|
حينما يقع الامام في حب فتاة كاثوليكية: المسبحة الخطأ... محاولة لكسر التابو الديني
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3206 - 2010 / 12 / 5 - 14:38
المحور:
الادب والفن
يتصف فيلم "المِسبحة الخطأ" بجرأته النادرة في رصد المنطقة المشتركة التي تلتقي عندها الأديان السماوية. كما أنه يتناول موضوعًا إشكاليًا كبيرًا حينما يرصد قصة المؤذِّن موسى الذي يؤم المصلين في أحد جوامع إستانبول، ويقع في حب فتاة كاثوليكية ولا يجد ضيرًا في أن يتزوجها ويقترن بها مدى حياته. وعلى الرغم من أنه عاش صراعًا مؤسيًا مريرًا في داخله، إلا أنه كان يلمِّح بهذا الحب اللجوج الذي أربك حياته، وكان وشك التصريح بهذه الكلمة السحرية التي كانت ستقود الأمور الى نصابها الصحيح. تحتفي الدورة الثالثة لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي بالسينما التركية الحديثة ولذلك فقد أفردت لها برنامجًا خاصًا جاء تحت عنوان "السينما الجديدة في تركيا"، اضافة الى اشتراك فيلمين مهمين في مسابقتي الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة وهما "10 حتى 11" للمخرجة بيلين إسمر، و"في الطريق الى المدرسة لأورهان أسكيكوي وأوزغور دوغان. وعلى الرغم من أهمية كل الأفلام التركية المشتركة في هذا المهرجان إلا أن فيلم "المِسبحة الخطأ" هو الأكثر حساسية لأنه يتناول موضوعًا اشكاليًا نادرًا ما يحدث في المجتمعات الإسلامية على وجه التحديد. وإذا حدثت قصة من هذا النوع الاشكالي فإنها تظل محصورة في إطار الاستثناءات القليلة التي تحدث في أوقات متباعدة جدًا. لابد من الكشف عن مضمون هذه القصة الإشكالية التي كتبها ثلاثة أشخاص وهم طارق طوفان، غوركيم يلتان وبكتاش توبال أغلو حيث اختاروا فكرة حساسة مفادها أن المؤذن موسى القادم من أنقرة الى إستانبول يقع في حب فتاة كاثوليكية منغلقة على نفسها. يا ترى، ما معطيات هذه القصة، وما هي تداعياتها على الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم أولاً وعلى باقي الشخصيات المرتبطة بهما. دعونا نتتبع السياق السردي لهذه القصة التي ترصد قضية التلاقح الفكري والروحي والثقافي بين شخصيات إسلامية ومسيحية. المشهد الأول له دلالة كبيرة. إذ نرى امرأة حاملا تضع مولودها الأول وتفارق الحياة. هذه المولودة هي الطفلة كلارا "غوركيم يلتان" التي كبرت وأصبحت شابة على قدر كبير من الجمال الهادئ والمقترن بالرصانة الدينية. لا نعرف كمشاهدين من هو الأب الحقيقي لكلارا التي تسكن في أحد أحياء إستانبول. تعمل كلارا ممرضة وتشرف على رعاية امرأة طاعنة في السن كانت تعمل هي الأخرى ممرضة. تتنقل كلارا بين البيت والكنيسة تقريبًا، ونادرًا ما تكسر هذا السياق المتبع إلا في الحالات الضرورية. تنقلب حياتها رأسًا على عقب حينما يسكن الى جوارها المؤذن موسى "نادر ساريباكاك"، هذا الشاب الذي قدِم الى أستانبول أول مرة وأصبح إمامًا لأحد الجوامع الواقعة في منطقة "غاتَلا ". ثمة مفارقات غريبة تحدث لموسى. فحينما يطأ أرض منزله الجديد أول مرة تقع له بعض الحوادث بفعل قلة الخبرة، إذ تنطفئ الكهرباء في منزله لأن أحد القوابس قد احترق بسبب الفولتية العالية "للهيتر " الذي استعمله في تسخين الماء. لم يجد بدًا من طرق الباب المجاور له فيأتيه الرد من وراء الباب الذي يُصفق بقوة، لكنها أي "كلارا" تقدم له المِفّك الذي طلبه من فتحة صغيرة في الباب الموارب. يستفيق كل صباح في حدود الساعة الرابعة فجرًا لكي يرفع صوت الآذان ويؤم المصلين الذين يفدون الى الجامع في كل فرض. ذات ليل توقف المصعد فلم يجد منْ يساعده سوى الجارة كلارا التي أنارت له المصعد بضوء شمعة موقدة فيشكرها في اليوم الثاني على مساعدتها. ذات مرة أسقطت مسبحتها التي تنتهي بصليب فالتقطها موسى وحاول اللحاق بها لكنها ولجت الى الكنيسة بسرعة خاطفة ولم يسمح له البواب في الدخول طالبًا منه أن يأتي في اليوم الثاني. ليس غريبًا أن يدخل رجل مسلم الى كنيسة بدافع الفضول أو التعرف على بعض القضايا التي قد تبدو مبهمة له. حضر موسى الى الكنيسة في اليوم الثاني، وتعرّف هناك على يعقوب "إرسان أويسال" وتجاذب معه أطراف الحديث. وفي نهاية الأمر طلب منه أن يعمل معه في المكتبة التي يمتلكها، وهي مكتبة متخصصة بالكتب والمخطوطات القديمة التي تعود للحقبة العثمانية. هنا سيأخذ الفيلم مسارًا سياسيًا. أحد أصدقائه الشباب يسأله عن طبيعة علاقته مع كلارا وفيما إذا كانت هناك امكانية لأن تتحول من المسيحية الى الاسلام غير أن موسى يغير دفة الحديث. تتطور العلاقة بين موسى وكلارا. وحينما يصادفها على قارعة الطريق تمد يدها له في اشارة واضحة الى أن الأمور تتحسن يومًا بعد يوم. حينما يتردد كثيرًا على المكتبة يدهم البوليس منزله ويأخذونه مكبلا بجامعة يدوية، ويعاملونه معاملة قاسية لا تخلو من السب والشتم والصفعات التي لم يعهدها مؤذن وإمام جامع. وحينما يخرج من السجن يبدأ حياة جديدة حذرة لا يتحرش فيها بالتابو السياسي في الأقل.
سرّ كلارا يسقط يعقوب مغشيًا عليه فينقذه موسى والممرضة كلارا وحينما يقتنع تمامًا بأن موسى إنسان طيب ولا يضمر الحقد لأحد يسرد عليه يعقوب تفاصيل قصته التي قد لا يعرفها الكثيرون. فالمرأة التي شاهدناها في مفتتح الفيلم هي زوجة يعقوب وأن الطفلة التي أنجبتها زوجة يعقوب هي كلارا. ولأنه عمل في المجال السياسي المحظور فقد دخل السجن وحينما أخلي سبيله ظل يراقب ابنته من مسافة بعيدة. توفيت العجوز الطاعنة في السن التي كانت ترعاها كلارا. وتطورت العلاقة بين كلارا وموسى، لكنه كان يجد حرجًا في مفاتحتها بموضوع الزواج. قال يعقوب غير مرة بأنه يخشى أن يفتح معها هذا الموضوع لأن الوقت لم يحِن بعد. يسافر الثلاثة الى مدينة "شلة" التي تطل على البحر الأسود، ويخرج موسى مع كلارا ويصادفان في الطريق مصورًا لحوحًا أصرّ على أن يلتقط لهما صورة "فورية" تذكارية، لكنها لم تقترب من موسى، فالمسافة الفاصلة بينهما كبيرة نسبيًا ولا تستطيع عين الكاميرا أن تضعهما في الكادر الصحيح. وحينما تنزلق الصورة من الآلة تبدو مضحكة لأن المسافة التي تفصل بينهما واسعة جدًا وأن نصف جسد موسى مغيّب. ربما توحي هذه المسافة الفاصلة بينهما بالاحتمال البعيد لتلاقي واندماج هاتين الشخصين في حيِّز واحد. ومن هنا جاءت التسمية المحلية للفيلم بـ "احتمال بعيد" بخلاف التسمية العالمية للفيلم "المسبحة الخطأ" وهو عنوان مبتسر يقتصر على أن المؤذن والامام قد بدأ يسبّح بالمِسبحة الخطأ التي صادف وجودها في جيبه بسبب مفارقة عابرة. والمفارقة، كما هو معروف، لا تصنع بنية فكرية أو جمالية بسبب محدودية الدلالة.
النهاية الموجعة لا شك في أن أغلب المشاهدين قد تعاطفوا مع شخصية المؤذن موسى الذي وجد في نفسه ميلاً لكلارا، هذه الفتاة الكاثوليكية الهادئة هدوءًا مريبًا. كان موسى يبذل قصارى جهده من أجل لفت انتباهها علّها تستجيب له. فكان يغسل الصحون غير مرة بهدف إحداث قرقعة قوية تذكرها بوجوده. وكان يساعدها في حمل الأكياس التي تتساقط من بين يديها. وحينما يسأله بعض المعارف إن كان ينوي الزواج قريبًا فيأتي الرد "انشاء الله" وحينما يقولون له إن كان قد وضع نصب عينيه فتاة ما، وهل هي متدينة أم لا؟ فيرد عليهم بارتباك شديد، نعم، أنها متدينة وهم لا يعرفون أنه غارق في حب فتاة كاثوليكية وهو المؤذن الذي يُفترض أن يكون ملتزمًا بالتعاليم الاسلامية التي لا تقبل بهذه الزيجات ما لم تغير المرأة دينها! حينما لا يجد الأب أو موسى المتيّم بها القدرة على مفاتحة كلارا بالموضوع يقررون العودة الى إستانبول. وفي الطريق الى محطة القطار حيث ستذهب كلارا الى إيطاليا وتصبح راهبة أراد موسى أن يصارحها ولكن لسانه كان ينعقد عند كل محاولة. وحينما صعدت الى عربة القطار ناداها "كلارا" لكن ممر العربة قد احتواها فيما ذهب نداء موسى أدراج الرياح، أو ربما كان صوته خافتًا الى الدرجة التي لم تسمع فيها صوته المتحشرج الذي يريد أن ينقل لها مقدار حبه وتعلقّه الكبير بها. فلا غرابة أن نراه يئن وينشج بالحسرة الأبدية على ضياع هذه المرأة الكاثوليكية التي أحبها من الوريد الى الوريد.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضمن فعاليات مهرجان لندن الأدبي بانيبال تحتفي بالشعر الإمارات
...
-
ستة منعطفات أساسية في فيلم (الأخضر بن يوسف) لجودي الكناني
-
الثيمات المُستفِزَّة في فيلم (بصرة) لأحمد رشوان
-
( كتاب الصيف) لسيفي تيومان. . قصة غير درامية، وايقاع بطئ، وك
...
-
محمد توفيق وتقنية البنية الرباعية في فيلم (نورا)
-
مقاومة الرؤية النازية عبر الخطاب السينمائي . . (عازف البيانو
...
-
فيلم -اللقالق- وقضية التمييز العنصري في الدنمارك. . المُهاجر
...
-
باسم فرات. . الرائي المُحترِف
-
تقنية النص المهجّن
-
مَنْ لا يعرف ماذا يريد لسميرة المانع . . أنموذج للرواية الوا
...
-
بنية النص الكابوسي. . قراءة نقدية لرواية (وحدَها شجرة الرمّا
...
-
(ليل، وثلج وأوتار) لمحمد توفيق . . قراءة نقدية في ماهيّة الص
...
-
-سيدات زحل- للكاتبة العراقية لطفية الدليمي: سيرة بغداد من ال
...
-
إكليل موسيقى . . لجواد الحطّاب: لغة تحريضيّة وسخرية سوداء وم
...
-
بيلما باش في فيلمها الجديد (زفير). . سويّة فنية وخطاب بصري ر
...
-
شريط (أرواح صامتة) لأليكسي فيدورتشنكو. .تحفة فنية ترصد قصة ح
...
-
في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي: ثلاثة أفلام إيرانية قصير
...
-
الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيا
...
-
(روداج) نضال الدبس. . النبوّ عن الواقع والجنوح الى الخيال. .
...
-
(طيّب، خلّص، يلّلا) لرانيا عطيّة ودانييل غارسيا. . يرصد الشخ
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|