فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3195 - 2010 / 11 / 24 - 08:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
دأب أحد مدعى الثقافة على الهجوم الشرس بل والوقح على الحضارة الفرعونية, وبالرغم من اعترافه بفضل مصر عليه وتلقيه التعليم الجامعى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة (1960- 1964), بدأها أيام الوحدة المصرية السورية, فهو لم يرع الجميل ولم يحفظ الحكمة التى تقول من علمنى حرفا صرت له عبدا, بل هو يبدى بكل فخر حقده الدفين على مصر بتاريخها القديم والحديث وبدلا من أن يكون لها عبدا صار لها جلادا. بكل جهل يتهم ويدعى على الحضارة المصرية الفرعونية التى يشهد لها العالم أجمع بالريادة والفخر بثلاث إتهامات باطلة. أولها أنها حضارة كانت مفتونة ومهووسة بالموت وكل إنجازاتها تنحصر فى إدمان الموت خاصة بناء الأهرامات, وثانيها أنها فى تكوينها ونظرتها الكونية مبنية على العبودية ويرى أن الفرعون بعنجهيته وتألهه يتخذ المصريين الضعفاء عبيدا ويسخرهم فى بناء الأهرامات التى يقرر بجهالته أنه قد مات فى سبيل بنائها الآلاف المؤلفة من المصريين المستعبدين. ثالثا يحاول الوقيعة بين الحضارة الفرعونية والحضارات القديمة فى منطقة الشرق الأوسط خاصة حضارة ما بين النهرين (عراق اليوم) التى يكيل لها المديح وينسب لها الريادة والتى أنتجت ملحمة قلقامش وشريعة حامورابى التى نظمت علاقة الحاكم بالمحكوم, ويفرغ الحضارة الفرعونية من كل إنجاز حضارى للبشرية ويقرر أن الإنجاز الفكرى الوحيد للحضارة الفرعونية هو كتاب الموتى إمعانا فى التركيز على الموت.
أقول لمدعى الثقافة هذا بالرغم من درجة الكتوراه التى يحملها فى علم الاقتصاد ولا أدرى إن كانت حقيقية أو مشتراه من على سوق الأزبكية, أقول له لو كنت قد قرأت ما كتب فى الكتب الدراسية للمرحلة الابتدائية فى أى من دول العالم لعرفت فضل وعظمة الحضارة الفرعونية التى تحتقرها, ولن أوجهك لكتب أعمق من مستواك الفكرى الضحل ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتب جيمس بريستيد " حضارة مصر"، "سر بناء الأهرامات"،"فجر التاريخ", "جولة فى حضارة الفراعنة"، "الرمز فى الحضارة المصرية القديمة – أساس الكتابة الأولى للإنسان". وكتاب مصر القديمة للدكتور سليم حسن، وكتابى "الأهرامات المصرية" ، "مصر الفراعنة" للدكتور أحمد فخرى. وكتاب "تاريخ مصر القديمة" لنيقولا جريمان، وكتاب "الحضارة المصرية" لسيريل ألدريد، وكتاب"مراكب خوفو" لمختار السويفى، وكتب الدكتور زاهى حواس العديدة ومنها "الرحلة السرية للفراعنة"، "جنون إسمه الفراعنة" ومئات المقالات المنشورة فى معظم دوريات العالم العلمية، وغيرهم من علماء المصريات الذين يشهدون بعظمة وريادة الحضارة الفرعونية, ولكنى فقط أقول لك:
1 ـ الحضارة المصرية ليست حضارة موت ولكنها حضارة مفعمة بالحياة لها الريادة فى أساليب الزراعة والرى وعلوم الطب والجراحة والفلك والكيمياء والهندسة المعمارية وهندسة المناجم والتعدين والفنون العسكرية والريادة البحرية والأدب والفنون كالرسم والنحت والموسيقى والرقص التوقيعى والرياضة البدنية وحساب المثلثات والهندسة, وهناك مئات البرديات فى جميع متاحف العالم مليئة بتلك الموضوعات إضافة للنصوص المدونة على جدران المعابد والمسلات. والأهرامات ليست مجرد مقابر كما يدعى ولكنها قمة فى الإعجاز الهندسى والفلكى, ويتمثل الإعجاز الفرعوني في كيفية ضبط الزوايا وربطها بهندسة الكون وحركة النجوم والاتجاهات الجغرافية والمغناطيسية للارض, واهتمام الفراعنة بالموت لم يكن مجرد إفتتان وهوس به بل كان لإيمانهم بالبعث والنشور والحساب فى اليوم الآخر. والمعجزة الفلكية التى لا يستطيع العلم الحديث الوصول لدقتها المتناهية هى تعامد الشمس ودخولها في الصباح المبكر إلي قدس الأقداس بمعبد أبى سنبل ووصولها إلي التماثيل الأربعة فتضئ هذا المكان العميق في الصخر والذي يبعد عن المدخل بحوالي ستين مترا المحسوب بدقة حسب علم الفلك والحساب عند قدماء المصريين, ففي الساعة السادسة وخمس وعشرون دقيقة في يوم 21 فبرار, و الساعة الخامسة وخمس وخمسون دقيقة في يوم 21 أكتوبر بالضبط من كل عام (عيد ميلاد الملك رمسيس وعيد جلوسه على العرش) ّيتسلل شعاع الشمس في نعومة ورقة كأنه الوحي يهبط فوق وجه الملك ويعانقه ويقبله, فيض من نور يملأ قسمات وجه الفرعون داخل حجـرته في قدس الأقداس في قلب المعبد المهيب ثم يتكاثر شعاع الشمس بسرعة مكوناً حزمة من الضوء تضئ وجوه التماثيل الأربعة داخل قدس الأقداس, أليست هذه معجزة لاتتغير مع الزمن؟, وعند نقل المعبد إلى مكانه الجديد قبيل بناء السد العالى لم يستطع العلماء الإبقاء على هذه المواعيد الدقيقة بل تغيرت إلى 22 أكتوبر و22 فبرايل رغم توافر الحواسب وغيرها من وسائل العلم المتقدم، أيضا يسجل السبق العالمى للفراعنة كونهم أول من استخدم التقويم الشمسى وحساب أيام العام ب 365 يوما وربع مقسمة على 12 شهرا كل منها 30 يوما ويضاف شهر بـ 5 أو 6 أيام( بسيطة أوكبيسة) ويسمى نسيئ,, وقسموا العام إلى ثلاث فصول هى فصل الفيضان (آخت) ويكون صيغا, يتلوه فصل بذر البذور (بيريت) شتاءا, وأخيرا فصل الحصاد (شيمو) ويكون ربيعا.
2- والادعاء بأن الأهرام بنيت بالسخرة والعبودية فهو افتراء باطل, لأن خوفو وغيره من الملوك كانوا يشيدون الأهرام فى فصل الفيضان ليساعدوا المتعطلين عن العمل حيث تكون الحقول مغطاة بالمياه, وهناك الدلائل المسجلة بمدى الحرص على إمداد العاملين بالغذاء والجعة وإعطائهم أجورهم المجزية, كما كان العاملين يرحبون بالعمل ويتسابقون إليه حبا وتقديسا للملك العادل المحبوب.
3 ـ لآ مجال للوقيعة بين حضارات الشرق الأوسط فكلها حضارات رائدة أثرت الحياة وقدمت المدنية والحضارة للعالم أجمع وكلها حضارات تفاعلت مع بعضها ولم تتناحر ونحن نجل كل الحضارات ولا نفرق بينها سواء كانت فرعونية أو بابلية آثورية أو فينيقية أو أمازيجية ولا داعى لخلق النعرات وتمجيد البعض وتشويه البعض الآخر.
لم يكتف باعتراضاته إو قل سخافاته الثلاث التى وصم بها الحضارة الفرعونية العظيمة, لكنه تطرق إلى فتح مصر واعتبره إنجازا لتصحيح الحضارة الفرعونية المستبدة فى نظره ـ بقيادة عمرو بن صاحبة الرايات وأرخصهن سعرا ـ ونسى أن هذا الفتح لم يكن سوى غزو واستعمار استيطانى فاجر لامتصاص ثروات البلاد حتى الفقر ليثرى بلد الخليفة الصحراوى القاحل, واعتبر هذا الفتح بداية للحضارة المصرية الحقيقية وإثراء للعلم وإعمال الفكر بدون أن يخجل من حادثة حرق أعظم إرث حضارى عرفه العالم وهو مكتبة الإسكندرية التى أنشأها بطليموس الأول الذي حكم مصر ما بين 285 و 246 ق م والذي يرجع له الفضل في تجميع المخطوطات وترجمات لعشرات الآلاف لكل أنواع الثقافات المنتشرة في ذلك الوقت بما فيها الفلسفات والطب والهندسة والفنون وبرديات الفراعنة الأقدمين وحتى الهرطقات والبدع, و جعل في أجنحتها أمناء من ذوي المعارف والعلوم المتعددة. جاء فى (الغدير 6/301-302 والفهرس لابن النديم ص رقم 334) كتب الخليفة عُمَر إلى عمرو يقول له: و أما الكتب التي ذكرتها فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى ، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة أليها فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية واحرقها في مواقدها فذكروا أنها استنفذت في ستة اشهر. ولم تكن مكتبه الأسكندريه هى الوحيده التى تخلص العرب منها بأمر من الخليفة عمر, قال صاحب كتاب كشف الظنون1/446 :" ان المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شانها وتنقيلها للمسلمين فكتب أليه عمر بن الخطاب: ان اطرحوها في الماء، فان يكن ما فيها هدى؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وان يكن ضلال؟ فقد كفانا الله تعالى. فطرحوها في الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس فيها. وما أروعها الحضارة العربية الإسلامية الظلامية التى تقضى على التراث العلمى والأدبى للبلدان التى يغزونها ليزيحوها إلى الخلف مئات السنين..!!
ثم يقفز من الفتح إلى العصر الفاطمى ويقارن بين عمارة الأهرامات أو كما يسميها بجهله القبور الهائلة لتعظيم وتكريس الظلم والاستبداد وبناء قاهرة المعز متوجة ببناء الجامع الأزهر واعتبره أقدم مؤسسة للتعليم العالى فى العالم ـ أقدم من اكسفورد وكامبردج البريطانيتين ـ ونسى أو تناسى عن سوء نية أو جهالة أن أقدم جامعة عرفها التاريخ هى جامعة أون الفرعونية التى تتلمذ عليها كل فلاسفة العالم القديم كسقراط وأرسطو وأفلاطون وأفلاطين وأقليدس وغيرهم, جامعة أون القديمة التى كانت تهتم بالفلسفة واللآهوت والعلوم والفنون من رسم ونحت وموسيقى وكل مناح الحياة ـ ولست أدرى كيف يقارن بين جامع (مجرد جامع) ولا يرقى لاعتباره جامعة, ويحاول فى جهالة أن يساوى هذا الجامع ـ الذى كان لا يدرس تحت أعمدته غير القرآن والسنة وألفية ابن مالك والتطبب بالقرآن والرقى وبول البعير ويهتم بالخزعبلات كالتزاوج مع الجن وعذاب القبر وأهواله وفتنة المسيخ الدجال وأحوال الجان ومراتبهم, ويعتبر العلوم كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والموسيقى هى كفر وإلحاد وزندقة ـ بجامعات عظيمة أثرت العالم بالعلم وتقدم الإنسانية مثل أكسفورد أو كامبردج. فقط أذكره حين غزا نابليون بونابرت قاهرة المعز وكان الفرنسيس مسلحين بالبنادق والبارود وكان المماليك لا يعرفون من السلاح غير السيوف والهراوات, خرج الأزهريون يصيحون ويلهجون بالدعاء" يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف". وحين شاهدو الأوامر الفرنسية مطبوعة اعتبروا الطباعة أعمال سحرية ورجس وضلالة من عمل الشيطان. ثم يقارن بكل فجر بين الحضارة الفرعونية والحضارة العربية, وأجدنى أضحك حتى أستلقى على قفاى لهذا الهراء, كيف يقارن بين حضارة راسخة منذ سبعة آلاف من الأعوام وبداوة عربية (ليست حضارة) لم يذكر التاريخ منها غير أن العرب فى زمن الحضارة الفرعونية لم يكونوا سوى بدو عراة حفاة رُحّل يتنقلون خلف الكلأ والماء ينصبون خيامهم ويرعون غنمهم وإبلهم, همهم غزو القبائل لسبى النساء واتخاذهن خليلات وجوارى يتسرون بهن. وكانوا يتجمعون حول الكعبة مكونين سوق عكاظ للتنابذ بالشعر وارتكاب المنكرات والفسق واللواط والتعبد لآلهة حجرية أو مصنوعة من البلح يأكلونها إذا جاعوا, ولم يتركوا غير معلقاتهم من شعر النسيب والفخر والبكاء على الأطلال والتشبب بالمعشوقات, حتى هذه المعلقات أشك أنها كانت مدونة حيث أن العرب لم يعرفوا الكتابة ومن كان منهم يعرف الكتابة كان يكتب بدون تنقيط فلا فرق بين الباء والتاء والثاء والنون أو بين الحاء والخاء والجيم أو بين الطاء والظاء أو الصاد والضاد أو السين والشين فكيف كانوا يقرأون معلقاتهم؟!
ثم أضحكنى حين قال أن مصر ولأول مرة فى التاريخ صارت تحتل مركز الصدارة سواء فى محيطها العربى أو الأفريقى ونسى أو تناسى أن مصر الفرعونية كانت ذات شأن عظيم فى محيطها ومؤثرة فيه ولم تعرف الهوان إلا فى حقبتين هى حقبة الاستعمار الرومانى وحقبة الاستعمار العربى الذى محى حضارتها ولغتها من الوجود وأصبحت الآن كما نراها ولا مجال للحديث. ثم ينهى تجنيه قائلا " يمكن النظر للنظم الاستبدادية متمثلة بالعقلية الفرعونية على أنها وساخة لأنها مناهضة للتكوين الفكرى والمادى للإنسان", وليس غريبا عليه أن يقول مثل هذا الكلام القذر فقد عهدناه يستخدم ألفاظا منحطة فى الكثير من مقالاته مثل العهر السياسى والدعارة الثقافية والتفسخ اللغوى وغيرها من الألفاظ الدالة على البيئة التى نشأ وتربى فيها. وإذا كان يعتبر حضارة الفراعنة وساخة فماذا يقول عن عصور الازدهار العربى وما فيه من مجون وسكر وعربدة ولواط؟ فقط سأذكر له القليل: فى عصر يزيد بن معاوية هاجم جيشه المدينة, حين خلع أهلها بيعته وحين انتصر فى حربه (موقعة الحرة) أصدر قائد الجيش أوامره باستباحة المدينة ثلاثة أيام قتل فيها أربعة آلاف وخمسمائة, وفض فيها بكارة ألف بكر(مسلم بن عقبة). وفى عصر الوليد الذى اشتهر بالخمر واللواط , حين قرأ فى القرآن " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد, من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد" فدعى بالمصحف فنصبه عرضا للنشاب وأقبل يرميه وهو يقول: أتوعد كل جبار عنيد هأنا ذاك جبار عنيد, إذا ما جئت ربك يوم القيامة فقل يا رب خرقنى الوليد. وفى العصر العباسى إفتتحه السفاح بنبش قبور بنى أمية واستخراج الجثث وجلدها وصلبها ثم إحراقها وذرها مع الرياح. وفى ذلك العصر أباح أبو حنيفة أنواعا من الخمور وما أكثر جلسات الشراب والمنادمة فى مجالس الخلفاء. التسرى بالجوارى والرقيق, ذكر السيوطى (تاريخ الخلفاء) أن الخلفاء الراشدين كانو يتسرون بالجواري والإماء المولدات والحور, الروميات والفارسيات والحبشيات, حتى على بن أبى طالب (رض) وهو أزهد الزهداء قد مات عن أربعة نساء وتسعة عشر سرية. ووصل الأمر إلى الآلاف فى عصر العباسيين فقد اقتنى المتوكل أربعة آلاف سرية وقد وطأهن جميعا. أما عن لواط الخلفاء فحدث ولا حرج, فقط أذكر الواثق آخر خلفاء العصر العباسى الأول الذى خلد سيرته نثرا وشعرا وحكم ست سنوات متنقلا من غلام إلى غلام فقد كان عاشقا صبا للغلمان, ملكوا وجدانه , وأذابوا مشاعره تولها وصبابة, وكان منهم للأسف غلام مصرى إسمه مُهَج لعب بعواطف الخليفة كيف شاء, إن رضى على الخليفة استقامت أحوال الدولة, وإن تدلل عليه أو صده فالويل كل الويل للمسلمين ولمن يوقعه حظه العاثر للوقوف بين يدى الواثق. وللحق لم يكن الواثق فارس الميدان الوحيد فى اللواط فقد سبقه الوليد بن يزيد, والأمين بن الرشيد الذى ابتاع الخصيان, وكما تعلق قلب الواثق بمُهَج تعلق قلب الأمين بغلامه كوثر. ونكتفى بهذا القدر من قذارة الخلافة مقارنة بعظمة وخلود الفراعنة العظام. وما يقوله هذا المفترى على الحضارة الفرعونية من ألفاظ نابية ومنحطة يجعلنى أشك فى أنه ربما كان يقتات من دبره ويتبرز من فمه..!!
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟