محمد عبد الله دالي
الحوار المتمدن-العدد: 3206 - 2010 / 12 / 5 - 21:18
المحور:
الادب والفن
رسالتان من الغربه
قصة قصيرة
ابني العزيز .. تحية وبعد
حاولتُ أن أجمعَ أفكاري وأُرتب ذكرياتي ،عسى أن أجد بداية أو ديباجة , اخفف بها من وقع ألم الحياة الهائل على مجرى حياتي فلم أفلح .
أيها العزيز .. منذ أن غادرنا أنا وأخوك ، البلاد وعبر الحدود الشمالية , كانت مغامرة , تصلح أن تكون فلما وثائقياً .. كانت مسيرة شاقة . عبر الطرق .. الجبلية الوعرة . ومخلفات الحرب من ألغام وأسلاك شائكة , أصيب البعض منا ، وقُطِعَتْ أطراف البعض الأخر ، وقد تخلف من تخلف للعلاج في القرى المنتشرة ، هنا وهناك ونحن ننحدر من سفوح الجبل إلى الوادي ، داهمتنا إحدى الدوريات الحدودية ،تفرقنا إلى مجموعتين ، وبدون تنظيم ، نتيجة للخوفِ والرعبِ ، ومنذ ذلك الوقت فقدتُ أخاك ولا ادري هل حالفه الحظ وتخلص من نقاط التفتيش والدوريات العسكرية أم هو في عداد المفقودين ، تابعت أنا واثنان من الأصدقاء طريقنا ، وبعد جهد وتعب وجوع لجأنا إلى احد المغارات في احد الجبال ، مما حدانا أن نأكل الأخضر واليابس ، وبعض الحيوانات البرية , عشرة أيامٍ بلياليها , عانينا فيها الأمرين , وعندما نختبئ ليلا في المغارة نتذاكر همومنا ..
ــ محمود من الجنوب ، يتنهد ويقول حسبي الله على كل من حرمنا من الهور والبردي ، على كل من فرقنا ، كان يحن للماء والطير وللسمك والتنور ، أخيراً يقول :ــ
ــ هاي الدنيا .
ــ كنتُ أسألَهُ هل أنت متزوج،؟ تحسر .. ويقول :ـــ
ــ يا أخي لاتثير مواجعي ،إن جروحي لم تندمل ، تركت حلم حياتي تركت قلبي لديها وأجبرني أولاد الحرام على هذه الحال . ووعدتها أن تبقى وان تبقــــى....!
ــ أما كاكاحمد ، كان يقول مصيبتكم أهون يا أخوان كنت أقول لهُ( نفس المصيبة)
أنا وأبي الوحيدان اللذان نجينا من الموت في مذبحة حلبجه بادرته بالسؤال كيف...؟ ــ قال :ــــ كنت وأبي خارج القرية نرعى الأغنام ،أبي فقد بصره نتيجة لاستنشاقه قليل جداً من الغاز السام ،وإنا أغمي عليّ ، خدمتني الظروف حيث كنت متكأً على صخرة بمستوى منخفض ، لذلك لم أَستنشق الغاز ، أودعتُ أبي عند عمي في السليمانية , وأنا طاردوني , أرادوا لجم فمي لأني من القلائل الذين نجو من الكارثة خافوا أن أتحدث عن هول ما رأيت , ثم جاء دوري وسألوني وأنت يا أكرم ..؟ قلتُ.
ــ أنا وابني شاركنا في انتفاضة شعبان ،وهربت وابني من الأسر . عندما غادرنا إلى مقبرة جماعية , وأفزَعني هولَ ما رأيت , كانت الناقلاتُ المحملة بالرجالٍ والنساء والأطفال والصراخ يمزق عنان السماء , ويدمي القلوب كان دفناً للحياة ، ,وبعد فترة عرفوا إنا قد أفلتنا من الكارثة فطاردونا , فكانت هذه النتيجة كان الفجر يفاجآنا ونحن جالسون , وبعد إن هدأت الأمور تسللنا خارج الحدود ، كان سكان القرى يساعدوننا على معرفة الطريق ونختفي عن عيون الجواسيس المنتشرة في كل مكان ، ومن خلال سماسرة التهريب وصلنا إلى شواطئ البحر , وهناك لاقتنا صعوبات أشد مما رأيناه في الطريق ، كان الموت اقرب من الحاجبِ إلى العين ، ركبنا زورقاً خشبياً قديماً ، كنا من عدة جنسيات غالبيتهم من العراقيين ، وعندما اقتربنا إلى شواطئ ايطاليا ،فوجئنا بضبابٍ كثيف فقد قائد الزورق الرؤيا ،اصطدمنا بزورق حديدي كبير ،مما أدى إلى غرق الزورق وتدميره قتِلَ وغرق الكثير لشدة البرودة ولعدم معرفتهم السباحة ،نجونا نحن الثلاثة بأعجوبة ،وهربنا من مراقبة خفر السواحل والتهمتما إحدى المدن الشاطئية ،تفرقنا على لاجئين عرب وعراقيين ،قد سبقوناالى الغربة .. جمعتنا المصيبة والمحنة التي نحن فيها ،ساعدونا على الاختباء ،حتى استعاد كل منا صحته .
ابني العزيز :ــــ
من هنا جاءت مرحلة جديدة في حياتي ، كان لِِِذل السؤال والشعور بالغربة الحقيقية عن بلدي وعن الهواء النقي وطعم الماء ، شعرت أن شيئاً يخنقني وأحسُ عندما أقفُ وأستجدي عملا من إنسان لاأعرفه ينتابني خوف شديد ، أن يسلمني للشرطة .كان احدنا يحمي الأخر ، نجتمع ليلا ، ليبث احدنا شكواه للأخر كان تفكيري منصب على أخيكَ ، أين أصبح وأين أمسى انقطعت أخباره ، وهمي أنت وأمك وأخواتك وكيف تسير الأمور هل ما زال الفاشيون يضايقونكم احرص يا بني عليهم إنهم أمانة في عنقك قد حملتك إياها وأنت طري العود .
يابني... الغربة شيء لايحتمل وأريدك أن لاتكونَ غريباً اومغترباً نحن هنا نتعلق بكل شيء فيه رائحة الوطن وإذا تفرقنا يوماً كنا نتعانق بشغفٍ ،يشم احدنا الأخر إنً تجربتي قاسية ومريرة , والذي حملني على ذلك ما هو امرمنه .. قبلاتي ،أطبعها على رأس أمك وعلى خدي أختيك وأخيرا أيها العزيز اخبرني عن أخيك وما جرى له.
والدك / فـــــي شبـاط /1997
ــ أبي العزيز... أضفت إلى ألمي ألماً وحملتني فوق طاقتي هماً ، حيثُ أحسستَ أنَ عمري ازداد عقودا ، ولكن وسعت كل الطرق ونبهتني إلى طرقٍ جديدة عليُ إن اسلكها .. أبي بعد أن رحلتَ باايامٍ ،كنا قلقين عليك كانت أمي لا تسكت عن البكاء وهي تندب حضها رغم أنها تملك قلباً حنينا ،وعطوفاً ولا تنسى أنها عراقية تستمد قوتها من الأرض التي ولدت عليها ومن التاريخ الذي عاشته ، والاكثرمن هذا ،أن لها من مصيبةِ الأولياء في العراق قدوة .. تحن علينا كما تحنو الحمامة على أفراخها ، نقلتنا من مكان إلى آخر خوفاً من عيون الطغاة لأنهم حاولوا اكثرمن مرة مداهمتنا وأرعبونا،ذنبنا هو إننا أبناء رجل من أبطال الانتفاضة ،شردونا في اكثرمن مكان ،كانت أمي هي الأب وألام ،كنا نسألها هل أبانا وأخونا اعتقلا أو ماتا؟ كانت تجيب . الله اعلم إذا كان لنا نصيب نراهم .. كانت تؤكد عليّ أن أنتبه لدراستي، وأن أكونَ مفخرة لأبي وأمي . أبي ... أصابنا اليأس من العثور عليك ، انتقلنا من الريف إلى المدينةِ للبحث عن عمل كانت المدينة أشبه بمدينة أثرية ، أو كأن زلزال أو عاصفة مدمرة أصابتها ، وسكانها يرجعون إليها تباعاً للبحث عن ما تبقى من دورهمِ ومحلاتهم ومنهم من يبحث عن ابنه او والده بين جثث الشهداء . كان الحديث يدور إن قوات النظام قصفت المدنية بالمدفعية والصواريخ ، وألقت القبض على كل شاب صادفته ، ثم تمً إعدامهم ... رائحة نتنة ، وأمراض متفشية ،كنا قد استأجرنا ، غرفة في إحدى دورا لمدينة القديمة ، عملت والدتي في إحدى العيادات الطببيه، وبالكاد ، كانت الأجور تكفي للإيجار ،ولسد بعض الحاجات ،وإنا اعمل في بيع السكائر ،لمساعدتها ،وحُرِمتُ من عام دراسيً ، .. استقر بنا الوضع لفترة من الزمن ونحن في بحبوبه من العيش وفي صباح يوم جديد ، طرق الباب وإذا بأحد المسؤلين يطلب معلومات عن المفقودين والمعدومين ، والمشاركين في الانتفاضة، كان جواب والدتي .. انك توفيت منذ زمن ، مجرد عذر كانت تسوقه للرد ، كرر طلبه بمعرفة شهادة الوفاة وعن الهويات الشخصية عدة مرات كانت المضايقات المستمرة من أزلام النظام تثيراعصابنا وكنا نُغيّر مكان إقامتنا من حين لأخر لتضليلهم. كانت أمي تقول لي ..أنت رجل البيت الآن وأخاف عليك منهم ، لأنهم لا ذمة لهم ولا ضمير .
أبي العزيز... في خضم هذه المعانات ، من فقر وحرمان ، ومعسكرات أكملت دراستي الإعدادية وأنا اتهيءلاكمال دراستي الجامعية وفقا لمعدلي المتواضع .
كنت أواجه عائقا مهما ، آما الانتماء لصفوف النظام أو حرماني من الدراسة في المعاهد أو الكليات مما حداني إن اطلب التأجيل لعامٍ آخر لإعالة والدتي وإخوتي .أبي .... والدتي تحملت عبئاً كبيراً خلال هذه السنين لأننا غرباء وان غربتنا أشد من غربتك أنت غريب لأنك تعيش خارج الوطن والغربة داخل الوطن أشد وأقسى ــالله يا أبي ــ ما أعظم صبر العراقيين ،إنه صبر كل المظلومين في العالم ، وها أنا أدعوك إلى الصبر ، أما سمعت عن كارثة سواحل ايطاليا واستراليا ؟ إن أخي كان ضمن الذين غرقوا وقبل شهر استلمنا جثمانه كان الحادث لهُ وقع رهيب ومؤلم علينا وخاصة أمي أُدخلت إلى المستشفى لإصابتها بنوبة قلبيه كادت تودي بحياتها.. قالت لي وهي تبكي أكيد أن أباك قد غرق أيضاً ..
أبي العزيز ... الله أسأل أن يرفع عنا هذا البلاء وان تعود إلينا سالماً
/ في شبــــــــــاط/
ولـــــــــــــــدك
قصة / محمد عبد الله دالي
1997
#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟