورية ,, كما دعي المجلس السابق إلى الإجتماع , وتقريرإجراء إنتخابات نيابية جديدة .. وبما أنني عاصرت ثلاثة إنقلابات عسكرية .. فقد قررت إعتزال الحياة النيابية بعد أن مثّلت الجزيرة خمس دورات متتالية وجنيت للبلاد مع إخوتي المجاهدين – الإستقلال والسيادة والحرية والإزدهار .. انتهى ---
رحم الله – كما يقال -- أولئك الوطنيين الصادقين دون تبجح المضحّين دون حساب ,, الكبار دون غرور الذين نبعوا من الشعب وعاشوا معه وضحوا لأجله ... وأوائك الضباط الصغار الأبطال الذين لم يخرجوا عن طهارة دورهم في حماية الشعب والوطن والعلم ..
عادوا إلى ثكناتهم بعد الإطاحة بالديكتاتور ..بكل راحة ضمير ونفوس رضية بأريحية وشهامة المقاتل ليصونوا أروع مرحلة برلمانية ديمقراطية في تاريخ سورية الحديثة بين عامي 1954 --- 1958 ويبنوا فيها أروع مقاومة شعبية مسلحة لاتعرف التمييز والتفرقة والشمولية ... إليهم جميعاً أحياء وأموات حبي وأعتزازي بصداقة معظمهم... لقد بنوا أسس تلاحم الجيش مع الشعب بل أسس التلاحم الوطني الديمقراطي بشكل عام تحت خيمة الحريات العامة واحترام الرأي والرأي الاّخر.. كانوا كبار النفوس لم تغرهم السلطة لاغتصابها من الشعب يوم كانت في متناولهم ..بل حموها وأعادوها لأصحابها الشرعيين ضد المغامرين المشبوهين الذين دمروا البلاد وأذلوا العباد يوم غيّب أولئك الفرسان عن الساحة باسم الوحدة المزيفة والإشتراكية الأكثر تزييفاً واستبداداً حتى اليوم ....انتهى
جريس الهامس – لاهاي - 22 / 12 / 2010
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟