|
االخطاطون العراقيون في فرنسا يعرضون في العراق
محمد سعيد الصگار
الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 23:16
المحور:
الادب والفن
[email protected]
١ - بغداد ظاهرتان لفتتا انتباهي في بغداد؛ عند زيارتي الأخيرة (أربعة أيام، كان مقدراً لها أن تمتد لأسبوعين أو ثلاثة) ولكن الأحداث الدامية التي حصلت في بغداد أفسدت كل البرامج الاحتفالية التي كانت معدة لي في بغداد والبصرة، وجعلت تأجيلها ضرورة لا مخرج منها. وهذا ما حصل بعد زيارة إلى السليمانية (أربعة أيام أخرى) عدت بعدها إلى پاريس، ولم يكن العرض في اربيل قد يدأ.
في سفرات سابقة كنت أسجل بعضاً مما أشاهده وأنشره في الصحافة، ولكن في هذه السفرة لم أعد كما كنت قادراً على متابعة الأحوال والأحداث بسبب الوضع الصحي الذي أعانيه. ولكنني التقطتُ بعض الظواهر وأنا في السيارة، أنعشت آمالي وأنا أشهد جوقات العائلات تتمشّى في شارع أبي نواس، وترتاد النوادي والمطاعم، وتمشي أفرادها، سافرات ومحجبات، وتلعب أطفالها بأمان.
الظاهرة الأولى التي لفتت نظري، هي زحمة الطرقات، وسير السيارات ببطء ثقيل، وهو أمر صار مألوفاً، ولكن غير المألوف، هو أن الشوارع المكنضة؛ كانت دون أبواق، ولا ضجيج، إذ يبدو أن الناس قد وطنوا أنفسهم على الحقيقة، وهي أن لا جدوى من الأبواق ما دام الناس كلهم مستعجلين ولا مفرّ من الإنتظار. لم أصدّق نظري، هذه الأفواج من السيارات تحبو دون أبواق، ودون ضجيج صاخب أو احتجاج، فالكل في محنة مماثلة وما عليهم إلا القبول بما هو موجود، وتلك محنة ومأساة. وقد تمنيت أن يستمرّ هذا الصمت، صمت الأبواق، في ما يلي من أيام. ولكن من يضمن ذلك للعراقي المستفز المتوتّر ، الغاضب بطبيعته؟ ومع ذلك، أسعدني ما رأيت.
الظاهرة الثانية، كانت أكداس القمامة ومخلفات التفجيرات والقصف وتراكم الكميات الهائلة من الأحجار في كل مكان نتيجة ما هُدم من بيوت ومرافق حياتية جعلت من بغداد مدينة منكوبة يكل المستويات. أبديت للسفير الفرنسي في العراق الذي طاف بي بسيارته في هذه الجولة، عن عجبي بهذا الخراب، وشكي في إمكانية معالجته قبل القمة المفترضة؛ فقال لي »لا تعجب، فالشركات الفرنسية المكلفة بإزالة هذه الآثار والأزبال، قادرة على إنجاز مهمتها في الوقت المقرر، ولكن الصعوبة الآن هي في ترمبم ومعالجة تلك التدميرات التي لحقت بواجهات البيوت والمؤسسات وغيرها«. لم يكن اليأس بادياً على السفير الشاب المأخوذ بحب العراق، ولكن الشك كان بادياً عليّ، فهي سمة عراقية، لست بخارج عنها !!
٢ - المعرض: قبل أكثر من سنة، أطلعني السفير العراقي السابق في پاريس، السيد موفق مهدي عبود على تفاهمه مع السفير الفرنسي في بغداد، لإقامة هذا المعرض. فرحتُ بذلك دون حماس كبير، لخوفي من أن يتعثر بالإجراءات البيروقراطية، ويبقى حبراً على ورق، شأن الكثير من المشاريع الطموحة التي لم تتحقق.
ومع ذلك؛ التقينا، نحن الخطاطين بسفيرنا، وكنا أربعة. وعقدنا لأنفسنا لقاءاً في مقهى قريب من السفارة، تداولنا فيه أبعاد المشروع. كنا أربعة؛ حسن المسعود وغني العاني وصلاح الموسوي وكاتب هذا المقال. كان من رأي حسن المسعود أن يضم المعرض عدداً مناسباً من اللوحات، في حدود عشرين لوحة لكل منا، تعطي صورة لسيرورة الخطاط الفنية؛ وقد ثنّيتُ على ذلك بالقول إن زملاءنا الخطاطين العراقيين، ومريدينا، وطلابنا الذين لم يعرفوا عن تجاربنا ومستوياتنا شيئاً يستحقون أن يقفوا على حقيقة وضعنا الفني، وتجاربنا. وقد اتفقنا على ذلك، وغادرنا المقهى على أمل التواصل. ولكن التواصل لم يحدث كما ينبغي. كان لا بدّ من وجود منسّق ومتابع يحيل الطموح إلى حقيقة. بعد أيام اتصلت بنا السيدة هيفاء فندقلي، وأخبرتنا بأن السيد جان ميشيل لودان، مدير المركز الثقافي الفرنسي في بغداد، هو الآن في پاريس ويريد الإلتقاء بنا لبحث آفاق المشروع. التقينا مرتين، وبحثنا في كل التفاصيل، وأوكل إلى السيدة هيفاء أن تكون منسقة للعلاقة بيننا وبين المركز الثقافي الفرنسي في بغداد. ولكن لم يكن بيننا الزميل صلاح الموسوي، إنما كان السيد محمد صالح، ولا أدري إلى الآن سبب هذا التبديل.
٣ - المفارقة !! كلنا، نحن الأربعة، عراقيون، غادرنا العراق منذ ما يربو على الثلاثين سنة، ولم يعرض أي منا في العراق لأسباب سياسية، غير الزميل غني العاني الذي شارك في معارض أقيمت في بغداد. ومع ذلك، لم تأت دعوتنا من العراق، لا من وزارة الثقافة، ولا من جمعية التشكيليين العراقيين، ولا من جمعية الخطاطين العراقيين، ولا من أي مرفق ثقافي في بغداد أو السليمانية أو اربيل، ولكنها جاءت من السيد بوريس بوالون، السفير الفرنسي في بغداد، ومن مدير المركز الثقافي الفرنسي فيها، السيد جان ميشيل لودان. أليست مفارقة؟!
٤ - مبادرات السيد بوالون في الأيام الأربعة الأولى لوصولنا بغداد، كنا في ضيافة السفير الفرنسي، نزلنا في بيته، ومهّد لنا أجواءاً حمبمة و لقاءاً مع سفراء الفرانكفونية، ومع السيد دومينيك بوديس، رئيس معهد العالم العربي في پاريس، الذي حضر لوقت قصير، كان كافياً لتصفح إمكانيات التعاون مع المعهد، في المجالات الثقافية، على أمل متابعة ذلك بعد عودتنا إلى پاريس. وكان مبعث سرورنا في ما وُصفنا به كسفراء للثقافة العراقية في فرنسا، ووصف المعرض كواجهة للتلاقح الثقافي، وقد رأى السيد بوديس انه مؤشر مهم على ما وصفه بـ «عودة العراق الى المشهد الثقافي العالمي».
٥ - قيمة ثقافية: كان الإفتتاح حاشداً في بغداد، رغم اقتصاره على مدعوين من فئات أكاديمية وثقافية وسياسية، وكان لحضور ممثل السيد رئيس الجمهورية الذي نقل لنا احتفاء الرئيس وتمنياته، وباقة الورد الباذخة، موقعً يبعث على الإعتزاز. وكان لنا مثل ذلك من التفاتة السيد رئيس الوزراء، نوري المالكي الذي بعث أحد مستشاريه للتهنئة واقتناء بعض اللوحات من المعرض. كما كان لحضور الأستاذ جابر الجابري والفضائيات، وممثلي الصحافة ووسائل الإعلام المتعددة، ووجوه الأصدقاء من الأدباء والصحفيين والمثقفين نكهة خاصة لي، بعد غياب طويل.
أما اليوم التالي )، 2010/10/29( فكان مفتوحاً للجمهور الذي وافى حشد منه كبير، أضفى على المعرض ما يبعث على النشوة. بعد محاضرة ألقيتها في المركز الثقافي الفرنسي عن الخط العربي في فرنسا وتفاعلت مع الحاضرين، رحنا في جولة إلى شارع المتنبي بمعية السغير الفرنسي الذي طاف بي وساعدني على الصعود إلى مقهى الشابندر حيث التقيت بعدد من أصدقائي القدامى، إنتقلنا إلى مرسم زميلنا الفنان قاسم سبتي الذي دعانا إلى الغداء وأتحفنا بما لديه من بدائع الفن العراقي، وأغرقنا بكرمه الحاتمي. وتقديراً لواقع ما جرى، أذكر أن البرنامج المخصص للمشروع، كان احترافيا بدرجة مرموقة، ومحكما في تفاصيله.
٦ - في السليمانية: وفي السليمانية كان المشهد رائعاً، فقد شرفتنا سيدة العراق الأولى، السيدة هيرو ابراهيم احمد بالحضور ومشاركتنا في الإفتتاح مع السفير الفرنسي وأنا؛ حيث قطعنا الشريط معاً. وقد كان لحضور الصديق الشاعر الكبير شيركو بيكس والسيدقنصل فرنسا في أربيل، ومجموعة المثقفين الأكراد، من أدباء وصحفيين وخطاطين، ما أضفى على المعرض حضورًا ثقافياً كان مبعث سرورنا. وفي محاضرة لي في جامعة السليمانية، وفي لقاء موسع مع مجلة (الأسبوعية)، جرت الأمور بشكل خلا من المطارحات الفكرية التي كان من المفيد أن تمنح دفئاً للموضوع.
والآن؛ أنا آمل أن يمتد الإهتمام إلى الفنانين التشكيليين الموجودين في فرنسا لكي تكتمل صورة النشاط الفني العراقي. كما آمل أن يكون للكتّاب والأدباء والمثقفين العراقيين عموما، حضور في أرض الوطن.
٧ - ملاحظات تشبه النقد: لنتصفح الآن ما عرض لهؤلاء الفنانين من أعمال. في مراجعة لعطائهم الفني وتجاربهم المختلفة، فلكل منهم تجربته الفنية، ورؤيته لموقع الخط العربي بين الفنون التشكيلية وفي واقع الثقافة المعاصرة. وهي رؤية شخصية مني، مختزلة، بحاجة إلى المراجعة نقدياً.
الزميل حسن المسعود، قدم نماذج من إبداعه الذي تمثل بوعي عميق لمعمارية العمل الفني اعتمادا على خبرته النشكيلية التي لم تذهب بعيداً عن إنجازاته السابقة المنفذة بالفرشاة العريضة التي كسر حدّتها بالتسليم الرقيق المرهف ذي الحركة القوية وخفة اليد، وكانت ألوانه المنتقاة والمختزلة توحي بالثقة والكفاءة في فضاء اللوحة النظيف المشرق الذي يقدم العمل كقيمة منجزة تختزن تاريخاً من المعالجات، مع غياب معالم الكفاءة في الخط وأنماطه التي تجاوزها الفنان فلم يقدم نماذج مما يجيده من خطوط، واكتفى بسطر واحد من الخط انتظم كل اللوحات كنص شارح أو مرفق بالتكوين التشكيلي الأساسي للوحة.
في حين اتسمت أعمال الزميل محمد صالح بالجو المفرح ذي الألوان المشرقة المتعددة الشبيهة بمهرجان لوني غيّب المحتوى الخطي والهدف الفني من تجربته.
وكانت المفاجأة الكبرى في ما شاهدناه في لوحات الزميل غني العاني الذي يعده الخطاطون العراقيون النجم العراقي الذي أسلمه الخطاط الكبير هاشم محمد البغدادي راية الخط منذ أربعين عاماً باعتباره أبرز تلاميذه يومذاك، والحائز الوحيد على إجازة منه. ولكن غني لم يحترم لا إجازة هاشم ولا تقاليد الخط العربي الذي مُنح على أساسه إجازة هاشم. وقد أغرته تجارب الحروفيين فراح يضع بعض اللطخات اللونية على أرضية لوحاته الخطية، معتبراً ذلك حداثة وتحديثاً لفن الخط العربي؛ ولكن فقر معرفته في الفن التشكيلي، وشروطه وآفاقه، وغياب وعيه بقيمة الفنون المجاورة وحساب الكتلة والفراغ وكيمياء اللون، ومدارس الزخرفة، صورت له أنه دخل خانة المجددين للخط، في حين أنه راح يعبث بقواعد الخط التي تعلمها من هاشم الخطاط؛ وكانت لوحاته المعروضة في هذا المعرض نموذجاً لعبثه الساذج بشروط العمل الفني والتصرف المزاجي في هيئات الحروف؛ (لاحظ الصورة مع مقالنا في جريدة المدى) كما كانت موضع استخفاف من الخطاطين المعاصرين في بغداد، سواء منهم الضالعون في الحفاظ على قواعد الخط الأصيلة، أو المتطلعون إلى التجديد.
أما المشارك الرابع في هذا المعرض، فهو أنا، كاتب هذا المقال. والرأي في ما عُرضت له من أعمال، عائد لمن شاهدها أو قرأ كراستيه المخصصتين لبغداد والسليمانية، ومن بعد في اربيل، أو من تابع مسيرته الفنية.
* اللوحة للخطاط عبدالغني العاني.
#محمد_سعيد_الصگار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صليب النجاة
-
ردود للقراء الكرام
-
سبعة ملائكة وشاهدان .. ملامح من أفراح العيد
-
نقد البرنامج الوطني للمرأة العراقية
-
سيناريو الرجل وقطته
-
شعار الجمهورية ما شكله وأبعاده؟
-
إلى قرائي الأعزاء
-
الخط المصخم في التراث البريدي العراقي
-
تشكيل الحكومة في التوقيت العراقي
-
تعالو انظروا حرية الرأي
-
مونديال بلا سيكارة
-
فضل الله وابو زيد حضور في الغياب
-
يصرياثا بالإنكليزية
-
أتعبتمونا أما تعبتم ؟!
-
فلسفة الدروع التكريمية
-
ناظم رمزي آخر سلالة الفن الموسوعي
-
غزة نموذج عربي للنفاق السياسي
-
غرفة سمير الكاتب (رواية)
-
الباء تتدخل في مصائرنا
-
شؤون تنحتُ في القلب
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|