عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23 - 22:34
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الأقتصاد السياسي للفصل السابع
(صندوق التعويضات , وصندوق تنمية العراق أنموذجا ً)
1990- 2010
تمهيد
قبل غزو العراق للكويت كانت احكام الفصل السابع تستخدم كأحكام سياسية على نحو يكاد يكون مطلقا . وكان الهدف الرئيس منها هو التلويح بايقاع العقوبات المنصوص عليها في احكام هذا الفصل على بلد ما (احيانا ً) ، او فرضها جزئيا ً (في احيان اخرى) . غير ان تطبيق العقوبات المنصوص عليها في بنود هذا الفصل، بأقصى ما يمكن من التكامل والفاعلية ، (وبشقيها الاقتصادي والعسكري) لم تاخذ مدياتها الكارثية إلاّ مع الحالة العراقية.
كان الامر يبدو وكأن المجتمع الدولي يشهد ولأول مرة في تاريخه ( المعمد بالدم والحروب والخراب ) غزو دولة لدولة أخرى .
وليس من اهداف هذه الورقة الخوض في اسباب وتفاصيل وقوف العالم بأسره ضد حماقة النظام السياسي العراقي آنذاك , على هذا النحو المغرق في تهوره وساديته ,وتحويل شحنات الكراهية الأممية , ضد شعب أعزل ومسلوب الارادة , يعيش في اطار اقتصاد متخلف ومنهك طيلة المدة 1980_ 1990 . لقد سال من اجل ذلك حبر كثير ودم كثير وقد لا يتوقف كل ذلك لعقود عديدة قادمة.
وليس هدف هذه الورقة هو القاء الضوء على هذه الدهاليز ، ولا استكشاف الانفاق التي لا توجد ضرورة للبحث عن اي ضوء في نهايتها . ان هذا العبث السياسي لن يقودنا الى أية نتيجة منطقية ، وبالتالي فلن تكون هناك أية قيمة علمية لبحوث تركز على الجدل حول مدى شرعية او عدم شرعية ما حدث للعراق والعراقيين والاقتصاد العراقي منذ العام 1990 وحتى الآن .
ان هدف هذه الورقة لن يخرج عن اطار استعراض الآليات ذات الصلة بتطبيق أحكام الفصل السابع على العراق (ببعدها الاقتصادي) وستحاول قدر الامكان الابتعاد عن أية احكام مسبقة بهذا الصدد .
ان التجرد من الاوهام السياسية مهم بالنسبة لأقتصادي أخذ على عاتقه الكتابة في موضوع تم حشر الاقتصاد فيه حشراً، لا لشيء ,إلاّ لكون الاقتصاد هو الميدان الافضل للقتل , وهو الاطار الأمثل الذي يتيح للسياسيين (في الداخل والخارج) ممارسة ساديتهم الايديولوجية وما يترتب عليها من عواقب وخيمة على الشعوب المسالمة , المستعبدة ، العزلاء . ومن عاش في العراق خلال المدة 1990 _ 2003 يدرك جيدا ما يعنيه ذلك للماضي والحاضر . أما من امتد به العيش للمدة 2003 _ 2010 فيدرك جيدا ً ما يعنيه ذلك للحاضر والمستقبل.
ان الهدف الرئيس لهذه الورقة هو : أعادة طرح ملفات الديون والتعويضات المترتبة على العراق , والعراقيين ,على طاولة البحث والأهتمام ( الشعبي والرسمي والدولي ) من جديد .
أما فرضيتها الرئيسة فهي : ان العراق ( حكومة وشعبا ) , لن يخسر شيئا من أعادة الأهتمام بهذين الملفين من جديد, وعليه فقط أختيار المدخل المناسب , او المقاربة المناسبة , التي يعتقد خبراء القانون والسياسة والمال ,أنها الأسلوب الأمثل لفعل ذلك .
أولا ً: تعويضات الحرب و الغزو :اعادة انتاج الوقائع السيئة في تاريخ العلاقات الدولية .
1- على وفق بنود "معاهدة فرساي" التي ابرمها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الاولى في 28 تموز/يوليو 1919 تم ارغام المانيا على دفع تعويضات مالية ضخمة الى كل من بلجيكا وفرنسا اللتين دمرتهما الحرب ، اضافة لتعويضات أخرى لصالح دول التحالف.
هكذا اجبرت المانيا (التي عدت المذنب الوحيد في الحرب وفقا ً لهذه المعاهدة) على تسديد 269 بليون مارك ذهبي آنذاك (أي مايعادل 95 الف طن من الذهب) .
2- حاولت بعض دول التحالف التحالف تخفيض مبلغ التعويضات الى 112 بليون مارك ذهبي (أي اقل من نصف المبلغ الاجمالي المقرر بموجب معاهدة فرساي) . وجاء ذلك في صيغة مشروع عرض من خلال (ورقة داون) في العام 1924 ,ثم في (ورقة يونغ) في العام 1929 ، اضافة الى منح المانيا قروضا ً لمساعدتها في دفع اقساط تلك التعويضات. غير ان هذه المحاولة جوبهت باعتراض بقية الدول التحالف .
3- اقترح الرئيس الامريكي (هربرت هوفر) في العام 1932 (وبناءا ً على قرار اتخذه "مؤتمر لوزان" للدول المتحالفة) ، أعفاء المانيا من معظم ديونها. لكن الكونغرس الامريكي رفض هذا الاقتراح.
4- في العام 1953 وقعت دول الاتحاد السوفيتي ، الولايات المتحدة الامريكية، فرنسا ، وبريطانيا ، "اتفاقية لندن" التي نصت على تأجيل دفع الديون و التعويضات المترتبة على المانيا الى ما بعد توحيد شطريها في دولة واحدة.
5- بعد توحيد المانيا اعيد العمل باتفاقية لوزان لعام 1932 ، وذلك انطلاقا ً من حقيقة مفادها : "ان اجبار بلد مدين على دفع تعويضات بسبب الحرب ليس حلا ً للمشاكل الناجمة عن هذه الحرب ، لا بالنسبة لألمانيا ، ولا للدول الاخرى المتضررة من حربها تلك" .
6- خسرت المانيا (بموجب احكام معاهدة فرساي) 12%من مساحتها و 12%من سكانها (حيث أدخل نحو مليوني الماني ضمن حدود بولندا ، و 3.5 مليون الماني ضمن حدود جيكوسلفاكيا) , كما خسرت 15%من انتاجها الزراعي و 10%من صناعتها , و 74%من انتاجها من خامات الحديد ، وتقلصت مساحة سواحلها على بحر البلطيق وبحر الشمال.
7- قامت فرنسا في العام 1932 باحتلال "اقليم الدوهر" الالماني الغني بالمناجم بهدف ارغام المانيا على دفع تعويضات الحرب العالمية الاولى , وذلك بعد وقت قصير من اعلان المانيا توقفها على دفع هذه التعويضات.
8- كانت معاهدة فرساي عرضة لانتقادات مريرة من قبل بعض السياسيين والمؤرخين والاقتصاديين. وكان من بين هؤلاء "جون مينارد كينز" الذي عد التعويضات غير فاعلة في تحقيق الاهداف المرجوة منها.
9- وفي المقابل كانت فرنسا اكثر الدول حماسا ً لها ، بعَدّها التعويضات عاملا ً اساسيا ً في تجريد المانيا من قدرتها على شن حرب اخرى في المستقبل.
10- غير ان الذي حدث هو العكس تماما ً. فقد حاولت المانيا التنصل مرارا ً من دفع التعويضات (رغم دفعها لبعض اقساطها) ، ليس بسبب عدم قدرتها على الدفع ، بل لعدم قناعتها بها ، واعتقادها الراسخ بأنها لم تكن عادلة .
11- ولهذا السبب بالذات انتخبت غالبية الشعب الالماني "ادولف هتلر" مستشارا ً لألمانيا ، لمعارضته الشديدة لتلك التعويضات ، وعدم اعترافه بجميع قرارات مؤتمر فرساي.
وتأسيسا ً على ما تقدم من معطيات قام هتلر بايقاف دفع اقساط هذه التعويضات فور استلامه السلطة. في حين لم تدفع الحكومات التي سبقته غير 1/8 المبلغ الاجمالي المقرر لها.
12- لقد كان عبأ التعويضات ثقيلا جدا ً ، وعلى نحو يفوق قدرة المانيا على الدفع. وتسبب ذلك في تنامي مشاعر الكراهية والعداء لدى الشعب الالماني ازاء الشعوب الاخرى. وتفاقمت لديه النزعة العنصرية القومية المتطرفة ، وعقدة التفوق , والرغبة في تجاوز عقدة الاذلال الناجمة عن هزيمته في الحرب العالمية الاولى.
13- لهذه الاسباب (وغيرها) اندلعت الحرب العالمية الثانية ، وكانت فرنسا (بالذات) من اوائل الدول التي دفعت ثمنا ً فادحا ً من جراءها.
14- لم تترتب على ألمانيا اية تعويضات بسبب الحرب العالمية الثانية ( عدا التعوبضات ذات الصلة بأضطهاد اليهود ونزع ممتلكاتهم او تصفيتهم جسديا ً خلال تلك الحرب).
وبعد ان وضعت هذه الحرب اوزارها تمت محاكمة واعدام القادة الذين تسببوا باندلاعها ؛ ولم تتم معاقبة الامة الالمانية على ما ارتكبه قادتها من فظائع خلال تلك الحرب.
15- بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تم ارغام المانيا مرة ثانية على استئناف سداد تعويضات الحرب العالمية الاولى ، مع اعادة التأكيد على ان تلك الحرب لن تنتهي رسميا , إلا بعد الانتهاء من سداد جميع الاقساط المقررة.
16- دفعت المانيا 1.5 بليون مارك كتعويضات حرب حتى العام 1952 (اي ما يقرب من 357 مليون دولار طبقا ً لسعر الصرف في ذلك العام).
وتم تجميد الدفع بسبب فقدان المانيا لجزء من اراضيها نتيجة للحرب العالمية الثانية. وتم الاتفاق (كما أسلفنا) على استئناف دفع التعويضات بعد اعادة توحيد المانيا. وتم رفع هذا التجميد على طلبات التعويض في الثاني من تشرين الاول/اكتوبر 1990 ، على ان يتم الانتهاء من الدفع خلال عشرين عاما ً (اي في 3/ 10/2010).
17- وهذا يعني ان الحرب العالمية الاولى (بالنسبة لألمانيا) كانت لا تزال مستمرة (نظريا ً) لحين قيامها بدفع آخر قسط من أقساط التعويضات التي فرضها عليها الحلفاء كجزء من معاهدة فرساي (التي ابرمت في العام1919 ).
18- في 3/10/2010 سددت الحكومة الألمانية القسط الاخير من تعويضات الحرب العالمية الاولى ، بقيمة 90 مليون دولار امريكي (70مليون يورو) ، لتنتهي بذلك رسميا ً الحرب العالمية الاولى (على وفق احكام معاهدة فرساي).
19- امر الرئيس الايراني , السيد محمود احمدي نجاد , بتشكيل لجنة تتولى تقدير حجم الاضرار التي لحقت بايران نتيجة غزو قوات الحلفاء لأراضيها في العام 1941 وذلك تمهيدا ً للمطالبة رسميا ً بالتعويضات المترتبة عليها.وأكد على "ان ايران اصيبت بأضرار فادحة جراء غزو الاتحاد السوفيتي وبريطانيا لها اثناء الحرب العالمية الثانية بالرغم من وقوفها على الحياد". لذا يتوجب على القوات الحليفة (التي انتصرت في الحرب) دفع ثمن هذه الاضرار للأمة الايرانية.
وكان البريطانيون والسوفيت قد غزوا ايران في 26 آب/اغسطس 1941 بهدف احتلال حقول النفط الايرانية وتوفير خطوط امداد للقوات السوفيتية التي كانت تحارب قوات المحور آنذاك. وأدى ذلك الاحتلال الى شحة في الوقود والمواد الغذائية والى ارتفاع معدلات التضخم , بسبب منح الافضلية لسد احتياجات القوات الغازية على حساب الاحتياجات الأساسية للشعب الايراني.
وقال الرئيس الايراني مخاطبا ً غزاة الامس "لقد تسببتم بالكثير من الاضرار للأمة الايرانية ، واثقلتم على كاهل الشعب الايراني، ولكن عندما انتصرتم في الحرب لم تشاركو الشعب الايراني في الغنائم". و أضاف: "اذا كنت اقول لكم اليوم اننا نسعى الى تعويض كامل , فاعلموا اننا لن نكل او نمل ، بل سنسير الى نهاية الطريق حتى نحصل على هذه التعويضات".
كما حذر الرئيس الايراني من ان بلاده قد تطالب بتعويضها عن الاضرار التي اصابتها في الحرب العالمية الاولى ، وعن الدعم الغربي لنظام الشاه وعداوته لايران منذ اسقاط ذلك النظام عام1979 .
20- حددت ايران في 9/8/2010 مطالبتها للعراق بدفع التعويضات الناجمة عن خسائرها في الحرب العراقية الايرانية (1980-1988) .
وقطعت ايران شوطا ً مهما ً بهذا الصدد من خلال اعلان عضو لجنة الامن القومي في مجلس الشورى الاسلامي الايراني (السيد عوض حيدر بور) بان المجلس يتولى اعداد مشروع قرار يلزم الحكومة الايرانية بمتابعة قضية طلب تعويضات حرب من العراق ، موضحا ً: "بأن العراق لو أراد دفع التعويضات لايران على أساس سعر نفط مقداره 70 دولار للبرميل ، فأن عليه ان يمنح ايران مليون برميل يوميا ًعلى مدى خمسين عاما ً حتى يعوض جزءا ً من أضرار تلك الحرب".
ولم يحدد السيد "عوض حيدر بور" حجم التعويضات. غير ان عملية حسابية بسيطة يمكن ان توضح مدى جسامة التحديات الاقتصادية والسياسية المترتبة على المطالبة بها.. ويمكن ايضاح ذلك كما يأتي:
• مليون برميل من النفط يوميا بسعر 70 دولار للبرميل = 70 مليون دولار يوميا".
• 70مليون دولار يوميا ً على مدى 360 يوما ً = 25.200 بليون دولار سنويا ً (اي اكثر من ثلث اجمالي تخصيصات الموازنة العامة الفدرالية للعراق لعام 2010 والبالغة 73.378 بليون دولار.
• 25.200بليون دولار سنويا ً على مدى خمسين عاما ً = 1.260.000 (ترليون ومائتان وستون بليون دولار) ستعوض فقط جزءا ً من اضرار تلك الحرب..
• والسؤال هنا هو ماذا سيحدث لو قام مجلس الشورى الايراني بتقدير جميع اضرار تلك الحرب (وليس جزءا ً منها فقط ) وألزم الحكومة الايرانية بالمطالبة بها؟
• ماذا سيحدث لو ظهر متضررون آخرون من الحرب العراقية الايرانية؟
• ماذا سيحدث لو اصبح العراق يمتلك ثاني او ثالث اكبر احتياطي من النفط في العالم.. وزاد الانتاج وزادت الصادرات وارتفع سعر النفط ؟
• ماذا سيحدث لو انخفض سعر النفط او انخفض الانتاج او انخفضت الصادرات لمستويات اقل بكثير مما نتوقعها (حيث لا قدرة لنا على التحكم بها أصلا ً)؟
• رد رئيس بعثة الامم المتحدة في العراق (السيد اد ميلكرت ) على مطالبة ايران بالتعويضات عن خسائرها في الحرب العراقية - الأيرانية: "بأن بعثة الامم المتحدة في العراق لا تمتلك صلاحية النظر في مطالبة ايران بتعويضات من العراق عن الحرب التي استمرت ثماني سنوات" , موضحا ً "ان القضية من صلاحيات مجلس الامن الدولي" وان "لقضية التعويضات خصوصية تختلف من حالة الى اخرى".
أليس في كل ما تقدم عبرة لأحد ؟
أم أنه مجرد اعادة للوقائع المرة.. والمعطيات السيئة في تاريخ العلاقات الدولية , المعمد بالحروب والتعويضات ,والحصارات , والثارات والفوضى ، والخراب المستدام.
ثانيا ً : الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة : المواد ذات الصلة بالشأن الاقتصادي
يتضمن الفصل السابع ثلاثة عشر مادة (تبدأ بالمادة 39 وتنتهي بالمادة51) من مجموع مواد ميثاق الامم المتحدة (111مادة).
وتقدم مواد هذا الفصل اشارات ذات دلالة بالغة على تعمد ايقاع الخراب الشامل باقتصاد بلد ما من خلال التفسير المتطرف للأحكام ذات الصلة . ويمكن ايضاح ذلك بأيجاز من خلال اعادة طرحها كما هي , لكي يتم ايضاح الفرق بين الهدف من النص, وبين تأويل النص، على النحو الذي ذاق مرارته العراقيون (دون سواهم من الغزاة البرابرة) على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ان اساس العقوبات الاقتصادية ومصدر شرعيتها (الدولية) يرد في المادة 39 من ميثاق الامم المتحدة ونصها هو الآتي:
المادة 39 : "يقرر مجلس الامن ما اذا كان قد وقع تهديد للسلم او اخلال به. او كان ما وقع عملا ً من اعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته او يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير طبقا ً لأحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والامن الدولي ، او اعادته الى نصابه". انتهى النص.
والمادة 41 من ميثاق الامم المتحدة (وهي ثالث مادة في الفصل السابع من الميثاق) هي المادة التي تنص على "الاطار الردعي" (بشقه الاقتصادي) لدعم بقية البنود السياسية و العسكرية ذات الصلة بحالة محددة ، لغرض محدد ، وضمن مدى زمني محدد.
ونص هذه المادة هو الآتي :
المادة 41 : "لمجلس الأمن ان يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته، وله ان يطلب الى اعضاء الامم المتحدة تطبيق هذه التدابير. ويجوز ان يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا ً كليا ً أو جزئيا ً، وقطع العلاقات الدبلوماسية". (انتهى النص).
اما متى يتم استخدام القوة العسكرية لألحاق الخراب الشامل بمجتمع واقتصاد بلد ما , قررت قيادته "غير الشرعية" (على وفق توصيف المجتمع الدولي ذاته) غزو بلد آخر وارتكاب عمل من اعمال العدوان وما يترتب على ذلك من تهديد للسلم او اخلال به , فهو ما تشير اليه المادة 42 من الميثاق ونص هذه المادة هو الآتي :
المادة 42 : "اذا رأى مجلس الامن ان التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض ، او ثبت انها لم تفِ به ، جاز له ان يتخذ بطريق القرات الجوية والبحرية والبرية من الاعمال ما يلزم لحفظ السلم و الامن الدولي او لأعادته الى نصابه. ويجوز ان تتناول هذه الاعمال المظاهرات والحصر والعمليات الاخرى بطريق القوات الجوية او البحرية او البرية التابعة لأعضاء الامم المتحدة". (انتهى نص المادة).
هذه هي احكام الفصل السابع ذات الصلة بالردع الاقتصادي والعسكري - ( والتي يفترض ان تستهدف قادة الانظمة السياسية ,وليس الشعوب والدول والمجتمعات , المحكومة من قبل هذه الانظمة في اطار منظومات غير ديمقراطية , وشرعيات غير دستورية ) - التي تستعرض "ما يتخذ من الاعمال في حالات تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان".
فما الذي حدث فعلا ً على الارض ، مقابل هذه النصوص الملساء الصماء , المكتوبة بدم بارد، وعلى نحو سيؤسس لاحقا ً للخراب القادم العميم، ليس في العراق وحده ، وانما لأقليم الشرق الاوسط بأسره.
سنحتكم الى قوة الدلالة في بعض مواد ميثاق الامم المتحدة ذات الصلة.. والى بعض الوقائع المعلنة (على الصعيدين السياسي والاقتصادي).. لأن لا شيء اكثر مصداقية ومنطقية وتجردا ً عداها (حتى ساعة اعداد هذه الورقة).
عندما تم الاعلان عن ميثاق الامم المتحدة كانت ديباجته (ولاتزال) تتضمن ما يأتي :
نحن شعوب الامم المتحدة
وقد آلينا على انفسنا
أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي , في خلال جيل واحد , جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا ً يعجز عنها الوصف،
وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقَدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،
وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي،
وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قُدما ً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو ٍ من الحرية أفسح،
وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا
أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وان نعيش معا ً في سلام وحسن جوار،
وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي،
وأن نكفل بقبولنا مبادئ معيَّنة ورسم الخطط اللازمة لها ألاّ تستخدم في غير المصلحة المشتركة."
وورد في الفصل الأول من الميثاق (في مقاصد الهيئة ومبادئها) ما يأتي:
المادة 1
مقاصد الأمم المتحدة هي :
1- "حفظ السلم والامن الدولي، وتحقيقا ً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها, وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقا ً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي الى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
2- إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
3- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للناس جميعا ً، والتشجيع على ذلك إطلاقا ً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء."
فهل هذا هو ما يتطابق مع أحكام الفصل السابع من الميثاق؟
أو مع الطريقة التي تم بها تطبيق احكام هذا الفصل على العراق.
أم ان ما حدث منذ العام 1990 وحتى الآن - (وبعضه لم يطرح كل تداعياته على أرض العراق بعد,رغم كل هذا الذي حدث ) - يتطابق نصا ً وروحا ً مع ما ورد في نصوص ميثاق الامم المتحدة (الواردة أعلاه)..
نؤكد مرة أخرى ان الاجابة على بعض هذه الأسئلة (او جلها ) ليست من اختصاص هذه الورقة.. وتقع على عاتق المعنيين الآخرين بهذا الملف مسؤولية الاجابة عنها بمنتهى الموضوعية والصرامة والشرف المهني , بعيدا عن أية أحكام مسبقة.. ولاحقة.
ثالثا ً: الصندوق الخاص بتعويضات المتضررين من غزو الكويت
(التأسيس .. الآليات.. التبعات)
في 7 آب/أغسطس 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 660 لسنة1990 . وبموجب هذا القرار خضع العراق لأحكام الفصل السابع من الميثاق لأن حكومة العراق بغزوها للكويت أصبحت تشكل خطرا ً على السلام والأمن الدوليين.
وأصدر المجلس تباعا ً، وفي مدد زمنية قصيرة جدا ً، سلسلة من القرارات ذات الصلة بتطبيق العقوبات الاقتصادية المنصوص عليها في احكام الفصل السابع وهي :
- القرار رقم 661 في 3/8/1990 الذي تم بموجبه فرض حظر على العلاقات الاقتصادية للعراق مع الدول الأخرى وتجميد الاموال والاصول العراقية العامة والشخصية في الخارج.
- القرار رقم 665 في 25/8/1990 الذي تم بموجبه فرض الحصار البحري على العراق وقطع العلاقات الدبلوماسية معه.
- القرار رقم 670 في 25/9/1990 الذي تم بموجبه حظر الطيران المدني وحجز الطائرات والسفن العراقية في الموانئ العالمية.
وبعد ان تم استخدام القوة لأخراج القوات العراقية من الكويت , تم فرض نظام عقوبات دائمي على العراق لا علاقة له بأحكام الفصل السابع التي كان العراق خاضعا ص لها بفعل غزوه للكويت (وليس لأي سبب آخر). وكان واضحا ً جدا ً ان العراق الذي تم تدمير جميع بناه التحتية ومؤسساته المدنية وقدراته العسكرية لم يعد يشكل تهديدا ً على أحد (إلا على ذاته). ومع ذلك فقد قام مجلس الأمن باصدار القرار 687في3/4/1991والذي تم بموجبه وضع آليات محددة لترسيم الحدود مع الكويت ودفع التعويضات ونزع أسلحة الدمار الشامل العراقية.
وبموجب القرار 692 في 17/5/1991 أنشأ مجلس الأمن الدولي صندوقا ً خاصا ً بالتعويضات التي سيدفعها العراق للمتضررين جراء غزوه للكويت (من الدول والشركات والافراد في جميع دول العالم). ويتم دفع التعويضات على وفق الآلية التي تعتمدها لجنة التعويضات في الأمم المتحدة United Nation Compensation Commission.
وبموجب القرار رقم 705 في 14/8/1991 يتم تمويل صندوق التعويضات بايداع نسبة 30% من العائدات النفطية العراقية.
وبموجب القرار 706 في 14/8/1991 تقرر أن يقوم العراق بايداع النسبة المتبقية من هذه العائدات في صندوق خاص تحت اشراف مباشر من الأمين العام للأمم المتحدة.
ونتيجة لرفض العراق بيع نفطه على وفق الآليات الواردة في قراري مجلس الأمن رقم 706 و 712 لعام 1991 أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 778 في 11/10/1992 والذي تم بموجبه الاستيلاء على جميع الاموال العراقية في الخارج، بما في ذلك عائدات مبيعات النفط التي لم يتم استلامها بعد، والأموال المجمدة والمحجوزة لدى الدول الاخرى.
ويعترف مُعد هذه الورقة بأنه ليس مؤهلا ً للحكم على مدى تطابق احكام هذه القرارات مع القانون الدولي (بشقيه العام والخاص)، ولا على مدى شرعيتها الاخلاقية. غير ان أدنى مستويات الذكاء الانساني ستتمكن من الاقرار بعدم علاقة العديد من هذه القرارات (وخاصة تلك التي صدرت وطُبقت بعد العام1991 ) بمتطلبات واشتراطات تطبيق أحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
واذا تغاضينا عن فصول المأساة المريرة التي تكبدها العراقيون خلال المدة 1990 –1995(وتفاصيلها معروفة ومنشورة في المئات من الكتب والدوريات والوثائق، بما في ذلك وثائق الامم المتحدة ومنظماتها المختلفة), فان ما لا يمكن التغاضي عنه هو البحث , مثلا , في مشروعية القرار رقم 773 في 26/8/1992 الذي تم بموجبه اقتطاع جزء من الأراضي العراقية الغنية بالنفط ، وجزءا ً هاما ً من منافذه البحرية , وضمها الى الكويت , في سابقة لا مثيل لها في العلاقات الدولية .. وكيف يمكن أن يؤسس ذلك لعلاقات اقتصادية وسياسية طبيعية ومتوازنة بين شعبي البلدين الجارين , وبما يسهم في تطورهما الاقتصادي واستقرارهما السياسي , حاضرا ً ومستقبلا ً.
كما ان مُعد هذه الورقة لا يستطيع ان يفهم (وهو يسترجع ويلات القهر والإذلال وأمتهان الكرامة الوطنية للعراقيين طيلة السنوات 1990 - 2003 ) كيف يمكن لهذا "السلوك الدولي – الجمعي" المتطرف في عدائيته وساديته , ان يتسق مع ما ورد في الفصل التاسع – المادة 55 – الفقرات أ و ب و جـ و د من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على ما يأتي :
تعمل الأمم المتحدة على :
أ- تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي .
ب- تيسير الحلول للمشاكل الدولية , الاقتصادية والاجتماعية والصحية , وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم .
جـ- أن يشيع في العالم احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا ً.
وبموجب القرار 986 في 14/4/1995 سمح مجلس الأمن للعراق ببيع نفطه (بشروط وجدتها الحكومة العراقية اقل تعسفا ً من سابقاتها) بهدف تمويل احتياجات المواطنين الأساسية على وفق المبدأ الأممي الشهير "النفط مقابل الغذاء" . ومع ذلك فقد كانت اشتراطات ومحددات الاستيراد والتصدير بموجب القرار 1051 في 28/3/1996 صارمة الى الحد الذي تم فيه تفريغ العراق من كل عناصر قوته الاقتصادية , بحيث لم يكن قادرا ً على انتاج أي شيء ذو قيمة.. وتفاقمت الإختلالات الهيكلية .. وانتكس النمط التنموي .. وعاد العراق الى عصور ما قبل الصناعة. ومع ذلك فقد استمر العراق في دفع المزيد من التعويضات (مخصصا ً لها المزيد من الموارد).. كما استمر إخضاعه لأحكام الفصل السابع من الميثاق.
ان تخفيض نسبة الاستقطاعات في العوائد النفطية المخصصة لصندوق التعويضات من 30%الى 20%ثم الى 5% من اجمالي العائدات النفطية (بعد احتلال العراق في العام2003 ) لا تعني انخفاضا في الاحجام المطلقة لهذه التعويضات. فزيادة حجم الصادرات النفطية أو ارتفاع أسعار النفط (أو كلاهما معا ً) سيشكلان العامل الحاسم في تقرير حجم المبالغ المودعة او المخصصة لهذا الصندوق.
لهذا لم يكن مجلس الأمن ليسمح للعراق بزيادة مبيعات النفط إلاّ بهدف ضمان الأبقاء على حجم الاستقطاع ضمن حدوده المطلوبة. وكان هذا هو الهدف الرئيس من صدور القرار 1153 في 20/1/1998 , وليس تلبية المزيد من الاحتياجات الاساسية للمواطنين العراقيين , الذين كان يفتك بهم الجوع والقهر والمرض , في متلازمة ليس لها نظير في أي بلد آخر على مشارف القرن الحادي والعشرين.
رابعا ً : الأشكاليات المتعلقة بتحديد أضرار الغزو , وحجم التعويضات المترتبة عليها
تواجه قضية التعويضات اشكاليات عديدة تتعلق بمدى دقة ومصداقية البيانات والمعطيات ذات الصلة . ويمكن أيضاح ذلك بما يأتي:
1_ لايمكن تحديد حجم المطالبات والتعويضات بدقة . وعلى وفق الآلية التي تعتمدها لجنة التعويضات , فأن على العراق دفع تعويضات عن كل الأضرار والخسائر التي لحقت بالدول والأفراد والشركات , أثناء الحرب أو بسببها , في أي مكان من العالم , وتحميل العراق مسؤولية هذه الخسائر والأضرار , حتى لو كان المتسبب في حدوثها قوات الحلفاء , عن خطأ أو دون مبرر . كما يجب على العراق أن يعوّض حتى الأضرار التي نجمت عن جرائم أرتكبها في الكويت مجرمون عاديون . فلجنة التعويضات لاتسأل عن هوية مسبب الضرر. انها فقط تتثبت من وقوعه , فأن ثبت ذلك , وجب على العراق دفع التعويض , حتى لو لم يكن هو المتسبب فيه .
وبآ لية عملها هذه سرعان ماتحولت لجنة التعويضات الى " خلية سرية " خارجة كليا عن سيطرة من قام بتشكيلها أصلا . وسيتضح لنا ذلك من خلال أستعراض آليات عملها , التي سنشير الى أهمها في أدناه :
• عندما تم فتح باب تقديم طلبات التعويض ( أمام المتضررين المفترضين ) , عرض على اللجنة 2600000 (مليونان وستمائة ألف طلب تعويض ) , يطالب العراق بموجبها بدفع مايقرب من300 بليون دولار أمريكي.
• لم تكن اللجنة تخضع لرقابة حقيقية من مجلس الأمن الدولي , وكان الأمريكيون والبريطانيون يسيطرون على المناصب الرئيسة والحاكمة فيها .
• لاتتضمن آلية عمل اللجنة الحد الأدنى من المهنية والعدالة : ففيها موظفون يفحصون طلبات التعويض , وفيها فريق من ثلاثة خبراء يقدرون حجم الضرر , ثم تقرر اللجنة مقدار التعويض بموجب قرار نهائي غير قابل للطعن والأستئناف ( حتى وأن ثبت لاحقا , وبالدليل القاطع , عدم صحته ) . والمثال الصارخ على ذلك هو قرار اللجنة منح شركة النفط الكويتية تعويضا قدره 16 بليون دولار ,في حين ان التقرير المقدم للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الصدد يقدر خسائر الشركة بخمسة بليون دولار لاغير ( وقدرها خبراء آخرون بأربعة بليون دولار فقط ). وهذا يعني ان هامش الخطأ في حساب الأضرار في الستة عشر بليون دولار يصل الى اثنى عشر بليون دولار , لهذه الحالة وحدها .
• كشف تقرير لجهاز الرقابة والتفتيش التابع للأمم المتحدة عن مخالفات جسيمة في عمل اللجنة , ومنها : قبول طلبات تعويض غير موقعة , ومغالطات في تسجيل الوقائع , ومنح تعويضات لأشخاص بأكثر مما طالبوا به, أو منح تعويض للضرر ذاته أكثر من مرة . وقدر حجم التعويضات المدفوعة , وغير المستحقة , بأكثر من خمسة بليون دولار .
• تم تقدير نسبة الخطأ في بيانات اللجنة ذات الصلة بتقدير حجم الضرر ب20% . فاللجنة تمنح تعويضاتها عن تدمير الممتلكات بما يعادل سعر شرائها الأصلي , وليس قيمتها الفعلية عندما تعرضت للتدمير ( وكأن كل شيء كان جديدا في الدول المتضررة يوم 2 آب / أغسطس / 1990 ).
• منحت اللجنة بعض مقدمي طلبات التعويض فرصا لتحسين ملفاتهم للحصول على الحد الأقصى من التعويضات .
• أنحياز اللجنة الى جنسيات معينة عند منح التعويضات ( أو عند تقدير نسبة وحجم الضرر ) . فقد منحت اللجنة تعويضات لناد بريطاني للغوص , ولسلسلة فنادق في الهند , ولدور سينما في الباكستان ( بسبب تناقص عدد الرواد نتيجة للغزو ) , وحصلت طلبات تعويض اسرائيلية ( تتضمن فنادق وباعة خضار ومحلات للورود ) على كل ماارادت . فيما لم تحصل الطلبات المصرية المماثلة على أي شيء .. وأن حصلت , فأن التعويض لم يكن بذات السخاء للحالات المماثلة المقدمة من جنسيات اخرى .
• عندما بات واضحا ان اللجنة ( حتى بمعاييرها المعتمدة هذه ) ستوافق على 60%_ 70%فقط من طلبات التعويض الكويتية , تدخل ممثل الولايات المتحدة الأمريكية في اللجنة بهدف " تغيير القواعد " , وأعلن ان الأسلوب المتبع في عمل اللجنة " ليس جيدا , ويجب تغييره" . وحصل ذلك بالفعل . وتمت الموافقة من جديد على 100%من طلبات التعويض الكويتية .
• خلال اول أربع سنوات من عملها , تلقت لجنت التعويضات 10.7 بليون دولار لدفع التعويضات , مقابل 8.8 بليون دولار تم تخصيصها لشراء مواد الأغاثة الانسانية لسكان وسط وجنوب العراق , خلال المدة ذاتها.
• حرمت اللجنة ممثلي العراق من حضور المرافعات . كما حرم العراق من الأطلاع على وثائق وملفات المطالبات. ولم يسمح لممثل العراق بالحضور في جلسات لجان المفوضين الا في حالات نادرة واستثنائية ولمدة قصيرة , وبهدف الأجابة على أسئلة محددة .
• وافقت اللجنة , في حالات معينة , على مبالغ للتعويض تزيد عما هو مذكور في أصل المطالبة . وعلى سبيل المثال : طالبت اللجنة الوطنية الكويتية الخاصة بأسرى الحرب والمفقودين بمبلغ 58 مليون دولار , ومنحتها اللجنة 153 مليون دولار ( أي أكثر من ضعف المبلغ المطالب به أصلا ) . كما فشلت اللجنة ( في حالات معينة ) في التحقق من مدى دقة المطالبات . ولاحظت دول معينة ( مثل سريلانكا والهند ويوغسلافيا والبوسنة ) ان اللجنة قامت بتعويض مطالبين مرتين عن ذات المطالبة في 575 حالة .
• ان المبالغ التي أقرتها اللجنة , او التي ستقررها , او التي ستدفع لاحقا , لايمكن التنبوء بمقدارها . فمجلس الأمن لم يحدد سقفا لهذه التعويضات , في حالة فريدة , لم يسبق لها مثيل .
2- لم يقتنع العراق , ولم يقبل قرارات لجنة التعويضات , بأرادته , ( حتى لحظة أعداد هذه الورقة ) . ومن وجهة نظر حكوماته المتعاقبة منذ العام 1990 وحتى الان , فأن هناك تعسفا في استخدام الحق الذي خولته الأمم المتحدة لها. وبالتالي وبالتالي ستبقى التعويضات (بأرقامها المقررة والمدفوعة فعلاً) مجرد أستقطاعات قسرية من أصول تم الاستحواذ عليها بالقوة وايداعها في صندوق التعويضات (وهو أمر اشبه بالقرصنة ، ولم يسبق له مثيل في العلاقات الدولية ، في اكثر مراحلها توتراً , وعدوانية ).
3- لاتوجد ضمانة لعدم التقدم بطلبات جديدة للتعويض والمصادرة (من قبل الافراد والشركات والدول) فور رفع الحصانة عن الاموال العراقية ، أو فور اخراج العراق من الفصل السابع . وهذا يعني ان العراق سيجد نفسه امام ارقام وأحجام اخرى للتعويضات هي غير الارقام المعلنة الان.
4- لايعترف العراق ببعض المطالبات التي أضفت عليها الدول بعض الدائنة صفة القروض بعد العام 1991 ، بينما كان العراق يتعامل معها كمنح قبل ذلك العام . وهذا التغيير في طبيعة المبالغ التي استلمها العراق كمنح قبل العام 1991واصبح مطالباً بها (كديون) بعد العام 1991هو حصيلة المواقف السياسية المتطرفة للكثير من الدول ، وأهمها الدول العربية ذات الصلة ، (مع أو ضد النظام السابق) . ولاتمتلك هذه المطالبات (عدا ذلك) اية صفة قانونية تلزم العراق بالاعتراف بها طوعاً ، الا اذا تم تمرير ذلك من خلال عقود الاذعان السياسية المتجسدة في قرارات الامم المتحدة ذات الصلة.
5- ويبدو ان غزو الكويت من قبل النظام السابق في العام 1990 قد ألحق اضرارا ً فادحة بأكثر من نصف دول العالم , وبعدد لا يحصى من مواطني هذه الدول , وخلـّف ندوبا ً لا تحصى في الذات العربية (قبل غيرها من ذوات الاقوام الأخرى) .
وبذلك تحولت قضية التعويضات من قضية حق , الى قضية انتقام من شعب , لم يكن مسؤولا ً في كل الاحوال عن حماقات قيادته السابقة , وحماقات القيادات الاخرى التي كانت تتعامل معه (سرا ً وعلنا ً) , والتي ينبغي ان تتقاسم معه مسؤولية ما حدث , وما سيحدث .. ولو بعد حين .
ولاتتوفر لدينا تقديرات او بيانات موثوقة عن حجم التعويضات التي دفعها العراق ( او التي لايزال ملزما بدفعها ) للأفراد والشركات والدول المتضررة , جراء غزوه للكويت في العام 1990 .
وعلى وفق افضل البيانات المتاحة فأن العراق كان قد سدد اكثر من 20 بليون دولار للمتضررين ( المفترضين ) من الغزو لغاية العام 2005 . في حين لايزال مطالبا بدفع أكثر من 33 بليون دولار أخرى , تمت المصادقة على الطلبات المتعلقة بها من خلال لجنة التعويضات , ومنها 15.9 بليون دولار تم أقرارها كتعويضات لشركة النفط الكويتية وحدها .
ولغاية العام 2010 سدد العراق للكويت 30.15 يليون دولار كتعويضات , فيما تناهز قيمة المبلغ المتبقي 22.3 بليون دولار . وهذا يعني ان التعويضات المستحقة للكويت وحدها , من قبل لجنة التعويضات , تزيد عن 50 بليون دولار .
وتم دفع عدة بليونات لدول عربية اخرى غير الكويت ( أهمها الأردن ومصر ) .
ومنذ احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في نيسان / ابريل / 2003 ولغاية تموز / يوليو/ 2005 سدد العراق مايقرب من 2.4 بليون دولار للمتضررين من غزوه للكويت ( وهو مايزيد على حصة وزارات الصحة والتعليم من تخصيصات الموازنة العامة الأتحادية خلال تلك المدة ) .
ولايزال العراق مطاردا بالمزيد من مطالبات التعويض الكويتية , ولدرجة اضطر معها الى تصفية شركة طيرانه الوطنية الوحيدة بهدف الافلات من جزء يسير من التعويضات المترتبة عليه لصالح شركة الخطوط الجوية الكويتية .
وفي قادمات الأيام سيتقدم آخرون بطلبات اخرى للتعويض عن خسائرهم جراء غزو العراق للكويت , أو جراء غزوات اخرى , لم تتضح معالمها , ولم يحدد , من غزا من , فيها , بعد .
غير ان بامكاننا الجزم , بأن معظم هذه التعويضات , سيطالب بها الأشقاء العتيدون .. قبل الأصدقاء القدامى . والأعداء القدامى .. قبل الأصدقاء الجدد . وأن غدا لناظره قريب .. بل وقريب جدا .
تأسيسا على ماتقدم .. هل ثمة مايمكن عمله من الجانب العراقي لمواجهة ملف التعويضات , وتبعاته السلبية , والمفتوحة على كل الأحتمالات ؟
ان النجاحات في التعامل مع ملف التعويضات , تصنف الى صنفين : نجاحات قضائية ( قانونية ) , ونجاحات دبلوماسية .
وبقدر تعلق الأمر بالعراق , فأنه بحاجة الى فريق خبراء على مستوى عال من الكفاءة والمهنية في الشؤون القانونية والمالية , ليتمكن ( على الأقل ) من دفع مجلس الأمن ( أو أي لجنة من لجانه المتخصصة ) الى أعادة التحقق من مدى دقة ومشروعية ماتم دفعه من موارد العراق الى لجنة التعويضات ( والى المستفيدين من قراراتها خلال مدة عملها ) , ورفع مطالبات مضادة بأستعادة مايمكن أستعادته من مبالغ التعويضات التي تم دفعها (للحكومات والشركات والأفراد) خلافا للأسس والمعايير التي تشكلت اللجنة ( أو مارست عملها ) على أساسها , والعمل على أبطال ماتبقى منها , أو تخفيض مبالغها .
أما على الصعيد الدبلوماسي , فلم يحقق العراق أي نجاح يذكر , بأستثناء تطمين الحكومة الكويتية بصدد التزام العراق التام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة , ودعوتها للتعاون من أجل تسوية ملف الحدود المشتركة , والسعي الى التوصل الى تفاهمات بصدد مقايضة الديون ( وماتبقى من التعويضات ) بمنح المستثمرين الكويتيين تسهيلات أستثمارية مغرية .
غير ان الجهد الدبلوماسي , ( وبغض النظر عن تقديرنا للنتائج المرجوة منه ) لاينبغي ان يعمل بمعزل عن الجهد القضائي . فعدالة أي قضية تتطلب وجود السند القانوني الداعم لها , والموثق لعدم عدالة القضايا المناقضة لها . لقد دفع العراقيون ثمنا باهضا لقضايا خسرها قادتهم ( بأعتبارها قضايا شخصية ) , وليست قضايا وطنية . ولست ضليعا في القانون الدولي , العام والخاص , وبما يؤهلني لتسمية هذه الأشياء بمسمياتها , ومرادفاتها القانونية الصحيحة , ولكنني ضليع بالثمن الفادح والمر الذي دفعه العراقيون جميعا من اجل تسديد فواتير الطغاة , والتعويض عن الخسائر الناجمة عن حروبهم العبثية . واعتقد ان افضل مدخل للدبلوماسية هو الأفصاح عن ضخامة الخسائر التي تكبدها العراقيون (والعراق ) جراء حروب لم يتسببوا بها أصلا , وكانوا , هم , وليس غيرهم , ضحيتها الوحيدة .
ان الكويت تواصل نجاحاتها القانونية والدبلوماسية في ملفاتها الشائكة مع العراق ( ومنها ملف التعويضات ) . فأضافة الى حصولها على حكم قضائي بالحجز على طائرات الخطوط الجوية العراقية , ومنع ماتبقى منها من القيام برحلات جوية حول العالم , فقد تمكنت أيضا من زيادة مبلغ التعويض عن الطائرات المدنية التي استولى عليها النظام السابق من 150 الى 500 مليون دولار .
ان على الحكومة العراقية أدراك حقيقة مفادها أن سعي الكويت الحثيث ( والمحموم حتى هذه اللحظة ) الى تضخيم ملف التعويضات ( ماليا وسياسيا وقانونيا ) وتأطيره دستوريا , وربطه ربطا وثيقا بحقوق للشعب الكويتي , لايمكن (بل ولاتتجرأ أية حكومة ) عن التنازل عنه ( كلا او جزءا ) , وتكريس المطالبات الخاصة به بقوة القانون , وشرعنة هذه المطالبات داخليا , واستمرار الاعتراف بها ( والتعاطف معها ) دوليا ... ان هذه المعطيات كلها لاتترك للعراق أية فرصة للخروج من طائلة عقوبات الفصل السابع من الميثاق , الا اذا قرر (وبأرادة سياسية قوية ) أعادة فتح هذا الملف من جديد ( وبمطالبات عراقية هذه المرة ) , مدعوما بالمتغيرات الجديدة في الحالة العراقية ( وهي عنصر نقض للقرارات الأممية السابقة , لم تتم الأستفادة منه في نقض أي قرار أممي سابق حتى الآن ) , وعدم الركون الى النيات الطيبة , ودعوات الصفح والتسامح ( عن أخطاء ارتكبتها حكومات سابقة , وحكام سابقون , قبل عشرين عاما من الآن) .
ان مباديء الأقتصاد السياسي , ومباديء السياسة الدولية (معا ) , لايتضمنان في قاموسهما , مفردات ساذجة كهذه , لانها تنطوي على مفارقات تناقض المنطق السليم لأدارة الملفات العالقة بين الدول والحكومات ( حتى وان كانت دول جارة .. وحكومات شقيقة ) . ومنطلقات كهذه لن تترتب عليها أية نتائج منطقية , او منافع ملموسة للجانب العراقي مهما طال الزمن . وهذا هو ماافرزته تجربة العراق مع هذا الملف ( ومع غيره من الملفات العالقة مع الآخرين ) طيلة العشرين عاما الماضية .
ونعيد التأكيد هنا على ان قيام العراق برفع دعاوى مضادة , تطعن في صحة المطالبات السابقة بالتعويضات , وتوثيق هذه الطعون بأحكام قضائية , لايتعارض مع السعي لأقامة أفضل العلاقات الدبلوماسية مع الكويت . لقد تضرر العراق كله , باكثر مما تضرر اي بلد أوشعب أومجتمع اخر, من تلك الحروب , وتلك التعويضات . وسيكون من السهل جدا تأطير هذه الدعاوي المضادة بمطالبات شعبية , لن تستطيع , ولن تتجرأ , اية حكومة منتخبة على تجاهلها , مهما كانت طبيعة علاقتها بالدول ذات العلاقة بهذه الملفات . فالكويت ذاتها تعمل على هذين المسارين معا : علاقات دبلوماسية وسياسية وأقتصادية جيدة مع النظام الجديد في العراق , والعمل في ذات الوقت على عدم ابداء اية مرونة , قد تؤدي , الى عدم حصولها على حقوقها ( وحقوق مواطنيها ) في التعويضات, كاملة , غير منقوصة .
ان المساران متكاملان , ووثيقا الصلة ببعضهما البعض . وتحقيق التقدم فيهما معا , هو الذي سيحدد قوة الموقف التفاوضي من الملف الأهم التالي , وهو : اخراج العراق من طائلة عقوبات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
خامسا ً : صندوق تنمية العراق : نمط إدارة الموارد والتنمية والدين 2003 - 2010
1- بعد دخول القوات الامريكية الى اراضي العراق واحتلاله في العام 2003 صدرت مجموعة اخرى من قرارات مجلس الامن , وجميعها تؤكد بشكل او بآخر على أبقاء العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. ومن اهم هذه القرارات القرار رقم 1483 لسنة 2003 الذي أكد على ان العراق بلد محتل , وان القوات الاجنبية فيه هي قوات محتلة. ويعني هذا (من جملة ما يعنيه) ان الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها قوة محتلة ستكون هي المسؤولة عن حماية موارد واموال واصول البلد الذي تقوم باحتلاله , في الداخل والخارج.
2- وتضمن هذا القرار ترتيبات محددة بشأن ايداع العائدات من مبيعات صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق وأهمها : نقل سلطة ادارة عمليات الانفاق من عائدات النفط العراقية من الأمم المتحدة الى صندوق تنمية العراق (الفقرة 20 من القرار) .كما تضمن ترتيبات اخرى بشان قيام المجلس الدولي للمشورة والمراقبة برصد صندوق تنمية العراق , ومساعدة حكومة العراق على كفالة توخي الشفافية والعدل في استخدام موارد العراق لما فيه منفعة الشعب العراقي (الفقرة 22 من القرار).
3- في هذا السياق صدر القرار 1790 لسنة 2007 متضمنا ً ما يأتي:
ــ التسليم بالدور المهم لصندوق تنمية العراق والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة على وفق احكام القرار 1483 (المشار اليها في الفقرة 7- أعلاه).
ــ تمديد هذه الترتيبات حتى 31 كانون الاول/ديسمبر 2008 . وهذا يعني بقاء احكام الفقرة 22من القرار 1483 سارية (حتى ذلك التاريخ) على كل ما يتعلق بالاموال والاصول والموارد الاقتصادية العائدة للعراق.
ــ تمديد ولاية القوة متعددة الجنسيات (على نحو ما حددت بالقرار 1546 لسنة2004 ) حتى 31 كانون الاول/ ديسمبر 2008 , والاعلان عن الاستعداد لانهاء هذه الولاية في وقت اقرب اذا طلبت حكومة العراق ذلك.
ويشير هذا القرار (كـسابقاته) الى "ان الحالة في العراق لا تزال تشكل تهديدا ً للسلام والامن الدوليين" . وهذا يعني (بداهة ً) استمرار وضع العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
4- في 7كانون الاول/ديسمبر 2007 وجه رئيس وزراء العراق رسالة الى مجلس الامن الدولي يؤكد فيها على ما ياتي:
ــ طلب الحكومة العراقية "تمديد تفويض القوة متعددة الجنسيات طبقا ً لقرارات مجلس الامن 1546 (2004) و 1637 (2005) و 1723 (2006) والرسائل الملحقة لها لمدة 12 شهرا ً ابتداءا ً من 31 كانون الاول/ديسمبر 2007" (اي لغاية 31/12/2008).
ــ ان طلب التمديد هذا سيكون "هو الطلب الاخير" للحكومة العراقية بهذا الصدد.
ــ ولهذا فان الحكومة العراقية "تتوقع ان يكون مجلس الامن قادرا ً على التعامل مع الحالة في العراق بدون اتخاذ اجراء مستقبلي بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة".
ــ وادراكا ً من الحكومة العراقية لأهمية احكام الفقرة 22 من القرار 1483 , فان العراق يطلب من مجلس الامن بان يستمر في تطبيق احكام هذه المادة حتى 31/كانون الأول /ديسمبر 2008 بما في ذلك مايتعلق بالأموال والأصول والموارد الأقتصادية المذكورة في الفقرة 23من القرار 1483 .
ــ تؤكد حكومة العراق على اهمية استعادة الاموال والاصول العراقية المودعة في الخارج. وتطلب من مجلس الامن مراجعة قراراته الخاصة بايداع نسبة خمسة في المائة من عائدات العراق النفطية في صندوق التعويضات (على وفق احكام القرارات ذات الصلة) باتجاه تخفيض النسبة الى اقل حد ممكن بسبب ما تشكله هذه النسبة المرتفعة من اعباء مالية ثقيلة على العراق (خاصة في ظل ظروف العراق القائمة من جهة وارتفاع اسعار النفط من جهة اخرى).
وتأسيساً على ما تقدم فان حصانة موارد صندوق تنمية العراق ستنتهي بنهاية مدة صلاحية القرار رقم 1790 في 31/12/ 2008 ,وان طلب الحكومة العراقية عدم تجديد هذه الصلاحية (من اجل انهاء وضع العراق تحت احكام الفصل السابع من الميثاق) يعني رفع الحصانة عن الاموال والموارد والاصول العراقية في الخارج وتركها عرضة لمطالبة الدول الاخرى بالتعويضات.
وهكذا وضعت الحكومة العراقية نفسها امام خيارات معقدة للخروج من هذا المأزق من بينها (على سبيل المثال) الطلب من مجلس الامن اصدار قانون خاص لحماية الاموال والاصول العراقية في الخارج. ولكن هذا الطلب ينطوي على مفارقة مفادها انه اذا كان العراق مصرا ً على سيادته فان عليه مواجهة معارضة الدول الاخرى لهذا القرار باعتباره "دولة سيادية خاضعة للمحاسبة". وهذه المحاسبة تمتد لعقود من تجاوزات الدولة العراقية على الآخرين (افرادا ً ودولا ً ومؤسسات). ولا يمكن اعفاء الحكومة الحالية من هذه الالتزامات الا بموجب قرار جديد من مجلس الأمن يحظى بموافقة جميع الاطراف (وخاصة الدائنة منها).
والخيار الآخر هو" تشكيل لجان ثنائية خاصة " مع الدول التي تطالب العراق بدفع التعويضات (على غرار التسويات الخاصة بالتزامات الاتحاد السوفيتي السابق) .
ويعتقد السيد ساترفيلد (منسق الشؤون العراقية في وزارة الخارجية الامريكية) بان هذا الخيار ينطوي على اجراءات وعمليات طويلة ومعقدة قد لا تاتي بالنتائج المتوخاة منها مع جميع الاطراف.
5- نصت المادة الخامسة والعشرون من "اتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق" على ما يأتي :
- الاعتراف "بالتطورات الكبيرة والايجابية في العراق"
- وبان "الوضع في العراق يختلف اساسيا ً عن الوضع الذي كان قائما ً عندما تبنى مجلس الامن الدولي القرار رقم 661 (1990).
- "وان الخطر الذي كانت تشكله حكومة العراق على السلام والامن الدوليين قد زال".
- وان الطرفين يؤكدان في هذا الصدد انه مع انهاء العمل (يوم 31/12/2008) بالولاية والتفويض الممنوحين للقوات متعددة الجنسية بمقتضى الفصل السابع (المتضمن بقرار مجلس الامن الدولي رقم1790 ) فان العراق ينبغي ان يسترد مكانته القانونية والدولية التي كان يتمتع بها قبل تبني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 (1990).
- والتساؤل المهم هنا هو كيف يمكن للولايات المتحدة ان تعمل على تنفيذ كل ذلك من خلال احكام هذه الاتفاقية؟
والاجابة ستكون من خلال قيام الولايات المتحدة بـ "بذل افضل الجهود" لأنهاء خضوع العراق لاحكام الفصل السابع (كما وردت نصا ً في المادة الخامسة والعشرون من الاتفاقية) , وضمان الولايات المتحدة "بذل اقصى الجهود" في سبيل تمكين العراق من تحقيق اهداف غاية في الاهمية لاستقراره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي (كما وردت في نص المادة السادسة والعشرون من الاتفاقية) , ومن هذه الجهود مايأتي :
- الاستمرار في الحفاظ على موارد العراق من البترول والغاز وموارده الاخرى والحفاظ كذلك على اصوله المالية والاقتصادية في الخارج , بما في ذلك موارد صندوق تنمية العراق.
- دعم العراق لاعفائه من الديون الدولية الناتجة عن سياسات نظام الحكم السابق.
- دعم العراق للتوصل الى قرار شامل ونهائي بشأن مطالبات التعويض التي ورثها العراق عن نظام الحكم السابق ولم يتم البت فيها بعد , بما في ذلك متطلبات التعويض المفروضة على العراق من قبل مجلس الامن الدولي.
- يمارس رئيس الولايات المتحدة سلطاته لتوفير الحماية لصندوق تنمية العراق ولممتلكات اخرى معينة , يملك العراق نصيباً فيها, من العمليات القضائية الامريكية. وستبقى الولايات المتحدة ملتزمة بشكل كامل وفعال مع الحكومة العراقية فيما يتعلق باستمرار هذه الحماية , وبخصوص تلك المطالبات.
وبعد ما يقرب عن عامين على دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ , فأن بالأمكان رصد مردوداتها ( بقدر تعلق الأمر بموضوع هذه الورقة ) كما يأتي :
• أن حكومة الولايات المتحدة الامريكية ربما تكون قد بذلت "افضل جهودها" و "اقصى الجهود" الممكنة في سبيل مساعدة العراق على تنفيذ حزمة الاهداف الواردة في بنود الاتفاقية.
• وربما مارس رئيس الولايات المتحدة الامريكية (أو سيمارس) سلطاته لتوفير الحماية لايرادات صندوق تنمية العراق وغيره من الاصول والاموال العراقية في الداخل والخارج.
• ربما كان ذلك صحيحا .ً غير انه سيبقى صحيحا ً وفق معايير الادارة الامريكية ـ (وهي غير المعايير الحكومية العراقية بالتاكيد) ـ وهذه المعايير ستتم صياغتها في نهاية المطاف بما يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية ، وتامين متطلبات أمنها القومي على امتداد العالم، وليس في العراق وحده.
• لهذا لم يتقدم العراق خطوة واحدة باتجاه الخروج من احكام الفصل السابع من الميثاق (بعد دخول هذه الاتفاقية حيز التطبيق).
• ولا زالت عملية تنمية الاقتصاد صعبة ومتعثرة.
• ولا يزال العراق يدفع تعويضات حرب الخليج الثانية. وربما سيدفع مستقبلا ً تعويضات حروب الخليج الاخرى ، والاولى منها تحديدا ً، (وهذه الاحتمالية ليست واردة فقط بل وقائمة أيضا ً استنادا ً لمطالبة ايران للعراق بدفع تعويضات عن أضرار الحرب العراقية الايرانية، وعلى وفق التفاصيل التي سبق ذكرها في هذه الورقة).
• ان العراق في نهاية هذه الأنفاق كلها، لم يعد يشكل "خطرا ً لا يزول على السلام والامن الدوليين" ، ولم يعد قادرا ً على تهديد جيرانه ، (بل لم يعد قادرا ً حتى على الرد على تهديداتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية) ... وانما أصبح (مع تعثر أداءه الاقتصادي ، وحجم الفساد المستثري فيه، وعدم توفر الارادة السياسية اللازمة لاعادة بناء الاطر المؤسسية – القانونية لدولته ، واستدامة ازمته السياسية، وتخبط وعدم فاعلية حكوماته المتعاقبة، وتمزق نسيجه المجتمعي) يشكل فقط خطرا ً داهما ً على ذاته ووجوده، وليس على أي "ذوات" اخرى.
• ان جميع هذه المعطيات (السياسية – الاقتصادية – الجيوستراتيجية) قد تدفعنا الى الاعتقاد بوجود أجندات دولية – اقليمية تدفع باتجاه تحويل العراق من "دولة مارقة" قبل الاحتلال ، الى "دولة هشة" بعده.
• وهذه الهشاشة المرتبطة اساساً باشتراطات وخصائص المراحل الانتقالية (خاصة اذا كان هذا الانتقال قسرياً) , جعلت الدولة العراقية الجديدة تتخبط في سيل جارف من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , بكل ما يتضمنه هذا التخبط من فشل في ايجاد الحلول المناسبة لمشكلاتها (المزمنة والمستعصية هذه) في الداخل – ومع الخارج.
• وواحدة من اسوأ كوابيس الحكومات العراقية المتعاقبة (بعد الاحتلال الامريكي) هو اجبار او قسر "الدولة الهشة الجديدة" على احترام التزامات وديون "الدولة المارقة" السابقة عليها (رغم كل ما فيها من جور وتعسف) .. وعلى نحو يُرضي المجتمع الدولي (الدائن لها) .. و ذلك مادامت (هذه الدولة الجديدة) مصّرة على كونها "دولة ذات سيادة".
• وحتى الآن لم تتمكن حكومات العراق المتعاقبة من كسر اشتراطات واستدامة هذه الحلقة المفرغة ; ان لم تكن تؤسس احيانا ً (وعن وعي او دون وعي) لديمومتها العبثية , وما ينتج عن ذلك من خراب عميم.
6- وبصدد نمط التصرف بموارد صندوق تنمية العراق فأن "لجنة مراجعة حسابات صندوق تنمية العراق كانت قد أفادت في تقاريرها ذات الصلة بمهامها الاساسية بوجود بعض القصور فيما يتعلق بضعف السيطرة على استخدام موارد الصندوق بصورة سليمة. كما ان "مكتب المفتش العام الخاص لاعادة اعمار العراق SIGIR " قد رصد العديد من المخالفات، وأصدر العديد من الارشادات بصدد السياسات اللازمة لتعزيز المحاسبة والمساءلة عن اموال الصندوق التي قام بادارة انفاقها الجيش الامريكي في العراق.
7- ينص قرار مجلس الأمن المرقم 1859 لسنة 2008 على تمديد الترتيبات المحددة في الفقرة 20 من القرار 1483 لسنة 2003 حتى 31 كانون الاول/ديسمبر 2009 . كما أصدر مجلس الامن بيانا ً في 13 نيسان/أبريل 2009 اعترف فيه بالحاجة الى الانتقال (خلال العام 2009 الى ترتيبات جديدة لخلافته.
8- حدد مجلس الأمن في قراره المرقم 1905 الصادر في 21كانون الاول/ديسمبر 2009 ترتيبات ايداع عائدات النفط والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق سنة أخرى. وبنفاد هذه المدة ستنتهي هذه الترتيبات في 31/12/2010 . لذا يتعين على الحكومة العراقية وضع ترتيبات لضمان تحول فعال، في الوقت المناسب، الى آلية تخلف صندوق تنمية العراق بحلول مدة نفاد عمله. وطلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير كل ثلاثة أشهر بشأن التقدم الذي يحرزه العراق في إعداد تلك الترتيبات.
9- ولأن عمل "المجلس الدولي للمشورة والمراقبة" سينتهي ايضا ُ في 31/12/2010 فقد قامت الحكومة العراقية باختيار مراقب حسابات دولي مستقل لمراقبة عمل لجنة الجزاء الماليين، العراقية التي يرأسها (عبد الباسط تركي) رئيس ديوان الرقابة المالية.
10- قامت لجنة الجزاء الماليين العراقية بتقديم خطة بديلة عن ترتيبات صندوق تنمية العراق، الى مجلس الأمن الدولي في تموز/يوليو2010 . وتتضمن هذه الخطة نقل إدارة صندوق تنمية العراق الى السلطات العراقية مع الاستمرار في دفع نسبة 5% من عائدات النفط العراقية الى صندوق التعويضات.
11- يعمل العراق منذ تموز/يوليو 2010 على أبقاء صندوق تنمية العراق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تحت اسم مختلف , مع نقل مهام الادارة والاشراف الى السلطات العراقية شرط الاستمرار بدفع نسبة 5%من ايرادات النفط العراقي الى صندوق تعويضات الامم المتحدة.
12- ان هدف الحكومة العراقية من الاحتفاظ بصندوق تنمية العراق (تحت اسم مختلف) في الخزانة الفيدرالية الامريكية , هو توفير الحصانة او الحماية الامريكية لعائدات العراق النفطية من مطالبات الحجز والمصادرة من قبل الدائنين.
13- أشار الامين العام للأمم المتحدة في تقريره الفصلي الثاني لعام 2010 الى اتباع ذات الآلية والترتيبات المعمول بها حاليا ً في ادارة صندوق تنمية العراق، لما بعد 31/12/2010 . وان حكومة العراق تلقت تأكيدات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بهذا الصدد. وبناءا ً على ذلك سيتم فتح حساب فرعي لتعويض المتضررين من الغزو العراقي للكويت ، لتمكين الحكومة العراقية من الاستمرار في ايداع خمسة بالمئة من عائداتها من النفط والغاز الطبيعي الى صندوق التعويضات في جنيف .
14- ان جميع الاجراءات والآليات والصلاحيات ذات الصلة بالترتيبات البديلة (عن ترتيبات صندوق تنمية العراق) لا تزال مجرد مقترحات وخطط أعدها العراق ورحبت بها الأمم المتحدة وقبلتها الولايات المتحدة الأمريكية. وان بقاء صندوق تنمية العراق تحت وصاية الامم المتحدة، وتوفير الحصانة لعائداته من عدمها سيتحدد نهاية العام 2010 . وربما يتطلب ذلك قرارا ً جديدا ً من مجلس الامن الدولي.
15- قامت الحكومة العراقية باجراء مقايضة استباقية حاولت بموجبها أبعاد القضاء الأمريكي عن البت بمطالبات مواطني الولايات المتحدة الأمريكية , بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء الغزو العراقي للكويت , بعد رفع الحصانة عن موارد صندوق تنمية العراق اعتبارا من 1/1/2011 .
16- ولضمان استمرار الحماية الأمريكية لأموال الصندوق قامت الحكومة العراقية بدفع 400 مليون دولار للجهات الأمريكية المتضررة من ذلك الغزو , وذلك عوضا عن قيام القضاء الأمريكي بالنظر في قضايا التعويضات المقدمة الى المحاكم الأمريكية , وأصدار أحكام قضائية تلزم الحكومة الأمريكية بأقتطاع هذه التعويضات من موارد الصندوق ( المودعة حاليا في البنك الأحتياطي الفيدرالي ) , فور أنتقال ادارة الصندوق للسلطات العراقية .
يتضح مما تقدم ان نمط ادارة الموارد والتنمية والدين من خلال صندوق تنمية العراق ( وبدائله المقترحة ) بعد 31/12/2010 تكتنفه الكثير من الأشكاليات السياسية والأدارية والقانونية .
فأنتقال ادارة الصندوق الى الحكومة العراقية , لايعني بالضرورة ( وقد لايعني ابدا ) خروج العراق من طائلة عقوبات الفصل السابع من الميثاق . كما ان هذا الأنتقال قد يؤدي تلقائيا الى رفع الحصانة (أو الحماية ) عن الأموال العراقية من مطالبات التعويض التي تكفلها قوانين جميع الدول . ومطالبة العراق بالأدارة والأشراف المباشر على عائدات الصندوق , مع أستمرار حماية هذه العائدات , لايمكن القبول بها أو الدفاع عنها , دون اشتراطات وتطمينات وتعهدات وتحديات وخطة عمل , ينبغي ان تتصدى لها حكومة عراقية فاعلة , ومسلحة بخبرات متعددة , وقادرة على التعامل مع ملفاتها الشائكة ( في الداخل والخارج ) بدراية وحنكة .
أن خلق الأعداء سهل جدا ... ولكن أعادة الصلة والثقة مع الأصدقاء والأشقاء السابقين , وكسب أصدقاء جدد , هي عملية غاية في التعقيد في العلاقات الأقتصادية والسياسية الدولية .
غير ان العراق لم يتمكن حتى الآن من تشكيل حكومته الجديدة . وقد لايتمكن الفرقاء السياسيون من تشكيلها في ( او قبل ) 1/1/2011 .. ولاتتوفر لدينا حتى الآن أية مؤشرات على انها ستكون حكومة منسجمة , ومتماسكة , وقوية , وقادرة على مواجهة استحقاقاتها , وملفاتها المصيرية في الداخل والخارج ( ومنها ملفات الديون والتعويضات والتنمية والأمن والعلاقات العربية والأقليمية ) .
فمن سيمنع العراق من ان يشكل تهديدا لذاته ووجوده ؟ وتحت اي بند من بنود ميثاق الأمم المتحدة , او الصكوك الدولية النافذة , يمكن ادراج هذه الحالة الفريدة في التاريخ السياسي الدولي ؟
نتمنى ان يتمكن احد ما , في يوم ما , من الأجابة على هذه التساؤلات المرة .
غير اننا نستطيع الجزم ( وبثقة مطلقة ) من اننا قد لانحصل , ابدا , على اية اجابة وافية من الآخرين , حين يعجز العراقيون انفسهم عن الأجابة عن الأسئلة التي تتعلق بمصيرهم بين الأمم والدول والأوطان . فمثل هذه الأسئلة ينبغي الأجابة عنها بأسرع وقت ممكن , وقبل فوات الآوان .. هذا اذا لم يكن اوان الأجابة عنها .. قد فات العراقيين فعلا .
سادسا ً : سيناريوهات الخروج من المأزق
(استدامة الاشكالية وامكانيات تفكيكها)
يواجه العراق الاحتمالات الآتية فور انتهاء مدة نفاد القرارات والترتيبات ذات الصلة بهذا الموضوع (والتي تم التطرق اليها آنفا ً).
1- احتمالية خروج العراق من طائلة احكام وعقوبات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة , ورفع الحماية القانونية عن امواله واصوله . وبهذا يتم وضعه وجها ً لوجه (كدولة ذات سيادة ) امام حجم هائل من مطالبات التعويض والمصادرة .
2- احتمالية خروج العراق من الفصل السابع مع ابقاء الحماية على ممتلكاته واصوله من مطالبات التعويض والمصادرة (وهذا هو أفضل الاحتمالات الممكنة).
3- احتمالية بقاء العراق تحت أحكام الفصل السابع , مع رفع الحصانة عن ممتلكاته وامواله من مطالبات التعويض والمصادرة. وهذا هو اسوأ سيناريو يمكن تصوره من بين السيناريوهات الثلاثة هذه .
واذا اردنا ترجيح اي من هذه الاحتمالات الثلاثة , فأن مقاربة الترجيح ينبغي ان تبتعد عن التسطيح الذي تتسم به ادبيات الاقتصاد السياسي (وخاصة الاقتصاد السياسي الدولي) .
ان ترجيح اي من هذه الاحتمالات يقع في صلب بنية العلاقات الدولية الراهنة , وفي صلب التحليل السياسي - الاقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط و "مشروعها الكبير", وتسوية المشكلات الاقليمية العالقة فيها .
واذا تعاملنا مع افضل الأحتمالات الثلاثة المذكورة آنفا ً (اي احتمالية خروج العراق من الفصل السابع مع ابقاء الحصانة الدولية الضامنة لأمواله وممتلكاته من مطالبات التعويض والمصادرة) كاستراتيجية خروج مثلى من اشكالية الخضوع لاحكام الفصل السابع من الميثاق( مع الاحتفاظ بالضمانات المرتبطة به) , فأن هذه الاحتمالية لايمكن ترجيحها دون الاقرار بالحقائق (والاشتراطات) الآتية :
1- لاينبغي التعويل على دعم الولايات المتحدة الامريكية كدولة صديقة . فالصداقة في العلاقات الدولية تمليها علاقات المصالح بين طرفيها. وحين تتآكل مصالح الولايات المتحدة في العراق , او حين يفقد العراق أهميته الاستراتيجية بالنسبة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الامريكية , فان احتمال دعم الولايات المتحدة للخيار الثاني سيكون ضئيلا ً للغاية , ان لم يكن غير مبرر (أو وارد) بالنسبة لها.
2- على العراق ان يكون جزءا ً فاعلا ً في المنظومة الاقليمية الشرق الاوسطية (على وفق الادراك الاستراتيجي الامريكي لها). وبخلاف ذلك سيكون مستقبل العراق (ككيان موحد) عرضة للتهديد بالاستباحة والتقسيم.
3- ينطوي الادراك الاستراتيجي الامريكي لدور ووظيفة الشرق الاوسط الكبير على شرط معلن هو تطبيع العلاقات مع اسرائيل . واذا لم يحظ هذا التوجه (بافتراض انه قرار سيادي وطني) بدعم دول الجوار الكبرى , فأن العراق سيجد نفسه ساحة لصراعات لاتنتهي من اجل تصفية الحسابات بين الاطراف الرافضة والمؤيدة لهذا التوجه في المحيط الاقليمي للعراق.
وتكمن اهمية هذا الطرح , في ضرورة ادراك العراق لما تشكله اسرائيل من اهمية في الادراك الستراتيجي الامريكي . وعلى وفق هذا الادراك , فأن الولايات المتحدة الامريكية لن تقبل ,بل ولن تسمح ابدا , بعودة العراق كقوة أقليمية فاعلة , وعدوة , لحليفتها الاستراتيجية الاساسية في هذه المنطقة من العالم , وستسعى بكل مالديها من قوة ونفوذ للحصول على ضمانات بوجود
واستدامة نظام حكم في العراق لايمكن ان يشكل ابدا , وتحت اي ظرف كان , تهديدا لأمن اسرائيل , ووجودها ,لا الآن , ولا في المستقبل .
ان هذا يتطلب التحسب , والشجاعة ,وصياغة بدائل يتم التفاوض حولها , في حال مواجهة اوراق حساسة , قد ترميها الولايات المتحدة في وجوهنا في أية لحظة , كجزء من الثمن الفادح الذي علينا دفعه , لتسديد فاتورة الاحتلال ( أو مايطلق عليه البعض فاتورة الخلاص من النظام السابق ) , أو فاتورة الخلاص من العقوبات ذات الصلة بأحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة . ودون تحسب وادراك كهذا , فأن صناع القرار في العراق , أما ان تشلهم المفاجأة ( اي مفاجأة نقل الاوراق الحساسة من مكانها الذي هو تحت الطاولة حاليا , الى ماهو على سطحها لاحقا ) , او ان تدفعهم الى رد فعل ساذج ( وربما صادم ) لكل من يعنيهم الامر , سرا او علنا , وبشكل مباشر اوغير مباشر .
وكما تعلمنا من تجارب سابقة, فأن ردات فعلنا غير المحسوبة , على الفعل المحسوب بدقة من قبل الاخرين ,قد يكبدنا خسائر فادحة , وقد تكون عواقبه وخيمة . وفي حينه لن تكون التعويضات فقط هي الثمن الذي يتعين علينا دفعه , بل مستقبل العراق بأسره .
4- تتوقف مديات التنازل عن الديون والتعويضات المترتبة على العراق , او تخفيضها (من قبل المجتمع الدولي , بما في ذلك الكثير من الدول العربية) , على مدى قدرة العراق ومدى استعداده للاعلان عن تبنيه الكامل وغير المشروط للترتيبات والتصورات الامريكية ذات الصلة بدور ووظيفة ونمط العلاقات بين دول الشرق الاوسط الكبير , وعلى وفق ادراك الولايات المتحدة لمصالحها الستراتيجية في هذه المنطقة , بعيدا ً عن نفوذ وتأثير وتدخل اي قوة دولية او اقليمية اخرى. وفي هذا السياق فان على العراق ان يدرك , ويتفهم , تبعات كونه جزءا من الترتيبات الاقتصادية الشرق اوسطية , بما في ذلك النمط الخاص لتقسيم العمل في مشروع الشرق الاوسط الكبير ,والذي بموجبه سيتحدد الدور الاقتصادي لكل دولة من دول الاقليم . ونود التذكير هنا بان نمط تقسيم العمل المشار اليه , يتضمن في جوهره , كما في اطاره العام , تقسيما جائرا للقوة الاقتصادية , يفضي بالضرورة الى حصول اسرائيل على مكاسب استراتيجية هائلة ,ويضمن تفوقها على جميع اطراف المشروع الشرق اوسطي على المدى البعيد . وتكفي الاشارة هنا الى ان الخصائص الاساسية لهذا التقسيم تقوم على تخصص اسرائيل ( وتفردها ) في انتاج المعرفة والتكنولوجيا , بينما يتخصص الاخرون في مجالات تجهيز الطاقة الرخيصة ( النفط والغاز تحديدا ) والمياه , والمال , والايدي العاملة .
5- تحويل العلاقة غير المتكافئة بين العراق والولايات المتحدة والقائمة على التطفل والرعاية والعرفان بالجميل والابوية والقسر الى شراكة ستراتيجية بين حليفين حقيقيين (كما هو حال العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة , او الولايات المتحدة وتايوان , او الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية, او الولايات المتحدة وتركيا , كخيار اخير).
6- اعادة بناء الثقة في علاقات العراق مع الكويت والمملكة العربية السعودية من خلال قرار عراقي وطني ملزم ومستدام، ومدعوم بإطار تشريعي يصادق عليه مجلس النواب العراقي. وينبغي ان يدرك هذان البلدان بالذات بأن اقامة افضل العلاقات معهما هو خيار شعبي وحكومي حر , وليس توجها ً تمليه على الحكومة العراقية ضغوط أمريكية مرحلية.
7- ارساء أسس جديدة للتعامل مع ايران كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى في المنطقة ، وعدم الركون الى متانة العلاقات السياسية والايديولوجية والشخصية، القائمة حاليا ,ً كإطار دائم ومستقبلي للتعاون معها. ان هذه الدولة ملزمة بالدفاع عن مصالحها بضراوة , ولا ينبغي ان تشعر, ولو للحظة واحدة , بأن علاقاتها بالعراق محكومة بإشتراطات ومعطيات معينة ، في مرحلة تاريخية معينة, ولا باستغلال سريع لفرصة تاريخية عابرة... وبأن العراق لن يكون (الآن وفي المستقبل) طرفا ً في اية ترتيبات يمكن أن تلحق بها أضرارا ً مباشرة او غير مباشرة، وعلى جميع الصعد.
8- ارساء وتعزيز افضل مستويات التنسيق مع الدول النفطية المجاورة للعراق في مجال صنع السياسات وصياغة الاستراتيجيات النفطية ذات الصلة بالاحتياطي والانتاج وحصص التصدير وحسم ملفات الحقول المشتركة , وانتهاج سلوك تعاوني وشفاف لتطويرها بما يخدم المصالح الوطنية لهذه الدول على المدى البعيد.
9- انتهاج سلوك حكومي حذر ورصين ياخذ على عاتقه تطمين دول الجوار النفطية بأن مصالحها الستراتيجية لن تكون عرضة للتهديد في حال تحول العراق الى دولة نفطية كبرى في المنطقة. وان هذا التحول (ان حدث) سيكون في مصلحة هذه الدول قبل غيرها . وإن صنع ورسم السياسات والستراتيجيات النفطية العراقية سيبقى قرارا ً وطنيا ً عراقيا صرفا , ً وانه لن يوضع تحت تصرف أية مصالح اخرى , وتحت اي ظرف كان.
تأسيسا ً على ما تقدم , فان امكانية الخروج من احكام الفصل السابع , لا تتوقف على قوة الحجة , ولا على طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة , ولا على استدرار تعاطف المجتمع الدولي , كما انها لن تتوقف قطعا ً على دعوة الدائنين (والعرب منهم على وجه الخصوص) لأنصاف النظام الجديد في العراق.
ان على الحكومة العراقية أن تعمل اولا ً (وقبل كل شيء) على حل مشاكلها المالية العالقة مع الاسرة الدولية من خلال الحوار وتقديم التنازلات والقبول (ولو مرحليا ً) بانصاف الحلول.
ان بعضا ً من التهور لازال يطبع علاقات العراق بجيرانه (او بمحيطه الاقليمي ككل) في وقت هو احوج مايكون فيه الى اعادة بناء الثقة في علاقاته مع هؤلاء.
ان الحراك السلبي والانغلاق , وعدم صياغة التحالفات وبناء المصالح (بدقة وثقة) على أسس وطنية خالصة , ستعيد العراق من جديد الى اجواء عزلته المقيتة عن العالم والتي استمرت لعدة عقود .
بهذه الآليات وحدها يمكن للعراق ان يفتح مع الآخرين نافذة جديدة يطل منها على العالم .. وبها وحدها سيكون (بنظر الدائنين على الاقل) نظاما ً اقتصاديا ً وسياسيا ً جديدا ً فعلا , لاينبغي اسقاط ديونه القديمة فقط , بل ودعمه ايضا بكل الوسائل الممكنة.
وليس بوسعي الاجابة عما اذا كان النظام السياسي القائم في العراق حاليا قادرا ً على الاستجابة لكل هذه التحديات ام لا , ولكنه وعلى نحو اكيد لا يملك خيارات اخرى بديلة عن الخيارات (المصيرية) المرة التي تم الاشارة اليها عرضا ً في متن هذه الورقة.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟