خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3202 - 2010 / 12 / 1 - 14:14
المحور:
القضية الفلسطينية
كما هو معروف, ليس لي موقف معاد لشخص المفاوض الفلسطيني, فهو اداة من ادوات الصراع مع الصهيونية, وهو قوة من القوى الفلسطينية في مناورة التفاوض, وانما عدائي مع مبدأ التفاوض نفسه مع الصهيونية , باعتباره بذاته تجاوزا لمبدئية ثوابت الحق القومي الفلسطيني اولا, وان نهج التفاوض معه من حالة الهزيمة واللامقاومة يبقي الحقوق الفلسطينية على مسار التنازلات ثانيا, ولان الجوهري في التسوية الجاري التفاوض بشانها ان نتائجها الرئيسية السلمية تصب لصالح الاطراف الاقليمية على حساب ثوابت الحقوق القومية الفلسطينية ثالثا,
لكن ذلك لا يمنع ان يمتد هذا عدائي هذا الى جوانب فكرية موجودة بالبناء الثقافي للمفاوض الفلسطيني, يدفعه لان يكون بصورة عفوية تربوية اكثر ميلا لذات منحى التفاوض نفسه. الامر الذي يؤثر سلبا على قدرته على تقييم سليم للعملية التفاوضية سياسيا يعطيها مدى اكبر مما تتطلبه ضرورة حسم القرار فيها, ويسمح بان تتناول مجالات لا يجوز ان تعرض للتفاوض.
من قبل قرأت نقدا لمقولة الدكتور صائب عريقات _ كبير المفاوضين الفلسطينيين _ في ان الحياة مفاوضات, ولم اتعرض لنقاشها, ولم انتقد منتقديها, وإن نقدت في منتقديها _ الدكتور عبد الستار قاسم _ جانبا في ملاحظاتهم يعبر عن موقف شخصي من الدكتور صائب عريقات اولا, ويكشف فيهم مدى من التطرف الفكري اوقعهم في تناقض مع معتقداتهم ذاتها.
اليوم ولاول مرة اقرأ للدكتور صائب عريقات كتابات تعكس الذاتي على السياسي فيه, وفي هذا اوجه الشكر لموقع مفتاح انه ناشرهما, فقد القيا ضوءا على بعض الثقافي التربوي في شخصية الدكتور صائب, اجد ان له اثرا سلبيا على قراره السياسي يعاكس ضرورة حسم موقف المطالبة الشعبية الفلسطينية بضرورة حسم الموقف من مناورة التفاوض وضرورة رفض الاستمرار به, وعلى العكس فان هذا الجانب الشخصي في الدكتور صائب يدعو للاستمرار في التمسك بوحدانية نهج التفاوض, بغض النظر عن نوع النتائج التي تحملها. يبرهن ذلك موقفه من نقيض نهج التفاوض _ السلمي _ اي العمل المسلح.
ففي مقال له بتاريخ 26/04/2004 وتحت عنوان لماذا ألغى بوش وظيفتي..؟ يقول الدكتور صائب في مقدمة المقال (سـأحتفظ بدوري كأب فلسطيني، مع إصراري على أن أعلم أطفالي أن العنف ليس هو الحل. ولكن الرئيس الأميركي جورج بوش لم يساهم في تسهيل مهمتي مطلقا. ) .
ان هذه الجمل _ العفوية _ الصغيرة, تكشف عن منطلقات البنية الفكرية عند الانسان بصورة عامة, وهنا تكشف عن ارتباك في فكر الدكتور صائب عريقات حول مقولة العنف, فمن الواضح ان للدكتور صائب موقف معاد _ مطلق _ من العنف كاحد انواع العلاقات الانسانية, وهو كما يبدو مصر على ان يسلح اطفاله تربويا به, الى درجة انه اذا كان فعلا يسلحهم بهذه المقولة التربوية حول العنف فانه _ يظلمهم _, حيث يسلبهم قدرة الدفاع عن النفس التي يضطرنا امرها بعض الاحيان للجوء للعنف في الحياة, فرادى كنا او جماعات,
طبعا انا هنا لا اتدخل بخصوصية نوع التربية التي يقوم الدكتور بتربية ابنائه عليها, فهذا امر اسري خاص معاذ الله ان اخرق خصوصيته, غير انه لا بد من ملاحظة ان الدكتور بتعميم فكرته التربوية من خلال هذه المقاله, فانه احالها فورا وقسرا الى مقولة تربوية عامة, من حقي الاسري ايضا ان الفت انتباه ابنائي الى خطئها, وان ابين لهم ان ليس _ كل _ عنف مرفوض, وان اوضح لهم ان المرفوض هو العنف _ العدواني _ فحسب, فهو عنف حيواني وحشي, وهو مرفوض ومذموم في المفاهيم والقيم الاخلاقية الانسانية. تبعا للظلم الذي يحمله.
اما العنف العادل, الدفاعي, فهو عنف حميد اخلاقيا ومنسجم ومتناغم مع المفاهيم والقيم الاخلاقية والضرورة الحياتية الانسانية, وإن التجرد منه يحيل الانسان فورا الى موقع ارنب او ما شابه في السسلسلة الغذائية الحيوانية, ذات الالية التربوية الغريزية. كما ان من واجبي كاب اولا وكفلسطيني ثانيا, ان اوضح لابنائي تخوم المفهوم والمقولة الفكرية التي تنطوي على ثقافة سلوكية, ان اسعى لان اخلق بهم بنى نفسية سليمة غير مرتبكة, تعينهم على مواجهة ضرورات الحياة,
لكن الاخطر في المقولة التي اطلقها الدكتور صائب عند المستوى التربوي الفردي الاسري, هو انه رفع قيمتها الى مستوى السلوك السياسي القومي, حين وضعها كمرشد في مقدمة مقال سياسي يناقش به مسالة قومية فلسطينية عامة,
ان محتوى مقاله هذا في النهاية هو انه شخصيا مصر على التمسك بنهج التفاوض واللاعنف السياسي _ مهما _ كان النهج الذي يعتمده الطرف الاخر وهو هنا الرئيس الامريكي بوش الصغير, الذي اصابه بالشعور بالخذلان, حين عاد الى اشهار انحيازه للرؤية والموقف والمطلب الصهيوني, ان الدكتور صائب في المواجهة التي انطوى عليها مقاله _ المسالم _ مع سلوك بوش, يواجه السياسي بالاخلاقي, وهي مواجهة تعجز عن تمثيل وتحقيق المطالب القومية الفلسطينية, وإن كانت تبرز سلوكية اخلاقية فلسطينية عالية القيم في منظور الراي العام الشعبي, الا انها لا تشبع المعدة الفلسطينية على صعيد الضرورة الحياتية.
اننا هنا نكشف عن خلل فكري تربوي في شخص المفاوض لا يتركز فقط في شخص الدكتور صائب عريقات بل من الواضح انه موجود في بنية كل اشخاص نهج التفاوض الفلسطيني, في الضفة الغربية وقطاع غزة, ولعله من سوء حظ الدكتور صائب عريقات هنا ا.ن اخذ موقع وحالة النموذج,
ان الخطر السياسي لهذه البنية الفكرية التربوية في المفاوض الفلسطيني تخلق فيه قيدا ذاتيا يمنعه من الدعوة للمبادرة خارج نهج اللاعنف والمسار التفاوضي السلمي, الامر الذي يسمح للعدو _ باختراق _ كافة المجالات الفلسطينية, وطلب التفاوض حولها, طالما انها غير محمية بحالة وضوح التمييز بين المبدئي الاستراتيجي والعملي التاكتيكي, وبوضوح الاستعداد المبدئي للجوء الى العنف العادل المدافع عن الحقوق الثابتة.
ان ايمان المفاوض الفلسطيني بالبقاء خارج نهج العنف بغض النظر عن نوعية واهداف العنف, يكشف زيف اعلانه وجود والتمسك ب _ الثوابت حتى كما يراها هو _ لا الثوابت كما هي في موضوعيتها, لذلك لا نجد له موقفا دفاعيا حقيقيا حول ما يجري من تهويد للاصول القومية الفلسطينية, وكيف سيكون له مثل هذا الموقف وهو قد قال في نفس المقال ( وإنه لمما يحير العقول ايضا أن يرفض رئيس يدعم المساواة وعدم التمييز، حقوق اللاجئين المسيحيين والمسلمين في العودة إلى ديارهم في «الدولة اليهودية»، وهو مصطلح كثيرا ما يجري ذكره على الألسنة ولكن من دون تعريفه، بل من دون أن يسمح للأطراف نفسها بالتفاوض حول معناه. ),
من الواضح هنا ان موقف الدكتور المبدئي من مقولة ( الدولة اليهودية ) لم يكن رفضها مبدئيا, بل كان اخضاعها لعملية التفاوض, لتعريفها وتحديد معناها بصورة فلسطينية صهيونية مشتركة, فكيف سنثق بموقف رفضها الذي يتخذه _ الان _ المفاوض الفلسطيني؟
لكن الامر لا يقف عند هذا الحد بل وفي نفس المقال يحاول زرع الخوف في نفس الرئيس بوش من احتمال ان يلتقط الفلسطينيون عبرة ان العنف يجبر اسرائيل على اتخاذ خطوات منفردة في الانسحاب من مناطق فلسطينية لذلك نجده يقول ( إن انسحاب إسرائيل غير المتفاوض عليه من قطاع غزة سيحمل الكثيرين من الفلسطينيين على الاستنتاج أن العنف، وليس التفاوض، هو الخيار الوحيد لاستعادة الحقوق ). وكما نلاحظ في هذا القول فان _ التفاوض _ في نظر الدكتور هو الاهم اما نوعية النتائج فليست لها الاولوية, دون ان يلاحظ الدكتور ان الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة ابقى على وجود الخيارين الفلسطينيين اما الانسحاب المتفاوض عليه باتفاقيات اوسلو في الضفة الغربية فقد ابقى فقط على خيار التفاوض.
الحقيقة ان كتابات الدكتور صائب مهمة لقيمتها الادبية ولكونها بالعفوية التي كتبت بها تكشف عن التكوين الفكري النفسي للمفاوض الفلسطيني المتمحور حول التهرب من مهمة الكفاح المسلح, وهو جذر فكري نفسي مشترك للمفاوض الفلسطيني بغض النظر عن القطاع السياسي الذي يمثله او القضايا _ الكمية _ التي يطرحها في تفاوضه, فيبدو ان المهم هو ان لا ترده النتائج لمسار العنف التحرري,
لكن العجيب في هذا المنحى الفكري النفسي انه يرفض اللجوء للعنف ضد الكيان الصهيوني, ولا تستقيم امانته الفكرية ليرفض ان تمارس اجهزة امنه العنف اثناء عملية قمع الارادة الشعبية الفلسطينية, مدعيا ان هذا العنف يعبر عن مهنية امنية عالية حتى في تجريد المقاومة من سلاحها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ان الجملة السابقة لا تعني انني راض عن _ هذه _ المقاومة المسلحة, فهي بذاتها مقاومة تفاوض, لا مقاومة تحرير, وهي مقاومة تخدم _ سلام الشرق الاوسط _ ولا تخدم تحررنا القومي, وهي مقاومة تقمع ايضا الارادة الشعبية الفلسطينية ولا تسمح لها باطلاق مبادرتها.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟