|
ديوان: الفصول ليست أربعة
عبدالكريم كاصد
الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 15:04
المحور:
الادب والفن
[سيرة محلة صبخة العرب]
مفتتح:
(ينصب البحرُ عرشهُ في البرّ)
تحلمُ بالبحر يغمرُها بالنخيل يظللها بالشطوط تسيلُ بأطفالها ثمّ تفتحُ عينين: ما أجملَ الليلَ يُشرعُ فوق السطوح نوافَذهُ.. وينامْ
صيف:
في الليل تمتلئ السطوحُ بالبشر والسماءُ بالنجوم ويتكئ القمرُعلى السياج
*
السطوح طرقٌ تهبط وترتفع وقد تتعرج وتستوي ثانية ثمّ فجأة: مئذنة
*
في الحيطان الواطئة المهجورة والمسكونة بالحيّات قد تبصر أزهاراً صغيرة أو عشبة ما أشبهها بعشبة الخلود!
*
أبوابٌ مشرعة للهواء للقطط والكلاب للأشباح والبشر وقد تصطفق دون أن يغلقها أحدٌ
*
على الرمال تضع الشمس بيضتها وتزحف
*
مراجلُ تغلي ولا نارَ هناك
*
لشدّة صمتِ الظهيرة تسمع حتى دبيبَ الهوام
*
كادت الظهيرة أنْ تشعلَ الحطب
*
الجدران ما أشدّ بياضَها في الحرّ
*
في الظهيرة أين تختفي الظلال؟
*
دخانٌ يخفّف عبءَ الظهيرة
*
ذلك الطائر أضحى حجراً
*
حتى السعف توقّفَ عن الاهتزاز
*
الطفلة الراكضة على الجادة ترفع قدميها الحافيتين في الهواء وتبكي
*
حتى الساقية العفنة صمتتْ فلم تعدْ تنشرُ رائحتها
*
بالمناديل يحتمي السائرون من الشمس
*
مائدة الصيف ما أبهجَها!
*
لماذا لا يأتي رمضان إلاّ في الصيف؟
*
في رمضان الأطفالُ أشدّ جوعاً من الصائمين
*
أخي منتظراً صوت الأذان يَمسكُ صفيحتهُ كالمحارب ضربتان ويهبط الدرج
*
الكلابُ الغافية في الظل نسيتْ نباحَها
*
ذلك الظلّ القابعُ بين الأشجار أغمضَ عينيه ونامْ
*
على الجادة ينتشرُ الناس وتخفقُ بيضاء أثوابُهم في المساء
*
القبورُ البعيدة يذهبون إليها عادة في القطارات في الصيف عائدين بأمواتهم من جديد
*
في البيت حطّ طائر يمشي بجناحين كسيرين ويحدّق مرتعباً
خريف:
يرحلُ النهرُ مبتعدا يحملُ الناسَ تدنو الضفافُ البعيدةُ تدنو الظلالُ البعيدةُ والليلُ يدنو وتستعرُ النار أصفرُ لونُ السماء الصناديق صفراء ليلُ الجراديغ أصفرُ والطبلُ.. يُقرعُ والفجرُمقترباً يرفع الآن - فوق المياه - الشراع
*
الخريفُ أجملُ الفصول
*
ما أغربَ الخريف وهو يستحمّ تحت مطر الشتاء!
*
خريف يجئ بخرقةِ صيف
*
الأوراقُ التي جلبها المدّ أهي الأوراقُ التي رحلتْ مع الجزْر؟
*
طفلٌ يُريد أن يمشي على المياه وقد فرشتها الأوراق
*
ضوء قاربٍ بعيد يهتزّ أصفرَ.. في الظلام
*
المقهى المطلّ على النهر يشحب شيئاً فشيئاً ويختفي في المساء
*
ما أجملَ جسرَك يا "باب سليمان": الأشرعة بيضاء العباءاتُ سود الأوراق فراشاتٌ صفراء وأنا أحملُ طبقاً أخضر وأتطلعُ إلى النهر
*
حتّى حيات الماء تبدو صفراء في الخريف
*
ذلك القاربُ الأصفر القادمُ بهدوء أنه قاربُ الخريف
*
أوراقٌ أوراقٌ طافية تتبعها في المدّ ثمارُ التوت
*
أوراق أم أسماكٌ طائرة في الهواء
*
الأوراق وهي تسقطُ في التنور تتوهّج فراشاتٍ حمراء
*
ما أجملَ الخريفَ راحلاً مع النهر
*
بفانوسٍ في اليد يهبط الليل خائضاً الضفّة إلى النهر
*
حين نغادر كم يبدو وجهك مصفرّاً أيها الخريف وحين نعود كم يبدو وجهك مصفرّا أيها الخريف
*
لماذا تجلس وحيداً هناك خارج البيوت أيها الخريف
*
لك رائحة التمر والخشب لك رائحة النهر العائد بجثث الأوراق في المساء
*
ما أوسع السماء في الخريف! وما أضيقها! حين نعود إلى الصبخة ثانية
الجوقة :
بأغانينا نسحب النهار إلى الليل وآلامنا إلى النهر ونغتسل عائدين بأقدام أخفّ من الهواء وأذرعةٍ أسرع من ضربات الطبول وعيونٍ تلتمعُ في الضوء عائمين كقش على المياه في اضطرابٍ جميل
وفي الشتاء
حين تمطر، تحوط المياهُ البيوتَ، فأخوضها بجزمة وحذاء في اليد، في طريقي إلى الجادة العالية برفقة أخي الصغير ليعود بالجزمة إلى البيت:
سأزفّ إليكم نبأي: أنا من ساكني الجزر بيتي في جزيرةٍ وجزيرتي في بحر أخوضهُ في الصيف مثلما أخوضهُ في الشتاء بجزمةٍ سوداء وحذاءٍ في اليد إلى الجادةِ العالية أنا غيليفر في بلاد الأقزام
( أوه.. كم يشبه هذا منفاي؟)
*
كثيراً ما تمرّ في الشتاء كتائبُ غيومٍ مدلهمة ذاهبة إلى الحرب
*
برق لوقع سياطهِ جروحٌ في الأرض
*
المزاريب تصبّ والدروب تغلي بالماء والبيوت تتجرد من ثيابها وتعلّقها على الحيطان
*
لماذا كلّما أمطرتْ تعلقتِ الأشجار بخيوط المطر
*
ظلال حمراء حيطان سود وأشجارٌ من نارٍ في منقلة بيضاء
*
في الشتاء الطيور تأوي إلى السقوف وتقاسمنا الأبواب
*
حين تنطفئ الغيومُ في السماء تشتعلُ التنانيرُ في الأرض
*
بعد أن صمتت الأرض والسماء لماذا الصرخة المدوّية لهذا الطائر السفيه؟
*
هنا يقبعُ الشتاء خلف الباب ويهبّ في وجهِ من يُطلّ
*
حين تغتسلُ السماء بالمطر كم تبدو بيوتكِ واطئة !
* أسمع الآن حوافرُ الشتاء في البعيد لن نُفتحَ الأبواب حتى لو دقّ بحافرهِ
*
السماءُ تحتَ أقدامنا أنهبط؟ يا للبركة وهي تحدّق فينا صامتة بعينيها الضاحكتين
*
ضبابٌ وناس يعومون فيهِ وقرنان يقتربان ولا جسدَ خلفهما في الطريق
*
دائماً عندما تطلع الشمس بين الغيوم ترنّ هنالك مركبة أقبلتْ من بعيد
ربيع:
الربيع أ تسمعُ ضحكتهُ في الهواء قادماً من بعيد؟ إنه يجلسُ الآن فوق السياج مطلقاً كلّ أزهارهِ في الطريق
*
كلّ عام ولبضعة أيام حسب تمدّ عنقها: وردة حمراء كأنّ مقصلة هناك في الهواء وردة تطلّ في الساعة ذاتها وترحل في الساعة ذاتها كلّ عام لبضعةِ أيام حسب وردة حمراء
أهالي صبخة العرب:
وقورون كآلهة من سومر تحفّ بهم النراجيل كالجواري في مقاهي المدينة
مُنحنون أبداً على ميّت أوقتيل عاقدين العباءات عند الركب في حديث لا ينقطع من الصمت والنواح
بيوتهم قد تخلو من الخبز ولكتّها نادراً ما تخلو من الضيوف
ولائمهم لا تنتهي: ذاهبون إلى الحجّ قادمون من الحجّ زائرون ناذرون عاقدون نادبون وقد تمتدّ ولائمُهم ثلاثين يوماً ثلاثين عاماً ثلاثين قرناً هؤلاء آلهة سومر وأحفادُها المتوّجون بالسنابل ذوو الأفواهِ المفتوحةِ أبدا المغلقةِ أبداً العاويةِ في صحراء من الأبدية...
بألف خيطٍ يشدّون أعصابهم إلى الطريق أما انقطعتْ؟
بألف يدٍ يرفعون السماء فتقع السماء على رؤوسهم
عند كلّ قطرة مطرٍ ينتحبون ويفقدون جداراً
ما أفقرَهم بجيوبٍ فارغةٍ وعُقلٍ معقودةٍ كالأفاعي يرحلون جنوباً تتقدمهم الأغنام والرمال تخفقُ في أطمارهم
يدخلون المديتة كلّ صباحٍ بأقفاصهم وطوابيرهم وقاماتهم المشدودةِ دوماً بأحزمةٍ من خيش ناثرين الشتائمَ فوق الرؤوس مجلجلة بالضحك وحين يعودون آخر النهار ويفتحون لليل أبوابهم لا يجدون غير نهارٍ آخر ومسيرٍ أطول
الجادة:
الطيورُ الراحلة صوب الغرب القطارُالصافرُ أبداً السكة التي رُفعتْ الملكُ الذي مرّ وظلتْ بسمته عالقة الأعمى الذي يتطلّعُ في الشمس معلناً الوقت الأطفالُ الماضون إلى البرية السكرانُ الواقفُ وهو يصيح: " أنا امرأة " وذلك الذي ينثرُ النقودَ في الطريق ما أبطأ خطواتِ حصانه!
ما الذي أبقيتِ ولا أتذكرهُ أيتها الجادة؟
موكب:
الطبول تدقّ الطوابير تأتي: لقالقها وهي تعرج أطفالها صرخاتُ النساء الكلابُ تسدّ الطريق بيارقُها الخضر أبواقها (توقظ الميْت) عميانُها والعصا تتقدّمهم وتشيرُ (إلى أين؟) خزّانُها المتطاول (أشجارُها تستظلّ بهِ) قارئاتُ المناحات أعلامُها السود والنعشُ يهتزّ فوق الأكفّ ويعلو ذراعين انظرْ! ملائكة في الهواء أ تبصرُهم؟ أ تبصرُ تلك الطوابير: أحصنة أم ترى بشرٌ بقوائمَ أربع؟ أغربة وخفافيش أجنحة لطيورٍ تحطّ وأخرى تطير وفي آخر الموكبِ الآن يأتي النخيلُ بشَعرهِ، أشعثَ، يهتزّ طول الطريق
مدرسة صبخة العرب:
للصبخة مدرستها أيضاً يفصلها عنها طريقٌ إسفلتيّ فتبدو كأنها امرأة مهجورة أو رجلٌ غريب يتطلع.. لا يدري أين؟ في المدرسة كنت أجلسُ صباحاً على الرحلة ذاتها التي يجلسُ عليها أبي - ربّما- في المساء
وفي البيت نجلس أنا وأبي ملتصقين كصديقين حميمين نقرأ في كرّاسةٍ واحدة
لعبة:
من بين كلّ اللعب كانت هذه اللعبة تسرّنا كثيراً:
هي تنتظر جالسة وأنا زوجها العائد من السفر أحضنها لننام
كنت أعود مسرعاً حتى كفّت اللعبة أن تكون لعبة طفلين
طرق:
ما أكثرَ الطرقَ الطالعة من الصبخة وما أقلّ الطرقَ الموصلة إليها: طريقٌ تمتدّ وتمتدّ ولاتنتهي أبداً طريقٌ تصطدمُ بجدار طريقٌ تختفي في الرمل ولا تظهرُ ثانية طريقُ تتخفّى خلفُ النخل وتخرجُ عارية طريقٌ يوقفها كلبٌ بنباحهِ فتغيب وقد تدخلُ بيتاً أو تعبر قنطرة أو تتعرّجُ عند بيوت الأرمن وتحاذي محرقة عند سياج في المستشفى الجمهوريّ (كان يُسمى المستشفى الملكيّ) لكنّ المحرقة ظلّتْ قائمة طريق تثقب جدراناً وتسير فلا يوقفها أحدٌ طريق تمضي في الصحراء كم أرهقني السير عليها!
أسماك:
في صبخة العرب ثمة أسماك كثيرة حتى أنك لكثرتها تكاد تشمّ رائحتها في الهواء أسماك ليست في حوض أو نهر بل في تنانير موقدة حتى في الليل في حفلة نارٍ أبدية
وقد تختفي أحياناً فلا يراها أحد أين اختفت الأسماك؟
أحداث:
لأن أحلامي كثيرة لا تعدّ وذاكرتي متعبة من الدخان والحطب أتذكّر أحداثاً لم تحدثْ ومواضعَ لم ارها مثلاً:
مقبرة عند منحدر
قلاعاً تنفتح بلمسة يد
حيطاناً تتقدّم زاحفة
أصداء تتردّد في الليل إلخ... إلخ... إلخ
الجحيم:
لأدعونّكم إذن إلى ما لم يحدث.. إلى جحيمي ذلك الأزليّ مبتدئاً بالسد ومنتهياً بمنحدر المقبرة حيث الظلالُ تشيرُ إلى منحدر لم يهبطْ إليهِ أحدٌ حتى أولئك الذين قدموا بفوهات البنادق توقفوا هناك عند السدّ دون أن يطلقوا رصاصة واحدة على الظلال التي لم تعد تسيل دماً وقد نزفت كثيراً
ذلك الظلّ أعرفه هل أناديه؟
- يا حميد بن ضامن!
لكنّه لا يجيب هل أكلمُ غيرَهُ؟ لماذا ترى يسرعون إلى المنحدر؟ ما الذي يبصرون هناك؟
غجر:
الشمس ترافقهم في الليل والقمر في النهار سائرين في الهواء لا أثر لأقدامهم على الأرض وحين يهبطون تهبط الشمس والقمر معاً - أيها الغجر أيها الغجر الخيام تطير ..!
شجرة التين:
نافورة البيت الخضراء مياهها تصل السطح وقد تعلوه قليلاً
أتنزّه فيها وحدي أحياناً أنا آدم أترقب أن تأتي حواء كي تتعرى
قتال:
ساحتان أمام البيت ساحة للسماء وأخرى للأرض في ساحة السماء شاهينٌ يدخل حمامة تفرّ في ساحة الأرض قطرات دمٍ و صغارٍ يحتشدون
عاشق الطيور:
بكوفيتهِ الشبيهةِ بالطائر يلوّحُ بيديهِ لحماماتهِ السابحةِ في الهواء فجأة تستحيل يداهُ جناحين فيطير خائضاً حربهُ في السماء وسط ذعرالطيور
عمياء:
لا ترى أحلاماً لأنها لا تغفو لحظة ولكن ما أكثرَ أحلامها: خربة مجاورة عبدان مقيدون بالسلاسل سياط نساء في الليل ساحة تضئ خفاش أعمى وهي غائبة عن المشهد الذي تراه غائبة .. تماما
أعمى 1:
لا يمرّ عابر دون أن يسأله: " كم الوقت؟ " - أيها الأعمى أيها الجالس طول الوقت أمام البيت ماذا تفعل بالوقت؟
أعمى 2:
مثل فزّاعة يسير تتقدّمه عصاه وحين يمدّ إليها يدهُ تسبقهُ خطوةً لا يخطئ الطريقَ أبداً رغم التواءاتهِ وقد قادهُ الطريق ذات يوم إلى مخافر الحدود: مهرباً لألفاظهِ التي تضحك الأطفال فصاحة ترهب الكبار فيلوذون بالصمت والخجل أحياناً
المجنون:
مثل أبي الهول الجالس أبداً يتأمل المشهدَ الذي يتقوض مشهدَ البشر والبيوتِ والأشجار دون أنْ تطرفَ عيناه كأنهُ الطفلُ الابديّ للزمن الهرم الزمن الذي يقوّض كلّ شئ بمعولٍ صدئ
مريم:
بردائها الأزرق المنقط بالبياض (دوما..) وشعرِها الأبيضِ الذي يصفرّ تشدّ عباءتها وتمسّ بأطراف أصابعها الأكليل لئلا يسقط ( ما من إكليل ) مريم الساحة والأطفال العروس والعريس الزفة والابواق الأرض والسماء وما بينهما معلقة مريمُ
أمي:
بين سياج الحديقة والعشب بين تنورها والطريق مائدتِها والخبز لا تهدأ أمي أبدا لكنْ يا لتلك اللحظة حين تكلّم أمّي موقدها وتئنّ مائلة فوق قبورٍ لا أبصرُها مردّدة الكلماتِ ذاتها بصوتها الشجيّ الممتدّ كدموعها إليّ وأنا استرقُ السمع وأنصت محدّقاً في الكتاب الذي بين يديّ دون أن أقرأ حرفاً
الساحة:
أنا الشاهدة على ما جرى من دمٍٍ لنساء ذبيحات وأطفالٍ يحدّقون في الدم كما يحدقون في ساقية أنا الشاهدة على ما سيجري غيّروا ألأقنعة فأنا لم أعد اراها وقد عمِيتْ أيها الممثلون الصامتون يا أحبائي
الأفعى:
لست أنا من يحدّثكم الآن وقد متّ منذ زمنٍ بل روحي التي سكنت حائطاً قديماً تهدّم روحي المجرّحة بالفؤوس والمعاول لا ليست الصبخة جنة للأفاعي حتى ولاجهنم أيضا
الجدار:
أنا الجدار الواطئ لا ذاكرة لي فليتحدث الشاعر عني ما يشاء لا تاريخَ لي لأتذكّرهُ ولابيتَ لأتعرف عليه مكشوفٌ للمطر والبرد وما أخشاه أنا الجدارُ الواطئ أن أتبعثرَ يوماً حجراً في الطرقات يا للصبخة من مقبرة للحيطان!
الزقاق:
أنا الزقاق الضيق من يغسلني وقد وطئتني الأقدام وغطاني الوحل من يمنحني مرآة لأرى عينيّ أنا الزقاق الضيّق أرتجف الآن من الخوف وقد انتصف الليل ونام الناس
القطّ:
لقد قرأتم الكثير عن القطط ولاشكّ عن ابتساماتها الماكرة وهي تظهر وتختفي في الظلام عن أرواحها الشريرة عن هدوئها المفكرِ قربَ النار وألعابِها السحرية عن فروها الجميل ورحلاتها القصية في الأحلام ولكن آه يا لصبخة العرب كم اذلّت القطط سأقف عند هذا الحدّ ولن أتحدّث لئلا أحزنكم
الحمار:
أنا الحمار الطيب حملتُ من الأتربة ما يغطّي البصرة بأكملها دون أن أخرجَ عن الجادة أبدا من يخرج عن الجادة في صبخة العرب؟! من الأطفال لا أتذكر غير طفل واحد كنت أراه كثيراً في الجادّة لا أدري هل خرج هو عنها أيضا؟ أم لا يزال يحمل الأتربة مثلي؟
الكلب:
لا أضيف لكم شيئاً إن قلت: لا مكان للكلاب في صبخة العرب
الديكة:
كثيراً ما تضحكني الديكة عندما تستيقظ منتصف الليل ظانة أنه الفجر وقد تمدّ أعناقها المشروخة في المساء لتصدح حتى تتوهج أعرافها كالجمر لكن الديكة هنا لا تخطئ أبداً وحيدة دقيقة متلألئة في الفجر في صبخة العرب
عربات:
يا للفجر حين تمرّ العربات محمّلة برائحة الحقول تكادُ تمسّ حوافَ السطوح الخفيضة بأعراف خيولها وقاماتِ سائقيها وهي تبتعد خضراء تعبق بالرائحة لأجراسها رنة الشمس عند الصباح
العابر:
هيْ .. أنت أيها العابر! بقامتك المتأرجحة كالشراع في الغبار الذي يحمل قاربك الآن إلى أي ضفة تسير في هذا الصباح الذي يفتتً النجوم كما يُفتّ الخبز للطيور
القمر:
أنا مدلّل الشعراء وسميرهم في الليل يسمونني الأعور هنا في صبخة العرب هل اروي لكم عن سكاكينهم التي أعمت عينيّ دروبهم التي أرهقتني أزقتهم التي أدخلها حذراً كلابهم التي تنبحني حتى في النهار وهي تحلم بي عظمة هل اروي لكم؟
الشاعر:
أيها الجدار التي أظلتهُ أشعاري أيها الزقاقُ المضئ بشمسي أيها الحمارُ الذي رافقتهُ زمناً أيها القطّ الذي رافقني زمناً أيها الكلبُ الذي مازال يتبعني أيتها الأفعى الحارسة نومي أيتها الديكة يا من تضحكينني أيها القمر ياصديقي كم أحبكم انا ابن صبخة العرب
الجوقة:
بعباءاتٍ طائرةٍ في الريح وأقدام مثقلةٍ بالأرض حملنا السماء إليكم عابرين الفيافي بأكياس الملح وآثار أقدامنا المطبوعة على الرمال من يسمعنا؟ نهدهد أطفالنا بالنواح وأشباحنا بالأنين ولأمواتنا الجائعين نترك الخبزفي عتبات البيوت
خواتم:
من يتذكر أعراسَك ولا تدمعُ عيناه؟
*
حتى في مآتمك ثمة فرحٌ
*
الغجر كم أحبّ قصورهم في الهواء وهي تتناثر ورقاً في أعراسك!
*
الراقصة التي جلبها هاني الندّاف إلى العرس ظلّت ترقص عارية حتى اعتلت العرش - عرش الفجر - وعلى رأسها كأس
*
الطيور الجاثية هناك على الأسلاك ما الذي تنتظر؟
*
من يصدّقني وقد رأيت ملائكة تخرج من أبوابك؟
*
السماء لم تكن بعيدة حينما قدتني إليها ذات يوم
*
النخيل حين يزورُ بيوتكِ في الليل ما الذي يتحدثُ بهِ؟
*
لذلك الطائر الغائب أبداً تنصتين لماذا؟
*
ما أكثر الملائكة السائرين في دروبك ذاهبين آيبين حاملين سجلاتهم الضخمةِ كالموسوعات يحصون ذنوب الناس
*
البلابل المغرّدة عالياً في الأقفاص من يسمعها ولا يتخيل فردوسكِ خلفَ الأبواب؟
*
ذلك الغسيل المعلق على الأسلاك عند الغروب لماذا تركتهُ الشمس؟
*
أبقارك المطرقة دوماً بماذا تحلم؟
*
"يا كوكتي.. يا كوكتي" واشتعلت نارٌ في الأفق وخفّ الناس جميعاً خلف الطير
*
أ أسأل الهدهد الواقف هناك على نخلةٍ أين سبأ؟
*
البيتُ أنتِ وسكانكِ العائلهْ (أصدق بيتٍ لم تقله القصيدة)
*
أيتها الصبخة متى تطلين من شرفة القصيدة؟
هامش خاص إلى أهالي صبخة العرب:
أنا الراطن بلغات عديدة لا يستقيم لساني إلا بينكم
أحبّ نساءكم وأغانيكم الحزينة تلك التي غنيتها في صباي فأبكيتكم
هامش أخير:
تنتابني رغبة أحياناً رغبة ملحة أن أزور الأماكن التي أمضيت فيها حياتي قبل عشرين عاما ثلاثين عاما غير أني سرعان ما أتردّد: لماذا أعذّب نفسي بالتذكار - حسنا كان أم رديئاً - مستعيداً تلك الأماكن وقد ابتعدتْ كثيراً حتى أنني لم أعدْ أعرف إن كانت قبل عشرين عاماً أو قبل عشرين قرناً
2008
للشاعر:
مجموعات شعرية
1- الحقائب الطبعة الأولى 1975 دار العودة-بيروت الطبعة الثانية 1976 دار الأديب-بغداد 2- النقر على أبواب الطفولة الطبعة الأولى 1978 مطبعة شفيق-بغداد 3- الشاهدة الطبعة الأولى 1981 دار الفارابي-بيروت 4- وردة البيكاجي الطبعة الأولى 1983 دار العلم –دمشق 5- نزهة الآلام الطبعة الأولى 1991 دار صحارى-دمشق 6- سراباد الطبعة الأولى 1997 دار الكنوز الأدبية –بيروت 7- دقّات لا يبلغها الضوء الطبعة الأولى 1998 دار الكنوز الأدبية-بيروت 8- قفا نبكِ الطبعة الأولى 2002 دار الأهالي-دمشق الطبعة الثانية 2003 دار الأهالي-دمشق 9- زهيريّات الطبعة الأولى 2005 دار الكندي-الأردن 10- ولائم الحداد الطبعة الأولى 2008 دار النهضة العربية-بيروت 11- الديوان المغربيّ الطبعة الأولى 2009 دار الحرف-المغرب 12- نوافذ (مختارات شعرية) الطبعة الأولى 2009 دار المأمون الثقافية- بغداد 13- الفصول ليست أربعة الطبعة الأولى 2009 اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين- البصرة
مجموعات قصصية ومسرحية
14- المجانين لا يتعبون الطبعة الأولى 2004 دار الكندي-الأردن 15- حكاية جندي مسرحية عُرضت في مسرح (أولد فك) بلندن في مطلع سنة 2006
ترجمات شعرية عن الفرنسية
16- كلمات لجاك بريفير 1981 دار ابن رشد-بيروت 17- أناباز لسان جون بيرس 1987 دار الأهالي-دمشق 18- قصاصات ليانيس ريتسوس 1987 دار بابل-دمشق
ترجمات عن الإنجليزية
19- نكهة الجبل 2005 دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة
حوار
20- الشاعر خارج النص: كتاب صدر سنة 2007 عن المطبعة السريعة في المغرب. وهو حوار طويل أجراه معه الشاعر والمترجم المغربي عبدالقادر الجموسي
#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكان يهرب..بداية تبتعد
-
شمس عبر الأوراق: شينكيجي تاكاهاشي
-
ما الذي نفتقد؟
-
الديوان المغربيّ
-
القصيدة-النص
-
لا وجود لداخلٍ أو خارج بشكلٍ مطلق
-
باتجاه الجنوب.. باتجاه لوركا
-
مختارات شعرية: نوافذ
-
عن المسرح الشعريّ
-
ديوان: وردة البيكاجي
-
عن الملائكة- رافائيل ألبرتي
-
ديوان الأخطاء
-
ديوان : ولائم الحداد
-
قصيدة طائفية
-
مقاهٍ لم يرها أحدٌ
-
هايكو: جاك كيرواك
-
لعبة واحدة، اثنتاعشرة قصيدة، والشاعر العربيّ في المنفى
-
من مختارات هارولد بنتر الشعرية
-
الشاعر خارج النص: قصائد مختارة
-
الشاعر خارج النص:الفصل الخامس
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|