|
حضارة الماضي ام حضارة الحاضر والمستقبل
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3206 - 2010 / 12 / 5 - 12:46
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
يعرف عن معظم بلداننا في العالم العربي، وفي معظم دول الشرق الاوسط، وبلدان العالم الثالث، انها كثيرة التشبث بالماضي، وتتفنن وسائل الاعلام لديها، ولاسيما الحكومية منها في الحديث عن الماضي وانجازاته، وعن عِبَره، وعظمة انسان الحضارات القديمة لدينا .. ولكن هل حدثونا عن الحاضر وخططهم المطلوبة لخدمة الجيل الحالي والأجيال المقبلة لمواطنيهم؟ يتحدثون في كل شيء له علاقة بالماضي وينبشون قبور الموتى لإقامة الدليل على صدق مزاعمهم، فيما يهملون الأحياء وحاجاتهم الآنية الى السكن والعمل والاستقرار والحياة اللائقة. يحلو لنا ان نتحدث بحماسة عن نبوغ العرب في مجالات الطب والهندسة والرياضيات والكيمياء وغيرها من العلوم، ونشعر بالارتياح عندما نكتشف ان أوروبا استفادت من علوم العرب وطورتها، وأبدعت فيها، ولاسيما في الوقت الحاضر، ولم نسأل أنفسنا لماذا تكاسلنا نحن ولم نستفد من تلك العلوم والمكتشفات واهملناها، بل ما فائدة حديثنا عن الحضارات الممتدة لآلاف السنين قبل الميلاد، اذا لم تنفعنا عبرتها في الحاضر، ولم نتوصل الى اقامة الوشائج بين تلك الحضارات القديمة وبين حياتنا المعاصرة، التي هي بأمس الحاجة الى امور كثيرة يفتقر اليها انساننا الحالي، فهل ينفع التعكز على حضارة الماضي في مد الناس بتلك الحاجات. لم يكن للسويد او الدنمارك او أميركا الشمالية تاريخ مثل تاريخنا الموغل في القدم، ولكن هل حققنا مجتمعا يتمتع بالاستقرار والرخاء الحضاري والمعيشي مثل تلكم البلدان. تشير الدراسات التاريخية الى ان السويد، كانت تعيش عصر (الفايكنج) السويديين، ما بين القرنين الثامن والحادي عشر، والذين امتازوا بالغزو والحروب والحياة البدائية، ولم يمض وقت طويل حتى برزت السويد بصفتها قوة عظمى أوروبية خلال القرن السابع عشر،. برغم انها كانت فقيرة جداً، وسكانها قليلون (لا يتجاوزون حتى الآن 10 ملايين انسان). وما يصح على السويد ينطبق ايضا على الدنمارك فبرغم انه جرى توحيد الدنماركيين وتحولهم إلى الكاثوليكية رسمياً في 965 ميلادي فلقد ازدهرت الثقافة والصناعة والتجارة في الدنمارك وبلغت اوجها في أواخر القرن العشرين. أما الولايات المتحدة الاميركية، فان تاريخها معاصر جدا، اذ ان أرضها لم تستوطن الا في عام 1513 الذي شهد أول عملية وصول أوروبي موثق، بحسب المصادر التاريخية. أي لم يمر حتى هذا اليوم اكثر من خمسمائة عام منذ استيطانها، ومع ذلك فانها تمكنت في اثناء هذه المدة القصيرة من عمر التاريخ، ان تنشأ دولة كبرى هي الاعظم بين دول العالم في مجال التطور العلمي والصناعي والعسكري. والسبب المنطقي برأيي لنجاح الولايات المتحدة الاميركية في تطوير نفسها وسكانها والارتقاء العلمي، وكذلك الحال مع الدول الاوروبية الاخرى، هو سعي سكانها لإيصال الأكفأ الى سدة الحكم، من السياسيين الذين لا يكونون حبيسين للماضي، بل يحاولون دراسته والاستفادة من عبرته .. من الاشخاص الذين يضعون بالأساس مصلحة بلدانهم ومواطنيهم في سلم الأولويات، وحتى اذا فكروا بمصالحهم الشخصية كسمة ملازمة للنظام الرأسمالي الذي تطبقه تلك البلدان، فانهم لم يهملوا حاجات الناس، وسعوا الى تلبيتها بقوة أرضت الجميع وحققت الاستقرار المنشود لتلك البلدان. لا نقول ان تلك الأمثال ينعدم شبيهها لدينا كليا وان بصور أخرى، اذ ان بعض دول الخليج العربي، ونظرا لذكاء حكامها وشعورهم العالي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية، وازنوا بين كلتا الحالتين، أي توفر الإمكانات المالية، وتلبية حاجة مواطنيهم، من دون ان يتحدثوا عن الماضي كثيرا، مثلما يفعل آخرون اشبعوا آذان مواطنيهم بتذكر الماضي وعظمة رجاله في حين تركوا الرجال المعاصرين، من دون مأوى، يعيش كثير منهم تحت خط الفقر، بل انهم كثيرا ما يتسببون دروا ام لم يدروا في ازهاق ارواح كثير من الناس واسكانهم القبور بفعل السياسات العقيمة، التي يمارسونها والتي تحتفي بالماضي ولا تفكر بالحاضر والمستقبل. لا ضير علينا ان نتحدث في الماضي، وان نؤلف الكتب في دراسته، والتطرق الى رجالاته وشخصياته، واستخلاص العبر من تاريخهم، ولكن علينا ان نفعل ذلك بعد ان نبني الحاضر ونخطط ونؤسس للمستقبل، إذ ان المواطن يريد حاليا، الغذاء والدواء والسكن والعمل، وليس ثمة مسوغ لإهمال تلك الاشياء، و الاكتفاء بالتغني بحضارتنا الدارسة ورجالنا العظماء والمضحين، اذ اننا بذلك نكون كمن يعطي المسوغات للاستخفاف بالماضي والسخرية منه، اذ الانسان ابن يومه وليس من اللائق ان نجعله في حرمان دائم تيمنا بالمضحين، الأوائل فلكل زمان رجاله و متطلباته وحاجاته. وعلى ذكر حضاراتنا القديمة البابلية والفرعونية مثلا، وكذلك الحضارتين العربية والاسلامية فان علينا ان نستفيد من ايجابياتها، التي يقول المتحدثون عنها انها تحتويها، فليس من المعقول ان يبقى الطب لدينا متخلفا في الوقت الذي (نصدع) رؤوس الناس بالحديث عن براعة الطب الفرعوني والعربي والاسلامي، كما ان من الغريب ان نتحدث عن شرائع البابليين العادلة، في الوقت الذي نسن تشريعات ترسخ الظلم والكبت، بل هل اجهدنا انفسنا في تطوير النجاحات التي توصل اليها جابر بن حيان في مجال الكيمياء لربطها بالحاضر لنكتشف من ثم معادلات جديدة لمواد الطبيعة تفيدنا في الصناعة والزراعة وشتى ضروب الحياة. برأيي ان علينا الآن ان نؤسس لحاضر متحضر، ونخطط لمستقبل أفضل لأجيالنا، وان نترك الحديث عن الماضي لبطون الكتب وللتاريخ، فليس بمقدورنا الاعتماد على امثولة الماضي لصناعة الحاضر، الذي تغيرت ملامحه وحاجات انسانه كثيرا بالمقارنة مع الماضي، فوسائل المواصلات الحديثة مثلا نابت عن العربة والبعير والحصان كما ان مكتشفات الطب الحديثة تتوصل يوميا الى اكتشاف كثير من العلاجات لشتى الامراض، ما ادى الى ارتفاع معدل عمر الانسان في الدول المتحضرة، وقس على ذلك قضايا اخرى كثيرة، علينا تتبع ايجابياتها والاستفادة من دروس تجاربها، بأن نحترم الماضي ولكن نخطط لحاضرنا ومستقبلنا.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع والداخلية في التشكيلة الوزارية المقبلة
-
نحو الأداء الأمثل لمهام السلطات الثلاث
-
فوضى السياسة العراقية
-
مدخل لتقويم وضع التيار اللبرالي وغياب دوره في السياسة العراق
...
-
(كابينة) الحكومة المقبلة .. هل تحل مشكلاتنا؟
-
عن التشكيلة الحكومية المقبلة .. مقترحات بصدد الوزارات
-
سباق الموت والتأجيل
-
التهرب من استحقاقات عقد الجلسات
-
محادثات لتشكيل الحكومة أم دوران في حلقة مفرغة؟
-
البطالة مصدر للتوترات الاجتماعية و السياسية
-
الخارجية العراقية وحاجة المواطن إلى الانفتاح على العالم
-
زيارات المالكي لدول الجوار وحاجة العراقيين الى الاستقرار
-
بعيداً عن الوطن قريباً من الإقليم
-
تقسيم العراق هل هو البديل الأمثل عن الوضع القائم؟
-
دعامات القسوة وأزمة الإنسان في العراق الجديد
-
معارضة برلمانية قوية .. هي المدخل لاستقرار العراق
-
مغاليق السياسة ومفاتيحها
-
هل ينفذ مجرمو الآثار بجلودهم؟
-
الانسحاب الاميركي .. فرصة لإنقاذ ما تبقى!
-
حكومتنا المستحيلة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|