زهير الأسعد
الحوار المتمدن-العدد: 3204 - 2010 / 12 / 3 - 09:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
برغم وجود كافة مسببات التقدم من انفتاح إقتصادي ، توفر فرص التعليم ، وحرية الإنتفاع من الثورة المعلوماتية لم يصعقني الحالة التي آلت اليها طبقات المجتمع الاردني ، كبعض من عاصروا إنزلاق المجتمع ككل الى حفرة التخلف الحضاري .
في بقعة جغرافية يقطنها جزيء من هذا المجتمع ,- التي سنتجنب الاعلان عن إسمها- وبرغم إمتلاكها لأعلى نسبة على مستوى العالم - مقارنة بعدد السكان- من الحاصلين على درجة الدكتوراة ، إلا ان القيم الاجتماعية والتربوية تكاد تنعدم بالكامل من افراد مجتمعها ، فبذائة التصرف والإستهتار بالمسؤلية وتخريب ونهب المال ، عام كان ام خاص ،والتبجح بمفردات لا حصر لها ، تبداء بــ " أنا حُر" ولا تنتهي عند " اللي مش عاجبه يـــرحل" ، ناهيك عن العنصرية الدينية المستترة خلف نقاب الرياء الإجتماعي ، كلها ستجدها بأقرف الصور ، وأما قذارة المكان وسوء الادارة المحلية ، فلن أقربهما ، لأن لغتي تأبى أن تنحدر الى مستنقع المفردات لتفيهما الوصف .
فقرابة خمسة عقود خلت ، كان على قيد الحياة مجموعة أفراد– ولا زال البعض- ممن اضطلعوا بمسؤلية إدارة شؤون المجتمع على اعتبار انهم عقلاء القرية ، عندما كانت آنذاك قُرَيّة وقبل إنفجارها السكاني و وصول أسس التحضر والمدنية - والذي كان أولى لوجود هذه الاسس في متناول اليد ، هو إرتقاء الفرد من خلالهما بمستواياته وخصوصا الانسانية – رفضوا وبشدة إستحداث صفوف للمرحلة الاعدادية في مدرسة الإناث ، حجتهم كانت ،أن بإستحواذ بناتهم على ملكة الكتابة والقراءة ، سيصبحن قادرات على كتابة الرسائل الغرامية في مجتمع تنخر الامية قادته . لم تكن تلك إلا حجة واهية يكمن خلفها سبب تربوي أساسي متغلغل في شخصيةٍ تنكر أنها تعاني من حالة إنفصام مزمنة هو: الخوف من ان تصبح المرأة ، ناقصة العقل والدين اكثر معرفة وأوسع مدارك من الرجل الذكوري العادات والعقيدة .
وها هو ذات المجتمع في زمن آخر، حيث تغص صفوف المدارس المحلية - لكافة المراحل – ومقاعد الجامعات – على إمتداد رقعة الأردن – باعداد لا يستهان بها من بناتهم- وابنائهم-، الا ان المرأة لا زالت مداسة بسنابك التربية الرجعية ، رازحة أبداً تحت نير الجانب المستبد من العادات والعقيدة . ما ربطنُا بين الاستبداد والعقيدة والعادات الا لأن شرعتي تقول: إن للعقائد والعوائد - كونهما من نتاج الفكر البشري- جوانح إنسانية أيضاً وليس العكس ، بل ان العقايد والعادات قد جعلت من الاستظلال بها مسألة مزاجية ، تباعاً لضروف الحدث والمُحدث ،زماناً ومكاناً .
السؤال الذي يطرح نفسة هنا هو: أين هذا المجتمع من قول مَن قال فأجاد القَول (الأم مدرسة إذا أعددتها......أعددت شعباً طيب الأعراف) ؟؟؟ ، إن واقع الحال يثبت بما لا يقبل التشكيك ، أن التعليم مسألة ثانوية ، و أن التربية هي الاساس ، والاصل والمُنتج الوحيد لشخصية الفرد وخصوصاً المرأة ، فهي ليست نصف المجتمع الآني فقط ، بل وأُم أجيال الغد. فبرغم تحصيل أجيال هذا المجتمع وبالأخص الإناث على درجات عليا من التعليم ، إلا انهن لا يدخرن جهداً لإضطهاد اطفالهن بذات وسائل الجانب المستبد آنف الذكر ، وما على من لا يدرك مسببات هذه الحقيقة الواقعية ،متوهماً اننا نرمي اليه بأحجية ، سوى أستشارة "سيغموند فرويد" ، وعندها ستنجلي له الاسباب القابعة خلف ما آلت اليه حال هذا المجتمع من تراجع حضاري و إختلال في ميزان القيم الانسانية ، فنحن نرى في طالع كل صباح ، أن تربية الأمس قد انتجت أماً و أباً ، أثمرا بنات و أبناء اليوم ، و لا يعوزنا للحكم على هذه الأثمار ونسلها - إن لم يتدخل في تربيتها ما يضارع علم تحسين جينات البذور- تجنيد مراكز للبحث و متخصصين ، فانفصام الشخصية و إنعدام التوازن النفسي و الأمراض الأجتماعية و العنف بكل وسائله ، سواء كان الأسري ، في الشارع ، حتى في المدارس والمستشفيات و التي لولا فضل أبناء الخنازير والقردة ، كما يصفهم متصلبي الأعناق لم و لن ينعم بها اكان المجتمع المحلي و الاردني بشكل خاص ، او العربي والسلامي بشكل عام .
باختصار ، أطلق لخيالك العنان ليسبح في "ميتركس" الخصائص الأجتماعية السلبية ، ستجد أن هذا المجتمع - على اعتبار ان " نييل" جدلياً سلبي - . هو "نييل"- قلباً و قالب .
ما هو مدعاة لخليط من الأحاسيس الانسانية ، تنتهي دوماً بالأشمئزاز ، أن هذه العينة الاجتماعية ما هي إلا جزء من صيغة المادة المُشكلة للمجتمع العربي والاسلامي، أذاك المتواجد على رقعاته الجغرافية أو خارجها ، فخصائصها الحقيقية أصبحت واضحة لعالم اليوم ، ليس بسب ثورة المعلومات و "الانترنت" وحسب ، بل لأن حاملي هذه الخصائص لم يعد بمقدورهم إخفاء جوهرهم التربوي في شوارع عواصم ومدن ، انوارها الانسانية لا الهمجية ، و أرصفتها الحرية المسوؤلة لا التسلط ، ومعابر مشاتها دولة القانون لا العقيدة والعادات . نحن لا يحوجنا كي نبررما ندعية ، الاستشهاد بما يحدث في العراق من سفك لدماء وسحق لأرواح سواء كانت مسيحية أو شيعية أو سُنية ، ولن نجلب الى ساحة الاثباتات بالألغاز التربوية للتنظيمات الاسلامية - جهادية أو غير جهادية - الطابع ، كما أننا لن نزج محاججين بما حدث في دافورأو أعمال التفجيرات في نيويورك ، لندن ، كراتشي ، عمان - والقائمة لا تنتهي ولا أحسبها ستنتهي - برغم ضلوع التربية العقائدية بكل ما سلف ، ولكنني سأكتفي هذه المرة بثلاث من العناصر و التي كيفما بحثت ستجدها واقع حقيقي متملك في شخصية اي فرد من أفراد الطبقات الثلاث للمجتمع العربي و الإسلامي ، هنا لا بد أن ننوه أن ما نقصدة بالطبقات الثلاث ليس ما هو متعارف عليه كطبقات إقتصادية ، بل كطبقات أجتماعية من حيث التحصيل التعليمي (متدني التعليم ، متوسط التعلم ، عالي التعليم).
أحد من أشار ال هذا الا صطلاح وعلاقته بالتربية العقائدية لضمان استمراريتها هو البرفسور " A C CRAYLING " ، إ ذ إعتبر أن تلقين العقيدة كمادة دراسية لليُفع ، في مدارس منشأة على أساس عقائدي ، ما هي إلا عملية غسل أدمغة . ليس لأحد أن يُفند ما أشار اليه البرفسور " A C CRAYLING " كونه صحيح و واقعي ، إلا أننا نعتقد أنه اخفق حين ضارع بين ما يُعرف بـــ " Al Madrasa" -أو ما يماثالها في الدول العربيه والغربية - و مدارس الكنيسة الانجليزية ، فمخرجات الاولى يشهد عليها دم الأبرياء ، أما الثانية ، فتحت اي ضرف من الضروف سيبقى المتخرج منها صاحب قرار حر في رفض أو قبول العقيدة دون ان يتملكه الخوف من التعرض لمحاسبة مادية الصيغة والنتيجة من الدولة والناس ، الحقيقة الاخرى هي ، أن ما قامت به الكنيسة أبان عصور التسلط من قتل واضطهاد وتشريد لمن وصفوا بالهراطقة ، لم يكن إستناداً الى نصوص إنجيلية او سنن يسوعية او تآويلهما .
إن إستعارتنا للإصطلاح ( فكر طفولي ) يتأتى من إدراكنا المطلق ، ان فرد المجتمع العربي والاسلامي يحيا دوما في حالة فكر طفولي تجاه العقيدة والعادات ، سواء كان على مقاعد المرحله الابتدائية أوان تعرضه لعملية غسيل الدماغ أو برفسوراً في علم الأجنة ، هذا البقاء القسري للفرد العربي والمسلم في حالة من الفكر الطفولي – ونادراً ما تجد من يؤثر الانتقال الى مرحلة سن الرشد - يوصلنا الى العنصر الثاني من مكونات شخصية الفرد في المجتمعات العربية و الاسلامية .
يُعرف قاموس "أكســـفورد" الخوف كالآتي:( شعور غير مستحب ، سببه التهديد ، بالخطر أو الألم أو الأذى ) انتهى . ما تعنية هذه الكلمات هو ان الخوف ، عبارة عن إدراك عقلي لتهديد مادي الوجود والنتائج ، وعليه ، فإن من يعتقد أو يحاول أن يوهم الآخرين بأن شعور الخوف يمكن أن يسببه تهديدات قوى ميتافيزيقية ، نتائجها لن تتبلور مادياً وستبقى مجرد نسج من الخيال ، لا يمكن أن يكون سوى جاهل أو مُغرض .
ألربما و لأدراك القائمين على تجسيد الخوف - للفرد العربي والمسلم – لحقيقة اسباب الشعور به ، راحوا يدأبون لربط الخوف بمترادفات كالخشية و الرهبة والرجاء والمغفرة... ! وكلها لتجنيب هذا البائس الشعور بالخوف من ما لا وجود له ، حتى أوصلوه الى حالة من الازدواجية المستمرة ، فهو محافظ ملتزم – من حيث ما تعنيه المحافظة والالتزام من وجهة نظر العقيدة والعادات – وخاصة في أيام الجُمعة والأعياد والمناسبات الأجتماعية ، وفي ذات الآن فرد غريزي – من حيث الأنانية ، الجنس ، المال والشهرة - ليس لمكتسبات إنسان القرن الحالي أي وجود في طبائعه ، كيف لا و مجمل القواعد التي ترتكز عليها عاقلته لتبرير إزدواجيته الباطنية هي خليط ما بين العقيدة والعادة .
< عنصر الإستبداد > ( أكاد ان أجزم بأن منطق الواعظ الافلاطوني هو منطق المترفين الظلَّمة ) هذا ما قاله الدكتور علي الوردي في وصف مَن يودون الإبقاء على إنسان القرن الماضي والحالي والقادم ، متقمصاً لخصائص الخارجين من بين أصابع رمل الصحاري . فهم ما برحوا ينفثون في مسامع اصحاب الفكر الطفولي بنات أفكار من سفكوا الدماء ليبدونوا شعوباً غدت اليوم حجر عثرة في طريق من يحلم أن يحيا ككائن إجتماعي إنساني . الطغمة الكبرى هي ، أن منطق الواعظ الافلاطوني ، لم يعد يقتصر على دور وعاظ السلاطين اللذين كانوا يزرعون الخوف والرهبة والخشية والرجاء ...الخ ، في نفوس الكادحين فنبتت الازدواجيه في شخصياتهم ،الى أن غدا حالهم كحال سلاطينهم اللذين تقدسهم أجيال هذه الايام ، بل أصبح دور الأب والأم ، فالأبناء و البنات ودور فدور ، وليس بمقدور أحد ان يستنكف عن القيام به ، لا بل قد أصبح الإبداع فيه مسألة توجب الثناء ، كيف لا وللإستبداد بنود خاصة في دستور العقيدة و ملف العادات ، يفرضها القانون و العُرف في شتى مناحي الحياة ، تبداء بغسل أدمغة الأطفال ، فاللباس ، الزواج ، الانجاب ، الطلاق ، الميراث ...الخ ، وحتى في إحترام ما لا يستحق ومن لا يستحق الإحترام . خلاصة الحديث ، إن مقولة لا يصلح العطّار ما أفسد الدهر لا يمكن ان يقاس على اساسها الحال التي يؤول اليه أي كينونة إجتماعية بشرية ، ولكن إن قلنا لا يُصلح الدهر ما أفسد العطار ، فهي الأصوب لتكون الميزان في ذلك ، وعليه يحق لنا أن نقول : لسبب أن " القاري و الــ ..." من عطارين المجتمعات العربية و الإسلاميه ، كانوا ولا زالوا ، يطبخون وصفاتهم من جذور ولحاء شجرة نصوص اتلفتها دورة التطور ، وبقدور منطقيات نُشلت من مقابر الفكر الإنساني ، هيهات أن يَصلُح حال مجتمعاتها على مر الدهور .
#زهير_الأسعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟