خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3215 - 2010 / 12 / 14 - 21:02
المحور:
القضية الفلسطينية
يعلل الدكتور صائب عريقات مأزق المفاوضات جراء عدم جدية اسرائيل وعدم التزامها كما جاء في مقال له بعنوان _ مازق التسوية الفلسطينية_الاسرائيلية, نشر بتاريخ (1-11-2010م) مستخلصا من ذلك (فالدرس المستفاد بعد نحو عقدين من المفاوضات الثنائية هو أن المحادثات المباشرة وحدها لا تكفي لضمان السلام. ويتعين أيضا وجود التزام مسؤول لا يتزعزع بالقانون الدولي. ) فمن وجهة نظره ان (ويضع القانون الدولي معايير السلام العادل ويساعد في ضمان المساواة في معاملة الفلسطينيين والإسرائيليين ويرسم الطريق نحو مصالحة دائمة على أساس ثقافة الحقوق والاحترام المتبادل. )
نحن هنا لا نود مناقشة الفهم _ الافتراضي _ الذي يحمله الدكتور عريقات عن شروط ضمان السلام. او الفهم الافتراضي ان القانون الدولي _ يساعد في ضمان _ المساواة _ في معاملة الفلسطينيين والاسرائيلين او الوصول الى مصالحة _ دائمة _ بينهم على اساس _ ثقافة الحقوق والاحترام المتبادل _ كما يقول. فكل ما سبق هو مفاهيم _ افتراضية _ لا تنطبق على واقع الحركة السياسية العالمية وصراعاتها على الارض, وقد بينا في مقال سابق لنا ان القانون الدولي مؤسس للتعامل مع العلاقات والصراعات بين _ الدول _, وبذلك فان معايير معاملته للفلسطينيين لن ترتقي للمعايير التي _ يفترضها _ الدكتور صائب, وان الوصول الى هذا ذلك المستوى يتطلب _ اولا _ ان يكون هناك دولة او على الاقل اعترافا بدولة فلسطينية.
اننا هنا نحاول قراءة _ الواقعية السياسية _ التي انطوى عليها بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية,الذي اصدرته اثر اجتماعها _ برام الله؟ _في _الضفة الغربية؟_ وناقشت فيه (التطورات السياسية الأخيرة بشان عملية السلام ) كما جاء في البيان, ومدى جدية موقف منظمة التحرير الفلسطينية في قراءة عبر فشل المسار التفاوضي بعد هذا المدى الزمني الطويل الذي استغرقته من عمر القضية الفلسطينية.
فمن الواضح ان _ الواقعية السياسية _ لمنظمة التحرير الفلسطينية تتركز في التمسك بنهج التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي بغض النظر عن ان يكون مباشرا او غير مباشر, وبالوساطة الامريكية نفسها, التي سمحت لعملية التفاوض ان تؤول الى الفشل الذي انتهت اليه, فهدف البيان الرئيسي كما جاء في البند الثالث هو اشعار المجتمع الفلسطيني ان منظمة التحرير ( ثالثا:- تدعو القيادة الفلسطينية إلى تحرك دولي واسع لضمان حماية العملية السياسية من التخريب الإسرائيلي لها وتعطيلها، بما يشمل عقد الاجتماع العاجل للجنة الرباعية الدولية على أعلى مستوى لوضع الأسس الكفيلة بإطلاق العملية من جديد على قاعدة وقف الاستيطان ووضع مرجعية واضحة وحازمة لها.
كما تدعو القيادة الفلسطينية إلى تنسيق الجهود العربية والدولية لوضع العملية السياسية على المسار الصحيح، وتوسيع نطاق الاعتراف بحدود الرابع من حزيران لدولة فلسطين، ودعم عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، والعمل على رفع الحصار التام عن قطاع غزة. ) خط التشديد من عندنا, الامر الذي يعني ان المنظمة تصدر بيانا داخليا موجها للمجتمع الفلسطيني, لتعلمه انها ماضية _ رغم سوء النتائج _ بمسارها الذي اختارته.
لقد تميز بيان المنظمة بعدم الجرأة السياسية المفترض وجودها في من يمثل مصالح قومية مصيرية , وقد تبدى ذلك في البيان, بدءا من عدم الجراة على الاشارة الى رام الله كعاصمة مؤقته, ومرورا باسقاط الصفة الفلسطينية عن الاراضي المحتلة والاشارة اليها باعتبارها _ نطاقا جغرافيا _ يحدده موقعه من نهر الاردن, _ الضفة الغربية _ , وتفاقمت عدم الجرأة هذه بعدم الاشارة بلوم او نقد الى مسئولية الولايات المتحدة الامريكية عن ايصال مسار التفاوض الى ما انتهت اليه. والاخطار التي حملها ذلك على الوضع الفلسطيني,
وعوضا عن ان تلوم وتقرع منظمة التحرير النهج السياسي الامريكي , فانها اصدرت _ صك براءة _ له, بل واعادت له فضل انه حاول تقديم _ عروض باهظة _ و بذل وقدم _ كل الجهود والاغراءات_, دون ان تشير من قريب او بعيد الى ان الادارة الامريكية الراهنة امتنعت عن ممارسة اي ضغوط حقيقة على اسرائيل اثبت وقائع تاريخية سابقة ان النهج السياسي الامريكي اذا توفرت له الارادة, قادر على ممارستها عليها, كما في اجبارها على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة عام 1956م_ وايضا اجبارها على توقيع اتفاقييات كامب ديفد والانسحاب مرة اخرى من سيناء_ وايضا اجبار حكومة شامير على الانخراط في التسوية وحضور مؤتمر مدريد.
بل على العكس فان صياغة بيان المنظمة تحمل في مضمونها قبولا مبدئيا للمطلب الامريكي الصهيوني في تجاوز مطلب وقف او حتى التجميد المؤقت للاستيطان, ياتي ذلك في ثنايا قبوله الاقتراح الامريكي الذي اسماه البيان (تعديل أسلوب ومسار العملية السياسية ) والذي يعني العودة لنمط التفاوض غير المباشر وبدء التفاوض على القضايا النهائية. ( الحدود والمياه واللاجئين والقدس ....) والتي هي ليست في الحقيقة القضايا النهائية إلا في التعريف الفصائلي الهزيل الوطنية. المتشبث بالمفاهيم العرقية الدينية ومفهوم الوطن كمكان عيش فحسب. وهو للاسف المفهوم الذي سوقته الفصائل الفلسطينية واعتمد عالميا.
لكنه حتى في ظل هذه _ السطحية _ نتسائل ما ومن الذي سيجبر اسرائيل على اولا الوصول لاتفاقات ترضي الفلسطينيين بها؟ وما ومن الذي سيخلق في اسرائيل _ الجدية الضرورية _ للالتزام بما يتفق عليه وتنفيذه؟
فمن الواضح ان هذه الواقعية السياسية تجاوزت قراءة هزال _ جدية _ الموقف الامريكي من عملية التسوية وظللت عليه بصورة مقصودة بالتركيز على عدم وجود جدية اسرائيلية في الالتزام بالقانون الدولي, وهو الامر الذي يؤشر الى انحدار مستوى مفهوم _ الواقعية السياسية _ في منظمة التحرير وصولا الى مستوى عدم الجراة على اتخاذ موقف فلسطيني رافض للاستفراد الامريكي بمسار المفاوضات, وامكانية الانتقال الى مسار اشراف دولي اوسع تمثله رمزية اللجنة الرباعية, وايضا الانتقال الى مسار تعويم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, والولوج منه الى حالة اعتراف دولي واسع بدولة فلسطينية مرسمة الحدود تشكل ضغطا دوليا تفاوضيا على كل من اسرائيل والولايات المتحدة معا. ان هبوط مستوى هذه الواقعية السياسية انما يعني الاستمرار تفاوضيا تحت مظلة الاستفراد الامريكي _ ربما في انتظار مكافاة ما _ . اما الاشتراطات التي توازيها المنظمة مع الواقعية السياسية, من مثل مقولة تحديد مرجعيات واضحة وملزمة لعملية السلام, وكذلك الطلب الى الاتحاد الاوروبي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية, فمن الواضح ان منظمة التحرير تعرف سلفا ان الاجابة عليها _ الان _ ستكون سلبية بصياغة دبلوماسية على طريقة رد الاتحاد الاوروبي _ في الوقت المناسب _, خاصة ان هذه الطلبات الفلسطينية تطرح بلا جدية حقيقة, حيث لم يبذل من اجلها بعد اي جهد سياسي, الامر الذي يجعل منها ذرا للرماد في عيون الشعب الفلسطيني وتغطية على نية العاشق السرية في التسلل الى هواه الذي ادمنه.
ان مصلحة الشعب الفلسطيني, تكمن في التخلص من هذا النمط والنهج في الانجاز السياسي. بدءا بتعريف القضايا الرئيسية لعملية التفاوض المتمثلة بالاستقلال والسيادة الكاملين والخروج نهائيا من منطق قابلية كل شيء للتفاوض والتي تعني سياسيا امكانية تقاسم موضوع التفاوض او التخلي عنه.
ان في صورة نهج القيادة الفلسطينية التفاوضي ملامح تؤشر انه بات يبتعد اكثر فاكثر عن مفهوم الوطنية الهزيل الذي لا يزال يقيد ويمنع سقوطه نحو الهاوية, وفي هذا السياق يمكن قراءة وقائع كثيرة كان اخرها _ الافراج القضائي الدستوري الفلسطيني _ عن عملية الانتخابات الفلسطينية, وهو افراج _سياسي _ لا يبدو ان له _ الان _ هدفا سوى اعادة تجديد شرعية الاستمرار بنهج التفاوض الراهن, لعلم القضاء الفلسطيني _ السياسي _ الاكيد ان الانتخابات لن يتم اجراءها في غزة, وانها ستتم فقط في _ الضفة الغربية _ التي تسيطر عليها بصورة تامة مؤسسة السلطة واجهزتها الامنية التي تؤيد استمرار هذا النهج التفاوضي, ولعلم القضاء الفلسطيني _ السياسي _ ان موافقتها على اجراء الانتخابات تتلازم مع علمها انها ستتم بالضفة الغربية فقط, مما يعني اتع قرار قضائي سياسي يصب باتجاه تعميق حالة الانقسام والانشقاق والمزيد من الصراعات الفلسطينية الداخلية واقصاءا لثقل حركة حماس عنها, ولا ادري كيف لا يربط الذين فرحوا بهذا القرار القضائي من الفصائل الفلسطينية بين توقيت صدوره واتجاه حركته السياسية ودورها السلبي في _ الوقت الراهن _ في الواقع الفلسطيني, وهنا لا نشير الى مبدئية حق الممارسة البرلمانية والاانتخابية بل اللعب السياسي في تحديد اتجاه نتائجها عبر توقيتها.
لقد كان من واجب القضاء الفلسطيني اصدار قرارا قضائيا مشروطا بملاحق تعزل عن الشعب الفلسطيني الاضرار المباشرة المحتملة الملازمة لحكم تفعيل العملية الانتخابية, في هذا التوقيت. فالقضاء الفلسطيني في النهاية هو احد السلطات الدستورية الرئيسية الثلاث التي تحمل المسئولية السياسية القومية الفلسطينية العامة, وأن فهم ان مهمتها تقتصر على الفصل القضائي الحقوقي في الاختلافات, انما يدل على اما تدني مستوى فهم الواجب العام الاساسي او على انحياز سياسي غير سليم.
ان النتائج الخطرة لقرار تحرير تجميد الديموقراطية الفلسطينية _ الان _ تتمثل الى جانب سوء التوقيت, في انها ايضا تحمل تحجيما اضافيا لحجم المشاركة الشعبية الفلسطينية بها, فالى جانب اسقاط الحجم الرئيسي من الشعب الفلسطيني في مهاجر الخارج, وسقوط حق المشاركة عمن يحمل _ قسرا _ جنسية غير فلسطينية, ياتي الان اسقاط حق المشاركة _ بصورة عملية _ عن جماهير قطاع غزة. الامر الذي يحصر التمثيل الفلسطيني وامره الى قلة القلة ذات الاتجاه والنهج السياسي موضع التساؤل, ان الشرعية الوحيدة التي يحملها هذا التمثيل _ في هذه الحال _ هي المكتسبة من موافقة الاطراف الاجنبية عليها وقبولها بنتائجها, ان قرار المحكمة العليا الفلسطينية _ الان _ هو تدنيس سياسي لنزاهة السلطة القضائية نفسها؟
ان الصورة السابقة لا تبريء بالطبع حركة حماس من المسئولية فهي ومن موقع الانشقاق انما تتيح مدى حرية اكبر لحركة نهج التفاوض الذي تسميه عبثيا, كما انها تعمق ازمته التفاوضية ليس باتجاه التحرر منها وانما باتجاه تقديم تنازلات ما كانت لتقدم لو كان لحركة حماس موقعها المؤثر في عملية التفاوض في وضع الوحدة السياسية, لكنها اختارت الانشقاق واختارت ان يكون لها مسارها التفاوضي الخاص, الذي تظن واهمة انه لن يكون عبثيا ايضا.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟