|
الخيالات الصادقة للقاص أنمار رحمة الله
كاظم الشويلي
الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 18:34
المحور:
الادب والفن
الخيالات الصادقة للقاص أنمار رحمة الله
عندما أرى أبداع جديد للقاص السماوي ( انمار رحمة الله ) اشعر أنني أمام أديب شامخ من أدباء العراق رغم صغر سنه وتجربته القصيرة في المضمار الأدبي ، طالعت له في الأسبوع الماضي مجموعة قصص قصيرة جدا ، بعنوان ( خيالات صادقة ) فوجدتها متماسكة البناء ، أنيقة الكلمات ، جميلة الأسلوب ، مختزلة المفردات ، صائبة الفكرة ، هادفة المعنى ، فماذا نريد أكثر من هذا الانسجام في النصوص التي نطالعها ؟ كان النص الأول يحمل عنوان ( المتسكعون ) يقول فيه : ( الصبية ُ المشاكسون /المتسكعون في شوارع الضّياع ،لم يصادفوا في حياتهم سدرة ً مثل التي في حيّنا ، ولم يذقْ طعمَ ثمرها واحدٌ منهم في درب حياته المتصحر،تجمهروا حولها / أرادوا إذلالها وسرقة ثمرها / لم يفلحوا؛ فراحوا يرشقون وجهها الملائكي ، بأحجار مبعثرة تناثرت من رأس الصنم المهشم في ساحة الجحيم. ) نجد أن الشاعرية طغت بشدة على هذا النص مما أضاف لها بعد أخر من أبعادها البنيوية ، وفكرة النص تدور حول هؤلاء الفاشلون في حياتهم وديدنهم تهشيم وتدمير كل ناجح ومثمر ومحاولة الانتقاص منه .
وأما النص الثاني من القصص القصيرة جدا والموسوم ( أنظروا إلى التلفاز ) فأن فكرتها تدور حول هؤلاء السذج الذي يتصارعون حول لعبة تافهة ، وتكمن المفارقة في أن اللاعبون يتصافحون ويتبادلون التحايا ، ولو أسقطنا القصة على واقعنا الحياتي لوجدنا أن القاص انمار رحمة الله ، ربما يقصد بها بعدا سياسيا هو يدركه ، ويريد من القارئ الفطن أن يتوصل له ، نطالع : ( المقهى المتثائب في آخر الحي،يعاني من مهاترات المتفرجين على لعبة تعيسة المنظر،والمعلومة النتائج .اللعبة ُ تشتدّ حماستُها، يقفُ المتـفرجون ذعرا ً وهلعا ً (فالمقهى شُطِرَ إلى نصفين بين مشجعي كل فريق).تنتهي المباراة ُ/يتقاذفُ المشجعون بالتفاهات/العنتريات المتراكمة في شوارع عقولهم كالنفايات.يشتدّ ُالنزاع ُ فيتحولُ إلى عراك بالكراسي/بالطاولات/بالأقداح،في وسط الضجيج يعلو صوت :- انظروا إلى التلفاز...أنظروا إلى التلفاز).يطالع ُ الجميع ُ التلفازَ ، اللاعبون يتبادلون التحية والمجاملات المعلبة. ) .
وأما النص الثالث فأنه يحمل عنوان ( مرض الإنسانية ) وهو يوجه نقد لاذعا للإنسانية التي ممكن أن تشرّح العين والقلب والصدر ، وتعالجها لكنها تعجز عن معالجة روح الإنسان ، نقاء الإنسان ، نقرأ النص الرائع الذي لم يكن له بداية أو نهاية أنما هو نص مفتوح :- ( هناك إنسان ٌ واقف ٌ على باب ِ إحدى العيادات الطبية الفاخرة، ينتظرُ الدورَ إلى فحص ٍ طبي،يرنو إلى الأبواب الصامتة ،لافتات واختصاصات وشهادات لأفضل الأطباء .طبيب القلب /العين/الصدر/الـ.....الـ...../والإنسان ُ كما تدّعي الجماداتُ يعاني من (مرض الإنسانية)... لم يفعلْ شيئا ً سوى انه أشعل َ سيجارة ً ،وخرج َمن العيادة ضاحكا ًُ بصوت ٍ عال ) . وكان النص الرابع يحمل عنوان ( البراءة والقلادة ) وهو من النصوص الجميلة التي تحاكي براءة الأطفال وسلوكهم المكتسب من البيئة المحيطة بهم ، نقرأ : ( قال له صديقُهُ الماكرُ ذو العشرة أعوام:- أدفنْ قلادتَك في التراب سنأتي إليها غدا ً؛ نستخرجها و قد تحولت ذهبا ً. عادَ الطفلُ في اليوم التالي إلى مكان ِ دفن ِ القلادة، فلم يجدها ،وقف حائرا ً/باكيا ً لا يعرف ُ أين اختفتْ..؟! صارَ عمُرهُ ستين َ سنة وهو يلوم ُ براءته التي ضيّعتْ القلادة. ) . أما النص الأخير الموسوم ( الصياد والسمكة ) فأظنه كان من أجمل نصوص هذه المجموعة لما يحمل من مفارقة جميلة ، وفكرة سامية راقية ، وتصويرا حيا للصراع المأساوي بين كل الكائنات الحية ، نطالع :- ( الصّياد البائس الذي أنهى ثلثي حياته مهرولا ً في درب الضياع والأماني الفارغة،جلس هذه المرة لاختبار حظه ، حيث دسَّ صنارته في قلب الشاطئ الصامت كالقبر،وهو ينتظر فجر حظه الغائب. غمزتْ الصنارة /أخرجها ملهوفا ،وإذا بها سمكة مليئة بالتقرحات /الجروح/الكدمات/الصدمات النفسية والضياعات ... سألها :مابك ؟ أجابته:- لقد عشت ثلثي حياتي في بؤس وشقاء،من فك سمكة كبيرة إلى فك سمكة أكبر ،وها أنت فسحت لي المجال لأستنشق رائحة الحياة في درب صنارتك المميت،أرجوك لا ترجعني إلى الماء،وفرقني لحما ً في بطون البشر،واصنع لي من معدهم ملاذا ... سرح الصيادُ كثيرا ً،طافت على كعبة خياله الأفكار العارية.لم يفعل شيئا سوى انه رمى بالسمكة على الجرف وهي تتقلبُ فرحا ً. بعد ثلاثة أيام أنتشل المتجمهرون على الشاطئ جثة ً طافية ً. ) .
تحية محبة للقاص المبدع انمار رحمة الله وهو يتحفنا بروائع قصيرة جدا من الأدب الهادف الملتزم ، وقد صاغ نصوصه بكلمات مكثفة جدا ، لكنها تحمل معاني كبيرة هادفة ، انها نصوص تستحق المطالعة والإشادة والتعريف بها ....
#كاظم_الشويلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة سريعة لإبداعات القاص جعفر المكصوصي
-
الوجوه البيضاء للقاص خزعل المفرجي
-
أحلام القاص عبد الفتاح المطّلبي
-
لمحة نقدية لقصص المبدعة سنية عبد عون رشو
-
القاص جيكور ... عندما يتحفنا بروائعه
-
الشاعرة رغد صدام ...وعلى الدنيا السلام
-
قُتل الإنسان ما أكفره ....
-
تايتانيك عراقية ...
-
شتاء جهنم ..... قصة قصيرة
-
اقراط سوسن ..... قصة قصيرة
-
أين أنت ...... يا نجمة الصباح
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|