|
ديوان (جسر من طين)الشاعر رحيم الغالبي
وجدان عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3196 - 2010 / 11 / 25 - 21:19
المحور:
الادب والفن
حينما نتحدث عن الشعر .. هذا العالم الثري والزاخر بالكثير من الرؤى والأفكار وهي متخفية في صور اللغة المغايرة لسياقاتها المعتادة.. لاشك بأن الشعر موهبة تصاحب الإنسان الشاعر وقد يلتفت اليها بالصقل من خلال الثقافة واستثمار التجارب التي يمر بها الشاعر نفسه ونستطيع ان نقول عن الشاعر الفلاني شاعر متميز او استطاع ان يترك بصمته باعتماد الصور الجمالية والإبداعية والمثيرة للدهشة والمستفزة لذائقة المتلقي والمستجيبة لمؤثراته..
والشعر العربي بشقيه الفصيح والعامي، قد مر بمراحل صعود وهبوط وفقد منه الكثير وكل الروايات ان لم نقل جلها لم تحدد انطلاقات الشعر العربي سواء الفصيح او العامي.. وهو شأن يطول الحديث فيه لذا نحاول ان نتحدث الآن عن الشعر الشعبي، حيث لانأتي بجديد حينما نقول انه جاء بعدما فسدت اللغة العربية الفصحى ودخلها اللحن والتحريف وبدأت تتشقق منها اللهجات العربية. وسمي الشعر الشعبي بداية بالشعر النبطي، لأنه أتى من العراق ومشارف الشام، حيث كان اسم الأنباط يطلق على فلاحي سواد العراق وبدو الشام وكان أقدم من تحدث عن النبطي او البدوي (الشعبي) هو المؤرخ العربي ابن خلدون المتوفى 808 كونه ذكر في مقدمته عدة نصوص شعرية عامية.. اذن ولادة الشعر الشعبي كانت قبل ابن خلدون. وأنا أسوق هذه المقدمة المختصرة، لأتناول شاعر شعبياً معاصراً ترك بصمات مهمة في تجويد وتحديث الشعر الشعبي العراقي ويسمى بحق شاعر الومضة والمقطوعة الشعرية المكثفة ، وقد خرج في بعضها عن السياقات التقليدية للقصيدة الشعبية، حيث حملت مقطوعاته أكثر من معنى حال سماعها او قراءتها والتمعن في بثها لتلك الاندهاشات الصادمة للذائقة.. إذن هو الشاعر رحيم الغالبي في ديوانه (جسر من طين) الصادر حديثا والذي حمل حلاوة الشعر وطراوة المعنى بأوجز العبارات وأقلها وهو يقدم الخلطة الشعرية المعروفة في الشعر العراقي سواء كان الفصيح او الشعبي أي خلطة الحبيب والوطن للشاعرات والحبيبة والوطن للشعراء... يقول الشاعر الغالبي: (كال اعمى ارسملي صورة ! اتعجبيت !! من رسمت الصورة كلي فتشيت ! كلت ليش! اشلون؟ كلي الخير اجاك ... بس غشيم وفلشت ..) وكانت هذه مقدمة اضاءت قول الشاعر: (احبك ياوطن .. مجروح واحضنك ياوطن بالروح) هذه اللازمة الوطنية عمقت الخلطة التي اشرنا لها وحينما نتواصل مع مقطوعة اخرى نجد انه يتعامل مع منطق الاشياء بوعي واضح وسردية حكائية: (واحنة .. ازغار نرسم .. نكتب .. عالحيطان احروف الطين واحد +واحد بس انسينة انحط اثنين وصارت.. غلطتنة امن اسنين) وهذا تصريح في لافتة احتجاجية رفعها الشاعر في حوار ذاتي موضوعي يدعمها باخرى تحتج ضد الغربة والهجرة من الوطن .. (وكايل امسير اكول ايسن بنات اهلي) (طلع مكسور خاطر .. من يسألونه) واضاف الشاعر: (طحت وانده لكل الناس وبالناس تندهلي .. لكن موكلها لاجل الاخرة اصلي !! اكول ايسن بنات اهلي واعلن فوك الماي .. حايط طين .. شنعلي ، وعشت وحدي .. منارة خوف بالغربة اريد اجفوف توصلي اظل غربة .. وبعد غربة يبعد اهلي .. وين الجنة..؟ متنا وصار كل اسنينه انصلي يبعد اهلي ..؟ ونتيجة لمآسي الحياة التي سببتها الانظمة السياسية الحاكمة والتي هي غير أهل لحكم العراق جعلت الشاعر بين مد وجزر بين اليأس والقنوط وبين التفاؤل والأمل حيث انصبغت مجمل اشعاره بمسحة الحزن رغم انه اضفى على البعض منها مسحة الطفولة والأمل وحب الحياة كما في قصيدة (خالي النهر) يقول فيها: (خالي النهر .. اتريد افوجن ليش .. ولك .. خالي النهر حتى الحنين الجاي من اهلي بجه وسولف على اعيوني السهر يابه لوطيفك عبر بالضحكة اظل سكران) هذه انفعالات الشاعر وهو يواجه النهر خاليا وهي كناية عن حالات القحط والتصحر في العلاقات الاجتماعية وقسوة النظام السياسي الذي ترك بصماته على مجمل الحياة العامة، لذا جعل الجمال جمالاً لذاته.. (انت من تضحك حلو) مقرونا بالعتب.. (خالي النهر تريد افوجن؟ ليش ؟ !! ولك خالي النهر) واستثمر ثيمة الفأس حينما يقع في الرأس بدل ان يكون نافعا في سواقي الخير استطاع الشاعر بلغة مكثفة التعبير عن سوء التصرفات غير اللائقة حتى انه عمد الى انسنة اشياء الطبيعة.. (من اسنين .. دلينه الشمس وكت المغيب / واندلت درب جيتها بينه) ويستمر رغم الويلات وتراكم الخسارات يشير الى المطر والاشجار كعنوان للحياة المعبرة عن الأمل والحب.. يقول: (خسارات.. نيسان البجي وافرح بريد بليل الولايات.. واسرار البواجي اعله الجفافي انكتبت بكل عيد اشب ممشة ومواعيد ومطر واشجار) وهكذا لانه ينتظر البشارة في كل سنة يحاول رسم لوحات من الفرح (وكيفت من لكيت اسمك بشارة بكل محطة بكل جريدة ومن فرح عشكك رسمت الصورة للدنية اعله حيطان السنة الحلوة الجديدة) ويستمر الغالبي في التمسك باشراقات الجمال والحب (اريدنك جديد/ تضوي مصباح العصر /وانه حديقة تضوي بي)، ثم برز في قصيدته (الهوى الاول) حب الحبيبة وحب الوطن، وكأنه قدر يرافق الانسان وكل هذا، فان الغالبي يتلون مع الوان المغايرة وزحزحت الكلمات ومقابلتها من اجل اثارة الدهشة فمثلا يقول: (بستيني، بساتين ياطول النهر على الشجرة من يلتاف) ومن باب التشخيص والمبالغة لاظهار المعنى يسند صورة الى صورة اخرى .. (بللت ثوبك الاخضر بالضحك وانت تجرح كلبي المصوفر عتاب / جنت ادك روحي اعلة زادك بالملح صار ماصخ عمري ..) وكذلك فعل في قصيدة (ورد النرجس) وهكذا تحقق الحلم عبر مسارات امانيه وسقوط الصنم ... (مليت المذلة.. وطاحن متوني يامحلة العراق بغير زيتوني) ثم بعد هذا يرسم المقاطع الشعرية كومضات او لقطات سينمائية مثلما فعل في قصيدة (سعادات) وتكون (لافتات باللون الاحمر)، هي بمثابة التصريح بالحب ولمن هو بكل تأكيد للوطن العراق وهو تأكيد اصرار في استقبال الحياة بورد البستان الاخضر، لأن (نخلة انت صرت / من طيحوا صدام) ويتطلع الى الحياة المثالية التي تقوم على الايقاع المنسجم مع واقع الحال الى طموح انساني ولا تخلو قصائده من الادلجة والانحياز الى مبادئ العدل الانساني والوصول الى هذه، جعل العامل الكادح هو سيد الانتاج وسيد العمل المثمر ويبقى الشاعر الغالبي مسكوناً بافكار البسطاء الذين يحملون الحب لاسرهم ولوطنهم العراق (بس مفتون / من حب العراق الماكو مثله / ابد بالكون) وقرن قصيدة (ماي من نهران اهلنة) بالشاعر الكبير مظفر النواب هذا الشاعر الذي ناضل بحب لكل العراق من شماله الى جنوبه، لذا وصفه الشاعر الغالبي بصبح الورد واستثمر حضوره في هذه القصيدة وساق لنا سلسلة من الاحباطات ثم تلاها بسلسلة اخرى تؤكد الثبات على حب الحياة والتمسك بالجمال، حيث حملت قصيدته الكثير من المعاني وفتحت كوى مشرعة على التأويلات التي سمت بذكر رموز كبيرة مثل النبي نوح والنبي ابراهيم عليهما السلام.. وانطوت ومضاته على لقطات مدهشة وجميلة رسخ فيها ارهاصاته في الحب والجمال وتلاعب في الكلمات وجعلها في نسق آخر متغير امتلكت روحه، ما يجعلنا نضعه في صف ريادة القصيدة الشعبية الحديثة في العراق التي امتد تاريخها الى ما قبل ابن خلدون الى يومنا هذا... / ديوان (جسر من طين) الشاعر رحيم الغالبي / منشورات مجلة الشرارة / مطبعة دار الضياء / النجف الاشرف
#وجدان_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موادي خديجة ومعالجاتها الشعرية
-
على باب الأسئلة المتوالدة قراءة في شعر حبيب السامر
-
دراسة نقدية لمجموعة صمت الغرانيق القصصية
-
نجوى عبد الله وجماليات الشعر
-
أسئلة بدون علامات استفهام ديوان (قديما مثل هيباشيا) أنموذجا
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|