|
قصة قصيرة بضاعتهم ردت...!!
محمد عبد الله دالي
الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 19:09
المحور:
الادب والفن
كانَ يتنفس هواءً نقياً خاليا من الشوائب ، فالهواء في الاهوار يأتي بارداً من خلال القصب والبردي ، مصفى كأنه يمرُ بفلتر ، أما الهدوء فكان سمة جميلة في مسكنه العائم على وجه الماء تُحركهُ سيمفونية الهواء التي يعزفها على أوتارٍ القصب والبردي، بنى بيتاً من حنايا القصب ، إنها تجربته الأولى بعد أن تزوجَ من حبهِ الأول ، حَصَلَ من عمهِ على بقرةٍ فتية بهذه المناسبة ، كانَ فرحاً بها لأنها ستساعده على العيش وستصبحُ جزءاً من العائلة ِ فالفرحة لا توصف ، وأما فرحتهُ بجنتهِ قد اكتملت بالماء ِ والخضرة والوجه الحسن ، أضافت أسراب الطيور المهاجرة من الشمال والجنوب ، فرحة أخرى مضافة فهي تحمل المحبة والسلام ونزهته على ظهرِ المشحوف كأنه في أزقة مدنية البندقية . وإذا سمعتَ صوتاً عذباً فهو صوته الريفي الأصيل الذي يتغنى بهِ فكم كان يُمني نفسه أن يدوم هذا في حياته البسيطة .. استيقظ ذاتَ يوم واستظل بيده اليمنى عن أشعة الشمس مدً نظَرَهُ في الأفق الأخضر المتلألئ أثارت انتباهه أسراب الطيور وهي تُغادرُ الهور باتجاهاتٍ مختلفة ، أستسلم لفكرةٍ بأن شيئاً قد آثارها ،! بادرته زوجتهُ قائلة:ـ ــ إنً منسوب الماء قد إنخفظ عن مستواه الطبيعي ،وجريانه أصبح سريعاً أجابها :ــ اعتيادي .. الماء يرتفع وينخفضُ وهذه طبيعة الهور . فبالرغم ِ من رتابة حياته وهدوءها لم يترك تخميناته وملاحظة زوجته بدون متابعة .. رأى إن هجرة الطيور مستمرةٌ ومنسوب المياه آخذه بالانخفاض أحسَ بخوفٍ ، بدا ظاهراً على قسمات وجههِ , حدث َ زوجته :ــ ــ الله يستر الجو ينذرُ بالخطر أرى الأسماك َ بدأت تهجرُ المياه الضحلة وخاصة الكبيرة منها ، إسيقظَ في أحد الأيام على منظرٍٍ رهيب .. قوافل من المشاحيف والزوارق الكبيرة ( الكعد) تحملُ سكان الهور إلى اليابسة حيثُ كانت تنتظرهم شاحنات نقل .... سألً أحدهم :ــ ــ خيراً ماهي الأخبار ؟ ــ أجابه ..ألا تدري بعد انحسر الماء ــ أين وجهتكم ..! عقب أحدهم :ــ ــ لم نقرر بَعد.. الجماعة حولوا مجرى الهور ، إنها كارثة.. تحت وطأة هذه الظروف القاهرة هجر عشهَ الريفي العائم في أجمل وأنقى مناطق العالم، أُجبر على الهجرة داخل وطنه الواحد، ليس بيدهِ شيء، سوى أنه لم يكمل الدراسة المتوسطة استأجر غرفةً في مركز المدينة وحَملَ نفسهُ المتعبة إلى ساحةِ العملِ بانتظار مَنْ يستأجرُ قوتهُ ليوم واحد أو لعدة أيام ازدادت حياته تعقيداً وألما أضافَ ،الطفلان اللذان رُزقا يهما على مدى سنين التعب والعذاب ،مسؤولية أصعب ،ومرت السنون ،بعذاباتها ،وإيقاعها المتناغم ،استقر بهِ الوضع في كشك لبيع الكتبِ، تعرّفَ من خلالهِ على حياةٍ جديدةٍ أضافت لحياته شيئاً جميلاً وأصدقاء جُدد . خفف هذا الوضع من الهموم التي ، كدستها الأحدثُ ،المتلاحقة عليه كَبُرَ الطفلان وأصبحا بعمرِ الزهور كان يملئ رئتيه من عطرهما عندما يعود إلى البيتِ ،يخضعُ لتفتيشٍ طوعيٍ عن بعض الحلوى التي اعتاد أن يشتريها لهم رغم الحصارِ الجائر ،وصعوبة الحياة ، تمكن أن يقفَ بجدارةٍ على قدميه .. سحقته عجلة السنين حَدّ العظم وعندما حَدَثَ التغيير في نيسان تَوَسم خيراً، وبدَتْ طموحاته تتغير ،وأمانيه تتجدد لكنه تَعوًد على حياةِ المدينة ،وأصبح ،جزءاً مهما منها فَعزّ عليه فراقها .. توالت عليه الأحداث ،وازداد الوضع سؤا والرجوع إلى عشه القديم الذي أصبح صحراء قاحلة ،بات مستحيلاً في هذه الظروف العصيبة ، عَزً عليه الوطن بكلِ مكوناته، من يداوي هذا الجرح الذي لا يندمل .. رددَ مع نفسهِ :ــ ـــ صدقَ مَنْ قالَ ( إذا وقع الجمل كَثُرَة سكاكينه) . عدة تصورات تدور في ذهنه وعدةاسئلة . ــ لماذا نأكلً بعضنا البعض،؟ ــ هل اُ بيحَ دمنا ؟ ومن أباحَ هذا الدمً الزكي ؟ تُداهمه الأفكار كمداهمات قوات الاحتلال اليومية يكاد يستسلم لها .يخرجُ كالعادة لعمله ،وهو في طريقه هاجمه رجلان ملثمان لا يعرفهما ،وأدخلوه سيارة صالون صغيرة ،وانطلقت مسرعة ، ترسم خطوطا سوداء على إسفلت الشارعِ ،فقدته زوجته عند المساء تَوَلَدَ عندها إحساس إن شيئاً قد حَدَث أخذت الشكوك تساورها مما حدا بها للخروجِ معَ طفليها للسؤال عنه... سألت أكثر من صديق وصاحب محل كانت الإجابة .. إنهم لم يشاهدوه هذا اليوم . قال احدهم :‘ــ نتمنى له العودة سريعة .... أجابتهم :ــ إنه خرج للعمل صباحا ولم يَعد لحد الآن . بدأ أصدقاءه بالبحث عنه في كل مكان باءت جهودهم بالفشل ، استمرت الحالة أياما بل أسابيع ، ظلًلًت هذا البيت الوديع غيمة داكنة أسكتت زقزقة العصافير فيه لكن ،زوجته لن تقطع الأمل، أبداً ، أخذًت تجلس مع طفليها كل مساءٍ على عتبة الدار في انتظار عودته وبعدشهرونيف ..وقفت سيارة على بُعد خمسين متراً عن بيته والسوق ، نزلَ منها تغطي وجهه لحية كثة ،ويرتدي قمصلة جوزيه اللون ،ويضعُ كلتي يديه في جيوبها ، تاركاً داخل السيارة ، ثلاثة أشخاص يراقبونه ،كانوا قد وعدوه ان يطلقوا سراحه على أن يوصلَ الحقيبة التي يحملها إلى احد المحلات التجارية ... خطى أكثر من عشرين مترا وهو يحمل هموم الدنيا وآلامها وعلى كتفه الحقيبة التي ينوء من ثقلها ، نظر بعيدا إلى السوق ،وما يدور بداخله من حركةٍ لفقراء وأبرياء ٍ يكسبون عيشهم لا ذنب لهم ، إلا أنهم عراقيون أصلاء لم ،تسعفه قدماه ان يتقدم أكثر ، أجالَ بنظره لَمحَ زوجته وأطفاله وهما يلعبان على عتبة الدار ، أصابته رجفة هزت كيانه رَسَمتْ عدة خطوط ملونة أفقدته تركيزه ،أعاد حساباته ، ودسَ يدَهُ المرتجفةُ في جيبهِ ، الداخلي أخرجَ صورةًَ عائلته ، قبلَ الصورة حجبت دُموعَهُ رؤيةَ أطفالهِ ، والسوق بدأ أشباحاً اختلطت عليه كل الأشياء في الشارع ، أصبحت بلون واحد هو لون الوطن كانت لهُ آمال كِبار أن تكون لهُ عائلة وان يساهم بوضع لمساتٍ ، على صفحات هذه الحياة الحلوة الجميلة، ويمني نفسهُ بدارٍ تضمهُ معَ عائلته الصغيرة ومن خلال دموعه ،كان يرى أطفالهُ وهما يحملانِ كتبهما ويركبان باص الروضةِ والضحكات يعلو وجهيهما الجميلتين ،وهو وزوجته يقفان أمام الدارِ يلوحان بيديهما .. انتبه رأى نفسه يلوحُ لهم بالوداعِ فاستدار إلى السيارة ومن فيها قائلا :ــ ــ أيها الظلاميون لن تطفئوا نور الوطن ستنمو براعم المستقبل . اتخذ قرارا حاسما فهرول راجعاً نحو السيارة ، وعندما اقتربَ صاحَ بأعلى صوته :ــ ابتعدوا سيارة مفخخة .. حزام ناسف ... ابتعدوا وناداهم بصوته الهادر أيها الأوغاد هذه بضاعتكم ردت إليكم . فألقى بنفسهِ على السيارة متعلقاً بمقودها ،حاولوا التخلصَ منه بشتى الطرق فلم يفلحوا ، فدوى انفجارُ هائلا هزَ المكان أما الأضرار كانت طفيفة ،أسرعَ الناس الى مكان الانفجار ،وهم يتحدثون عن بطولة هذا الرجل مَنْ شاهدهُ يقول قَتَلهم وضحى بنفسهِ ولم يسمحْ لهم بتدمير السوق إنه شهيد .. هؤلاء أبناء الوطن ..! فَزَ قلبها من مكانه والألم يعتصرُها كأنً شيئا أخذ كل أملها ،وكيانها ،ركضتْ والأطفال .. يتبعونها وبينما الناس تفتش عن دليل او ، شخصاً يعرفونه ، كانت يدُ مقطوعة ملقاة من شدة الانفجار على رصيف الشارع ،وهي تمسك صورةً سحبت الصورة من اليد بصعوبة ،ونظرت بها .. أمسكت اليد ،بكل خشوع وقبلتها ، وانكفأت عليها وأجهشت بالبكاء .. وبكى الطفلان وهما يقفان على رأسها ،وسط دهشة الجميع ...!!
#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرجل الذي تكلم اخيراً قصة قصيرة
-
احلام بائع
-
قصة قصيرة رسالتان من الغربه
-
ضحكات لم تكتمل/قصة قصيرة
-
بين نقطتين قصة قصيرة
-
قصةقصيره
-
قصة فصيرة
-
مجرد امنيات /قصة قصيرة
-
قصة قصيرة/العودة الى الضفة
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|