|
المجتمع القوي يقود إلى دولة قوية
نجاة الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 209 - 2002 / 8 / 4 - 04:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
البحرين |
الليبرالية أو التنويرية، كانت تمثل خطاً تقدمياً صاعداً في القرن الثامن عشر في دول أوروبا، فقد كانت في زمانها ثورية، وتمثل التيار البرجوازي القوي الذي يهدف إلى البناء والتطور والتغيير. ثم تراجع ذلك الخط عن وعوده في الوقت الذي صعد المشروع الاشتراكي، وحقق ما حقق، ثم بدأت اخفاقاته. مع بداية التسعينات ظهر النظام العالمي الجديد ولبّس مشروع الليبرالية ثوبا جديدا هو مشروع المجتمع المدني كشعار كوني، لا موضوعي ولا يحتاج إلى تاريخ، مثله مثل شعار الاقتصاد الحر، الذي يضع المستهلكين - الأغنياء والفقراء - كلهم على سلم واحد - يخاطب المجتمع المدني بلغتين فيكسب المنظمات الجماهيرية کالنقابات والأحزاب - لغة معينة، لغة سياسية، ثم يضفي علي المجتمع ككل، لغة أخرى. لكن هاتين اللغتين يختفي وراءهما اقتصاد السوق. فتظهر بشكل فج، فيما تسميه العولمة، وهو تصغير إلى العالم. وهو المنظار الذي تنظر فيه الولايات المتحدة إلى العالم ككرة صغيرة "عويلم" تتقاذفه برجلها فترسل بإنسان الشمال إلى عالم الجنوب لكي تستعيد منه اكثر ويتعذب هو أيضا اكثر. تحمل الحداثة أو ما يسمي بالتنوير والليبرالية مفهومين: المفهوم المعلن هو السياسة والمنظمات السياسية والمفهوم غير المعلن هو هزيمة السياسة والسياسيين وتوكيل المثقفين البرجوازيين بالتحدث إلى الشعوب باسم السياسيين والمجتمع المعذب كله متزامن مع أمركة العالم وغير متزامن مع متطلبات الزمن الذي يطرح شعار ما بعد الحداثة أو ما بعد التنوير، من المفترض أن يوكل إلى الإنسان لقمة عيشه ومصيره، بعد تنويره، وتحديثه، كل هذه الفترة، ولكن الذي حدث هو العكس في زمن ما بعد الحداثة أو ما بعد حركة التحرر المخفقة. وهكذا بعد أن جرّد المجتمع المدني من تاريخه ووظيفته اصبح الآن يطلق عليه العولمة ، حيث التوجه لاضعاف دور الدولة القومية في كل أنحاء العالم وتجريدها من مهامها، التي هي في واقع الحال ضعيفة بالنسبة للوطن العربي، لكنها الأمل الوحيد في تجميع هذه المجتمعات المنقسمة إلى طوائف، وولاءات، لها الفضل في تعميق معنى الدولة. هذه الولاءات الفقيرة مهددة مرة أخري للارتداد إذا لم تقم الحكومات بتقوية الأفراد و إعطائهم حريات حتى تكون مجتمعاً متماسكاً خالياً من الطوائف ومن رؤسائه التي تجر بهم العصبوية إلى الفقر والتفتت البعيد كل البعد عن الليبرالية والحداثة التي تنشره وتتحدث عنه. إن المجتمع المدني لا يقوى إلا حيث تقوى الدولة ولا ينفصل عنها إلا نسبياً لأنه يتوحد معها حيث هي الأساس لقوته ووحدته. وفي المجتمعات الأوروبية، تعطي هذه القوة زخما قويا إلى مؤسسات الدولة. فلا يضيرها أي شيء من تغيير القوانين وإضافة وحذف أي قانون لأن الدولة تعيش بقوة مستمدة هذه القوة من المجتمع فإذا حدث أي شيء للدولة يسارع المجتمع القوي لردع الصدأ. وهذا بالضبط هو المطلوب بالنسبة للدول العربية التي تعاني من العجز والخوف من الداخل كونها تتجنب وتجافي المجتمع وتتمنى لو كان المجتمع يقف معها. ولكن لا فائدة من ذلك ما دامت الدولة تعتبر المجتمع رعية أو تعتبره تعداداً سكانياً مشلول الإرادة. وما دامت الدولة تضع هذه العلاقة فلن تجد غير هذا المجتمع المتخاذل الذي تضع له حلولاً على شكل حوارات عقيمة تقيمها على التلفزة والجرائد وهي حوارات بين رؤساء الأحزاب أو نظائر بينها وبين الدولة في الوقت الذي يجب جعل هذه الحوارات والحريات والعلاقات تتداخل والجمعيات وأفرادها، حتى يتكون انسجام في ما بينها ولا تكون جميعات منفصلة عن بعضها البعض تمثل أيديولوجيات عقيمة وصلدة ومغلقة من الصعب كسر حلقاتها، وبالتالي يكون من الصعب خلق حديث جاد بين أعضاء هذه الجمعيات، حيث تعتبر كل واحدة منها هي القريبة من الأيديولوجية الصحيحة، وتُكفّر أو تُخطّي الجمعية الأخرى، مما أضاف إلى ذلك المجتمع، مشكلة أخرى هي مشكلة قيام الجمعيات التي تمزق المجتمع اكثر مما تجمعه. فأصبحت حتى في مطالبها الحياتية متفرقة ومظاهراتها أيضا متفرقة. كل يدعي التفوق وكل يدعي الحقيقة. وهذه بداية تمزيق المجتمع المدني وتمزيق الليبرالية وتفريقها في محتواها. من هنا وجدت الليبرالية صعوبة في الوطن العربي. علي الأقل، والمطلوب عاجلا هو رجعة إلى كتابات طه حسين والطهطاوي والكواكبي وعبدالرحمن بدوي، وعبده، وزريق، ثم دراستها دراسة عميقة حتى تكون أساسيات لفهم السياسة والوعي التنويري الذي يقود بالدرجة الأولي إلى إعطاء قيمة للذات واستقلالية للفرد وتذكيره بحريته الشخصية حتى يكون واعياً إلي المستجدات الصعبة وما تطرحه العولمة من إيجابيات وسلبيات يكون فيها الإنسان قريب جدا من مطالبه وأهمها الحرية الشخصية والتفكير الحر، علي الأقل يرجع إلى بداية القرن الذي في اعتقادي قد فاته، فهو الآن يعيش خارج الزمان وخارج المكان، أي يعيش علي النقائض من الأزمنة فيستخدم الإنترنت والخبرة في نفس الوقت، كما يستخدم الهاتف النقال وحساب النجوم مع قراءة الكف. إن استقلال الشخصية لا يمكن أن يتم إلا بعد الخوض في إصلاحات طويلة. تتضمن دراسة التاريخ والتراث واللغة والعلوم والفلسفة والفن والصحافة والدستور والاقتصاد.. الخ. فترتقي شخصية المواطن ولا تسمح لنفسها أن تعيش تابعة لخرافات أو لمرجعيات قديمة تبعده عن المسئولية والالتزام والاختيار والأزمنة الحديثة. لماذا نجحت الليبرالية في الزمن القديم ولم تنجح الآن؟ والجواب هو ما يخص الإنسان نفسه.. فالإنسان في الزمن الماضي يتصرف حسب المعطيات التي بين يديه. أما اليوم فيعتبر انساناً لا سياسياً، متضخماً، سلطوياً، غير سوي، داخله ليس كخارجه، من كثر الأخذ ومن قلة العطاء!!. يؤجل الوطن إلى إشعار آخر، إنسان لا يتطلع إلى أفعال تتحول إلى عمل سياسي مجزٍ، على أية حال، فالوطن يتطلب شعاراً يجسد أمانيه وهو: شعار الوحدة الوطنية، وعدم التفرقة سواء داخل الجمعيات أم بين الجمعيات بعضها ببعض. تعدد الجمعيات يجب أن يطرح كالتالي: أما بسبب تعدد الاختصاصات والمهن أو بتعدد الأماكن في المدن والقرى "أي سهولة الاتصال بالجمعية" و أما الأسباب الأخرى فهي تدعو إلى التمزق لا التجمع. إذن نستطيع تسميتها تمزيقات وليست تجميعات أو جمعيات. ثانياً: الوحدة الوطنية هي التي تسمو علي كل شيء. فشخص لديه مليون ولكن بدون وطن مستقر هو شخص أفقر من الفقراء وشخص لا يمتلك إلا ما رزقه الله هو أغني إنسان على الأرض. وليس ما أطلقه هو خرافات فالفلسطينيون هم خير مثل وهم بدون وطن يعيشون الشتات النفسي والاجتماعي. كل شيء نتقدم لعمله يجب أن نسأل أنفسنا: ما فائدة وطننا منه؟ ما فائدة وحدتنا؟ ما فائدة تاريخنا؟ ما فائدة الناس التي حولنا؟ هل الارتقاء والتقدم في تمزق الوطن؟ أم في وحدة الوطن؟ هذا هو المجتمع المدني الذي له شروط تكوين وزمن تكوين. ومن هذه الشروط ومن هذا الزمن يستمد قوته وتطوره وحيويته وعلاقاته. هذه القوة التي يضيفها إلى الدولة فتقوى به وتسمو، وتتطور، وتتغير. أما المجتمع المفتت فيقود إلى دولة مفتتة. |
#نجاة_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|