|
من المسؤول عن تدهور الأغنية العراقية ؟
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 10:29
المحور:
الادب والفن
لا احد ينكر من أن الأغنية العراقية قد تدهورت وتراجعت كثيراً وفقدت هويتها ، خلال العشر سنوات الأخيرة . والسؤال المطروح هنا: من هو المسؤول عن ذلك ؟ وقبل الإجابة عنه ، نود أن نذكّر القارئ بتاريخ الأغنية العراقية ، وكيف أنها قد وصلت الى القمة ، ومن ثم قد وصلت الى أقصى البلدان العربية، وكيف أنها كانت مقدرة ويستمع إليها الناس بالاحترام والتقدير والإعجاب ، والسبب كما يرى كثير من المعنيين ، أنها كانت صادقة ومعبرة وتمثّل حقبة ممتازة من تاريخها . وهي تتألف من ثلاثة أقطاب : الشاعر والملحن والمطرب ، وأكثر ما كان هناك تعاوناً مشتركاً وتفاهماً ما بين الأقطاب الثلاث ، وبالتالي تخرج الأغنية متكاملة وغير منقوصة . فالشاعر كان يختار المفردة العراقية الجميلة النابعة من صميم الواقع الاجتماعي ، المفعم بالحزن والبؤس والحرمان ، والمعاناة الأخرى ، فيصبها في إطار عام معبّر، وفي صياغة شعرية يرتأيها هو ، وبحسب فطرته وقابليته الشعرية، بعكس شعراء اليوم الذين لا يمتلكون ثقافة او وعي شعري ، فضلاً عن الوازع الأخلاقي ، والذي لا يدركون كنهه . فلو جئنا الى معظم شعراء الأغنية ، من الذين كتبوا للمطرب العراقي خالد الذكر المرحوم ناظم الغزالي ، او غيره من الرواد الكبار، نجدهم كانوا على التزام كبير في الأدب والثقافة والوعي ، والشعور بالمسؤولية الفنية تجاه الأغنية ومستقبلها ، بعكس شعراء اليوم تماماً، وقد سمعت من احد هؤلاء الذين يسمون بشعراء ، قال وبالحرف الواحد انه سوف يشارك في تراجع الأغنية العراقية ونكوصها ، وفعلاً قد كتب أغنية بذيئة تسيء الى الغناء العراقي الأصيل والأغنية عنوانها ( الماعندة امنين ايجيب ياخلك الله) وهي فاقدة لكل شروط الأغنية الأصيلة من ناحية النص واللحن والأداء . ولو جئنا الى الملحن العراقي الكبير صالح الكويتي ، والذي لحن أجمل الأغاني العراقية التي لازال صداها يصدح في آذان كثير من المتذوقين العرب قبل العراقيين ، وهي كثيرة جداً ولا يسمح المجال سردها بهذه العجالة . فهلا سئالنا انفسنا لماذا بقيت هذه الأغاني عالقة في أذهان الناس منذ عشرات السنين ، وان الناس الى اليوم لا تملها ، والجواب واضح ولا يحتاج الى لف ودوران . ولو جئنا الى المطرب الخمسيني او الستيني او السبعيني ، فضلاً عن الثلاثيني والأربعيني ، لوجدناه يتمتع بالموهبة وبالخبرة والإصرار، إضافة الى الذوق والفطرة والثقافة الموسيقية وحب المهنة واحترامها . إن معظم مطربي اليوم لا يمتلكون اثنين من هذه الشروط او السمات التي يجب أن تتوفر في المطرب الناجح . الم يسألوا مطربي اليوم أنفسهم : لماذا ظل ناظم الغزالي خالداً الى اليوم ؟ ولماذا لا تسأم الناس من غناء داخل حسن وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم وسعدي الحلي ومائدة نزهت وزهور حسين، وغير هؤلاء الكثير من فناني العراق قديماً وحديثاً، والذين لا يسمح المجال أن نفصلهم في هذا المقال ، وإنما نوعد القارئ الكريم بالتفاصيل في مقالات لاحقة . لقد ظل هؤلاء خالدون لأنهم كانوا يحملون الهوية العراقية ، وكانوا مدافعين عن أصالتها وكينونتها ، ودائماً ما يسعون الى تطورها ونهوضها ، وإيجاد الصيغ الحديثة والمتطورة في سبيل الارتقاء بها، فتجدهم متعاونين مع الشاعر والملحن ، واذا ما وجد هؤلاء الثلاث ركة في بعض المفردات ، يسعون الى إيجاد البديل ، من الكلام الذي لا يخل بالقاعدة العامة في بناء النص ، وبالتالي يخرج النص وكأنه قالب هندسي ، فضلاً عن كونه معبّر وصادق الإحساس من قبل هؤلاء الأقطاب الثلاث . والآن يمكن أن نجيب عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقال ، وهو من المسؤول عن تدهور او تراجع الأغنية العراقية ؟ نقول : إن المسؤول بالدرجة الأولى هو كاتب النص ، ولا نسميه بالشاعر . فمعظم كتاب النصوص غير مثقفين ويجهلون تاريخ الأغنية العراقية وابسط شروط الكاتب الناجح، فضلاً عن نقص الخبرة والأهليّة ، وسوى ذلك . أقول هذا لأني على معرفة ومقربة من معظمهم ، ولا أقول جزافاً او تجنياً . وان المسؤول الثاني هو الملحن الذي رضي أن يلحن مثل كذا كلام الرخيص والفاقد للذوق العام، فضلا عن بذاءته ، وانه لا يصلح بان يكون أغنية . أما المسؤول الأول والأخير ، فهو المغني او المؤدي ولا أقول المطرب ، لان المطرب من يطرب الناس بصوته الشجي وأداءه الرائع ، وان معظم مغنيي اليوم هم مؤدين وليسوا مطربين ، كون مغني اليوم يرضى أن يغني مثل هذا النص الذي يخلو من الإبداع وفاقد للصلاحية الذوقية والفنية معاً. ويمكن أن يضاف الى كل ذلك ، اعني المساهمين الثلاث في تدهور الأغنية . هي جهة الإنتاج ، سواء كانت مؤسسة او فضائية او شركة . وقد تعتبر هي المسؤول الأول والأخير في ذلك فلو امتنعت هذه الجهة عن انتاج وتسجيل وبث مثل هذه الأغاني لما عادوا كرة أخرى بإنتاج هذه التفا هات التي تسمى أغاني . والمسؤولية اليوم تقع على عاتق الدولة ، اعني وزارة الثقافة لأنها جهة حكومية عليا . فالمفروض بها أن تقترح او تؤسس دائرة تكون هي راعيتها وصاحبتها والتي تمولها وتصرف عليها ويكون في هذه الدائرة خبراء بالشأن الغنائي العراقي ، وتكون هي صاحبة القرار بشرط أن لا تسيّس او تكون مع اي جهة سياسية او غيرها ، وان يدير هذه الدائرة شعراء وأدباء ونقاد وملحنين كبار ومطربين . وهي التي تجيز النص ، تقبله او ترفضه ، ونحن بذلك نضمن إنتاج أغنية عراقية ترضي الذوق العام وتساهم مساهمة فاعلة في الارتقاء بمستوى الأغاني العراقية ذات النكهة الجميلة والتي لازال صداها وحلاوتها الى اليوم لا تفارق إحساسنا ، وإذا ما فعلنا ذلك فسوف ننقذ الأغنية العراقية من النكوص والترهل والبؤس الذي أصابها ، وبعكسه سوف تظل الحال على ما هي عليه ولات حين مندم.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا شجرة الزيتون
-
القراءة واهميتها
-
شروع القتل في الإسلام
-
القراءة واسرارها
-
اهمية الدولة
-
هل للاعلانات التلفازية تأثير على المشاهد ؟
-
مكتوب بالكرنال
-
الجابري ومايكل جاكسون
-
اختيار العنوان
-
إقصاء المبدع
-
الغجر في العراق/ مقدمة...توطئة
-
درع الابداع
-
القاعدة
-
الأردن: القرار بحق الضاري كان متأخرا
-
الشبك
-
نبيل شعيل والساهر
-
مرارة اليتم
-
قانون صيد الطيور
-
رفض الشعراء
-
انتخابات نقابة المحامين
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|