|
حول دور الحزب الشيوعي، مدخل إلى الممارسة التطبيقية
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3219 - 2010 / 12 / 18 - 16:37
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يصعب كثيرا الإنتقال من الحقل النظري إلى الحقل التطبيقي أو الحقل الممارسي، والعكس بالعكس، وتكمن الصعوبة أساسا حين تفاجيئك تناقضات الواقع بما لم تشمله النظرية بالتفحيص في الحقل النظري، من حيث هذا الحقل، هو حقل مفهومي يعتمد انتاج أدواته النظرية استنادا إلى السيرورة الإجتماعية، حيث أن الحركة الإجتماعية هذه هي سيرورة تاريخية معقدة وغير ثابته، فهي في الحقل النظري تحتمل الخطأ،من حيث هذه السيرورة نفسها في الحقل التطبيقي، في علاقتها بالواقع الموضوعي، تحتمل عناصر المفاجأة أي ما لم تتمحصه النظرية عند انتاجها، هنا تكمن أهمية عملية الجس والحذر في نعاطينا مع السيرورة التاريخية بشكل عام، وهنا أيضا يكتسب النقد والنقد الذاتي مشروعيته العلمية في تقويم الحقل النظري وبالتالي تقويم حركة التاريخ من حيث هو تاريخ حركة الصراع الطبقي، والنقد هذا كما قال الشهيد مهدي عامل هو إسقاط الحصانة عن النظرية(1). مناسبة هذا القول هي بعض الردود حول مقالاي السابقين حول دور الحزب الشيوعي والتي تحث فيها أو هي تتساءل وبتعبير ساخر أحيانا، من الإنتقال من الحقل النظري إلى التطبيقي، كانت مناسبة ذلك المقالين هو مساهمة مني في إغناء النقاش بين طرح يلغي أي دور للحزب الشيوعي في علاقته بالطبقة العاملة وهو طرح تمثله وجهة نظر بعض الرفاق من مصر تستند في تحليلها إلى قراءة خاصة لدور الكمونة في النضال الطبقي كما تستند أيضا إلى إلغاء أي دور سياسي للطبقة العاملة وبالتالي إلغاء أي دور لحزبها، وبين قراة تستحث دور الحزب كما تعتبره فعالا وضروريا في أي حركة تخطوها الطبقة العاملة، كان النقاش نظريا في هذه القضية استلزم قراءة نظرية في تلك الأطروحات، وكانت الإشكالية المطروحة هي: هل تستطيع الطبقة العاملة، في سيرورتها النضالية ان تنجز مهام التحول إلى مجتمع شيوعي دون الإستناد إلى دور أداتها السياسية الذي هو الحزب الشيوعي؟ وهل عملية نزع ملكية وسائل الإنتاج يمكن أن يتم تلقائيا بدون عنف سياسي الذي هو ديكتاتورية الطبقة العاملة وحلفائها الطبيعيين؟ أي هل تستطيع الطبقة العاملة دون ان تمارس عنفها السياسي انتزاع ملكية وسائل الإنتاج وبناء المجتمع الإشتراكي؟ كانت الإشكالية نظرية والنظر فيها أيضا نظري، أما أن ينظر المرء في المسالة من حيث واقعها التطبيقي، فهذا يفترض جدلا آخر مختلف تماما عن الحقل الذي كنا نناقش فيه ويفترض بالتالي رصد واقع الحركة الشيوعية بشكل عام في علاقتها بالبنى الأجتماعية واستنطاق الميكانيزمات التي تفتعل هذه البنى على المستوى المحلي(الوطني) في ارتباطها بالوضع الدولي والإقليمي.كما يفترض تاليا رصد الحركة الماركسية الشيوعية في الوطن العربي بشكل خاص، في راهنيتها وآفاق عملها، فالمسألة المطروحة إذن تفترض هذا النوع من النظر في سيرورة الحركة النضالية بارتباطها طبعا بالتحولات الدولية والإقليمية كما تفترض أيضا نوعا من المغامرة الفكرية والنظرية في رصد هذه الحركة والإلمام بها وهو ما يفترض تشريحا دقيقا لوضع الأحزاب الشيوعية في ممارستها التطبيقية في إطار التحولات التي عرفتها منطقتنا أخيرا في ارتباطها بقضايا الطبقة العاملة، في ارتباط هذه الأخيرة بالوضع البنيوي لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، في تميزها الكولونيالي استنادا إلى وضعها في بنية من العلاقات الكولونيالية التي لا زال طابعها المميز هو أنها لم تنجز بعد مهمتها التاريخية في كسر هذه العلاقة الكولونيالية، أي أننا لم نزل نجتر تبعات هذ العلاقة من حيث أن أس قيامها لا زال قائما بقيام النظام العربي المسيطر بما هو نظام يمثل هيمنة مطلقة لتمركز النظام الرأسمالي العالمي في بلداننا المهترئة، وهو وضع يمثل الإشكالية الحقيقية التي لم تجب عنها الأحزاب الشيوعية العربية، بل يمكن القول أنها تراجعت عن أغلب اطروحاتها التحررية استنادا إلى التغيرات الدولية التي يشكل انهيار الإتحاد السوفياتي أهم محطاتها الكبيرة، وهو وضع يطرح من جديد النظر في هذه العلاقة اليتيمة التي تؤكد مسارا خاطئا كانت المركزية السوفياتية تمثل فيه استلابا إيديولوجيا لهذه الأحزاب أكثر مما هي كانت تمثل سندا حقيقيا لهذه الأحزاب في حركيتها التي ميزها أغلب منظرينا على أنها حركة التحرر الوطني، لا شك أن علاقة الإتحاد السوفياتي بالحزب الشيوعي قبل ظهور ماوتسي تونغ، تظهر بجلاء هذه العلاقة من الإستلاب في تأييد ستالين مثلا لحركة() فيما يعرف باتنفاضة كانتون، على حساب الشيوعيين الصينيين والتي أسفرت عن مذابح هائلة في حقهم استثمرها النظام الستاليني آنذاك بستراتيجية التخفيف من وطأة العداء الرأسمالية لثورة أكتوبر الرائدة وهو وضع كان يستند إلى انتهازية قائمة كان يؤطرها موقف بناء الثورة الإشتراكية في بلد واحد قبل انبنائها في بلدان أخرى، وهو ما يناقض مبدأ كينونة الثورة الإشتراكية التي تنظر لها كل كتابات ماركس انطلاقا من كينونة النظام الرأسمالي، هذا الوضع من تحقيق الإشتراكية في البلد الواحد، كان يشكل مرجع الرؤية السوفياتية في تعاطيها مع الأحزاب الشيوعية في العالم وليس فقط العالم العربي، ويمكن بفضل المراجع التي تحررت من السرية التي حكمت نظام الحكم السوفياتي الإستناد إليها بخصوص هذا الصدد، خصوصا التقارير السرية عن إعدام قادات شيوعيين بحجج واهية، قادة ينتمون إلى حركة التحرر في البلدان المستعمرة، كانوا منفيين عند النظام السوفياتي، كما يمكن الإستناد في نفس الوقت إلى ما تصدع إلينا أخيرا بأن خلافات حزبية في الوطن العربي كانت تحسم في موسكو. هذا يظهر بجلاء أن الممارسة الحزبية في الوطن العربي لم تكن تستند إلى نبض الحركة الإجتماعية في الوطن، بل كانت تستند إلى وهم القوة السوفياتية، وهو أيضا ما يفسر وضع الحركة الشيوعية في بلدان مثل الصين وأمريكا اللاتينية التي في ممارستها الموضوعية،ومن خلال نتائجها على الأرض، تأخذ أبعادا تجاوزت في ممارستها نبض المركزية السوفياتية آنذاك، تحقق مثلا في امريكا اللاتينية وعي تحرري قلما نجده في الوطن العربي وهو وعي بطبيعة الحال يراه بعض العرب، من منطلق التحنط التاريخي بالتجربة السوفياتية، تحريفا للماركسية، بينما هو وعي يستند في حقيقة الأمر إلى نبض التناقضات الإجتماعية في أمريكا اللاتينية. وكنتيجة حاسمة، يمثل انهيار الإتحاد السوفياتي انهيارا أيضا لذلك التحنط العربي في ممارسة أحزابه الشيوعية التي، على الأرض لم تنجز ما كان لب حركيتها التي هي حركة التحرير الوطنية، فإذا كان ضروريا أن ننتقل من الحقل النظري إلى الحقل التطبيقي، وجب بالضرورة أن نرتبط في ممارستنا السياسية إلى تحقيق تحررنا الوطني، استنادا إلى طبيعة العلاقة البنيوية التي تربطنا بنمط الإنتاج الرأسمالي في تميزه على أنه نمط إنتاج كولونيالي بتعبير مهدي عامل، وعلى العكس لما بداه بعض رفاقي في النهج الديموقراطي، لا زال فكر مهدي عامل الإطار النظري للممارسة السياسية النضالية من حيث هي تصب في إنجاز ما لم تنجزه حركة التحرر الوطنية، وهو قطع العلاقة الكولونيالية التي هي في نفس الوقت الأداة التي بها تهيمن الأنظمة العربية على الوطن العربي(وهو موضوع دردشة رفاقية في المؤتمر الأخير قيل لي فيها بان نظرية مهدي عامل تجوزت استنادا إلى المتغيرات الكونية) بينما الممارسة السياسية للأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتينية لا زالت تعمل في إطارها. إذا كان المنحى التاريخي لأسلوب الممارسة السياسية لأسلوب ستالين الإنتهازي قد أدى حتما إلى سقوط الإتحاد السوفياتي في أحضان الرأسمالية، (ولن أدخل في جدال حول هذا المنحى الذي تؤكده الكثير من المراجع، يستطيع أي قاريء العودة مثلا إلى كتاب النبي الاعزل لمؤلفه إسحق دويتشر ليتأكد من هذا المنحى) فإن التحنيط الحزبي لممارسة الأحزاب الشيوعية العربية قد أخذ هذا المنحى نفسه، وتأثر أكثر من غيرها بهذا المنحى، ونتيجة لذلك، تراجعت الأحزاب العربية أكثر من غيرها سقوطا في أحضان الرأسمالية، بل إن الكثير منها نسف إيديولوجيتها الشيوعية لصالح المواقف الإنتهازية اليمينية، وتبنى الكثير منها الإصلاحات البرجوازية الأكثر عقما والأكثر امتثالا لإملاءات المؤسسات المالية العالمية.بل والأكثر من هذا عرفت أغلب الأحزاب اليسارية انقسامات قاتلة مارست خلاله أكثر المواقف انتهازية من حيث تشتيت لحمتها النضالية في إطار نضالات تتنازعها المواقف التطاحنية اكثر مما تتنازعها وحدة الهم النضالي، تشتيتا اعتمد التيسر تشكيكا في تيسر الأحزاب اليسارية بشكل بات من الصعب على المواطن، المناضل العادي أن يميز بين اليسار واليسار. هذا الواقع المر هو الذي يتحتم علينا في الممارسة السياسية التطبيقية الإجابة عنه، وهو كما سيرى القاريء ليس مسألة إعجاز، بل هو أو هي مسألة حس ونبض، وهو في المطاف الأخير نزاع بين الخط الجماهيري لأي حزب والخط النخبوي لهذا الحزب، وهو بالتالي الغياب القاتل لفاعلية الجماهير الكادحة في مشروعية ممارستها السياسية داخل الأحزاب الشيوعية، انطلاقا من نفي تجديد دينامية الحزب بفعل وطأة السيادة الموروثة لقادة هم أثقل بباهظ وطأتهم على دماغ الأحياء كما قال ماركس.ولا سأتابع هذا الموضوع، لكن بروية لظروف خاصة تمنعني من الكتابة المستمرة
(1) يتكلم مهدي عامل هنا على النص بشكل عام (نصوص محاوريه)، وبالتالي تنطلق هذه النصوص من وجهة نظرية ما وهو ما يعني في التحليل الأخير إسقاط الحصانة على أي موضوع هو حقل العملية النقدية
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما قابلت عزرائيل
-
الفنان سيدي عبد السلام ياسين
-
قراءة في كلمة الرفيق رزكار عقراوي
-
عبوزان الصغير
-
إيه يا داحماد حين تأتينا بثورة بغلة (عن جبل سكساوة)
-
وداعا الرفيق أبراهام السرفاتي
-
حول دور الحزب الشيوعي (2)
-
حول دور الحزب الشيوعي
-
تيط إفسثن: العين الصامتة
-
مأزق الديموقراطيات
-
هنيئا للحوار المتمدن
-
دور الآلة في الإنتاج الرأسمالي: رد على تحريفية فؤاد النمري
-
سجين ملحمة العبور
-
حكايا من المهجر: بيترو إفانوفيتش
-
ضاعت مرة أخرى ملحمة جلجامش
-
المغرب وإشكالية اللغة 2
-
المغرب وإشكالية اللغة
-
حكايا العبور
-
العلاقات المغربية الإسبانية
-
خواطر سياسية: كل الاحزاب المغربية أحزاب الملك
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|