عبد الكريم البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 19:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل أن نسقط جميعا 1/3
نشرت مجلة المنار الباريسية بعددها الصادر في 7 تموز 1985 توضيحا مهما لما كان (ومازال) يجري من حملة او سمتها حربا فكرية ضد الفكر التقدمي. وبمناسبة صدور كتاب للشهيد الراحل فرج علي فودة عنوانه" قبل السقوط" جاء فيه:
ربما لم تكن الحرب الفكرية او الأيدلوجية التي تشنها قوى ألاستعمار و الامبريالية ضد منطقتنا كجزء مهم من مناطق سيطرتها ونفوذها اقل قسوة او ضراوة عن جيوش ألاحتلال التي ساقتها بالحديد والنار لاحتلال أراضينا.
وقد يجدر بنا ان نتنبه الى حقيقة كشفت عنها الدراسات والوقائع والأحداث في السنوات ألأخيرة, وهي ان هذه الحرب الفكرية كانت منذ بدايتها مع بداية التغلغل ألاستعماري متعددة الجبهات. فإذا كان صحيحا أن الغرب ألامبريالي بذل جهدا كبيرا لزرع أفكاره ومفاهيمه وتصوراته, وخلق نماذج المفكرين المحليين الذين ينسجون على منوال مفكريه من حيث المناهج والطرائق والأساليب ومنطق التفكير, فأنه لم يتردد قط في بذل جهد كبير آخر على المستوى النقيض. ذلك لأنه اذا كان (ولا يزال) هدفه واحدا, فأنه قد فتح في سبيل الوصول إليه أكثر من جبهة, واستخدم في معاركه أكثر من سلاح.
في عام 1950 اصدر جون فوستر دالاس-وزير خارجية الولايات المتحدة ألأسبق- كتابه الشهير "حرب ام سلام", وقرر فيه ان ثمة طريقين للدفاع عن المصالح ألأمريكية الرأسمالية, أولهما: طريق المعونات ألاقتصادية والعسكرية, وهو طريق سلبي في رأيه. وثانيهما: يتمثل في توحيد القوى الدينية والروحية في القارات الثلاث, وهو في اعتقاده الطريق ألايجابي وصولا الى الهدف المشترك الذي يسميه "النظام العالمي". قال" دالاس" في كتابه: ان الجماعات الدينية المختلفة قد عملت في الولايات المتحدة جنبا الى جنب من اجل هدف مشترك هو النظام العالمي. ووجد البروتستانت والكاثوليك واليهود ان من الممكن أن يتعاونوا فيما بينهم رغم تباين العقائد الدينية. ومن واجبنا تنمية علاقات مشابهة مع شعوب آسيا والباسفيك في سعينا لتنظيم حماية القيم الروحية التي نعتز بها جميعا. ومن اجل هذا الهدف أقيم في واشنطن عام 1960 ما يسمى ب-"معبد التفاهم" بين ألأديان الحية الكبرى. وانعقد " مؤتمر القمة الروحي ألأول" عام 1968 في كلكتا بالهند وكان يضم ممثلين لأحد عشر دينا بينها ألأديان الكبرى الثلاثة. وكان موضوع المؤتمر "مغزى الدين في العالم الحديث", وانتهت المناقشات التي أعقبت الأبحاث التي ألقيت بداخله الى ضرورة إيجاد منظور ديني موحد لرؤية قضايا الإنسان المعاصر من خلاله. وفي الكلمة الختامية التي ألقاها "هوستون سميث" أستاذ الفلسفة بمعهد ماسويتش للتكنولوجيا بجامعة كمبرج توجه المؤتمر بنداء الى ممثلي الأديان الحية جاء فيه: ان الحركة الدينية العالمية مرت بثلاث مراحل حتى ألآن تتعلق أولاها بالكشف عن الوحدة الكامنة في العالم المسيحي بفضل تأسيس " مجلس الكنائس العالمي" عام 1948. ثانيتها بالكشف عن الوحدة الكامنة في الأديان الحية الكبرى من خلال تأسيس"معبد التفاهم" عام 1960. أم ثالثتها فيجب ان تتعلق بالكشف عن الوحدة الكامنة في ألإنسان. ولن يتأتى ذلك الا بمحاربة المذاهب والتيارات والاتجاهات والمدارس التي تفرق بين البشر وتزرع الكراهية والحقد بينهم, على المستوى الفكري والاجتماعي والإنساني.
بطبيعة الحال كان المقصود بزرع الكراهية والحقد بينهم هو المذاهب والتيارات والاتجاهات التي تدور في فلك الوطنية والاشتراكية وتبحث عن الاستقلال السياسي والتقدم الاجتماعي والبناء الذاتي للأيديولوجيات المستقلة. كان المقصود محاربة هذه الأفكار جميعا تحت زعم انها دعوات
"مادية" لا تستبعد استخدام "العنف" وتهدد "سلام" العالم, وتقض في النهاية مضاجع السادة الإمبرياليين المستغرقين في أحلامهم "الروحية"!
وفي عام 1977 تابع بريجنسكي رئيس الأمن القومي السابق في ادارة الرئيس "المؤمن" كارتر نفس التوجه الفكري واعلن انه يعتبر " التعصب الإسلامي حصنا ضد الشيوعية". وذكر في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز, وكانت أحداث إيران قد بدأت تغلي : " ان على واشنطن ان ترحب بالقوة المنبعثة من الإسلام في الشرق الأوسط لأنها كأيديولوجية مع القوى الموجودة في المنطقة والتي تؤيد الأتحاد السوفيتي. وفي شباط عام 1979 طلب بريجنسكي إجراء دراسة تشمل العالم كله لما اسماه ب" بالتعصب الإسلامي" بسبب" تأثيره السياسي التزايد في مناطق عديدة من العالم". وذكرت صحيفة واشنطن بوست ان رئيس مجلس الأمن القومي اعطى تعليماته الرسمية الى أجهزة المخابرات الأمريكية للقيام بدراسة معمقة لهذه الظاهرة. وفي قمة الثورة ضد الشاه أعلن بريجنسكي تصريحه الشهير الذي قال فيه ان المنطقة عبارة عن " قوس أزمات" يمتد من شمال وشرق افريقيا عبر الشرق الأوسط وتركيا وإيران وباكستان. وزعم ان الاتحاد السوفيتي يقوم بلعبة قوية في هذا الجزء من العالم مستهدفا الثروات النفطية الموجودة في الخليج التي تعتمد عليها صناعة الغرب. ورسم بريجنسكي صورة للدب الروسي وهو يضغط باتجاه المحيط الهندي. واقترح بعدها تشكيل منظمة حلف الشرق الأوسط " ميتو" وهو الحلف الذي كان عليه ان يبدأ بمصر وإسرائيل ثم يتوسع بعد ذلك او يتوغل في المنطقة حتى يضم إيران نفسها!
#عبد_الكريم_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟