|
الاحزاب الحاكمة و - مناديل الجّنة - !
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23 - 16:01
المحور:
كتابات ساخرة
هذه القصة الحقيقية حدثتْ في " ابو ظبي " قبل فترة : دخل شخصٌ " أبيض " بالكامل ، الى محل كبير للمجوهرات . أبيض البَشَرة ، يرتدي ملابس بيضاء ، ينتعل نعالاً ابيض ، لحيته الطويلة بيضاء ...الخ . قال للصائغ : ارجو تصليح هذا المحبس المكسور . قال له الصائغ : تفضل بالجلوس ايها الشيخ الجليل ، حتى اُكمِل . فجلس الرجل . بعد دقائق ، دخل الى المحل رجلٌ وإمرأة وقالا للصائغ بانهما يريدان سلسلة ذهبية . اجاب الصائغ : إنتظرا قليلاً حتى اُكمل طلب هذا الشيخ الجالس هناك ، فما أن نظرا اليه ، حتى بدتْ عليهما علامات الفزع وخرجا من المحل بسُرعة . تعجبَ الصائغ . وفي هذه الأثناء دخل شخصٌ واراد تصليح حلية ، اجابه الصائغ مُشيراً الى الشيخ : إنتظر يا أخي حتى اُكمل عمل هذا الرجل . فإلتفتَ الزبون الى كُل الإتجاهات ، وقال للصائغ غاضباً : هل تسخر مني ، لا يوجد احدٌ هنا ، وخرجَ مستاءاً !. ذهل الصائغ وتعوذ من الشيطان ورّددَ بعض آيات الذكر الحكيم . هنا قال له الرجل الأبيض : لا تخف ياعزيزي .. أنا قادمٌ من الجنة .. ومن بيتك بالتحديد .. وانا جئتُ لكي أقبض روحك وآخذك الى الجنة .. فأبشر .. وانا لايراني إلا الصالحون .. أما المغضوب عليهم فلا يرونني . ولقد جلبتُ لك من بيتك في الجنة .. هذا المنديل الذي تفوح منهُ رائحة الجنة .. تفّضل !. طارَ الصائغ من الفرح وأخذّ المنديل وشّمهُ بقوة .. فشعرَ فوراً بشعورٍ غريب وكأنه في حلم .. فشّمهُ ثانيةً .. فاُغمِيَ عليه تماماً . طبعاً بقية القصة متوقعة ، فعندما أفاقَ صاحبنا الصائغ بعد فترة .. وجدَ ان المحل قد نُهبَ بالكامل ، من قِبَل الشيخ الجليل وشركاءه الرجل والمرأة والرجل الآخر .. وان المنديل الفردوسي لم يكن قادماً من الجنة .. بل يحتوي على مُخدرٍ قوي !. ان " مناديل الجّنة " التي تُقّدمها الحكومة لنا ، بأحزابها الحاكمة من كل الإتجاهات .. أحزاب الاسلام السياسي بتلاوينها المذهبية المُختلفة ، الخبيرة بتقديم الوعود الآجلة والداعية الى تحمل وصبر الشعب في هذه الحياة الفانية ، لكي يفوز بالآخرة !. وكذلك الأحزاب الحاكمة غير الاسلامية ، التي تتنافس مع الاسلام السياسي ، في نهبها للأموال العامة بكل جشع ، وممارسة جميع انواع الفساد السياسي المالي الاداري ...الخ ، ان هذه " المناديل " مُهمتها الحقيقية هي تخديرنا ، وتعطيل حواسنا لكي نعجز عن التفكير والمبادرة والمعارضة ، لكي يسهل لهم نهبنا وسرقتنا ، ولقد نجحوا في ذلك ايما نجاح ... هُم يُقدموا لنا مناديل الجنة المخدرة ، ونحنُ نَشُم بكُل سذاجة !!. ان الطبقة السياسية التي تحكم العراق من شماله الى جنوبه منذ اكثر من سبع سنوات ( ناهيك عن الحكم الفاشي السابق ) ، جعلتْ من العراق بلداً يحتل مقدمة الدول الفاسدة المُتخلفة ، الغير مُعتَبرة ، الضعيفة ، التي يحاول حتى الصغار نهش خيراته الكثيرة والتعامل بفوقية مع الشعب العراقي . كم من المؤلم ، وبعد مرور سبع سنواتٍ ونصف .. ان يكون " الجواز " العراقي في ذيل الجوازات المرغوبة في العالم .. هل من المعقول ان بلداً هّشاً مثل " اليمن " يُعاني من اصعب المشاكل ، يمتنع عن تقديم فيزا لوفد وزارة الشباب العراقية للمشاركة في بطولة الخليج ؟ هل يجوز ان يُعامَل العراقي في مطارات الاردن معاملةً سيئة لمجرد انه عراقي ؟ او ان ليبيا وفلسطين وتونس لا ترضى ان يعود العراق الى إتحاد الادباء العرب ؟ حتى لبنان الذي يمنح الإقامات الى كل مَن هبَ ودَب ، يُعّقد ويُصعب الأمر على العراقيين . لماذا يُحجز مئات العراقيين في استراليا ، ويُهّدد العراقيون في دول اوروبا بالترحيل القسري ؟ هل تعجز الحكومة والاحزاب الحاكمة ، عن توفير الخدمات الصحية المناسبة " حتى لو كانت مرتفعة الاسعار " ، بحيث يضطر آلاف العراقيين للتوجه الى مستشفيات عمان وبيروت ودمشق واسطنبول ؟ كيف يمكن لمواطني دولةٍ نفطية غنية مثل العراق ، فيها الكثير من الاطباء المَهرة والعلماء الافذاذ والعقول النيرة ، ان يستعينوا بمنشآت طبية في دولةٍ " فقيرة " مثل الاردن ، لإجراء التحاليل والأشعات والعمليات ؟ اليسَ جريمةً ان لايثق المريض العراقي " وهو على حق بذلك " بالأدوية الموجودة في الصيدليات المحلية ويضطر الى طلبها من لبنان وتركيا وغيرها ؟ اليستْ نكتة ان يستورد العراق ذو الانهر العذبة ، الخضروات من الكويت وسوريا وايران ؟ اليستْ مأساة ان ينحدر التعليم في العراق الى أدنى مستوياتهِ وتنتشر الأمية ؟ وتنكمش الثقافة بكل فروعها وتنتعش الغيبية والتخلف ؟ طالما ان السياسيون وخاصة من الاحزاب الحاكمة ، منهمكون في جني الاموال وجمع الغنائم ونهب الثروات ، وطالما انهم يُقدمون لنا نحن الشعب وعوداً ضبابية كاذبة ، وآمالاً سرابية خادعة ، وطالما نقبلُ نحنُ هذا الأمر ، ولا ننتفض ولا نعترض ولا نثور ... فسيستمرون في إهداءنا مناديل الفردوس .. وسنستمر في شَم رائحة الجنة ... ونبقى مُخّدَرين !.
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتلة - التغيير - ووزارة النفط
-
مشهدٌ مسرحي
-
المالكي المسكين
-
50% من المشكلة إنحّلتْ
-
النجيفي .. مشروع دكتاتورٍ صغير
-
حق التظاهر في اقليم كردستان
-
الرابحون .. والخاسرون
-
بينَ موتٍ .. وموتْ
-
قمة أربيل ... ولبن أربيل
-
إسلاميو البصرة وسيرك مونت كارلو
-
دهوك ... مُجّرد أسئلة
-
مرةً اُخرى ..تأخُر إستلام الكتب المدرسية في اقليم كردستان
-
ضراط السياسيين مُخالف للقوانين البيئية !
-
الرئيس الألماني المسكين
-
للنساء ... للرجال
-
من دهوك الى بغداد
-
نفوس العراق 45 مليون نسمة !
-
أنتَ تنتَقِد .. إذن انتَ غير مُخْلص !
-
هل المطالب الكردية عالية السقف ؟
-
احزاب الاسلام السياسي والتضييق على الحريات
المزيد.....
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|