|
هادي العلوي وإشكاليات محمد أركون: تفكيك المصادرات الأورومركزية
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3213 - 2010 / 12 / 12 - 15:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الصرامة والموضوعية : كان المفكر العراقي الراحل هادي العلوي قد وجه نقدا لعدد من الإشكاليات المفهومية في أبحاث المفكر الراحل محمد أركون، نقدا لم يَخْلُ أحيانا من الحِدَّة والصرامة البالغتين اللذين ميَّزا كتاباته وأبحاثه النقدية والتراثية، و لم يخلُ أيضا من الإنصاف والموضوعية لإنجازات أركون في كتاب يحمل عنوان "محطات في التاريخ والتراث" صدر سنة 1997 عن دار الطليعة الجديدة السورية، وسنرمز له عند الاقتباس منه بكلمة "محطات".وقد رأينا أنَّ من الأفيد استعراض هذا النقد تحليليا، في وقت يدور نقاش واسع حاليا في الدوائر الفكرية العربية بعد رحيل أركون وزميليه أبو زيد والجابري. نحن نرجح أن يكون العلوي قد كتب الدراسة موضوع بحثنا قبل عدة سنوات من هذا التاريخ في ضوء رصدنا ومتابعتنا الشخصية لكتاباته – كتابات العلوي - ومشاريعه البحثية التي أسعدنا القدر بمشاركته في عدد منها. لقد كتب العلوي هذه الدراسة كما قلت حين كان الاثنان - هو وزميله أركون - على قيد الحياة والعطاء الفكري، وقد رأينا بالتالي أخذ هذا المفصل الإنساني بنظر الاعتبار ولكي نكون أكثر وفاء لذكرى الراحلين الكريمين رأينا أن نتجنب طريقة ذكر محاسن موتانا – وهي وفيرة - ونطبق طرائق عملهما وتفكيرهما النقدية على كتاباتهما ذاتها. نسجل أيضا، وبخصوص مصادر العلوي، وهو - كباحث وأكاديمي- كاتب دقيق جدا وشديد وكثير التطلب في ما يخص موضوع المصادر والاستشهادات، فنقول أنه اعتمد على جملة نصوص لأركون هي محاضرات ثلاث، ومقالات منشورة في مجلة "مواقف" الصادرة من 1980 وحتى 1990، وهذه المحاضرات والمقالات لا ترقى، من حيث الأهمية العلمية لكتب أركون التأسيسية والمهمة وأغلبها مترجم إلى العربية، ولكن العلوي لم يعتمدها أو يذكرها باستثناء كتاب "في الفكر العربي" الذي ترجمه عادل العوا. وليس لدينا تفسير مؤكَد لهذا الأمر، فربما يكون بحثه أقدم زمنيا من ترجمة أغلب كتب أركون إلى العربية، أو بسبب اعتماده على خلاصات ترجمها له عن كتب أركون الفرنسية صديقه الباحث الجزائري بغورة الزواوي، والذي أطلعه أيضا – أطلع العلوي - على أطروحته لشهادة الدكتوراه وهي عن أعمال أركون. نسجل للحقيقة، أن تلك الخلاصات المترجمة لم تكن كما يبدو بالدقة الكافية، والدليل الملموس على ذلك هو حين تطرق العلوي لموضوع أصول الفقه لدى الشافعي، وكيف نظر إليه أركون. فقد سجل العلوي شكوكه في أن يكون صديقه الزواوي قد أساء الترجمة حينها، فقد نسب الزواوي لأركون قوله (أن البحث في أصول الفقه توقف منذ رسالة الشافعي ..) ويكتب العلوي (أنا أخشى أن يكون صديقي بغورة الزواوي ... قد أساء ترجمة هذا القول لذلك يجب أن يقرأ:ان البحث في أصول الفقه بدأ مع رسالة الشافعي../ محطات 187) والواقع، فإن شكوك العلوي في محلها تماما، فقد راجعتُ شخصيا ما كتبه أركون عن هذه الحيثية، في كتابه "تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، وسنرمز له عند الاقتباس منه بكلمة "تاريخية"، فوجدتُ أنه يعتبر علم أصول الفقه قد تبلور للمرة الأولى على يد الشافعي (بشكل متماسك يتيح لنا أن نستخلص مفهوما فعالا من الناحية التاريخية والتأملية للعقل الإسلامي الكلاسيكي) بل هو يضيف ( لم يكن تأليف الرسائل في زمن الشافعي يخضع بعد للقواعد والتصنيفات والتقسيمات العديدة التي أصبحت تفرض نفسها بدء من القرن الرابع الهجري...ص 67/ تاريخية ) أي بعد قرن على وفاة الشافعي في سنة 204 هـ/820 م. ويبدو أن الأمر التبس على الزواوي حين قرأ وترجم عبارة ثانوية أخرى، وردت عند كلام أركون على نسختين من رسالة الشافعي، وهما "النسخة العراقية والنسخة المصرية"، حيث يقول أركون (ومن المعروف أن هذه الأخيرة – يقصد النسخة المصرية .. ع ل – هي وحدها التي وصلتنا، وقد تم تأليفها قبيل وفاة مؤلفها بوقت قصير / تاريخية) ولكي نكون أكثر احتراسا، ينبغي القول: إننا لا ندري حقيقةً مَن هو الذي أساء الترجمة أ هو بغورة الزواوي صديق العلوي، أم هاشم صالح مترجم الكتاب إلى العربية! فربما كان المقصود "نَسْخَ" تلك الرسالة "النسخة المصرية من رسالة الشافعي"وليس "تأليفها"، إذ لا يعقل تأليف رسالة واحدة، في موضوع واحد، من قبل مؤلف واحد، مرتين: مرة في العراق ردا على شخص معروف، هو المحدث عبد الرحمن بن المهدي والذي مات سنة 198 هـ أي 813 م، ومرة أخرى في مصر قبل وفاة الشافعي بقليل؟ وقد يكون ثمة سوء فهم تأليفي لدى المؤلف أركون نفسه. نوعان من النقد: يُعَرِّف العلويُّ أركونَ بأنه مستشرق فرنسي من أصل جزائري، ويُلْحِق به في هذا التعريف الباحث محمد عابد الجابري المغربي الجنسية، ولكنه ينظر إليهما نظرة أكثر إيجابية -رغم المذاق السلبي لكلمة الاستشراق ومشتقاتها البحثية لديه - فيضيف ( وتنحدر دراسات الزميلين من تراث الاستشراق العريض بالدرجة التي تجعلهما مجددَين للاستشراق ضمن مؤشرات الطور الراهن للأيديولوجيا الغربية /ص159 محطات) ويفرق العلوي بين الجابري وأركون لجهة أن الأول ينفرد – كما يرى – بنزوع محلي يتمثلن في محاولات الإجابة عن تساؤلات عربية جارية مبتدئا من التراث بداية تشبه بداية زميله السوري الطيِّب تزيني مع تفاوت في درجة الاتكال على الاستشراق حيث الأخير أكثر استقلالا في منهجياته وفي تلمذته للاستشراق الماركسي "السوفيتي". يمكننا أن نقسم النقود التي يوجهها العلوي إلى أركون - من حيث نوعها ومضامينها- إلى نقد وجهه لأفكار ومصادرات غربية ذات بواعث تتعلق بالنزعة المركزية الأوروبية "الأورومركزية"، لم يفعل أركون سوى أن تبناها و كررها- كما كان ولا يزال يكررها الآخرون من المشتغلين بالقطعة والمقاولة لدى المؤسسات الأميركية المريبة- وهذا لا يعفيه من المسؤولية العلمية والأخلاقية، وسنعود بعد هنيهة إلى هذا المفصل. والنوع الثاني يتمثل في نقد وجهه العلوي إلى أفكار تعود لأركون نفسه ولم يسبقه أحد إليها أو انه طورها بشكل نوعي أو جذري حتى استحقت أن تنسب له. بخصوص النوع الأول، يمكن التوقف عند بعض المصادرات الغربية "الأورومركزية" من قبيل أَخذِ أركون بتزمين " القروسطي"، واعتبار" القرون الوسطى/ الأوروبية" تزمينا عالميا، في حين أنها تخص فقط التاريخ الأوروبي. والدليل على خطل هذا الأخذ بهذا التزمين يتأكد من خلال طرح السؤال التالي: أين نضع تاريخ الحضارة الصينية بعلومها وفلسفاتها وآدابها وهي التي تزامنت مع الحضارة اليونانية ثم الرومانية ( لم تكن القرون الوسطى قد بدأت بعد)، وحين سقطت هذه الأخيرة، استمرت الحضارة الصينية حية، وعاصرت بهذا تنيك الحضارتين، ثم حلَّ العصر الأوروبي القديم فالعصور الوسطى "القرون الوسطى". الأمر ذاته يقال عن القارّات الأخرى فأفريقيا – باستثناء الشمال العربسلامي- كانت تعيش في عهد القرون الوسطى الأوروبية مرحلة " المجتمع المشاعي البدائي"، وكذلك الأميركيتين وأستراليا، وهذا يعني أن الهندي الأحمر – يسخر العلوي ضاربا مثالا - كان يعيش في "القرون الوسطى" في حين كان في الحقيقة يعيش في عصر ما قبل التاريخ! المصادرة الأورومركزية الثانية هي القول بمصطلحات جغراسياسية من قبل الشرق "الأوسط" و"الأقصى" و "الأدنى". وهذه القياسات مفصلة حسب البُعْد والقُرْب من موقع أوروبا التي جعلها المفكرون الأوروبيون مركز العالم الجغراسياسي، في حين تقول الحقيقة الفلكية عكس ذلك تماما. فحين نقيس الأبعاد الجغرافية حسب موقعها من الشمس بوصفها مركز الكون، تكون آسيا الغربية وهي التي تشرق عليها الشمس قبل غيرها بساعات عديدة هي الشرق الأدنى وليس الأقصى، فهي الشرق الأقصى بالنسبة لأوروبا في طورها الاستعماري، وهي الأدنى بالنسبة الواقع الجغرافي الحقيقي، والأمر ذاته يقال عن منطقتنا "الشرق الأوسط" فهي "الأوسط" بقياس البعد عن أوروبا ولكنها ليست كذلك في الحقيقة الجغرافية. ويختم العلوي بالقول (ولم يعد من الممكن تصحيح هذا الخطأ الفلكي بعد أن فرضه الأوروبيون على الجغرافيا/ص 169 محطات). في الواقع، هذه ليست المصادرة الأولى التي رسختها الأورومركزية والتي لا سبيل إلى تصحيحها بل ثمة الكثير منها والتي أصبح "مثقفو" البلدان المستهدَفه بالنزوع الأوروكزي السياسي والثقافي والعسكري والاقتصادي يروجون لها بدلا من محاولة فهمها نقديا ناهيك عن مجابهتها دفاعا عن أهلهم وشعوبهم المذبوحة.
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا يغلق اتحاد الأدباء ووزراة الثقافة ويترك النادي مفتو
...
-
الغرب ومسيحيو الشرق: إذلال واستعباد وإهانة
-
التسامح كخيار أخلاقي للعقلانية ومحنة المثقف في الحضارة العرب
...
-
حماقة إعدام طارق عزيز
-
من أجل ردِّ الاعتبار للملك الشهيد فيصل الثاني / مع شهادة بقل
...
-
المفكر الراحل نصر أبو زيد.. إشكاليات التأسيس و ثمن الريادة
-
نكبة ابن رشد من منظار الجابري : هجاء -المتسلط الأوحد- في مدي
...
-
حكومة شَراكة أم شَرِكَة حكومية مساهمة ؟
-
دستور غالبريث و الدولارات الكردية
-
أبو زيد وإشكالية العلاقة بين التراث والعلوم الحديثة : أهل ال
...
-
تاريخانية الفكر الإسلامي لدى محمد أركون : الدائرة في مواجهة
...
-
المفكر الراحل نصر أبو زيد في بواكير أعماله : المجاز والتأويل
...
-
مذبحة جديدة بسكاكين القاعدة لعلماء الدين السنة العراقيين
-
الهروب الأميركي الكبير..ودروسه
-
إعادة إنتاج -الحادثة- في السِّير الذاتية التقليدية من منظور
...
-
الخيانة ليست وجهة نظر: تهافت حجج دعاة بقاء قوات الاحتلال من
...
-
بين البعث العراقي والقاعدة ..حروب صغيرة
-
أحداث الأعظمية : عَيِّنة لما سيحدث لاحقا أم خرق أمني؟
-
هوامش على حوار المطلك والسراج : السكوت عن الجريمة جريمة
-
بايدن والكوميديا العراقية : علمانيون ولكن طائفيون!
المزيد.....
-
لحظة القبض على المشتبه به -السعودي- بحادث الدهس بسوق عيد الم
...
-
DW تتحقق - ما حقيقة العنف الذي وقع في سوريا بعد سقوط الأسد؟
...
-
لقطات توثق فشل منظومات الدفاع الإسرائيلية في اعترض صاروخ يمن
...
-
حرائق بمدينة قازان الروسية إثر هجوم أوكراني بالمسيرات (فيديو
...
-
مقتل شخصين وإصابة 60 في حادث دهس بألمانيا
-
خبراء أميركيون: الحوافز والشروط تحكم علاقات واشنطن مع سوريا
...
-
عاجل.. السلطات الأوكرانية: أسقطنا 57 مسيرة روسية بينما فشلت
...
-
مجلس النواب الأميركي يقر مشروع قانون لتجنب -الإغلاق-
-
سوريا.. الإدارة الجديدة تؤكد وقوفها -على مسافة واحدة-
-
-مراسم تأبين- في ماغدبورغ بعد الهجوم على سوق عيد الميلاد
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|