أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كيث ديكسون - الحلف المقدس بين لندن وواشنطن















المزيد.....

الحلف المقدس بين لندن وواشنطن


كيث ديكسون

الحوار المتمدن-العدد: 962 - 2004 / 9 / 20 - 08:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد أن كان السيد طوني بلير متقدما على الدوام في استطلاعات الرأي العام، فان حرب العراق شكلت انقطاعا في مسيرته السياسية حيث فقد رئيس الوزراء البريطاني جزءا من مصداقيته لدى مواطنيه. فالانتخابات الأخيرة (الأوروبية والمحلية والفرعية) مثلت هزيمة لحزب العمال الجديد. لكن بلير لا يبدو مهتماً بما فيه الكفاية بصورته العامة إذ يبدو مصمماً وبأي ثمن على تحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ولو أدى به ذلك إلى خسارة مركزه لصالح منافسه غوردون براون (صاحب الطموحات الأطلسية أيضاً) وتفكيك الحركة العمالية لردح طويل من الزمن!


منذ بداية الحرب الباردة سعت الإدارات الاميركية على الدوام إلى التأثير في مسيرة الحزبين السياسيين البريطانيين الكبيرين. وقد قامت واشنطن بتقديم الدعم، حتى المالي، إلى بعض التيارات اليمينية في حزب العمال والمصنفة من زمن معادية للمصالح الاميركية. هكذا أنشئت برامج تعاون ثقافي وسياسي عدة لا سيما "لجنة التجارة من اجل الوحدة الأوروبية والأطلسية" و"المشروع الاميركي البريطاني من اجل جيل ناجح" لتكون بمثابة تشجيع في الستينات والسبعينات لمن كان ينظر إليهم من الاميركيين على أنهم سيتولون مستقبل المسؤوليات السياسية والنقابية في بريطانيا. بعد ربع قرن سنجدهم متحلقين في مجموعة العماليين الجدد حول السيد طوني بلير.
وقد أعطى هذا الاستثمار الطويل المدى أولى ثماره مع وصول السيد نيك كينوك إلى رئاسة حزب العمال عام 1983 حيث بات منذ تلك الفترة واضحا مدى التقارب بين "الديموقراطيين الجدد" المتأثرين ببعض أطروحات الثورة المحافظة الاميركية و"المجددين" في حزب العمال البريطاني. وقد أراد هؤلاء الذهاب بعيدا في قبول النظام الجديد تحت السيطرة الاميركية. وكان التأثير الاشتراكي في الفكر العمالي مع ما يحمله من دور مركزي للدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي إضافة إلى العلاقات العضوية مع حركة نقابية تميل إلى اليسار، كل ذلك جعل العماليين يقفون في عالم ايديولوجي متميز جدا عن مواقع ورثة فرانكلين روزفلت وجون كينيدي. مع ذلك فان العماليين الجدد اقتربوا من الديموقراطيين في الوقت الذي كان يميل فيه هؤلاء نحو اليمين.

إزاء عجزه عن كسر الصورة السلبية التي رسمتها له وسائل الإعلام البريطانية، اهتم حزب العمال بالتسويق السياسي على الطريقة الاميركية ومنذ العام 1986 عاد السيد فيليب غولد احد خبراء الاتصال من زيارة إلى الديموقراطيين الاميركيين أعجب خلالها بماكينة التواصل التي يملكونها. وفي كانون الثاني/يناير 1993 جاء دور السيدين طوني بلير وغوردون براون لزيارة واشنطن من اجل مقابلة المسؤولين في حملة الرئيس كلينتون الانتخابية. وفي السنة اللاحقة، مع وصوله إلى رئاسة حزب العمال، سرّع بلير خطى التقارب بين مواقع "المجددين" في الحزبين. وفي نيسان/ابريل من العام 1996، عاد إلى واشنطن برعاية الحزب الديموقراطي من اجل طمأنة رجال الأعمال في حال وصول حزب العمال إلى السلطة.

مع فوز العمال في أيار/مايو 1997 تبنى الحزبان مواقف مشتركة في السياسة الداخلية وهو أمر غير مسبوق في تاريخ البلدين حيث توافقا على تفاصيل مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي شباط/فبراير 1998، زار بلير الولايات المتحدة من جديد يحيط به عدد من المثقفين من العماليين الجدد ومن بينهم انطوني غيدنز، صاحب نظرية "الطريق الثالث". كان المقصود استكشاف استراتيجيا "تتجاوز اليمين واليسار" وبدا المسؤولون من العماليين الجدد متأثرين بالتقنية التي يستخدمها الرئيس كلينتون من اجل إضعاف المواقع الجمهورية بفضل استراتيجيا ("ثلاثية") تقوم على استرداد المواقف الناجحة سياسيا للخصم ولو أدى ذلك إلى القطيعة مع السياسة الديموقراطية (اختلال الأمن، الضرائب، المساعدات الاجتماعية). الفكرة بسيطة في الأساس: من أجل محاربة الخصوم يجب السطو على أجزاء بأكملها من برنامجهم. هكذا فان التوجه البريطاني الجديد إزاء العاطلين عن العمل بين الشباب يستوحي مباشرة من المعالجة الاميركية للمسألة أي وقف كل أشكال التساهل والتصلب الجزائي اللذين يحملان الدمغة الاميركية. كذلك اللجؤ إلى الشركات الخاصة في مجالات كانت خاصة بالقطاع العام كإدارة السجون والرقابة على نوعية التعليم...

إذاً كانت جهود التنسيق في سبيل "إدارة تقدمية" ما تزال تمر عبر محور سياسي ديموقراطي/عمالي جديد، فإنها لم تعد ذات أهمية مركزية بالنسبة للسيد بلير وخصوصاً أن "صديقه بيل" لم يعد رئيسا للجمهورية والديموقراطيين تحولوا أقلية في الكونغرس. مع ذلك فان العلاقات لم تكن على هذه الدرجة من الجودة يوما بين رئيس الوزراء البريطاني والمسؤولين الاميركيين إلى درجة أن بعض المعلقين يتهمون لندن بالتخلي عن سيادتها السياسية لفرط ما تقوم بالمهمات الصعبة لصالح واشنطن. كأن السيد بلير ما عاد يميز بين مصالح بلاده والمصالح الاميركية.

في العام 1997 تغير خطاب وزارة الخارجية البريطانية بعد أن وعد الوزير السيد روبن كوك بإدخال "بعد أخلاقي" عليها. واعتقد اليسار الأوروبي أن هناك تحولاً عن مجرد الدفاع عن المصالح الوطنية وإعادة للنظر في بعض التوجهات التي أساءت إلى صورة المملكة المتحدة لا سيما في البلدان الفقيرة (دعم الأنظمة الديكتاتورية كما في اندونيسيا مثلا، بيع الأسلحة...). وقد أشير إلى مفهوم التدخل الإنساني كمرادف للبعد الأخلاقي في مجال السياسة الخارجية. وقد أعطت حرب كوسوفو السيد بلير الفرصة للانحياز إلى معسكر "الصقور" إذ لم يكتف بتشجيع الولايات المتحدة على التدخل عسكريا ضد بلغراد بل صمم (خلافا للرئيس كلينتون) على إرسال جنود إلى مسرح الأحداث.

في نيسان/ابريل 1999، ولمناسبة احتفالات العيد الخمسين لتأسيس حلف الناتو ووسط نزاع كوسوفو، ألقى رئيس الوزراء البريطاني في شيكاغو خطاباً كان له طابع البرنامج بعنوان "نظرية الجماعة الدولية" يرحب فيه بـ"الحرب العادلة" ويقدم رؤية بانورامية "جديدة تماما" للعالم تتطلب قواعد عمل جديدة. تتضمن العولمة جانبا سياسيا وامنيا بقدر الجانب الاقتصادي وليس أمام البلدان سوى الإذعان لقوى (السوق) التي تتجاوزها. "تخطئ الحكومة التي تعتقد أنها قادرة على التصرف بمفردها، الأسواق تعاقبك إذا لم تحب سياساتك". تعكس هذه الرؤية الحتمية للعولمة نظرية انطوني غيدنز التي بلورها قبل سنوات في كتابه "في ما يتجاوز اليمين واليسار" [2] .

إن العولمة تفرض بقوانينها الفولاذية واجبات دولية جديدة تراوح بين الاستمرار في تحرير التجارة والمبادلات وهي طريق التقدم الوحيدة وبين استراتيجيا الأمن الدولي التي تتجاهل مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ذات السيادة والتي تجاوزها الزمن ف [3] ي سياق الأشكال الراهنة للتداخل الدولي. "إن أكثر مسائل السياسة الخارجية إلحاحاً هو تحديد الظروف التي علينا فيها التدخل بصورة فعالة في نزاعات الآخرين" . لا يشير السيد بلير إلى موافقة الأمم المتحدة على هذا التدخل وكانت الحكومة البريطانية في كانون الأول/ديسمبر 1998 قد شاركت في قصف العراق من دون الاستناد إلى قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. هذا التغيير تأكد خطياً في شيكاغو وها هي نتيجته في العراق.

في تموز/يوليو من العام 2003 وفي خطابه أمام الكونغرس الاميركي الذي قلده ميدالية ذهبية، وافق السيد بلير على أولوية القوة الاميركية في شؤون العالم وكرر الطلب من الأوروبيين التعاون مع واشنطن. وهو إذ انطلق من أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي اعتبرها مقدمة ومن حرب العراق كونها "الفصل الأول" فانه يتوقع سلسلة من الأعمال المسلحة ("ستكون هناك نزاعات أخرى قبل أن تنتهي المسرحية") بقيادة واشنطن بغض النظر عن رأي سائر البلدان. "لم تكن القوة الاميركية مرة ضرورية إلى هذا الحد ويساء فهمها إلى هذا الحد". يلي ذلك مديح في العالم الأحادي القطب: "ما من نظرية في السياسة الدولية أكثر خطورة من تلك القائلة بضرورة إيجاد توازن مع القوة الاميركية". إن الواجبات "الدولية" للتدخل "من أجل القيم" تجعل الولايات المتحدة قوة "ضرورية ويساء فهمها"، قوة من أجل الخير. يكفي أن تشن إدارة بوش حرباً "عادلة" كي تلحق بها بريطانيا وقد أتبع السيد بلير هذا النحو في العراق مع النتائج المعروفة المترتبة على ذلك.

إن تنظير بلير للحرب العادلة والمعركة (العسكرية) من اجل القيم يذكّر جيدا بالمبادئ الإمبراطورية القديمة التي كانت تشرع تدخلها ضد الشعوب "البربرية" باسم "قيم" العالم المتحضر. ففي نظر نيال فرغوسن وهو مؤرخ شاب يدافع عن منافع الإمبريالية ويسلط عليه الإعلام الضؤ، فان محصلة الاستعمار البريطاني كانت ايجابية عموما بالنسبة لشعوب بأكملها خرجت بفضله من التأخر الاقتصادي واضطهاد المرأة (في الهند مثلا) من دون أن ننسى الفوائد العمومية لحرية التجارة ودولة القانون والديموقراطية و"القيم الغربية".

إن هذه الوجهة التحريفية التي يرفضها مؤرخو البلدان المعنية خصوصا استخدمت كحجة من اجل "المعركة الدولية" التي يخوضها البريطانيون والاميركيون وتسمح لهم بتبرير القصف الجوي المكثف على صربيا أو العراق. ويقوم احد دعاة هذه الإمبريالية الليبيرالية بتقديم النصح إلى السيد طوني بلير في السياسة الدولية. ففي نيسان/ابريل 2002 وفي مقال بعنوان "لماذا ما زلنا بحاجة إلى الامبراطوريات؟" دعا السيد كوبر إلى استعمار جديد لما بعد الحداثة: "تحولت عبارتا الإمبراطورية والامبريالية إلى مفهوم منتقص وما من قوة كولونيالية مستعدة لتحمل مسؤولياتها. لكن الحاجة المناسبة للاستعمار كبيرة كما في القرن التاسع عشر" .

بالرغم من الخلافات المبدئية الظاهرة بين الزعيم العمالي والرئيس الاميركي الجمهوري إلا أن بينهما جذراً مشتركاً وهو الليبيرالية الاقتصادية المطعّمة بالمسيحية. فالرجلان لا يؤمنان فقط بآليات السوق الحرة بل أيضا بالعائلة والنظام والانضباط الاجتماعي وسلطة إلهية تكون وحدها الحكم كما تجرأ السيد بلير على القول عندما سئل عن الخسائر البريطانية في العراق . فالزعيم العمالي يؤمن بمهمته الوطنية والدولية كما يقول وإذا كان أكثر تستراً من السيد بوش على الموضوع (تحاشى إنهاء خطابه بعبارة "بارككم الله" عشية إعلان الحرب الثانية على العراق) إلا أن القيم التي يدّعي الاثنان التدخل باسمها حيث يدعوهما الواجب هي قيم مستوحاة من هذا المصدر المشترك.





--------------------------------------------------------------------------------
* مؤلف
La mule de Troie. Blair, l’Europe et le nouvel ordre américain, Editions du Croquent, coll. « Raisons d’agir », Broissieux, 2004.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] Polity Press, Cambridge, 1994


[2] خطاب طوني بلير في العيد الخمسين لتأسيس الناتو في 4/4/1999


[3] "لماذا ما زلنا نحتاج إلى الامبراطوريات؟"، صحيفة "الاوبزرفر"، 7/4/2002
جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#كيث_ديكسون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بايدن مازحا خلال لقاء في البيت الأبيض: -أنا أبحث عن وظيفة-
- ثوران بركان إتنا في جزيرة صقلية الإيطالية (فيديو + صور)
- جي دي فانس: يجب على الولايات المتحدة أن تتوقف عن لعب دور شرط ...
- هيئة الأركان الأوكرانية تعترف بتوتر الوضع بالنسبة لقواتها عل ...
- جنرال بولندي يتوقع حربا وشيكة بين أعضاء الناتو
- والز يعلن استعداده للمناظرة مع فانس
- ديمقراطيو كاليفورنيا يدعون إدارة بايدن إلى تجنب -دوامة الموت ...
- وزير الخارجية المغربي: خطاب العرش وضع المحددات الثلاثة لموقف ...
- إعلام إسباني: تعرض والد نجم برشلونة لامين يامال إلى عملية طع ...
- -نيويورك تايمز-: إسرائيل استنفدت إمكاناتها العسكرية في المعر ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كيث ديكسون - الحلف المقدس بين لندن وواشنطن