جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 3212 - 2010 / 12 / 11 - 22:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
شذرات على شباك الذاكرة – المناضل الوطني سعيد إسحق في البرلمان ورئلسة الجمهورية السورية .؟ - 4
بعد إنتخابات 1943 وفوز الكتلة الوطنية بأكثرية مقاعد الندوة البرلمانية سارت الأمور بشكل طبيعي وكان السوريون واللبنانيون ينتظرون نهاية الحرب بفارغ الصبر ليحققوا الإستقلال الوطني الذي اعترفت به فرانسا وبريطانيا والإتحاد السوفياتي ,, وعين الفرنسيون الجنرال كاترو مفوضاً سا مياً في سورية ولبنان . وكان اليمينيون الفرنسيون في مطلع عام 1945 يعدون العدة لبقاء احتلالهم لسورية ولبنان .. وفي نفس الوقت كان الإستعمار البريطاني يعمل ليل نهار للحلول محل الإستعمار الفرنسي ,, وكانت مجموعات مأجورة للطرفين تعمل ضد الحكومة الوطنية والتيار الوطني الشعبي لخلق فتن وفوضى داخلية ليثبتوا في الأمم المتحدة التي أنشئت في سان فرانسيسكوا في الولايات المتحدة أن شعبنا غير أهل للإستقلال الوطني وحفظ الأمن .. لهذا قام المخربون بدعم من الإستخبارات الفرنسية باعتداءات على الدرك السوري وأبناء الشعب المحتفلين بعيد النصر على النازية في مطلع أيار 1945في دمشق واللاذقية وحلب والجزيرة وغيرها ...
.... لنعد لشيخنا المرحوم سعيد إسحق لنرى ماكتب في مذكراته عن المرحلة :
( ولما قويت الحركات المشبوهة عند مندوب المفوض السامي في دمشق , قام بتوزيع قطعات الجيش الفرنسي في مدينة دمشق وباقي المدن السورية . بغية السيطرة التامة على البلاد ,,
كما وضع قوات على سطح نادي الضباط الذي يشرف على المجلس النيابي ,, وصار الجيش يتحدى ويستفز القوى الوطنية الممثلة في الدرك السوري .. فسيطر الشعور الوطني
على الضباط والجنود السوريين الموجودين في الجيش الفرنسي لذلك بدأوا يفرون من الجيش ويلتحقون بالدرك السوري بكامل أسلحتهم .. وحدثت إصطدامات واسعة في حمص وحماة
بين الشعب المسلح ومعه الدرك والعناصر الوطنية التي فرت من الجيش الفرنسي .. سقط فيها عشرات الشهداء .. وفي 29 أيار 1945 أجتمع المجلس النيابي مساءً كالمعتاد .. وفي تلك
الأثناء أوعزت مفرزة الجيش الفرنسي المكلفة بحراسة منزل الجنرال / أوليفا روجية / قائد جيش الشرق قبالة البرلمان السوري تماماً .إلى مفرزة الدرك السوري المكلفة بحماية
البرلمان بقيادة الملازم / الطيب شربل / بضرورة تقديم التحية للعلم الفرنسي عند إنزاله مساً ءً وإلا سيطلق عليهم وعلى البرلمان النار ..
في الساعة الخامسة مساءً دعا رئيس المجلس المرحوم سعدالله الجابري النواب للإجتماع . فلم يكتمل النصاب , ولم يحضر النواب الذين لهم صلة بالفرنسيين .لذلك أجلت الجلسة وأعلن
رئيس المجلس أنتهاء الدورة قائلاً : أرجومن النواب أن يسافروا إلى مناطقهم الإنتخابية ليكونوا على إستعداد للدفاع عن الوطن . ثم رفع الجلسة .
ثم تابع قوله : إجتمعنا في باحة المجلس لتداول أمر السفر , فاتفقت مع الزميلين رشدي الكيخيا , وشيخو اّغا نائب جبل الأكراد أن نسافر إلى حلب عن طريق بيروت لأن طريق حمص حماة مقطوعة ..فاستأجرنا سيارة لتنقلنا إلى بيروت , و لكننا فهمنا بعدئذ أن الجنرال الفرنسي وجه رسائل سرية إلى كافة قطعات الجيش بفتح النار على البرلمان والقلعة والمناطق الأخرى الهامة في المدينة . . وكان البرلمان يداوم حتى وقت متأخر في الليل ,, لذلك كانت التعليمات التي عثرنا عليها فيما بعد , أن يضرب البرلمان بالمدفعية لإبادة جميع الموجودين فيه .. وفعلاً فتحت النار على حاميته التي رفضت تأدية التحية للعلم الفرنسي ,, قاوم رجال الدرك حتى نفذت ذخيرتهم ولم يبق أمامهم إلا الإستسلام .. لكن الفرنسيين أطلقوا النار عليهم بعد ألإستسلام
وقتلوهم جميعاً .. باستثناء ثلاثة وجدو أحياء بين القتلى عندما دخلت الفرقة الطبية لنقل القتلى وجدتهم لايزالوا أحياء نقلوهم إلى المستشفى برعاية الإنكليز الذين تدخلوا لوقف إطلاق النار
وهم الشهداء الأحياء السادة : إبراهيم الشلاح - ومحمد قدّور – وجريس كحلا – ولم يكتفوا بذلك بل أبادوا عدداً كبيراً من الدرك والسجناء في قلعة دمشق --- التي كانت سجناً إلى
تسعينات القرن المنصرم .. ص 37 -- 40 )
قصفت القلعة بالطيران الفرنسي والمد فعية التي كانت منصوبة على تلال المزة .. كما قصفت أحياء الحريقة والميدان والشاغور وغيرها ..
ثم غادر دمشق إلى بيروت رئيس المجلس النيابي السيد سعدالله الجابري الذي كان محاصراً في فندق الشرق مع بطريرك موسكو الذي كان يزور سورية في تلك الأيام وتمكنت .. السفارة السوفياتية بدمشق من إنقاذهما بعد طلبها بوقف قصف الفندق لإنقاذ بطريرك موسكو , وأنقذت معه سعدالله الجابري بسيارة السفارة ووثائق ديبلوماسية إلى بيروت .. بذل
الوطنيون جهوداً جبارة لوقف العدوان الفرنسي الغاشم على جميع المدن السورية.. فغادر الرئيس القوتلي إلى القاهرة والتقى رسميا مع رئيس الوزراء البريطاني -- ونستون تشرشل طالباً تدخل الجيش السابع البريطاني لوقف المجزرة وإنقاذ الشعب والبلاد من العدوان السافر ,
.. كما لعب السيد فارس الخوري المندوب الدائم في الأمم المتحدة دوراً بارزاً في استصدار قرار من مجلس الأمن
بمساعدة المندوب الدائم للإتحاد السوفياتي السيد – فيشينسكي -- يدين العدوان الفرنسي على الشعب السوري .ويطالب بوقفه فوراً...
أشرف الجيش السابع البريطاني بتفويض من مجلس الأمن على وقف إطلاق النار في جميع المناطق السورية ..
نتابع مسيرة النضال الوطني مع شيخنا سعيد إسحق الذي عاد مع زملائه إلى دمشق بعد وقف إطلاق النار ليروا الدمار والخراب الذي لحق بمبنى البرلمان وقلعة دمشق وأحياء
وأسواق المدينة .. وبعد الإستراحة القليلة خشي الوطنيون مخططا إستعمارياً جديداً قديما أن ينفذ ,لفصل المحافظات السورية.والتراجع عن قرار الإستقلال التام الذي أقرته الأمم المتحدة ووافقت عبيه بريطانيا وفرانسا ... لذلك قرر شيخنا سعيد إسحق العودة إلى منطقة الجزيرة .إلى بلدته – عامودة – وأترك الكلام له :
( حين وصلت إلى الجزيرة و وجدت الفرنسيين يسيطرون على المحافظة , والجيش البريطاني يشرف على تنفيذ الهدنة ... ثم وردتنا برقية تخبرنا بقدوم سعدالله الجابري رئيس
مجلس النواب لزيارة الجزيرة يرافقه وزير الداخلية صبري العسلي , للإطلاع على وضع المحافظات الشرقية . ولما وصلا إلى الحسكة إستقبلناهما خارج المدينة .. ثم إجتمعنا
في دار المحافظ, وقررنا البدء بالعمل والكفاح لإجلاء الجيش الفرنسي من المحافظة ...
شعر الفرنسيون بما يحدث , فأرسلوا دورية محمولة على سيارات مسلحة بالرشاشات إلى مركز ( صفية ) القريب لقتل الوطنيين الذين إجتمعوا مع رئيس المجلس ,, علم قائد درك
القامشلي بنوايا الفرنسيين , لذلك أرسل الملازم محمد علي إسماعيل , وهو من العناصر الوطنية الجريئة في ثكنة القامشلي ,, ليحذرنا من تحرك الدورية الفرنسية ,وأسرع إلى عامودة
ليخبر أخي – ملك إسحق – بالمؤامرة وطلب منه الذهاب إلى الحسكة ليخبرنا بالأمر حتى لانعود من طريق – صفية – لئلا نقع في الكمين الفرنسي ..
بعد انتهاء الإجتماع في دار المحافظ وإعطاء التعليمات له ولضباط الدرك وتأمين الإتصال الدائم بيننا .. قررنا بدء الحركة في عامودة .
أمنّا سفر رئيس المجلس النيابي ووزير الداخلية إلى دير الزور الساعة الثانية عشرة ليلاً.. أما نحن فقررنا السفر إلى الدرباسية للإجتماع بالوطنيين هناك لتنسيق مجابهة الموقف
بقوى وطنية موحدة . ومررنا في طريقنا إلى تل بيدر لنجتمع بحشد وطني كبير أرشدنا إلى الطريق الأسلم إلى الدرباسية .. وصلنا إلى الدرباسية وإجتمعنا بإخواننا الوطنيين فيها وفي
القرى المجاورة ليلاً..
وفي صباح اليوم التالي وصلنا عامودة وعقدنا إجتماعاً للوطنيين في بيتي حضره كل من : سعيد الدقوري رئيس عشيرة الدقورية .. وعيسى عبد الكريم رئيس عشيرة الملية ..
وأحمد عبد الرحمن رئيس – الغاباراه – ويونس العبدي رئيس الكيكا – ووجوه عامودة وقررنا في الإجتماع الإتصال بقائد ثكنة عامودة للجيش الملازم حسن حوراني لحثه على
الإلتحاق بالقوة الوطنية أسوة بالضباط السوريين في مختلف المناطق ..فدعوناه إلى منزل الشيخ عبد الحليم ,, وقال له الشيخ إن واجبك الديني والوطني يدعوك ألى الوقوف مع الوطنيين . فطلب إمهاله يومين ريثما يقبض هو وجنوده رواتبهم .. واعتذر عن قبول أية مساعدة من الأهالي له ولجنوده .. أعدناه إلى ثكنته سالماً فما كان منه إلا أن أخبرقائده النقيب قاسم الخليل الذي رفض التمرد على الفرنسيين ,وأخبر الجيس البريطاني المسؤول عن الهدنة فحضر القائد الإنكليزي وأبلغنا إن الإنذار المقدم منكم للثكنة العسكرية مخالف لاتفاقية
الهدنة وعليكم تفريق المسلحين الذين نشاهدهم هنا ...أجبته بأن وضع عامودة يختلف عن غيره لأن الفتنة التي أحدثها الفرنسيون هنا علم 1937وقتلوا فيها عشرات المواطنين
وأحرقوا البلدة بكاملها لاتزال اّثارها حتى اليوم .. لذلك فبقاء الفرنسيين يدسون الدسائس يهدد الأمن والسلام .. لذلك يرجى ترحيلهم عن عامودة , مقابل تفريق كل الرجال المسلحين
والإكتفاء برجال الدرك السوري ..لتجنب عامودة تكرار الكارثة السابقة ..
إختلى القائد البريطاني بضباطه في الغرفة الثانية ثم خرج ليعلن علينا ما يلي :
1—إنسحلب جميع المسلحين الموجودين في عامودة إلى قراهم .
2 -- إنسحاب المسلحين من أهل عامودة إلى منازلهم
3—عدم التعرض للقوة الفرنسية حين مغادرتها البلدة ...
وافقنا على الشروط ووقعنا على الوثيقة المكتوبة باللغتين الإنكليزية والعربية.... وهكذا تم إنسحاب مسلحينا فورأً وخلال ساعة واحدة لم يبق مسلح واحد ..
كان الضباط الإنكليز يراقبون تنفيذ الإتفاق ... وبعد ذلك حضرت المصفحات البريطانية من القامشلي وأشرفت على إجلاء القوات الفرنسية من ثكنة عامودة إلى الدرباسية .. ثم حضر فصيل من رجال الدرك حسب الوثيقة واستلموا الثكنة ..إجتمع وطنيو الجزيرة في عامودة ليباركوا الخطوة الأولى في عملية الجلاء عن الجزيرة بل عن سورية كلها ...(( وقد سبقت مدينة حماة قلعة الوطنية السورية المناطق الأخرى في إجلاء القوات الفرنسية منها ,,تلتها منطقة الجزيرة --تعليق مني ))
................
هكذا تحررت سورية من الإحتلالين الفرنسي والبريطاني بفضل وحدة شعبها الوطنية الشاملة بكل أطيافه الدينية والقومية دون أي تمييز تحت سقف النظام الجمهوري البرلماني المنبثق من صناديق الإقتراع الحر أيا كانت نواقصه .. ولم يعرف شعبنا التمييز العنصري والطائفي منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وسقوط الإحتلال التركي الأسود إلا منذ اغتصاب المافيا الأسدية للسلطة باسم " الحركة التصحيحية " في 16 ت2 1970- حتى اليوم ... / يتبع –لاهاي – 11 -- 12
(
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟