خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3198 - 2010 / 11 / 27 - 14:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
[email protected]
ا
يفسر الاكاديميين السياسيين المسار السياسي التركي الجديد باعتباره انقلابا عقائديا, يوجهه درجة من التشدد الفكري الاسلامي في عقيدة قيادة حزب العدالة, تتكثف خاصة في شخص رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. ويدللون على ذلك بنهج الحكومة التركية الداخلي باعادة تحرير المظاهر الدينية الاسلامية من القيود التي فرضت عليها سابقا, وخارجيا بدعم واسناد فصائل مقاومة اسلامية في لبنان وفلسطين, متناسين ان مسالة حصار العقائد والمظاهر الدينية نهج مناف للحريات, وان حصارها وتقييدها اجتماعيا ليس هو المهمة السياسية للعلمانية, وان الموقف من قوى خارجية في صراع معين هو مسالة ذات دافع سياسي قومي بالدرجة الاولى وليست ذات دافع عقائدي.
الانقلاب التركي الراهن, هو فعلا انقلاب سياسي من الدرجة الاولى بامتياز, لكنه انقلاب من اجل تحرير تركيا من نتائج هزيمتها في الحرب العالمية الاولى, التي كان احد شروطها المتعددة, فرض الحماية العسكرية على علمانية تخدم في توجهها السيطرة الاستعمارية, وتقيد نضال الكتلة الاجتماعية الرئيسية في النضال الوطني وهي هنا الاسلامية, وهو شرط الزامي يخدم سياق الشرط الاساسي وهو تبعية تركيا السياسية والاقتصادية للمركز الاستعماري العالمي وحركته في الصراع العالمي, وقد كانت تركيا البلد المهزوم الوحيد الذي اخضع اثناء دفعه ضريبة الهزيمة, لشرط قبول التبعية الاجتماعية على صورة علمانية خاصة, بعيدة عن جوهر العلمانية كما هو متعارف عليها في الثقافة التقدمية, وكما يعالجها المثقفون مثلا في موقع الحوار المتمدن.
فلنكف اذن عن توصيف الانقلاب التركي بالانقلاب العقائدي, رغم ان حزب العدالة الذي يقود هذا الانقلاب هو حزب اسلامي, فاين هي الخبرة العالمية التي تدعي ان الاحزاب الدينية ليس عليها واجب في المهمات الوطنية؟ في حين لم يتقدم في تركيا حزب من مدعي العلمانية ليقود انقلابا على تبعية تركيا القسرية, منذ الحرب العالمية الاولى, للمركز والحركة الاستعمارية العالمية, حيث تخلت هذه الاحزاب عن هذه المهمة الوطنية, وتصدى لانجازها حزب العدالة, الذي نجد ان سلوكه السياسي الاقتصادي هو بالدرجة الاولى سلوك التزام قومي, لا سلوك تحرر ليبرالي, مستثمرا وموظفا لهذه المهمة, القوة الاجتماعية الرئيسية الاسلامية في المجتمع التركي. لذلك نجد ان نجاحه في الاستفتاء الشعبي شكل صفعة للقوى الليبرالية التي تدعي زيفا العلمانية من الاحزاب الاخرى, وصفعة لهذا النوع الخاص من العلمانية الاستعمارية المفروضة بشكل خاص على المجتمع التركي بقوة العسكر, فمن الواضح ان البرجوازية التركية وهي الطبقة التي تقود الدعوة للعلمانية والليبرالية وكما برهن الاستفتاء الشعبي هي التي تلتف حول نهج حزب العدالة السياسي الاقتصادي الذي عاد عليها بمردود عالي الربحية, كما انها راضية مع الطبقات الاجتماعية الاخرى عن انتباهه للاستراتيجيات الاقليمية المحيطة به, والتي تمس بمصالح وامن تركيا القومي, خاصة التحرك الصهيوني, والذي انعكس عليه بقوة وبصورة رئيسية ارتداد الانقلاب التركي في السياسة الخارجية.
فمنذ ما قبل الانشقاق الفلسطيني, وتركيا القومية منزعجة من السلوك الاسرائيلي المعيق لتحقيق التسوية والمتهرب من استحقاقاتها. وقد تبدى ذلك بثبات تاييدها لنضال التحرر الفلسطيني. قبل وبعد اتفاقيات اوسلو, بل يمكن القول ان تاييدها للنضال الفلسطيني ازداد بعد هذه الاتفاقيات, وبعد الانشقاق الفلسطيني, وهي وان امسكت الى الاخر من الوسط بعصا علاقتها السياسية بين الكيان الصهيوني والقوى الفلسطينية, فلسبب وجيه, يتمثل في الظن بان الضغوط الدولية والثبات الفلسطيني والاسناد والدعم العربي والاسلامي, كان يمكن لها ان تجبر اسرائيل على الالتزام باتفاقيات اوسلو وتنفيذها, بل ويجب ان لا ننسى ان تركيا ذاتها القت بثقلها وحاولت التوسط بين سوريا والكيان الصهيوني لانجاز التسوية,ففاجئتها اسرائيل بشن الحرب على غزة, ورفضت تاليا وساطتها بعد الحرب ايضا, الامر الذي حسم الشكوك التركية حول الموقف الاسرائيلي الرافض للتسوية والسلام الاقليمي.
قد يتسائل البعض وما مصلحة تركيا في ذلك؟ سوى الانحياز العقائدي الاسلامي؟
بل ان لتركيا وامنها مصلحة قومية رئيسية في انجاز وتحقق التسوية, هي فوق مسالة مصالح الصيغة العقائدية في مجتمعها, فتركيا يهمها ان يتحجم التطلع الاسرائيلي الاستراتيجي الجيوسياسي عبر اجبارها من خلال التسوية على التخلي عن شعار اسرائيل الكبرى, وهو الشعار الذي في حال تحققه على الارض, سيمكن الجيش الاسرائيلي من الوقوف على الحدود التركية من خلال المجال السوري ومن خلال المجال العراقي, وهو وضع يرفضه استراتيجيا الامن القومي التركي, ففي ادنى مستويات اضراره سيضرب السوق الاقليمي التركي الذي يعتبر احد مقومات الاقتصاد التركي, وتضعه مباشرة تحت السيطرة الاسرائيلية وتحالفاتها الدولية.
لذلك نجد ان ارتدادات الانقلاب التركي تمركزت في اتجاهين الاول منها اتجاه التحرر من القيد العسكري الداخلي, الذي كان يحمي علمانية تخدم السيطرة الاستعمارية العالمية على المقدرات القومية التركية, والاخر هو العلاقة بالكيان الصهيوني الذي تأكدت القيادة القومية التركية انه خطر استراتيجي عليها, خاصة بعد انكشاف الدور التامري الامريكي الصهيوني بخصوص القضية الكردية, حيث عملت جميعا بصورة مشتركة على اضعاف الاقتصاد التركي باغراقه في منحى الانفاق العسكري.
في هذا السياق يمكن ملاحظة نجاح السياسة التركية في اعاقة قرار الحرب على ايران, الذي تعمل له الولايات المتحدة وتسعى اسرائيل لتسريع قراره, وتبدي استعدادها للمشاركة في تنفيذه, ففي هذا الاتجاه يمكن ملاحظة ان البلدين تجاوزا مسالة الخلاف المذهبي, واستطاعا خلق تجانس نسبي في اتجاه استراتيجي مشترك منفتح على المكون الاقليمي ومحاولة توظيفه لحصار وعزل الكيان الصهيوني, باعتبارها اداة الولايات المتحدة الاقليمية الرئيسية في الصراع العالمي في منطقة الشرق الاوسط.
ان تتابع الزيارات الايرانية والتركية للبنان, هي محاولة للاطلال عن كثب على والتاثير الايجابي في موقع تتقاطع فيه وترتد عليه كافة توجهات واوجه الصراعات الاقليمية القومية والمذهبية, وهي لا شك تستهدف الحفاظ على استقلاله وسيادته ووحدته التي استباحها واستفرد بالتاثير بها طويلا الكيان الصهيوني, وهي زيارات كان من نتائجها دعم لبنان اقتصاديا وتعزيز صموده عبر اعاقة تفجير وحدته, ومحاولة اعادة نظم موقعه وحركته في الخارطة الجيوسياسية الاقليمية باتجاه تعزيز حصار اسرائيل. واعاقة اصدار قرار اتهام حزب الله باغتيال رفيق الحريري كمدخل تسعى اليه الولايات المتحدة الامريكية لوضع حزب الله في مواجهة الشرعية الدولية, ومبررا لتحريك ادواتها اللبنانية الداخلية للذهاب بلبنان لحرب اهلية مدمرة.
بل ان طموح هذا المحور يتسع ليشمل عمليا محاولة نظم موقف وحركة لبنان وسوريا والاردن, كما اعلن رجب طيب اردوغان, في محاولة حصار الحركة الاستراتيجية الاسرائيلية, وهي الدول المحيطة مباشرة باسرائيل اسيويا, مما يطرح ايضا موقع وحركة مصر؟ المرشحة ايضا للانضمام لهذا المحور وهي التي تتعرض افريقي كثيف يحركه من الخلف نشاط صهيوني كبير. واسناد امريكي واسع.
ان انهاك قومية ما يبدا من حصار موارد وتفعيل صراعاتها, وهو بالضبط محتوى سياسية الفوضى الموجهة التي تعتمدها الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل بصورة بارزة وباقي الدول دائمة العضوية في مجلس الامن بصورة عامة, وهي موجهة بصورة مكثفة الان ضد دول المجتمعات الشرق اوسطية حتى الدول الموالية للولايات المتحدة منها, كالسعودية مثلا,
ان هذا التغول الامريكي, هدفه تحقيق مردود اقتصادي تستطيع معه الولايات المتحدة الامريكية تجاوز ازمتها الاقتصادية بتعزيز سيطرتها على ادارة وتشريع الدولة الاقليمية كمشرف على السوق المحلي, لصالح التسويق الامريكي ومحاصرة تمدد نفوذ القوى الاخرى اقتصاديا خاصة الصين, ومن الواضح ان الكيان الصهيوني يدرك اتجاه هذا التحرك الامريكي ويضع نفسه بخدمته ويحاول استثماره لصالح تحقيق شعار اسرائيل الكبرى, في حين ان اغلب الدول الاقليمية لا تدركه او تقف امامه منفردة عاجزة. ولا نجد الان في منطقتنا سوى هذا المحور المرشح للتنامي معيقا للهجوم الاستعماري.
ان موقفنا الثقافي من الاحزاب التي تقود هذا الاتجاه, لا يجب ان يحاصر دعمنا واسنادنا لدورها السياسي في التصدي للهجوم الاستعماري من موقع استقلال القرار القومي, فصراعنا الثقافي مع عقائديتها هو صراع ديموقراطي استراتيجي وهو لا يمنع تجانس اتجاهات متباينة اثناء مواجهة عدو قومي مشترك.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟