أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - الفصام السخيف














المزيد.....

الفصام السخيف


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3208 - 2010 / 12 / 7 - 12:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن رغبات الإنسان وأفكاره وسلوكياته وتصرفاته ما هي بنظر علماء النفس المُحدثين إلا معاني يقصدها شعور الإنسان وإحساسه فتنعكسُ تلك المشاعر والأحاسيس على سلوك الإنسان وحياته اليومية والعاطفية, فالذي لديه مشاعر طيبة تجد تصرفاته طيبة جدا, والذي لديه مشاعر خبيثة تجد تصرفاته كلها خبيثة ولئيمة,والذي يملك مشاعر عاطفية باردة تجد حياته العاطفية باردة جدا فإذا ما اقتربتُ منه راجيا منه العاطفة أشعرُ على الفور بالبرد الشديد فأشعرُ وأنا أجلسُ بقربه كأنني أجلس عاريا من الملابس في ليلة شديدة البرد وأسناني تصتكُ ببعضها... والذي تكون مشاعره العاطفية دافئة تجد حياته العاطفية دافئة جدا يشعرُ بدفئها كل من يقترب منها أو يجلس تحتها وكأنها يجلس تحت أشعة الشمس والذي لديه مشاعر رقيقة تجد تصرفاته وسلوكياته كلها رقيقة وتحمل بين طياتها معاني إنسانية كبيرة تسمو بمخيلة الإنسان إلى عالم نوراني غير واقعي لا يسكنه إلا أصحاب القلوب الكبيرة الذين يموتون بأتفه الأسباب كما أموتُ أنا في كل يوم 100مرة.

والذي يحمل بداخله مشاعر سخيفة وأفكارا سخيفة تجد تصرفاته كلها سخيفة معكوسة عن مشاعر صاحب تلك التصرفات, فهو لا يجد عيباً ولا يشعر بالإثم إذا ما رفع يده مثلا وضرب بها زوجته لأن في داخله أفكارا سخيفة عن المرأة تجعله تلك الأفكار لا يشعر بالحرج بتاتا أمام الناس حين يضرب زوجته وذلك لأنه في الأصل يحملُ مشاعر دينية سخيفة جدا.

وكانت هذه أول مرة لي في حياتي كلها أغطُ في حُزنٍ عميق قبل البدء بكتابة هذا المقال وذلك حين تخيلت بطل القصة أو بطل مقالتي لهذا اليوم مثقفاً كبيرا يهتم بحياة الناس ولكنه بعد فترة تحول أو إنفصمَ إلى شخصية سخيفة جراء احساسه بمشاعر سخيفة عن الناس والكون والمجتمع فظهر بين الناس وفي الأسواق إنسانا سخيفا بتصرفاته وسلوكياته جراء انطباعه عن العالم والكون بأنهما سخيفان جدا , وهذه ليست أول قصة أشاهدها فكثيرون من المثقفين أصدقائي الذين تحولوا اليوم إلى شيوخ مساجد تافهين أو سخيفين إن جاز التعبير وتحول البعض إلى وظائف حكومية سخيفة جدا والسبب طبعا واضح لأنني عندما تحدثت مع الجميع قالوا لي : الحكومة سخيفة والناس سخيفين وتافهين, من هنا يتبين لي بأن مشاعرهم عن الكون والناس أصبحت سخيفة جدا , وهذه طريقة ذكية من الحكومات العربية حين تدفع بالمثقفين لأن يكونوا سخيفين جدا , على كل حال ها هو بطلنا سخيفاً يركضُ في وسط المدينة خلف وسائط النقل مثله مثل أي مريض بالسخافة ويجلس على الأرصفة وبنكيتات الطُرق مثله مثل أي مريض بفصام السخافة وطوال النهار وهو يمشي في السوق مرة مثله مثل أي مكتئب سخيف مرتدياً بنطالا ممزقا ومرة أخرى وهو يرتدي كندرة مطعوجة من الخلف يتخذها شبشباً أو كحفاية حمام ابلاستيكية مثله مثل أي شخص يشعر بأن الكون تافه والناس قبيحة لذلك لا يحتاج هو لأن يجمل نفسه لهم, وكلما وضعتُ يدي على الكيبورد كنت أحس بأنني أريد بأن أكون مثله مصابا بالفصام السخيف فمرة كنتُ أجلس لأبكي كما كان بطلنا يدخل الحمام للبكاء بشكلٍ سخيف جدا وذلك لكي يعطي مؤشرا عن تلك الشخصية التي أصبح تفكيرها في الحياة تفكيرا سخيفا ملائما لأفكاره التي تحولت إلى أفكار سخيفة بعد أن كانت أفكارا عظيمة تهدف إلى الانتقال بالمجتمع وبالناس إلى حياة أفضل, ولكن خيبة الأمل وكثرة الاحباطات جعلت من البطل يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الناس سخيفة جدا وعليه أن يكون مثلهم سخيفا جدا في أسلوب حياته, فالناس يجلسون طوال النهار وهم يجترون أحاديث سخيفة وكذلك النساء طوال النهار يتناقلن أحاديث سخيفة وحكايات سخيفة جدا ليس لها أول وليس لها آخر,أي أنها تخلو من أي معنى حتى أصبحت الحياة كلها في نظر البطل قصة سخيفة , كاتبها سخيف ومنتجها سخيف ومُخرجها سخيف وأبطالها سُخفاء جدا حتى وإن جلسوا على مقاعد وزارية أو برلمانية, حتى وإن تبوؤوا أبواب السفارات ,والنساء سخيفات جدا حتى وإن لبسن ألبسة على آخر موديل وتظاهرن بالتمدن وحركات التمدن القرعا.


كانت القصة من بدايتها إلى نهايتها سخيفة جدا وكان الجمهور سخيف جدا والكاتب كان أكثر منهم سخافة لأنه كان يفكر بأسلوب سخيف جدا, والكل في قصتنا لهذا اليوم مفصوم بفصام السخافة , فالشباب طوال الليل يسهرون وهم يلعبون ألاعيب سخيفة جدا ويفتحون آذانهم على سماع أغاني سخيفة جدا وقصص الحب لديهم سخيفة جدا, وفي لحظة من اللحظات صرت أتخيل بأن السخافة الحقيقية مطلبا جماهيريا يريده الجمهور (الجمهور عاوز كذا) فالجماهير تريد أفلاما سخيفة ومقالات سخيفة وأغاني سخيفة جدا ودروس دين سخيفة جدا ومحاضرات دينية سخيفة جدا وتريد أيضاً مجلس نواب سخيفا جدا وحكومة سخيفة جدا وإله رب يعبدونه سخيفا جدا يغفر للزاني وللمرتشي وللص ولعلي بابا والمليون حرامي فور دخوله الحدود السعودية قاصدا مكة للطواف حول غرفة سوداء بمساحة أقل من 100 متر مربع , كل ذلك أشبهه بالبطل الذي يركض في بداية المقال خلف وسائط النقل ولا هدف لديه ولا مهنة بيديه ولا يريد أن يعمل شيئا ذا قيمة وفائدة لإحساسه بأن الكون سخيف جدا والذي أوجده سخيف جدا والمجتمع سخيف والمدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات كلها سخيفة جدا , حتى غدت أطراف المريض في النهاية متشنجة فأطرافه من شدة الفصام مشلولة وتكاد حركاته أن تكون بطيئة جدا جراء اشتداد حالة فصام التشنج, والمجتمع كله هكذا فالناس يجلسون بشكل سخيف لا يحركون عيونهم إلا للنظر في أشياء سخيفة ولا يفتحون آذانهم إلا للاستماع للحكايات وللأغاني السخيفة وحالة الفصام منتشرة في المجتمع مثل الكوليرا في البيئة غير الصحية.

لا أريد الإطالة لمجرد الإطالة ولكن أريد أن أختم موضوعي بما قاله البطل لي في آخر أيامه قبل أن يموت بسنة أو سنتين حين اقتربت منه وسألته: أنت ليش يا عموه عامل في حالك هيك؟ أنا سمعت عنك بأنك كنت مثقفاً.
فقال لي:

-أنا شايف الناس سخيفة جدا والمجتمع سخيف جدا وأنت أسخف واحد يسألني هذا السؤال.

-ليش أنا سخيف؟.

-طبعا سخيف.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجوه جديدة وأصناف جديدة
- التجار يحكمون المدينة
- أزياء الحراميه
- أسعار تشجيعية
- المرأة العربية لاجئة سياسية
- يسافرون للعلاج!
- الطلاق بالثلاث
- في الجلجثة
- عرق الجبين
- براءة الأطفال
- الهجوم وسيلة للدفاع
- رسالة إلى الشعب الأمريكي
- تشابه أسماء
- ما زلتُ أنتظر الرحيل
- العقل السليم في الجسم السليم
- الكذب على الأطفال
- الانتخابات لعبة حقيرة
- الأرض المحروقة
- الشفافية مصطلح أردني
- فاقد حاسة الذوق


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - الفصام السخيف