|
اللعنة السورية
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 14:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
اللعنة السورية ـ علمونا في التاريخ، أن لعنة تاريخية لحقت بالشعب اليهودي " المختار" لمدة أربعين حولاً!..رغم أنه تاريخ ممسوك ومُسَيَّر دينياً ـ لكني أرى اليوم أن الشعب اليهودي قد تعافى من لعنات التاريخ القديم توراتيا وإسلامياً والجديد هتلرياً ، كما تعافى حاضراً بفضل هزالة التعاطي والفعل السياسي عربياً، وقوة المد المادي والمعنوي غربياً، وانتقلت اللعنة بفضل اليد الأعلى بطشاً والأقدر فعلا على الإقصاء والإغفال إلى تاريخ( الشعب السوري حالياً) لتحل عليه وتستوطن أرضه وشعبه، وتجد مرتعها في ملاعبه الخصبة ، وتبرز اللعنة واضحة المعالم في وجوه ومظاهر عديدة...من الصعب على المرء أن يلم بها جميعاً ويتوفق في حصرها ضمن إطار مقالة صغيرة، لكن سفرتي القصيرة قد زودتني بما دفعني إلى طرح الموضوع" اللعنة" ــ عل وعسى نتوصل إلى طردها طردة أبدية لتعود العافية للمجتمع السوري الملاحق بها..فتصبح إقامتها ممنوعة من الصرف والوجود بين ظهرانيه. ــ من معالم اللعنة الأكثر وضوحاً على وجه المواطن السوري المغترب في بلد بترولي ينشد تحصيل لقمة عيش انقطعت عليه وعزت على وصوله إليها في وطنه ، كونه لاينتمي للموالين لنظام بلده الأم " سورية"، أو لايتسع وقته لتكوين فكرة سياسية واضحة ، فلقمة العيش لاتتيح له مجالا لترف التفكير واتخاذ مواقف..أو كونه عزف عن المواقف برمتها فالخوف على رقبته ورأسه وأهله أكبر من قدرته على السعي من أجل حرية الوطن ، فاكتفى بالصمت وإغماض العين على القذى باعتباره هذا الأمر موقفاً أكثر سلامة وأمناً ، وقد سمع ورأى مايكفيه من الأمثلة والشواهد الحية والميتة لتقنعه بحسن اختياره ولجوئه للإغتراب كبابٍ أوسع وأرحب للنفاذ بجلده وجلد من يحب، وبنفس الوقت توسيع رقعة العمل والأمل أمام مستقبله ومستقبل محيطه الصغير، لكنه حتى في المغترب ـ رغم أنه مغترب عربي ــ لم يدرِ أو يخطر بباله أن لعنة النظام ومواقفه المناطقية أو الداخلية أو الدولية ستلاحقه حتى موقع عمله...فيدفع الثمن غالياً ويفقد عمله...فقط كونه ينتمي لسورية... لأن الدول الأخرى وأنظمتها لاتفرق بين مواطن هرب من القهر والعنف السلطوي ومواطن هرب من أجل لقمة العيش فقط ..وآخر هرب ومازال يخدم ويتورط عمداً من أجل منافع خاصة لخدمة النظام السوري، وهذه الدول تضع الجميع حكماً في نفس الكيس وترى فيهم جواسيساً أو مشروع جواسيس ، أو خطراً يمكن وقوعه ومن الأفضل تلافيه من خلال قوانين ( الإقالة من العمل)، ويصبح محدود الإقامة إن لم يجد أي عمل يتقاضى عليه أجراً يقيه شر العودة المحفوفة غالباً بالمخاطر، سواء من سجن ينتظره لأنه مراقب هناك حيث يحل ومع من يجلس ويقابل..وربما تسول له نفسه أن ينتقد سياستها ــ معتقداً أنه بعيد عن يد السلطة الطويلة في ساحات ومساحات تصل حتى أركان البيوت وفوق وتحت طاولات الطعام ، دون أن ننسى عبثها الدائم بالجيوب واتقانها تفريغها من حمولتها ، بل وتتعداها إلى الجيوب الأنفية لتصبح عاجزة عن الشم والتنفس ــ..ماذا يستطيع هذا المواطن المغترب أن يفعل حيال هذه اللعنة؟.. فلا منفذ أمامه سوى أن يبحث عن عمل جديد في قطاع خاص وعلى الأكثر لايتفق ومؤهلاته ..لكنه يبقيه أبعد عن أيديهم وعن الإملاق..أو أن تسلمهم الدولة الشقيقة المضيفة إلى أقدارهم " حكوماتهم" كي تقوم بتقويمهم..وتأهليلهم سجنياً..أو قتلهم جوعاً.. هذه قصص رويت لي وحدثت مع الكثيرين من أبناء سورية.. فقط أبناء سورية... وبالضبط بعد زيارة أحمدي نجاد " الميمونة للبنان وسورية" وماصدر من مواقف على لسان قيادة النظام السوري من تبادل آراء حول قضايا لبنان والمحكمة ، والمنطقة برمتها...وماالتوافق السياسي بين الطرفين السوري والايراني إلا السبب الرئيس خلف هذه الإقالات، أو الإعفاء من العمل لسوريين كرد فعل على السياسة السورية حيال دول الخليج " الإمارات تحديداً "..ولم تطل إلا السوريين بشكل خاص ...بل تم تعيين مصريين بدلاً منهم في أكثر من دائرة!...على الرغم من أني وجهت أسئلتي لمسؤول فأجابني: بَلا..لقد صدرت إلينا أوامر يصب فحواها بتوطين الوظائف الحكومية الحساسة خاصة، وعلينا تنفيذها بحذافيرها بأسرع وقت ممكن أقصاه نهاية 2013!..فكيف يُفهم إذن تعيين مصريين بدلا من السوريين؟!..خاصة بعد زيارة الرئيس المصري حسني مبارك لدول الخليج وجولته فيها..وتبادله وجهات النظر والثقة بين حكومة مصر وهذه الدول..على الأقل وبغض النظر إن اتفقنا أو اختلفنا مع سياسة مصر، لكنها تفكر بمواطنها المغترب ولقمة عيشه وتهتم بتحويلاته التي ترفع من مستوى الكثير من العائدات المصرية وتخفف من أزمة الفقر والعوز، وكذلك حال البريطاني العامل في دول الخليج بعد زيارة ملكة بريطانيا...السؤال هنا: هل فكر ملياً الرئيس السوري بما ستؤول إليه حال مايزيد عن مائتي ألف مواطن سوري يعيشون ويعتاشون على العمل في هذه الدول قبل أن يرمي بهم إلى التهلكة ثمناً لسياسته وعلاقاته الإيرانية؟..وهل سيؤمن لهم العمل والعيش الكريم لو عادوا، أو أُعيدوا؟!..وهل خرجوا من بلادهم لو وجدوا فيها عملا يقيهم وجع وآلام الإغتراب؟ ــ المظهر الآخر تراه ساطعاً فاقعاً أمام عينيك في أي مطار من المطارات الدولية، تُفتح لك الأبواب وتشعر بقيمتك كإنسان وتعامل بلطف شديد ، حين تحمل جواز سفر غربي، كما لاتحتاج لفيزا لو سافرت إلى أي دولة أوربية أو أمريكا وكندا والكثير من الدول العربية، أما حين تنظر لصديقك أو قريبك المرافق لك...بجوازه السوري، فهنا لاتملك إلا مراقبة المشهد الدرامي ..تفتيش حقيبته بدقة، تفتيش جسده..، التدقيق بأوراقه، ناهيك عن طرح الكثير من الأسئلة وماعليه سوى الإجابة ولابد له من الارتباك حيال معاملة لاتحمل الاحترام لإنسانيته ولا لهويته!، من هو المسؤول عن احترام أو عدم احترام المواطن السوري؟...لماذا يشعر أمام جميع الجنسيات أنه حامل لفيروس يشبه الجرب...أو مشبوه بالأرهاب أينما يحل وحيث يطأ؟ . ــ أما حال العامل السوري في لبنان ومدى مايكنه له المواطن اللبناني العادي من حقد أعمى وقع ضحيته الكثير من العمال السوريين فقضت بسببه العديد من الأرواح..وارتكبت الكثير من الأفعال المنافية للخلق وللعلاقة السوية بين بلدين يفترض أنهما " شقيقان"!..أو كما قال السادة القادة في النظام السوري " شعب واحد في بلدين "!، فلماذا يذهب العامل المياوم والجائع إلى لبنان؟ علماً أن الأوضاع الاقتصادية في لبنان ليست بعافيه والديون تلاحق الحكومة من كل جانب...لكن عمال سورية يدركون هذا تماماً ويرمون بأنفسهم إلى التهلكة..فأين هي حماية حكومتهم لهم ولحقوقهم، ولماذا لاتوفر لهم عملاً يقيهم شر الموت أو الذل؟ ــ أما في العراق، فلا أعتقد أن المواطن السوري يستطيع الدخول دون أن يكون مشبوهاً بالتعامل مع القاعدة أو مع أي فصيل مذهبي يريد الإساءة للفصيل الذي يلقي القبض على " سائق شاحنة تحمل مؤونة ، أو تاجر يصدر تجارته لبلد شقيق يحتاج إليه! ــ مع الأردن الأمور جد باردة فلا أحد يستفيد من الآخر والحذر سيد الموقف، وكلا البلدين يعاني من أزمة تردي اقتصادي وعجز في ميزانيته وتضخم في حجم مديونيته. ــ لم يبق إلا الجانب السعودي ، فقد انعكست ثمار " السين ــ سين" على أوضاع السوريين بشكل طفيف..، كما أن السعودية تعرف كيف تشتري الشباب السوري فيعود وهابياً بجدارة ...يعمل على تطبيق كل المفاهيم التمامية على حياته اليومية وحياة أهله تصل لدرجة الاشباع والاقياء ، فقد اجتاحت كل جوانب الحياة، من بناء مساجد وتصدير مشايخ وتحويل أموال..وتشويه لصورة المرأة فقد أصبحت العباية على سبيل المثال لباس المرأة السورية التقليدي.ــ ننسخ عمن يقف خلفنا حضارياً ــ..ونهجر تراثنا الجميل بكل مايحمل من ثياب جميلة وتقليد رائع بعيد عن التعصب ومتلائم مع العمل والحاجة اليومية وطبيعة المناخ السوري..أما التلحيف بالأسود ، فهذا هو المستورد خصيصاً للمرأة..وهذا وحده يكفي كشاهد حي على التأثير الوهابي السعودي، ناهيك عن تمدد اللحى وارتداء الجلابية البيضاء أو انتشار اللباس الباكستاني بين بعض الشرائح الشبابية تيمناً بالقاعدة وأمثالها. ــ مظهر آخر يرتكبه بعض المواطنين السوريين أنفسهم بحق كيانهم وكرامتهم وهويتهم، فقد وصل البعض ــ وأتمنى أن يكونوا قلة فلا مقياس لدي ، لكنه مظهر عشته في أكثر من زيارة لمنطقة الخليج وصدمني ــ وصل إلى حد عدم احترام الذات إلى درجة أن الشاب أقنع نفسه أنه موبوء ويستحق كل أنواع " المرمطة" وهدر الكرامة..كما وصل فيه الأمر لدرجة أنه متأكد من أن الشعب السوري لايستحق إلا العصا ولا يفهم معنى الديمقراطية ولا يستحقها"..هذا الكلام سمعته من شباب يغترب هرباً من الخراب في أرضه.أي بلده الأم حيث يحق له أن ينهب ويسرق.."لأن النظام يسمح بهذا ويريده"..بينما يحترم قوانين البلد المضيف ويخضع لها بكل ذل وانحناء حتى لو طالت كرامته..فقد أقنع نفسه بأن مصيره هكذا!..وأنه ينتمي لشعب لايسير إلا بالسوط..ولا يفهم لغة الحوار ..ويجيب البعض بعد نقاش طويل ب :ــ " كما كنتم يولى عليكم"!!!، دون أن تغيب عنه فكرة التطير الديني والانخراط الكلي بالتقوقع حول امكانية الخلاص من خلال الإسلام والاسلام فقط!!..وكل مايحمله عن عالم الغرب أنه عالم يتآمر عليه وعلى وطنه، وأنه السبب الرئيس فيما وصلت إليه حال سورية، متأكداً أن النظام السوري مجبر ومرغم على هذه السياسة وأنه لايريد لشعبه إلا الخير، لكن الشعب هو المسؤول الأول ومن ثم الغرب المسؤول الثاني دون أن يُحَمِّل النظام أية مسؤولية ! ، فقد وضح لي أنه مغسول من كل فكر نظيف ومن كل انتماء وطني ..وجاهز لأي خراب..جاهز تماماً...ليكون عبداً مستلب الإرادة من قبل الطائفة المسيطرة على ذهنه كانتماء..ومكتفٍ بها...(وفالج لاتعالج)....يقف كالصنم أمام قناعات يرى فيها المنقذ والمريح لروحه الميتة..والهواء الذي يمنحه حرية الجنة ودخول نعيمها من خلال جني الأموال في هذا المغترب والحج حين يشيخ وينتظر الآخرة التي ستحمله للسعادة الأبدية!!.. أي ثقافة يمكننا أن نقاوم بها هذا المد الهائل بسيوله التسونامية؟!...قاوم أيها المثقف العتيد...لدروس يتربى عليها الطفل في مناهجه المدرسية وفي الشارع والمجتمع..والعمل...ثم في حياة محصورة بين جدران" المولات "الاستهلاكية لكل ماهو تقني من الغرب...والاستهلاكية لكل روح متمردة...والاستلاب من كل القيم والاحتقارللسياسة والخشية منها إلى جانب السخرية ممن يتحدث بها، ولا اهتمام بالشأن العام إلا بحدود مايخص عيشه ومستقبل أسرته ، فالعام بنظره هو طائفته كهوية وانتماء..وقيمه لاتأتي إلا من خلال تصلبه الديني وانكماشه على قيم تقليدية ــ كنت أعتقد أنها اندثرت ــ فوجدتها حية بكامل نضارتها بين جيل الشباب في المغترب البترولي!.
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ممَ نخاف وعلى ماذا؟!
-
أوركيسترا عربية تغني الموت أو السجن
-
( المسلمون يقتلون أبناءهم، الذين من صلبهم)!
-
ماذا يقول الجيل الثاني في المنفى؟!
-
من حديقة - مارون الراس- إلى - حديقة إيران - دُر.
-
حرية الفرد( المواطن السوري)!.
-
قناديل طل الملوحي ومعاول البعض
-
الحكاية ، حكاية صراع وجود وبقاء
-
سيدا- آيدز- أو - نقص المناعة- الوطنية السورية
-
الحب = العهر = الموت !
-
الوجوه المتعددة لانتصارات الإسلام الاجتماعي والسياسي الجديد!
-
هل يمكن الغفران؟
-
اعتراف واعتراض موجه للمعارضةالسورية
-
حساسية
-
حجاب، نقاب، جلباب، تشادور، برقع، بوركة، قناع، ملاية...!
-
مَن سيدفع ثمن الحرب القادمة، وأين ستقع؟
-
ذئاب تشن حرباً على الكلام
-
جنتهم ونارنا!
-
حكاية المارستان والأسوياء الأحرار
-
الثالوث المقدس عند العرب، الذي يدفعهم لاستخدام العنف والقتل
...
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|