|
قرية - شايامالان مشوّقة، لكنها تخلو من الرعب والنهاية المفاجئة
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 962 - 2004 / 9 / 20 - 09:15
المحور:
الادب والفن
بعد النجاح الكبير الذي حققه المخرج الأمريكي " هندي الأصل " م. نايت شايامالان في أفلامه السابقة " الحاسة السادسة " 1999، و " غير قابل للكسر " 2000، و " إشارات " 2002 يطل علينا بتحفته السينمائية الجديدة التي أسماها بعد اختيارات عصية " القرية " وذلك لأكثر من سبب، فالعنوان الأصلي الذي وضعه للقصة السينمائية هو " الغابات " لكنه سرعان ما تخلى عن هذه التسمية التي توحي إلى تلك الكائنات الغريبة، والوحوش الضارية، بينما تستثني سكان القرية الذين يتعرضون إلى خوف مستمر، وقلق متواصل لا يستقر عند حد معين. كما أراد من خلال هذه التسمية أن يشيح بوجهه عن مصادر الإلهام التي هيأت له فرصة كتابة هذا النص السينمائي المتميز الذي يذكّرنا بأجواء " مرتفعات وذرينغ " لأميلي برونتي، و عوالم " كنك كونك " لماريان. سي . كوبر. ويبدو أن مؤلف النص ومخرجه شايامالان أراد أن يكتب نصاً عائماً لا يتأطر بسقف زمني محدد غير أن شاهدة القبر التي نراها في مفتتح الفيلم في أثناء مراسيم دفن " أوغست نيكلسون " تكشف اللعبة الزمنية، فنعرف أن الأحداث تدور عام 1897 في قرية نائية، معزولة تُدعى كوفنكتن " Covington ". وقد اختار لها بما ينسجم مع طبيعة الحدث أناساً ينتمون إلى الـ " Amish community " وهم طائفة دينية بروتستانتية متشددة تعيش بشكل رئيسي في منطقتي بنسلفانيا وأوهايو الأمريكيتين. وفي هذه القرية تحديداً يعيش السكّان حياة قدرية بحيث تتجلى فيها الأساطير، وتنتعش فيها الخرافات المُستمدة من أعماق المثيولوجية الأمريكية. وقصة الفيلم مبنية بناءً درامياً محبوكاً يقترب كثيراً من النفس الكلاسيكي، وتنطوي على خوف ورعب كبيرين خلافاً لما يتصور الكثير من النقاد بأنها قصة تفتقر بنية الرعب المتعارف عليها فنياً. فالفيلم يمزج بين الرعب الطبيعي والاصطناعي، أو أن المؤلف قد نجح في إسقاط الحد الفاصل بينهما بين السينما والحياة. غياب المفاجأة في البنية السردية ليس بالضرورة أن تكون هناك مفاجأة أو عقدة تنتظر الحل لكي تكون القصة السينمائية ناجحة، فالبنية الأفقية قد تنطوي على كثير من التشويق والإثارة أيضاً إذا ما تعامل معها المخرج بعين فنية قادرة على إزالة الحواجز بين الأحداث الواقعية، والأحداث المتخيلة التي تمثّلتها السينما أو أعادت صياغتها وفق منظور فني ينطوي على محمولات ودلالات رمزية. في فيلم " القرية " ثمة اتفاق " قلق " بين سكان القرية والكائنات الغريبة التي تعيش في وسط الغابات المحيطة بهذه القرية، والذين أُصطلح عليهم بعبارة " أولئك الذين لا نسمّيهم ". فليس من حق سكان القرية أن يلجوا حدود الغابة، وليس من حق الكائنات الغريبة أن تقتحم القرية إلا إذا نُقض هذا الاتفاق من قبل أحد الطرفين. وقد اتخذ سكان القرية من اللون الأصفر رمزاً لهم، وهم يعتبرونه مبعث أمن وطمأنينة، وهم يتطيرون من اللون الأحمر ويعدونه مصدر شؤم وخوف وتهديد، لذلك ما إن يرى أحدهم وردة حمراء إلا قطفها ودفنها، أو كرزة حمراء إلا وأخفاها. أما الكائنات الضارية فإنها تستخدم اللون الأحمر للوعيد والتهديد إذا ما تجرأ فرد من أفراد القرية على خرق الاتفاق وولوج القرية لأي سبب من الأسباب. بعض النقاد لم ينتبهوا إلى التطور الهائل الذي حدث لثلاث شخصيات يرتكز عليها الفيلم تماماً، وهي بمثابة المثلث المتشابه الأضلاع، وهذه الشخصيات هي لوشيّس هانت التي جسدّها الفنان " جواكوين فونيكس " و إيفي ووكر التي أدتها الفنانة " برايس دالاس هاوارد، ومعتوه القرية نواه بيرسي التي برع فيها الفنان " أدريان برودي " وهؤلاء الثلاثة يمثلون الجيل الجديد الذي لا يؤمن بأفكار الجيل القديم المتمثل بـ " أعيان القرية " الذين يخشون نقض هذا الاتفاق وما سينجم عنه من كوارث قد تؤرّق حياتهم، وتهدّد وجودهم. وبالرغم من إمكانية تأويل هذا الفيلم سياسياً، أو قراءته من وجهة نظر أسطورية، إلا أنني أفضّل متابعته من وجهة نظر سردية تتوافر على عناصر النجاح الفني بامتياز. إذاً، أن عقدة الفيلم، أو ذروته تبدأ منذ اللحظة التي يتم فيها خرق الاتفاق من قبل سكان القرية، وليس من قبل الوحوش الضارية. الخرق الأول من وجهة نظري الخاصة قام بها المعتوه " نواه بيرسي " عندما جلب حبّات العلّيق الحمراء، ثم أخفاها في باطن يده بعد أن حذّره لوشيّس من مغبة إغضاب " أولئك الذين لا نسمّيهم " والمرة الثانية حينما أقدم لوشيّس نفسه بولوج الغابة للتأكد من رد فعل الكائنات الغريبة التي تستوطن الغابات المحيطة بهم. ففي المرة الأولى شاهدنا خروفاً " سُلخ وهو حي حتى فارق الحياة! " مُلقىً عند مشارف القرية. وفي المرة الثانية شاهدنا طلاءً أحمر لُطخت به بعض أبواب وجدران المنازل الريفية. وفي مرات أخرى كنا نسمع أصوات غريبة تنطلق من حافات الغابة، وتفسد على سكان القرية أفراحهم. وحينما يموت الطفل الصغير بسبب انعدام الدواء يقرر لوشيّس أن ينتهك الاتفاق ويذهب لجلب الدواء من المدينة الكائنة خلف الغابات، بل أنه يقوم بخطوة جريئة، ويخبرهم من خلال رسالة خطية أنه هو الشخص الذي خرق الاتفاق وولج الغابة لمعرفة ردود أفعال الكائنات الغريبة. هنا تنشأ علاقة حب وطيدة بينه، وهو الشاب الطموح، العنيد، الغارق في تأملاته، وبين إيفي ووكر، الشابة العمياء التي ترى من خلال بصيرتها، وذهنها المتوقد، غير أن طرفاً ثالثاً يشترك في هذا الحب، وهو المجنون نواه بيرسي والذي يكتشف من خلال حدوسه أنه ناءٍ وبعيد عن قلب إيفي الذي تعلّق بلوشيس، وأخلص له، لذلك يقْدم على طعن غريمه لوشيّس، الأمر الذي يُجبر حبيبته العمياء لأن تغامر بعبور الغابة المسكونة بالكائنات الغريبة كي تجلب دواءً للوشيّس علّه يشفى من غلغلة الطعنات الغائرة في بطنه. وحينما تنجح في الحصول على الدواء من المدينة تعود مسرعة لكنها تكتشف أن حبيبها قد فارق الحياة. العديد من النقاد لم يروا عنصر المفاجأة متجسماً في هذه القصة السينمائية. وقالوا أن شايامالان ما يزال متأثراً بهتشكوك، ولم يتخلص بعد من سطوة سبيلبيرغ، وأن هذا الفيلم يشكّل تراجعاً حقيقياً عن أفلامه الثلاثة السابقة " الحاسة السادسة، وغير قابل للكسر ، وإشارات " . المشكلة في هذا الفيلم أنه يعتمد على البناء الأفقي في تطور الأحداث، وهذا يعني أنه يفتقر إلى البنية التصاعدية التي يمكن لها أن تصل في نهاية الأمر إلى الذروة أو المفاجأة أو الصدمة أو حل اللغز، وهو الذي " أي المخرج " عوّدهم سابقاً على مثل هذه المفاجآت سابقاً، بل أنه أصبح الكاتب الأعلى أجراً في هوليوود كلها بسبب هذه النهايات الصادمة والمرعبة. بعض من النقاد والمحللين أكدوا أن الفيلم فيه رعب، ولكنه لا يصل إلى مرحلة بث الهلع في نفوس المشاهدين. وبعضهم الآخر لم يقتنع بظهور الكائنات الغريبة التي تقترب في مظهرها الخارجي من الهيئة البشرية الموشاة ببعض الأنياب والجدائل والملامح المخيفة. وبالرغم من النجاح المذهل الذي حققه الفيلم إلا أن بعض محبي شايامالان اعتبروا أن مشاهدة هذا الفيلم كانت بمثابة هدرٍ للوقت، وتبديد للنقود، وأن بعضهم ذهب أبعد من ذلك حينما طالبوا بتعويضات مادية عن ثمن التذاكر التي اشتروها تحت تأثير الدعاية التضليلية لهذا الفيلم الذي خيّب ظنون المشاهدين بهذا المخرج الذي خطف الأضواء في مدة قياسية ليصبح نجماً لامعاً، ومؤلفاً مثيراً، ومخرجاً جذاباً ينتظره عشاق السينما على أحر من الجمر.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النصر الأخير - للمخرج الهولندي جون أبل يحصد الجائزة الكبرى ف
...
-
مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة في دو
...
-
يوم القدر - لطارق هاشم: فيلم يجمع بين الجريمة والرعب والإثار
...
-
موقع - الحوار المتمدن - يتابع وقائع مهرجان الإسماعيلية الثام
...
-
الشاعرة السورية عائشة إرناؤوط لـ ( الحوار المتمدن ): لدي حلم
...
-
الروائي حمودي عبد محسن لـ ( الحوار المتمدن ): نكّذب إذا قلنا
...
-
المخرج المصري رضوان الكاشف قبل وفاته ,الفيلم الذي أخرجه ينبغ
...
-
فيلم - زينب - للمخرج طارق هاشم: البنية التوليفية وآلية التصو
...
-
قراءة في كتاب- الزمكان في روايات غائب طعمة فرمان- للدكتور عل
...
-
القاص والناقد مصطفى المسناوي لـ ( الحوار المتمدن ): الكاتب ل
...
-
المخرج الأردني محمود المساد لـ - الحوار المتمدن - لا أميل إل
...
-
المخرج السينمائي السوري هشام الزعوقي لـ ( الحوار المتمدن ):ر
...
-
الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن لـ ( احوار المتمدن ):الكاتب ي
...
-
الروائي المصري رؤوف مسعد لـ ( الحوار المتمدن )المكاشفة تحتاج
...
-
هل كان جان دمّو يعيش في المتن أم في الهامش؟
-
الفنانة إيمان علي في معرضها الشخصي الجديد - حلم في ليلة مُقم
...
-
النهايات السعيدة وسياق البناء التوليفي في فيلم - سهر الليالي
...
-
شاعر القصبة لمحمد توفيق: فيلم يتعانق فيه الخط والشعر والتشكي
...
-
الفنان إسماعيل زاير للحوار المتمدن: أنظر إلى اللوحة مثلما ين
...
-
التشكيلية إيمان علي- تحت الأضواء - عيون مسافرة إلى أقاصي الو
...
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|