|
أحلام
أحمد الجنديل
الحوار المتمدن-العدد: 3219 - 2010 / 12 / 18 - 18:41
المحور:
الادب والفن
أحلام أدمنَ على الأحلام منذ الساعة الذي أدرك فيها انه ضحيتها ، أصبح مهووسا بها ، جمع مالاً ، وارتقى سلّم المناصب ، واعتلى عرش القيادة وهو متدرع بأحلامه ، يرويها بأداء ساحر جعلت الكبار والصغار يمدّون أعناقهم إليه ويحفظون ما سمعوه بقدرة مدهشة ، تفنن البعض في صياغة المقدمات والحواشي وهو يروي ما سمعه ، وأتقن البعض الآخر صنع الإطار الذي ينسجم على هواه ، وعندما تكون البطون جائعة والرؤوس خاوية والوجوه صفراء كان زاد الجميع مائدة الأحلام التي سمعوها من الشيخ الحالم . أكل الجفاف الأرض والنفوس ، وأطاح بمنابع الحياة ، وأغلق منافذ الارتقاء ، ومات الشيخ الحالم أعقبه أولاد وزوجات يصعب عدّهم طواهم الموت جميعا وهم على نهج جدّهم ، مثابرون على خلق الأحلام وتفسيرها ، ودارت الدنيا وجرف الزمن عادات وتقاليدا وبقيت الأحلام صامدة في وجه العواصف والبراكين التي هزّت العالم ، وبدأ القلق يساير الشيوخ من ضياع الأحلام أو العبث في كنوزها فأنشئت مدارس وشكلت لجان ، وشرع المؤرخون يكتبون تاريخ الأحلام وتفسيرها بهمة عالية معتمدين التدقيق والتحقيق من الثقاة التقاة فيما يكتبون ، وقد تزينت أقلامهم بالمقدمة الشائعة التي تقول : روي عن فلان بن فلان عن جدّه فلان ، قال : سمعت من فلان عن جدّه فلان الذي سمع عن جدّه فلان ما رواه شيخ يسكن الفلوات ، قال : أن فلانا حضر مجلسا سمع الشيخ الفلاني يتحدث عن كاهن يسكن البوادي أنه قرأ في علم الحكايات عن رجل كان يحضر مجلس الشيخ صاحب الأحلام ( أعلى الله مقامه وأدخله فسيح جنّاته ) وهو يتحدث عن رؤيته في المنام التي شاهد فيها حمارا يقف على رأسه غراب أبيض اللون يلقنه أصول الحكمة ويخبره بما يحدث في الأيام القادمة . ورغم أنّ الروايات التي كتبها المؤرخون تباينت في مصادرها ، وفي طريقة كتابتها ، واختلفت في تفسير دلالات أحرفها ورموزها ، الا أنهمم جميعا أكدّوا على الفعل القبيح التي قامت به جدتي ، رفيقة الشيخ الأول في فراشه ومعاشه ، وما همست به ذات صباح الى أبيها عن فسق وكذب زوجها الذي يلفق الأحاديث ويخترع الأحلام والأساطير ، وأنّ يده أصبحت تمتدّ الى جيب الأرملة ويد اليتيم ، وصار مخدعه مشاعا لكلّ نساء القبيلة وهو يسحرهنّ بما يروي لهن من أحلام . ووفق هذه الرواية فقد ورث أبناء الشيخ الحالم العفّة والطهارة وورثنا نحن عن جدتنا الخسة والحقارة ، وأصبحنا لا نعرف إلا بأبناء الفاجرة ، لنا غير ما لهم من متاع الدنيا ، ولهم غير ما لنا من الحقوق ، وبقيت لعنة الجدّة ( لعنها الله ) ترافقنا في اليقظة والمنام. في تلك الليلة المغمورة بالخوف ، والمدفونة بالظلام ، دخلت على أبي ، كان وجهه هو الآخر مغسولا بموجة الإحباط ورأسه مدفون بسواد الأفكار ، جلست بقربه وبدون مقدمات أخبرته بهمس : ـ البارحة ياأبي رأيت جدتي في المنام مشنوقة بذيل الحمار الذي حلم به زوجها ، ورأيت الغراب الأبيض يأكل عينيها ويقطع لسانها ، وهي تصرخ وتستغيث ولا مغيث لها . دون أن يلتفت أبي ، سمعت كلماته الممطوطة تخرج من بين شفتيه : ـ ماذا كانت جدتك تريد من استغاثتها . قفزت حتى أصبحت قبالته ، وقلت بحماس : ـ كانت تطلب العفو والمغفرة ، اعترفت بذنبها ، وقالت أنها فاجرة لأنها نطقت بما لا يجوز النطق به على زوجها ( أعلى الله مقامه ) . تعانقت عيني بعيني أبي وسط سخرية مريرة شاهدتها تهطل من نظراته . عند الصباح أشعت بين الناس تفاصيل الحلم وقد زدت عليه ما يثير وحذفت منه ما شاهدته وسمعته ولمسته جدتي الملعونة عندما كانت زوجة لجناب الشيخ الحالم المحترم . عندما علم أبي بما قمت به ، أخذته موجة غاضبة دفعت به إلى الخروج وهي يمسك يدي لأكون شاهدا على كذب ما نشرته في الصباح ، إلا أنّ اهتمام الناس بالحلم وانقسامهم حال دون رغبة أبي في تحقيق ما يريد ، فلم نجد من يلتفت إلينا ، كانوا مشغولين عنـّا في تفسير الحلم الذي لم يبق منه سوى ذكر جدتي وقد سمعت منهم ما لم يخطر على بال ، انقسم الناس إلى فريقين ، بعضهم أمر ببناء جدارية تمثل جدتي وهي تطلب المغفرة ، وعلى الجميع نحر النذور عند قدميها ، بينما أمر شيوخ الفريق الآخر بقية الفقراء بتشييد تمثالا لجدتي ( أخزاها الله ) تخرج الأفاعي والعقارب من فمها ، وتسيل الديدان من بين شفتيها ، وعلى رأسها الغراب الأبيض يصرخ بلا انقطاع : ـ اللعنة عليك أيتها الفاجرة .
#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حداء في ذاكرة الليل .... قصص قصيرة
-
الغروب
-
الكرسي
-
يرقية الى ولي الامر
-
حفلة ....قصة قصيرة
-
على هامش الخط الأحمر
-
البالون ...قصة قصيرة
-
كتابات باللون الأحمر
-
جفاف ..قصة قصيرة
-
حكايات ذاكرة.. قصة قصيرة
-
الأقلام والخيول
-
الوصيّة ... قصة قصيرة
-
السفينة .. قصة قصيرة
-
الجناة ومزبلة التاريخ
-
أمريكا وحقوق الانسان
-
بلد العجائب والغرائب
-
بلا وطنية ولا حياء
-
أنا وفكتور هيجو وجبار أبو الكبة
-
الانتهازي الخطير .. قصة قصيرة
-
ايقاعات راقصة لعازف حزين
المزيد.....
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
-
-بوشكين-.. كلمة العام 2024
-
ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|