أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حارث الحسن - العقيد في خريفه !














المزيد.....

العقيد في خريفه !


حارث الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 3208 - 2010 / 12 / 7 - 17:50
المحور: كتابات ساخرة
    


اخر من تبقى من جيل الزعماء الثوريين التقليديين في المنطقة ، يقف العقيد الليبي كظل لمرحلة تلاشت ، وكتعبير كاريكاتوري عن عصر اللاجدوى وتداعي الاحلام القديمة وسقوط المنطقة في وحل الاصولية والعدمية . "أمين القومية العربية" عاش ليرى عبد الناصر يموت ، وصدام يشنق ، ومنظرو القومية العربية يختفون ويحل محلهم خطباء الجوامع والملتحون الغاضبون يطلبون الثأر وحكم القران . يلتفت فيرى الكثير من يساريي الامس وقد صاروا منظرين "ليبراليين" يكتبون في صحف البترول وينزلون في فنادق الخمسة نجوم ويتحدثون عن "السلام" وينظرون للسوق كمنتج للسعادة الابدية. يقلب اوراق كتابه الاخضر متسائلا عن سبب اخفاق العالم في فهم الحكمة القابعة في ثناياه ، مدركا ان زمن النظريات الكبرى قد انتهى وعالم اليوم هو عالم الصورة والميديا والسطحية التي لايمكنها ان تحيط بعبقرية من يولدو ليصنعو التاريخ . يلتفت الى افريقيا فيجمع رؤساء قبائلها ويغرقهم بعطاياه من الجيب الليبي ليعلنوه ملكا للملوك ، فيتعهد بالكفاح من اجل وحدة افريقيا ، لكنه يكتشف انه جاء متأخرا وان افريقيا التي كان العرب يزدرونها قد تجاوزت عصر زعماء القبائل وبات لديها طبقتها الوسطى التي استوعبت منطق وول ستريت واقتصاد العولمة ولم تعد ابجدية العقيد بالنسبة اليها سوى مصدر للتسلية ، لامانع منها اذا كان ارضاء غرور العقيد سيجازى بعطاياه السخية .
معركته اللفظية قبل بضعة اعوام مع "ملك ملوك" الجزيرة العربية ربما منحته املا بعصر جديد للمشاكسة ، واطلقت خياله الذي كانت قد داعبته فكرة الدولة الفاطمية من جديد ، لكنه امل سرعان ماتلاشى مع خصمه الذي يمارس سلطانه بصمت ، فهو لايحتاج الى الكلام وهناك جيوش الاعلاميين في الفضائيات والصحف التي تسيطر عليها المملكة او تمولها او تلك التي تغازل الجيب الملكي لتحصل على بعض نعمه يتحدثون نيابة عنه . يبحث العقيد عن ساحة للمعركة ، فهو محارب لايكل وزعيم لايعرف منطق القصور والمكاتب ، بل يطل على العالم من خيمته التي باتت صديقه الاخير الذي ينسجم مع فهمه للعالم ومع "الثائر" الذي كبته في اخريات السنين دفعا للشر . يتذكر زميله في منطق الثورة ولغة الشعارات ، ذلك الذي بموته ادرك العقيد ان عليه ان يسدد بسخاء فاتورة المشاكسة من اجل ان يحفظ رقبته . هكذا فهمها العقيد وعرف ان مشنقة "الشهيد" كانت ستلتف حول عنقه لو لم يرضخ للمنطق الجديد.
للعقيد جيب واسع مول له مشاكسات الماضي من خطف للطائرات ، وتعامل مع جماعات ثورية كالجيش الجمهوري الايرلندي وثوار الباسك ، ووحدات مجهضة مع مصر ثم مع تونس ثم مع الجزائر ثم مع تشاد ، ثم مع كوبا ، وحلم الوحدة الافريقية الذي لايقل طوبائية من سابقيه . دفع الجيب الكبير كثيرا لتمويل تلك الاحلام ، ومازال الجيب كبيرا ليسدد الفاتورة التعويضية عن جموح تلك الاحلام ، مع وعد بالتعقل ، فالعقيد لم يعد شابا ، والعالم صار اقل تسامحا مع مشاكسة "الثوريين" .
العقيد يطوي زمنه الاخير بين الحنين للماضي الثوري والتعامل البراغماتي مع الحاضر ، يعلن صدام شهيدا ويتبنى قضية "الثأر المعنوي" له ، يصرخ في وصلته السنوية في قمة المستبدين : "ستنالون جميعا مصير صدام" ، ربما كان العقيد يقصد نفسه او يعكس الصراع في داخله بين رغبة "الثوري" في ان يموت شهيدا ، وبين وحشة "الشهادة" عندما يعلقك على الحبل ابناء شعبك . ويستقبل رسلا قادمين من زمن بداية الظلام ليطلبوا نصرة "الثوري العربي" لمحنة الشعب العراقي فيمد يده الى الجيب الليبي الفضفاض ويخرج تمثالا للشهيد ، ويعود "الرسل" الى المجهول الذي جاءوا منه. لقد تغير الزمن ، يدرك العقيد وهو يشهد ان لا احد يهتم بمعركته سوى بضعة من سياسيي الماضي الذي انقضى ، فيعود الى الواقع ، يسافر الى ايطاليا ويلتقي صديقه بيرلسكوني ، النموذج الاوربي للمستبد العربي بزلاته وفضائحه وعبثه وردمه الفواصل بين الرسمي وغير الرسمي . لكن العقيد لايقاوم اغراء التفرد اللصيق بالثوريين ، فيدعو فاتنات روما الى اجتماع عام يطلب خلاله منهم اعتناق الاسلام والذهاب لـ "العمل" في ليبيا ، ويعطي لكل واحدة مصحفا والى جانبه ظرف بريدي .
لم تعد اهداف الثائر كبيرة كما كانت ، ولكنها ماتزال ثورية ومهمة . لقد بات صعبا التصدي للقطب الاوحد ومشاكسته ، ولكن لـ "الامبريالية" اكثر من ساحة ، يدرك العقيد ذلك وهو يعلن الجهاد ضد سويسرا ، ويوقف تصدير النفط اليها ، انها هدفه الذي اختاره بعناية ، ولم تكن قضية حجز ابنه الذي ضرب خادمته هناك من قبل الشرطة سوى ذريعة ، فثاراتنا مع سويسرا اعمق واكبر بكثير .
لكن سويسرا ليست امريكا ولن توفر للعقيد الاضواء التي يريدها ، فالبلاد التي يسميها البعض تندرا بـ "عاهرة اوربا" لن تنجر الى معركة العقيد ، وقد تهادنه او ربما فعلت ، لاتريد سويسرا ان تكون تسلية العقيد في خريفه .
يقف العقيد مجددا على هامش الاحداث ، اخفقت كل وحداته ، مشاكساته دفع ثمنها غاليا ، زملائه اختفوا واخرهم معلقا في حفلة ثأر متلفزة ، كم هو صعب ان تكون قائدا لفترة طويلة وتشهد كل هذه التحولات ولاتعود قادرا على فهم العالم من حولك ، يفكر العقيد ، ولكن ماالحل ، اذا كان هذا الشعب لايستطيع ان يقود نفسه ، يجيب العقيد نفسه ، يتنهد ، يطالع وجه "ممرضته" الاوكرانية الشقراء ، يبتسم ... الحياة مازال فيها الكثير من الجمال .



#حارث_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفية وأزمة الهوية في العراق : معالجة سوسيو-سياسية (3): ا ...
- الطائفية وأزمة الهوية في العراق : معالجة سوسيو-سياسية (2) - ...
- الطائفية وأزمة الهوية في العراق : معالجة سوسيو-سياسية (1)
- ايران : الصراع بين الاصلاح التطهيري والاصلاح التجديدي
- مزرعة الحيوانات ومصير العراقيين
- اعتزال الرجل الوطواط : عندما تقول السينما ما لاتريد قوله
- ماذا تبقى من التعليم في العراق : الاسلاميون يكملون مابدأه ال ...
- هل يصلح الجدل الاخلاقي لفهم الاتفاقية الامنية : ملاحظات على ...
- العرب وعراق مابعد صدام : عودة خطاب-العروبة- السياسية
- الى وزرائنا ومسؤولينا : هل سمعتم بوزير الثقافة البرازيلي!!
- التيار الصدري: بين الشعبية والشعبوية
- هل يقترب العالم من الحروب الدينية مجددا؟؟


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - حارث الحسن - العقيد في خريفه !