|
الكورد بين مصالحة التاريخ و مخاصمته
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3207 - 2010 / 12 / 6 - 15:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لم تسنح فرضة مثالية مماثلة للشعب الكوردستاني في العمل و التاني في الغوص في شؤونه الخاصة و التامل في تاريخه و التركيز على معاينة ماحدث فيه من اجل توصيفه بشكل جلي الذي يفضي بدوره الى تفسير علمي شامل لمجرياته كما يحدث اليوم، و لديه من الفرص المتاحة امامه بشكل كبير، و هذا ما يقوده الى تبرير ما تخلل تاريخه من كافة الجوانب الثقافية السياسية الاقتصادية الاجتماعية، و بدوره يمكن قبول ما مرَ به طوال التاريخ و الدفاع عنه او رفضه و اعتباره طارئا عليه و ليس من نتاج العمليات المتفاعلة اثناء جريان الحقبات المختلفة له جراء التغييرات الحادثة فيه او نتيجة احتكاكاته مع ما فرضه الاخرين عليه او استورد اليه بطيب خاطر . الواقع الحالي يفرض عليه اثارا بالغة بشكل عام اثر تداعيات و معطيات الثقافات العالمية و التطورات العلمية و بالاخص ما يتميز به وضعه في كوردستان العراق الذي يعتبر امتيازا نوعيا يدفعه للاحساس بالنخوة و التعامل مع المرحلة الحالية بعقلانية و بامكانه استثمارها من اجل قراءة التاريخ لاغراض متعددة، و الهدف هو المصالحة و انهاء القطيعة الطويلة و المخاصمة و جلد الذات على الخطا المرتكب و من اجل بناء الروحية الايجابية في اراحة الضمير و النفس السوية لتخطي الصعوبات و ازاحة العقبات في طريق تمازجه مع الموجود و الحفاظ على الخصوصيات لاثراء الثقافة العالمية المنتشرة ايضا و ليس الذاتية او المناطقية فقط، و للاسف هناك من يصارع ما تاتي اليه دون تحليلها و معرفة جوهرها و مدى تلائمها مع الموجود و هو مغمض و وقوفه ضدها نابع من التعصب فقط، و الذي لا يمكنه الصمود امام عاصفة الافكار و الثقافات و العقليات الانسانية المنبع و الهدف الى الابد. ان الارضية المتوفرة في كوردستان تخول الشعب للتساؤل عن النفس ، اي عن الماضي و الحاضر و استشراف المستقبل وفق استشفاف الاجوبة للاسئلة المتراكمة حول قضاياه و الحوادث التي مر بها عبر التاريخ و ما توصل اليه و مافيه اليوم. الخير يدله دائما الى الترفع و التماس الاعذار الحقيقية في الاختيار لكل مرحلة و عما حصل له من قبل و ما يفرض نفسه لو فكر بعقلانية، و ما يتوصل هو عدم الانزلاق في بركة الانتقام و التعصب و المحاسبة، و هذا لا يمنعه البحث عن النقاط السوداوية و ما يمكنه ان ينبش و ينخر الذات و يبعد الحقد و السلبيات عن تفكيره و يتلقف النقاط المضيئة من تاريخه و الاسترشاد بها. ان كان حتى الامس القريب مركونا في الزاوية الدفاعية اما اليوم له الامكانية و القدرة في الغوص في كافة الجوانب، و ان كان حلمه موؤود في الامس فاليوم امامه الكثير من الفرص للانتعاش و ما يساعده على ذلك هو امتداد و وصول الثقافات الاممية الى الحال التي نعيش فيها و ما احتكنا به من الجوانب الايجابية للعولمة و التقدم التكنولوجي الذي يساعده في الخوض في ما تعنيه من اجل اغناء ما لديه من الثقافة و الفكر و الفلسفة العامة. النقطة الهامة في الامر لدى الكورد في كوردستان و يجب التعويل عليها هي الاحساس بالوحدة و المصير المشترك بين مكوناته و ما يحتاجه هو توحيد الجهود من اجل التقاء الثقافات التي تثري ما لديه ضمن كيانه المقسم او مع الاخرين. و الاهم هو التحلي بالصبر و قوة الارادة في استسهال القضية و الاحتكام الى سلطان الفكر و العقل في تظفير العمل للاتحاد و توحيد الكيان المتشظي و ما يهدف اليه الجميع واضح و شعاراته ساطعة رغم العوائق التاريخية و الحواجز الموضوعية، و اخصاب التاريخ له تاثير مباشر و كبير على اخصاب العقل، و يمكن ان نستدل بتفعيله على المفيد و نختار ما يجب ان نتالق بشانه و الذي يفرض نفسه وما يمكن ان نختلف فيه و ليس ضيرا للقضية بشكل عام بل يمكن الاستفادة منه. من اجل الدقة في بحث الثقافة عبر التاريخ يجب علينا اقتفاء مجرى التاريخ بما فيه و عدم السباحة عكس التيار فيه، من اجل اصابة الهدف السامي و هو مصالحته و الابتعاد عن مخاصمته التي تضر بنا كشعب و وطن. يمكن تركيز و تكثيف الجهود على قراءة الاختلاف الثقافي مع الاخر و انه لفيه العبرة لمن يريد اذابة الثقافات مع بعضها و ازالة السلبيات الناشئة من عملية التفاعل و التمازج، و لا يمكن تحقيق ذلك الا بذات الثقافة ذاتها و ليس بفعل السياسة كما يحدث اليوم في اكثر البلدان النامية لانها ستتصادم مع بعضها في اية لحظة ان اختلفت في المنشا و الاصل و الجوهر كما هو الحال لكل ثقافة مختلفة مع الاخرى، و لكن بترابطها بروابط ثقافية عامة التي تخص الجميع نبعد عنها التداعيات و الافرازات السلبية المؤدية الى شللها ذاتيا. اما اسهل الطرق بعيدا عن السياسة و متطلباتها تكمن في الاهتمام بالخطاب الثقافي الفكري العام و من دون حصره بمنطقة او جزء و من ثم محاولة نشر الخطاب التوحيدي و قراءة مدى تاثيره و تاثره بالخطابات السائدة و باشكالها المختلفة و ما نقطة الملاقاة بينه و بين ما يرتبط بكوردستان بشكل عام . المصالحة الحقيقية الواعية النابعة من الاحتذاء بالنفس و الايمان بالقدرة الذاتية و الثقة تبدا ببدء القراءة الواعية للتاريخ و مجرياته و تكثيف الجهود لايجاد سبل الخلاص من ظواهر التبعية و الخضوع و الخنوع المزروع في نفسية المعروض للبحث، و هذه القراءة لن تكون مجردة و باحثة عن الايجابيات فقط بل يجب ان ترافقها مواقف نقدية حيال ما جرى فيه من الاحداث السلبية المتخلفة ، و ان ظهرت لدينا مجموعة من التناقضات، لكن يجب ان تستغل التباينات الموجودة سبلا لاغناء الثقافة العامة و وسيلة لخصبها و ليس طريقة لتمزيقها او تفريقها. و يتم ذلك ،اي الغور في تلك البحوث بالعمل على ارض الواقع و الابتعاد عن الوعظ المستنبط بالارشاد و النصائح، و تحليل الواقع و الاحداث التاريخية علميا لبيان نقاط الضعفف و تشخيص الخلل المرافق للاحداث. اما اليوم و ما متوفر فيه، الواقع يحثنا على قراءة التاريخ على ضوء الوعي الجديد و ما تفرضه الحداثة في الفكر و التحليل و تقييم التاريخ و تفسير الزمن و المرحلة لكل حادث من اجل الدقة في الاستنتاج، و يكمن ذلك في فكر و ثقافة متوحدة ليكون اساسا لوحدة الامة و الدعامة الرئيسية لها. بعيدا عن التعصب و الانانية ، يجب ان يكون خطابنا نبيلا سمو المقصد نابعا من الوعي و الادراك مستندا على القيم الانسانية كمسؤولية حضارية و تاريخية لكافة الشعوب في الوقت الراهن. و من هذا المنطلق يمكننا ان نتصالح مع ذاتنا و مع الاخرين و مواكبة العمل بداية بنبش التاريخ محاولين توسيع الثقافة العامة لرفع منزلتها لدينا من اجل ترقيتها و موائمتها مع المستجدات و الاخذ بعوامل النهضة السريعة بعد المصالحة التاريخية التامة المقنعة المستفيدة من مجريات التاريخ و تداعيات المراحل المتعاقبة فيه، و يجب الاصرار على تكثيف الجهود لضمان المستقبل من كافة جوانبه الثقافية الاقتصادية الاجتماعية، و المهم هنا و من الواجب اخذه بنظر الاعتبار هو الحذر من عدم اتباع العامل الثقافي للعامل السياسي و السياسة كما يحصل اليوم و ان لا تكون محكوما بها. ما نشاهده اليوم من انشاء وزارة الثقافة هو وضع الاغلال في اعناق الثقافة و طمس هويتها و اختناقها و تضييق حريتها و محاولة تقيدها بعوامل سياسية و ما تلمسه من تحاشي الكثير من الدول المتقدمة في انشاء هذه الوزارة لانها ابعد نظرا، وا بقت على ثقافتها طليقة و حصينة، و انها تتعامل مع الثقافة على انها الجوهر و ليس قرار اجرائي و تمنع انجرارها وراء السياسة. على الرغم من تجزئة كوردستان الا ان هناك اعتقاد بان التوحد الثقافي موجود فكثيرا ما يخفى وراء التعدد السياسي توحدا ثقافيا و لكن هذا ليس بضرورة و لا يمكن العميم به، فهناك ما يمكن ان نقول ان التوحد السياسي يكمن فيه تعددا ثقافيا ايضا. و ما لمسناه في هذه الحقبة ان الهوية الثقافية لا يمكن طمسه بالكامل بالصراع السياسي او بفرض التوحد السياسي الغاصب، و الدليل ما حدث فيما بعد انفكاك الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا و ما وصلت اليه حال الثقافة العامة بين مكوناتهما و الانشقاقات التي حصلت لها. و هذا ما يدعنا الى ان نعتمد الثقافة قبل السياسة في الحفاظ على الوحدة و الترابط بين مكونات الشعب و في تنظيمه و ارشاده ، و هذا لخيره و سلامته و تعايشه السلمي مع الاخر، و من الاجدر بنا التغاضي عن ما اضر بنا في وقته و اخذ العبر منه خير عمل و عنصر هام لبناء ارضية للمصالحة مع الذات و بناء الثقافة و التعامل مع الاخر ، و خير وسيلة لاعادة النظر في السلوك المتبع كشرط لنشر السلام و الوئام بين الشعوب، و التلاقح الثقافي خير طريق لابعاد شبح ما تنتجه الخلافات و المخاصمات.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَن تختاره الكتل ليكون وزيرا في الحكومة العراقية
-
الديموقراطية و ما تجلى من دور الاحزاب في انتخابات معلمي كورد
...
-
دلالات النقاط المشتركة بين هوية الفيلية و الشبك
-
كيف تُمحى مخلفات عقلية البعث في العراق؟
-
ما يحدد العلاقات و طبيعة التعامل مع البعض
-
هل من مصلحة العلمانية محاربة الدين بشكل صارخ ؟
-
عوامل نجاح المالكي في مهامه الصعبة
-
التاثيرات المتبادلة بين العولمة و العلمانية
-
اين الثقافة الكوردستانية من القيم الانسانية البحتة
-
مرة اخرى حول الثراء الفاحش و الفقر المدقع المنتشر في منطقتنا
-
رفع العلم الكوردستاني في البصرة لعبة مكشوفة للجميع
-
مغزى انعقاد المؤتمر الدولي الكوردي السابع في مقر الاتحاد الا
...
-
السلطة الكوردستانية و التركيز على تطبيق الديموقراطية في المر
...
-
اية حكومة تناسب الوضع العراقي الحالي ؟
-
من ارتضى بمبادرة البارزاني بقناعة ذاتية؟
-
الاستقلالية في التعامل مع الاحداث تضمن النجاح للعملية السياس
...
-
مابين تلبية مبادرة السعودية و رفضها
-
كيف يتناول الاعلام العربي القضية الكوردية
-
الشعب العراقي يصوٌت ودول الجوار تشكل الحكومة !!
-
كوردستان و التعامل مع تداعيات العولمة
المزيد.....
-
إسقاط عشرات الطائرات المسيرة الأوكرانية على مختلف الأقاليم ا
...
-
الرئيس الروسي يعلن استعداد بلاده للتفاوض حول النزاع في أوكرا
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تحديث لمتحف اللوفر تستغرق سنوات لاتمامه
...
-
فلسطينيون يواجهون أسوأ مخاوفهم في شمال غزة
-
مسيرات أوكرانية تستهدف منشأة للطاقة الذرية في مقاطعة سمولينس
...
-
-هآرتس-: ارتفاع مبيعات الأسلحة من صربيا لإسرائيل بنسبة 3000%
...
-
سوريا.. تنظيم -حراس الدين- يعلن حلّ نفسه
-
المبعوث الأمريكي يبحث اتفاقا شاملا للشرق الأوسط يشمل إعمار غ
...
-
القيادة العامة السورية تصدر بيانا عن لقاء الشرع وبوغدانوف في
...
-
المغرب.. توقيف مشتبه به لتورطه بالاحتيال منتحلا صفة مسؤول بم
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|