|
رسالة إلى السادة قادة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3208 - 2010 / 12 / 7 - 11:05
المحور:
حقوق الانسان
رسالة إلى السادة قادة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي تحية الأخوة الإنسانية، وبعد: يطيب لي أن أتوجه برسالتي هذه مع انعقاد قمة مجلسكم الموقر، راجياً أخذها بعين الاعتبار والاحترام، عارضاً ما يلي: في آخر زيارة لي إلى إحدى دول المجلس الكريم، بدعوة لحضور أحد المؤتمرات، تم توقيفي في ذاك المطار لحوالي الساعة وقليل، وبعد إجراءات أمن وتدقيقات اتصالات عالية المستوى، لم تخل من بعض الإحراج الشخصي والإساءة المعنوية، تم السماح لي بالدخول. ومنذ فترة قريبة، أيضاً، طلب مني أحد الأصدقاء المقيمين في الخليج، ومن خلال أواصر صداقة شخصية عميقة ومعرفة طويلة، العمل على إدارة مشروع لغوي وتعليمي والإشراف عليه، يستفيد منه أبناؤكم وهو ذو نفع عام، فما كان مني إلا أن أخبرته بضرورة التحقق من وضعي الأمني هناك، قبل القيام بأية خطوة أو إجراءات تالية، وبعد ذلك عاد ذات الصديق ليخبرني باستحالة دخولي إلى ذاك البلد الخليجي، ومعه كل دول المنظومة، لأسباب أمنية عالية الخطورة، معتذراً بشدة وأدب جم عما حصلً، مستغرباً منع رجل مثلي من دخول تلك البلدان. وللحقيقة والتاريخ، لم أك أدري بأنني على هذا المستوى الأمني الخطير، وبهذه الأهمية التي تشكل خطراً على دول وأنظمة وأجهزة أمنية واستخباراتية وغيرها، وأن العبد الفقير لله، من الممكن أن يثير فزع جنرالات ورجال دولة كبار لمجرد دخوله أعزلاً لبلدهم. وأن مجموعة من المقالات المتواضعة والآراء البسيطة واللقاءات التلفزيونية هي أقوى من جيوش ومدرعات واستراتيجيات وأسلحة تشرى وتكدس بالمليارات، وللعلم، أيضاً، فليس في سجلي العدلي ولا الأمني ولا تاريخي الشخصي ولا سيرتي الذاتية "العطرة" جداً والتي تشرف أي بلد في العالم للدخول إليه، ما يمنعني من دخول أي بلد في العالم. وقد تلقينا دعوات لزيارة بلدان أوروبية وأمريكية، ومنها ما تم تلبيته، ومنها ما تم الاعتذار عنه لأسباب خاصة. وعلماً بأننا لسنا من التكفيريين، ولسنا من أصحاب السوابق، ولا من داعمي الإرهاب الدولي، ومؤيدي الكراهية، ولم ننخرط في أية تنظيمات سياسية، ولا عسكرية، وكل نضالنا وعملنا ونشاطنا يقع ضمن إطار النشاط السلمي المدني المشروع، ونقد الظاهر الاجتماعية والسلبية والثقافات الدموية، والخطاب العنيف، والدعوة لتصحيح ذلك كله، وكشف ما اعترى مسيرتها من زيف ورياء وتضليل أفقدها البوصلة، ووضعها في مكان غير لائق لها بين الشعوب والأمم. وكل ذلك نابع من رغبة صادقة وحس نبيل ومنطلق إنساني وحضاري ومدني، وأمنية عارمة في وضع شعوبنا المنهكة، ومجتمعاتنا المنكوبة على المسار الصحيح في خطواتها نحو مستقبل زاهر آمن يحفظ كرامة أبنائها، وعيشهم، وإني لأستغرب، في ذات الوقت، شديد الاستغراب، وجود الكثير من رموز ودعاة التطرف، والإرهاب الدولي، والخطاب الناري، الداعين للصدام والقتل ومن أصحاب الصوت العالي البغيض في نفس هذه المنظومة التي تمنع وتكبح وتحارب وتناصب العداء لأصوات التنوير والعلمنة والتمدن والمحبة والتسامح، وتحاربهم في لقمة عيشهم وعيش أطفالهم، وما حصل مؤخراً مع المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، وغيره، يقع في نفس السياق والإطار، وهو مدعاة للأسف وباعث على الألم والخجل والإحراج الشديد لمنظومتكم في طريقة تعاطيها مع رسل التنوير ورموز التفكر التنويري النبيل، من أصحاب الأقلام الحرة الطيبة التي تحاول أن ترمم تلك الانهيارات التاريخية التي عصفت بمجتمعاتنا جراء ذات السياسة التي تتبع اليوم من حيث كبح الصوت الآخر والتعتيم عليه والحجر على الشرفاء، والتضييق عليهم، وملاحقتهم ومطاردتهم، وترك المجال والساحة سداحاً مداحاً للجهلة والدجالين والمشعوذين والسحرة وبائعي الكلام العجين الذي لم يغن ولم يسمن من جوع على مر السنين. بحيث أصبحت هذه المنظومة وبكل أسف، رمزاً من رموز الظلام، ومرتعاً للظلاميين، ومسرحاً التكفيريين ومنبراً لدعاة القتل، ومجمعاً لكل المنبوذين من مجتمعاتهم والمنحرفين فكرياً، وسيركاً مفتوحاً للمهرجين الذين أساؤوا أول ما أساؤوا إلى صورة هذه المنظومة التي بات يشار لها بالبنان من حيث عدم التسامح، والانغلاق، والتحجر، وكل ما هو غريب وعجيب من أفانين الكهوف والزمن التالف القديم، وبحيث بات أمن هذه المنظومة مهدداً من نفس هؤلاء الذين يحظون بكل أسباب التكريم والضيافة والاحتضان والرعاية الرسمية والتكريم عبر بث ثقافة الكراهية والازدراء والصدام مع الآخرين. وإذا كان هناك ثمة من سبب قضائي أو جرمي وجنائي، أو مخالفة سلوكية أو تصرف مشين، لذاك الإجراء بحق كتاب بعينهم، فنرجو إعلان ذلك على الملأ ودونما إبطاء ومن جهتي سأقوم بتسليم نفسي على الفور إلى أية جهة أمنية في حال ثبوت ضلوعي بأية مخالفة أو عمل جرمي شائن، ولا سمح الله. إن اختلاف الرأي والطرح لم يكن جريمة عبر التاريخ، وهو من عبر بالإنسانية من ظلمات القرون إلى شواطئ النور والأمان والتعايش بين الجميع وبنى تلك الحضارات والأنظمة التي نشعر جميعاً بالخجل والحرج عند أية مقارنة معها. ومن حق أي إنسان في العالم أن يؤمن بما يريد، ولا يؤمن بما لا يروق له وما لا يريد، وأن يعتقد ويقول جهراً بما يعتقد من منطلق الشفافية، وإذا كنا واثقين جداً، وفعلاً، من منظومتنا الثقافية والعقائدية، ونشعر حقاً بأنها الكمال والفتح المبين، فليس هناك ثمة داع للخوف والوجل والاستنفار لما يعتقد به الآخر، وليس من الضرورة، البتة، في نفس الوقت، أن نفكر جميعاً بنفس الإطار والمضمون، والاختلاف والتنوع هذا هو سمة التمدن والتحضر، وهي ذات الأسباب التي جعلت شعوب العالم تنهض، ونحن نئن تحت وطأة ثقافة الجماعة وفكر القطيع. فالحداثة والتمدن وولوج العصر هي منظومة ثقافية وفكرية بالدرجة الأولى، وإن كل تلك المظاهر من العصرنة، والتحديث الشكلية التي تحاول هذه المنظومة الظهور بها اليوم، وتقديم نفسها للعالم من خلالها، ومعتقدة أنها تجاري العالم بها عبر تشييد برج عال، أو مجمع تجاري، أو اختضان مسابقة رياضية، لا تعني شيئاً إن لم تترافق مع جملة من المتغيرات الثقافية والسلوكية والإيمان بقيم العصر قيم الاختلاف والتسامح والمحبة واحترام الآخر المختلف عقيدة، وأما الخطاب المزدوج فلا طائل منه على الإطلاق. وإن أي كلام عن تسامح، وتحضر ونوايا طيبة يلهج بها البعض أحياناً، هنا وهناك، ليس ذا معنى ما لم تترافق مع سلسلة من الإجراءات الحسية والبراهين العملية الملموسة وتغيير نوعي وجذري في طرية التفكير والتعاطي مع الآخرين، على أرض الواقع، ولنا في الغرب، "الموسوم بالكافر"، أسوة حسنة يا أولي الألباب من حيث احترام الآخر وتقديره وإكرام وفادته وتمتعه بكافة الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية، فحقوق العمل والسفر والتنقل والإقامة مكفولة ومصادق جميعها في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، اللهم إذا كان هناك ثمة من لا زال لا يحترم ولا يعترف بتلك الحقوق، لا بل يزدري الإنسان بشكل عام . أرجو لقمتكم النجاح والتوفيق، وكل عام وأنتم بخير أجمعين. نضال نعيسة كاتب، وصاحب رأي مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب بين الويكيليكس وأوراق الكلينيكس
-
هل يفلح إعلان دمشق في بدونة سوريا؟
-
كيف يفكر البدو؟ الإسلام السياسي في الميزان
-
الإنترنت لكم بالمرصاد فاحذروه
-
لماذا يشيطنون حسن نصر الله ويقدسون ابن لادن؟
-
لماذا لا يباع الخمر علناً في الدول الدينية؟
-
إعلان دمشق كمشروع ماضوي
-
لماذا لا تنشئ الولايات المتحدة محكمة دولية لأحداث 11/9؟
-
خرافة الحجاب والنقاب: لماذا نزلت أمكم حواء عارية من السماء؟
-
أوقفوا جرائم التطهير الثقافي: في أصول الفاشية والإرهاب العرب
...
-
إعلان قندهار: الاستقواء بالسلفيين
-
هل يتخذ سعد الحريري قراراً شجاعاً؟
-
رفض الاندماج: لماذا يهاجر العرب والمسلمون إلى الغرب؟
-
هلال ذي الحجة
-
أثرياء الصدف الجيولوجية من العرب والفرس
-
مدرسة الحوار المتمدن: طوبى للأحرار
-
لماذا أسلمت شقيقة زوجة توني بلير؟
-
ما حاجتنا لنكح الرضيعات؟
-
المافيا الدينية وفضائياتها
-
مدرسة المشاغبين: خيبة العرب التاريخية
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|