|
حان موسم / شراء الفرح ..؟!
سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 3221 - 2010 / 12 / 20 - 09:01
المحور:
الادب والفن
صباحاً إرتديت معطفي الوحيد المخصص للإفراح والأحزان معاً ، وبرفقة شال أحمر . تأبطت السيدة زراعي ، إحتلت رهبة التسكع في الأسواق في هذاالصباح البارد كافة أحشائي الداخلية . فالأعياد بدأت تزحف ، ووصلت حد العنق . لازالت هناك مسافة قليلة قبل الوصول الى طريق مسدود . بحثت في جيبي عن خرائط السعادة . عددتهم ، " كم يورو " وبضعة سنتات ... دون أن يروا الغيوم الإقتصادية المخيمة على أجواء أثينا . تنفست الصعداء ، ربما تكفي ما لدي من نقود لشراء فرح قليل . خارج طغيان الإعلانات الشرسة التي تفترس عقول الكبار قبل الصغار . فرح قليل ، أضيف عليه نكهة الحب ، وقليل من الإبتسامات ، ورشة قرفة ، وشهقات طفولية ترضي الصغار ، تعويضاً لتواضع الهدايا . آه .. إنظري ما أجمل هديتك ؟ وهكذا نقنع صغارنا بهداياهم يوم الفرح . أما الكبار فحظهم في جنة الخلد .. أو " ورقة يانصيب .. من سيربح الملايين بمناسبة عيد رأس السنة .. البعض يحلم بالملايين ، والبعض الأخر يحلم بإنتهاء الطوفان ، الفيضان ، فيضان الجوع ، فيضان الفقر ، فيضان الجهل ..تجمعت كل الفيضانات وتحولت الى طوفان.. إرتفع في عقلية البعض الى أعلى من مستوى سطح البحر .. وإنفصل عن الجغرافيا . فقد أفتى أنه في فرح الإطفال لا يجوز تلامس يده ، يداً أخرى .. لكي لا تختلط خطوط العرض والطول في راحة اليد مع راحة اليد الأخرى .. مثل إختلاط الجابل بالنابل .. لا اعرف كيف يختلط الحابل بالنابل ..؟ فلم أرى في حياتي لا السيد نابل ولا السيد حابل أو ربما حابلة ..؟ من يدري فأنت في عصر يجوز فية تعليق كل الوجوه على أي حابل تريد أو مشجب تراه مناسباً .. حتى لوكان على شجرة لا تحمل تفاحة حواء ، بل تحمل تفاحة نيوتن .. سبحانه وتعالي .. وعلا شأنه .. ما هي الحكمة من سقوط تفاحة قرب أخونا الزنديق .. ولماذا تفاحة بالذات ولم تكن شجرة " جوز " مثلاً ؟! لا أبحث عن فتوى ، فحياتنا تتقئ فتاوي وأحكام ، من كل الأعيرة والمقاسات . بعد طول مشقة وسير طويل وجهد جهيد وصلنا الى الأسواق .. العيد إحتل واجهات المحلات .. الفترينات تحولت الى مرايا تعكس صورة الزبائن المارين في الإتجاهين .. إنفرجت أساريري مؤقتاً ..قلت لها ..كما ترين ، لا زال من المبكر التسوق الأن .. المحلات فارغة رغم الإزدحام في الشوارع ؟! أطفال من كافة الأعمار من التسعين ونازل كل يبحث عن فرح صغير يقضي به يومه .. قبل أن يثرث الصغار أعمار الكبار .. أيدي متشابكة وأخرى متفرقة ، وأطفال تقفز مثل الضفادع والعصافير . تقاطر الباعة الجوالين من أحفادنا المهاجرين من كل مكان ، أصفر وأحمر وأسود وأبيض .. تسمع كل لهجات ولغات العالم . وفي يد كل منهم هدية لها ثمن .. فعليك شراء الفرح ، إنه موسم شراء الفرح .. ومن لا يملك ثمن هذا الفرح ترى ماذا يصنع ..؟! لا أدري .. فأنا أبحث عن فرح متواضع جداً .. ومع إرتفاع الأسعار أصبح الفرح صعباً مثل صعوبه الحصول على عمل في عالم يستهلك مواطنة يطحنه ثم يلفظة على قارعة الطريق . ثم ماهي الهدية المناسبة ليس مع مناسبة الإعياد .. بل التي تنسجم مع حقوق الحاضر في جيبي ، ولا تنتظر " الرزق الغائب " الطائر في الفضاء ، الذي لم يبحث عنا يوماً فهو دائماً يسكن قصور الأثرياء . إحتلت الألعاب الصينية كافة الأرصفة .. الحمار الراقص .. نعم لماذا لا يرقص الحمار ؟ إذا كان الحصان قد طار بإجنحة إستعارها من " هرميس " الإله الإغريقي رسول الألهة فيما بينهم ، المكلف بهذه الوظيفة نظراً لبعد وإتساع المسافات الأفقية والشاقولية . في حينها لم تكن الألهة بعد قد بنت أبراجاً وطوابق تحتاج معها الى مصعد عفريتي .. ليحضر لها مطلوباً من الأرض . " هرميس " كانت أجنحتة على كعب قدمة . ثم إختاروه رمزاً للبريد العالمي اليوم . بعد أن جرى فصل أجنحته من كعب قدمها وتعليقها على كتفيه ، لتكون صورته أكثر واقعية للبشر . بل وجرى إستعارة هالة الشمس من السيدة " أوزيريس " المصابه بداء الفيل . كما ذكرت كان هناك " الحمار الراقص " ودراجة هوائية .. ودب يقرع طبلاً أجوف ..ولا من مجيب .. فالطبل يصدر صوتاً لكن ليس نغماً مثل " دو ري مي " يحيي قلب الإنسان مثلما يحيية قليل من نبيذ المسيح ، حتى لو كان أزرقاً . في منغوليا ، " السامان " الساحر ،الذي عاد بعد سقوط التجربة الشيوعية ، الى لعب دورة القديم ، لا يقبل أية هدايا تقدم له من طعام وشراب ما لم يكن مصحوباً بزجاجة " فودكا " لايهم نوعها " سمرنوف أم ستلشنايا .. المهم الفودكا أولاً .. وليس نبيذاً .. أما قصة عشرة أيام هزت العالم فقد ذهبت مع الريح . إنه الفرح موسم الحصاد لأبائنا الكرام ، و فرصة لكافة القديسين ، لترويج صورهم وإعادة تعليقها على الجدران في هذه المناسبة كأننا في حملة إنتخابية . بخمسة " يورو " فقط تستطيع الحصول على أيقونة أي قديس منهم .. عرض رخيص ..لا علاقة له بالعرض والطلب .؟ وأنا أبحث عمن يعيد إحياء " اليعاذر " الإنسان من جديد . الإنسان القديس ، أو عن إله جديد لا نحمله كل حماقاتنا ،ورزالاتنا وسخافاتنا اليومية ، عن " إله " لا يعتدى عليه ، بسبب غبائنا ، أو بسبب من قسوة من إحتكروا تمثيلة الوحيد والشرعي . لماذا دائماً رسائل الكراهية أكثر صدقاً من رسائل الحب ..؟ لاتبحث عن " مصطفى صادق الرافعي " لتعرف سر الكراهية أو الحب في كتابه القديم حديث القمر ..بل إبحث في رسائل من يريد أن يقنعنا أن الشمس ستشرق منتصف الليل . وأن رقم التسعة والتسعين " 99 " لا علاقة لها بأسرار جنكيزخان وتيمور لنك " عندما إحتلت فوؤسهم ما بين الصين الى منتصف أوربا . فكان يقال أن إلههم له " 99 " إلهاً برتبة مستشار أول . وعلى كل حال التاريخ مكتبة تسمح لأي كان الإستعارة من مكتبتها . البعض يعيد ما إستعار .. والبعض الأخر نسى أو تناسى ليس مهماً . شخصياً لا أود توريط هذا " الإله " الذي في مخيلتي في مصائبي .. ومصائب الأخرين ، ونتائج السياسات القاصرة عن فهم أين تكمن مصالح الإنسان القديس ؟ بعد جولة طويلة على الأقدام ، أصبحت أسير على خاصرتي . إختفت أقدامي .. قلت لرفيقة ما تبقى من العمر ..تعالى نبحث في سوق " الإنتيكا " عن أسرار " ديونيسيوس ، وإيزيس وعشتار وأفروذيتي ودوفري الكلدانية " علنا نعثر على أدونيس.. ما .. ؟ أليس هذا أفضل من البحث عن هدية في سوق " بيرسيغوني " إلهة العالم السفلي ...؟ ولندع " إلهنا " خارج الشبهات والفساد . في سوق الأنتيكا ،؟ هناك مقهى قديم من بناء متهدم ، إستغله عدد من الفنانين الشباب المبدعين وحولوه الى مقهى بسيط وجميل، ومعرض مجاني للرسم . الزائر للمقهى بإمكانه زيارة عروض الصبايا والشباب من لوحات فنية تنتمي لمختلف الإتجاهات الفنية ، كما قد تجد عرضاً لكتاب . وتشرب ما تريد بأسعار رمزية . هي جزء من محاولة الشباب في التغلب على حالة تحويل الفن الى تجارة وتسليعة .. كما جرى تحويل مناسبات الفرح الى موسم للشراء وإنعاش الأسواق .. في السوق تشتري الفرح .. وهنا تشعر بقيمتك أنك لا زلت على سطح البحر ولم تغادر بعد هذا الشاطئ . رغم أننا كنا الأكبر سناً بين الحاضرين .. بيد أن أحداً لم يعرنا إهتمامة . كل له فرحة الخاص .. كما رفيقي الذي فرح مؤخراً بعد حضور رفيقته من العالم الأخر . دون مس من نار أوشهاب مارق . فنجانان من القهوة تربعا منتصف الطاولة المستديرة .. كانت جلسة رومناتيكية في منتصف النهار .. ما أجمل أن يتصرف الإنسان بحياته بالطريقة التي تعجبه . وهذا لا يعني أنك لا تفعل شيئاً .. بل للحقيقة أنك تعمل شيئاً أخر غير الملل . هنا تمنحك الحياة هديتها بلا ثمن . فالفرح لا يشترى .. وما أجمل الإنسان القديس .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نبحث عن - إله - / لا يعتبر العلمانية عدواً له ..؟!
-
مات - الإله - عندما أصبح الإنسان وكيلاً عنه ، ونائبه الأرضي
...
-
أي غد لأوربا ..وأزمة البحث عن الهوية والمستقبل ..؟
-
هل يتحول الإتحاد الأوربي / الى نادٍ للكبار فقط ..؟
-
لماذا صاح الديك / هلولويا ..هلولويا ؟
-
في عيد - الملائكة - / حتى الشيطان رقص وشرب خمراً
-
الناخب اليوناني يوجه / صفعة قوية لأحزابه ..؟!
-
الدجاجة التي باضت بيضة مربعة ..؟!
-
هروب أحد - الملائكة - / الى خمارة - تو كوتوكي -
-
خربشات - مرغريتا - الصغيرة ..!
-
هل - الإله - مؤلف كتب ..أم خالق الحياة ..أو قاتل للإيجار ..؟
...
-
موقع الحوار المتمدن / هذا الملاك الجميل ..
-
من بحر عكا.. الى بحر أثينا ؟
-
صراع - القات - والأيديولوجية / في اليمن - الديمقراطية - ؟!
-
من يستيقظ أولاً ...يصبح بطلاً قومياً ..؟!
-
سقوط أخر سلالة - الملكة بلقيس - / هيلاسيلاسي .. أسد أفريقيا
-
إنه .. عصر الزهايمر الفكري ..؟!
-
- كارلا بروني - ليست عاهرة / منظمات ترميم الصمت هي العاهرة ؟
...
-
تأملات ..قيثارة ..وبيانو .. وعود
-
الصيف .. صديق الفقراء والعشاق / والمهاجرين والمتعبين ..
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|