|
المجتمع الفلسطيني بين التقليد والحداثة
صلاح عبد العاطي
الحوار المتمدن-العدد: 959 - 2004 / 9 / 17 - 09:40
المحور:
القضية الفلسطينية
مقـدمــة: يمر الشعب الفلسطيني في ظروف صعبة تستدعي وقفة نقدية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي لا يتوافق مع طموحه الوطني وحقوقه التاريخية والإنسانية، فما يحدث يحتاج إلى عقلانية تعلو على مجرد الانفعالات والشعارات، إضافة إلى أن الحل النهائي الشامل والعادل لا يلوح في الأفق، في ضوء ما يقوم به الاحتلال من اغتيال واعتقال وحصار وتدمير للبني التحتية، كذلك مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات وتهويد القدس وبناء جدار الفصل العنصري، واستمرار انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني، وتتم هذة الممارسات القمعية المنظمة علي الشعب الفلسطيني في ظل انحياز أمريكي سافر ومؤامرة صمت أوربي وتراخي عربي، الأمر الذي يحتم على الشعب الفلسطيني الشروع الفوري بالإصلاح الداخلي والترميم الديمقراطي لأوضاع السلطة والمعارضة وتنظيم العلاقة بينهما من جهة، ثم محاربة الفساد ومشاكل الفقر والبطالة من جهة ثانية، وفرض سيادة القانون وتقليص نفوذ مراكز القوى والعشائر ومظاهر التخلف المتفشية من جهة ثالثة، ناهيك عن إشكاليات أخرى عميقة فيما يخص وضع المرأة الفلسطينية ودورها الحضاري والتنموي، الأمر الذي يجعل من وجود تربية تقدمية تنظم طاقات شبابنا وشعبنا وقواه حاجة ملحة. إلى ما سبق، فإن هذة التربية التقدمية تواجهة أزمات داخلية وخارجية معقدة تتطلب من قوى المجتمع الفاعلة العمل الجاد من أجل ايجادها وتفعيلة في كل المحافل باعتبارها النواة لعقداً اجتماعي ينظم العلاقة بين الناس فهدفها ليس إدخال وفرض نماذج جاهزة بل إنتاج مجموعة الضوابط التي تنطلق من النسيج المجتمعي القائم - ليس للحفاظ بالضرورة على كينونته كما هي – للوصول إلى مستوى أفضل من الحريات ومفاهيم احترام دور العقل في بناء إنسان قادر على تحقيق تنمية انعتاقية شاملة، للاسف في ظل هيمنة بنى المجتمع التقليدية التي تفرض نفسها وتتحكم في عمق الفكر والممارسة، وبالتالي فإن أشد ما يحتاج إليه الفلسطينيون هو التربية التقدمية وثقافة التربية، ذلك أنها مفتاح العقل والعمل الجماعي والمستقبل، ولا يمكن بناء وطن وحزب ومؤسسات دون مشروع تربية . بمعنى أن تصور نظام تربوي تقدمي يجب أن يقترن بالواقع ويرتكز عليه ويرتفع من ثم إلى تطلعات الشعب الفلسطيني ويعالج الإشكاليات الأساسية للمرحلة الراهنة التي من المتوقع أن تستمر لسنوات ليست بالقليلة وبخاصة قضايا حق العودة واسترداد الأرض، وذلك بالنص عليها وتاكيدها في العمل والفعل وضمان هيبتها واحترامها ، ان التربية التقدمية هي مجموعة من القواعد التي تنظم الحياة في االجماعة و يجدر التأكيد على أن مجرد وجود مشروع تربية لا يمثل ضمانة كافية ولكن يبقى وجودها نقطة انطلاق ضرورية تلعب دور الناظم الأساسي لحركة المجتمع، ولكن ذلك – كما سلف – ضرورياً ولكنه غير كاف. بيد أن إشكاليات ومعوقات شتى تعترض سبيل التربية التقدمية، ولكثرة وصعوبة تلك المعوقات يكاد المرء ليتراجع أمامها، وينسحب من تحت ثقلها، أو لينأى برقبته بعيداً عن سيوف إحباطها، فمن تلك المعوقات ذاتي ذو أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية بكل الإرث التاريخي المصاحب لكل منهما، بالإضافة إلى المشكلة الأكبر المتعلقة بأكثر احتلالات العصر بشاعة وفظاعة، وفيما يلي محاولة لاستعراض وتفصيل أبرز المشاهد والمرتكزات ذات العلاقة بالتربية التقدمية في المجتمع. المشهد الاجتماعي - الثقافي لا يمكن بالطبع توصيف المشهد الفلسطيني دون الاستعانة بفهم ما يحدث في المشهد العربي عموماً، وما حدث في الحالة العربية الراهنة - كما يقول برهان غليون- هو انهيار شامل للنمط القديم وإفساد عميق لآليات النمط المدني العصري. من هذا المنطلق فإن بنيان المجتمع العربي – والفلسطيني بالتالي - يختلف عن الأنماط القديمة والحديثة من حيث أن مكونات المجتمع العربي الآن لم تعد تنجز المهام نفسها ولا تقود إلى النتائج ذاتها، لأن الرأسمال الذي شكل علاقة تنظيم قوى الإنتاج البشرية والمادية وحركة التقدم التقني والعلمي والعملي في اقتصاديات الغرب قد تحول إلى بناء اقتصادي تابع، كما أن الدين والعصبيات ظلت إطاراً لبناء عقائد ومذاهب سياسية متعددة، فالبنيان القائم هو نمط مختلط هجين، نمط لمجتمعات فقدت رشدها وتوازنها الداخلي، وفقدت وتيرة تقدمها وأصبحت حركتها مرهونة بحركة غيرها. فالمجتمع الفلسطيني ليس مجتمعاً حديثاً وإن التقت فيه معظم مظاهر الحداثة، كما أنه ليس تقليدياً وان تواجدت فيه كل مظاهر التقليد، وهذا ما عبر عنه نادر سعيد باللامعيارية. مما سلف يمكن القول أن البنية المجتمعية القائمة يسودها انعدام السيطرة على المصير والتحكم بالذات، مما يعني صعوبة إنتاج عناصر تنمي مقومات المجتمع وموارده، مما يولد الحاجة إلى نشوء وعي جديد قادر على تجاوز هذه الفرضية وصهرها في إطار فكري ومادي، وهو ما لا يمكن الوصول إليه إلا عبر تجارب تاريخية مشتركة قاسية من خلال الصراع لإعادة التوازن الذاتي والداخلي، والمتأمل في تجارب الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية والاقتصادية يشعر بعمق الأزمة وصعوبة إيجاد مخرج لها، مما يتطلب وضع تساؤلات حول سلامة الاستراتيجيات السياسة، وتفعيل الأدوات الاجتماعية والسياسية والتربوية والثقافية والمدنية والاقتصادية التي تستطيع أن تقدم إطاراً يعيد بناء الذات الفلسطينية والعربية وعلاقاتها الناظمة التي تعبر عن آمال ومصالح مشتركة بعيداً عن مفاهيم الإلغاء والتهميش والإقصاء، وتغليب مفاهيم التعاون والمشاركة الإيجابية والطرق الحضارية والحوار كأسلوب لإدارة الصراع سلمياً بدلاً من التناحر. من هنا تأتي أهمية وجود تربية تقدمية تعيد طرح حقوق الموطنين وواجبا تهم. ومع أن الدول العربية ومؤسساتها الحزبية والمدنية الرسمية والشعبية لديها تربية تدعي بأنها ديمقراطية إلا أن التغيير المنشود لم يتحقق إلى الآن، لذا فإن المواجهة بين التقليد وتحديات العصر لا يمكن حلها على الصعيد النظري فقط، بل على أرض الواقع من خلال مشروع التربية الذي يتم تضمينة الدستور الذي يفترض أن يكافح الشعب لإقامته، علي أن يحدد هذا الدستور ومشروع التربية مختلف نواحي الحياة للفرد والمجتمع على نحو يقدم للإنسان نظرة متناسقة ينصهر فيها الماضي والحاضر والمستقبل، وتنسجم فيها ومن خلالها العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث يشكل كل ما سبق ترابطاً مجتمعياً توافق عليه الأغلبية من الشعب، وتكون أهم منطلقاته وأبرز مرتكزاته قبول مبدأ التعايش السلمي بين جميع التيارات في المجتمع، والالتزام بقانون تنموي ديمقراطي عصري. وسوف يتكرر التأكيد على أن غياب المؤسسة والاستراتجيات المستقبلية في المجتمع الفلسطيني يعد معيقاً رئيساً للتقدم والتطور والنمو التقدمي، إضافة إلى كونه سبباً من أسباب التراجع وشيوع الفساد والهيمنة، الأمر الذي يراكم مظاهر الفوضى ويلقي بظلاله السوداء على كل عملية تربوية تنموية وإدارية، صغيرة كانت أم كبيرة، الأمر الذي يحتاج المزيد من إلقاء الضوء على أهم تفاصيل ومكونات المشهد الاجتماعي والثقافي الفلسطيني. أولاً: بين التقليد والحداثة - تأصيل مفاهيمي وتاريخي: كثيراً ما تطرح إشكالية التقليد والحداثة في الفكر العربي المعاصر على أنها مشكلة اختيار بين نموذج غربي في السياسة والاقتصاد والثقافة وبين التقليد بوصفة يقدم نموذجا بديلا يغطي جميع نواحي الحياة من هنا تصنف المواقف إلي عدة اتجاهات: 1. مواقف حداثية تدعو إلي تبني النموذج الغربي كنموذج يفرض نفسه حضاريا. 2 . مواقف سلفية تقليديه تدعو إلى استعادة النموذج العربي الإسلامي كما كان قبل. 3 . مواقف توفيقي يدعو إلي الأخذ بأحسن ما في النموذجين. 4. موقف حداثي أصيل منفتح على التراث الإنساني ككل، ويرى الخروج من المأزق عبر انطلاق عقلاني علمي من مكونات الأزمة القائمة دون تبني بالضرورة نماذج جاهزة تطورت في سياق اجتماعي وتاريخي واقتصادي لمجتمعات أخرى. وكل موقف تتبناه طبقة أو فئة أو اتجاه في المجتمع تبعا للأيدولوجيا التي بمقدورها أن تبرر نواياه وأطروحاته، فلدينا الليبرالية والقومية والاشتراكية، ثم اتجاهاً عريضاً يحمل القيم والمباديء الإسلامية. ثمة تساؤلات جوهرية تعترض سبيلنا في هذا السياق من قبيل: هل يتعلق الأمر بخيار فلسطيني في الوقت الراهن ؟ وهل يملك الفلسطينيون حرية الاختيار، ناهيك عن الوضعية التي تؤهل لامتلاك حق الاختيار ؟ أغلب الظن أن لا الفلسطينيين ولا العرب في وضعية يملكون فيها حق الاختيار، فقد فرض نموذج الحداثة نفسه عليهم كنموذج عالمي منذ بداية التوسع الاستعماري، مثل التنظيم العلماني الشكلي للدولة وأجهزتها، وهكذا وجد العرب والفلسطينيون أنفسهم في عملية تحديث يعتريها التصادم والتناحر مع الموروث الذي يزداد تقوقع المجتمع داخله كلما ازدادت التهديدات الخارجية الآخذة في التفاقم على نحو خطير. ما سبق أدى إلى انعكاس حالة من الشلل والرتابة ألقت بظلالها على مختلف مستويات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبح المجتمع لا يعدو كتلة فسيفسائية متناثرة من الأنماط غير المتسقة بل وشبه المتناحرة، بين ما هو حداثي وما هو تقليدي، يتنافسان ويتصارعان في شتى نواحي الحياة اليومية، وللأسف يتم بناء خطط التنمية التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع بقاء هذه الازدواجية وتلك التناقضات، وتظهر في المجتمع مواقف راديكالية علي صعيد الخطاب والممارسة، حيث بعضها يدعو لرفض الحداثة واصفاً إياها بالجاهلية، والبعض الأخر يدعو للتخلي عن كل المظاهر الموروثة من الماضي وينعتها بالتخلف لكن دون أن يقدم بديلاً حقيقياً. وهناك فئات مع التحديث وليس الحداثة، بمعنى قبول التحديث التكنولوجي والتقاني المستورد دون قبول مبدأ توطين الحداثة كمنهاج، وثمة فئات أخري تتماهى مع تداعيات التأثير الغربي وتروج له فقط لأنه يخدم مصالحها. من الخطأ استمرار التردد والهروب حيال تلك التناقضات، ولعل ما ينبغي التطرق إليه في هذا الصدد بأن الصراع في الوطن العربي لم يكن في القرن الماضي والقرن الراهن صراعا بين قوي التجديد وقوي التقليد وحدها، بل أخذ الصراع مناحي أخرى تآلفت فيها كل التناقضات واختزلت لصالح محور واحد هو الصراع ضد الغرب وبسببه وضد عدوانه وتوسعه وهمينته، وكذلك لأجل الحريات ومظاهر التقدم فيه معاً في آن. وإذا كان الواقع الاجتماعي الطبقي لا يؤسس ولا يفسر إشكالية التقليد والحداثة كما تطرح في الفكر الغربي فلما الذي يؤسسها إذن ؟ إن الإشكالية علي ما تبدو إشكالية فكرية ثقافية أيضاً تجد أسهها ومبررات وجودها في الواقع الثقافي والفكري في المجتمع، فإشكالية التقليد والحداثة كامنة في كون مجتمعاتنا العربية تمتلك تراثا ثقافيا حيا في نفوس وعقول وعواطف الناس بصورة قد لا نجد لها مثيلا في العالم، وما يزيد من ثقل هذا الحضور تعرض الوطن العربي وفلسطين بخاصة للغزو والعدوان الاستعماري الصهيوني الأمريكي، ما أدى إلى إثارة جملة من ردود فعل تمثلت في الدعوة إلى الأخذ بالتراث كسلاح أيدلوجي لمقاومة ومواجهة هذه التحديات. ولعل من المفيد إلقاء نظرة على ما حدث في الغرب في هذا السياق، فنجد في منظور الجابري " أن حالة التراث في الغرب لا تدخل في علاقة تغاير وتصادم مع معطيات وآفاق المستقبل لأنهم أعادوا ويعيدون ترتيب التراث في الزمان، والزمان عندهم خط متصل صاعد لا مجال فيه للكر والفر وتلك هي التاريخانية، التي تشكل مع العقلانية الدعامة الأساسية للفكر الأوروبي الحديث، والتاريخانية والعقلانية سلوكان فكريان لا ينفصلان فالعقلانية هي جعل العقل حاضراً والتاريخ ينظمه علي صعيد الوعي ويحركه علي صعيد الممارسة، والتاريخانية هي جعل التاريخ حاضراً في العقل يلهمه الدروس والعبر، وهذا يعني تنظيم التاريخ بصورة تجعل من المستحيل عليهم التطلع حتى علي صعيد الحلم إلى عودة ما قبل ليحل محله فيما بعد. لذلك نجدهم يتجهون للمستقبل يواجهونه دون التنكر لماضي، أما لدينا فالماضي فهو مجرد تكرار وإعادة إنتاج بشكل رديء للتاريخ الثقافي نفسه الذي كتبه الأجداد تحت ضغط صرا عات العصور التي عاشوا فيها وحدود الإمكانيات التي كانت متوافرة، ونحن للأسف مازلنا سجناء الرؤية والمفاهيم و المناهج التي وجهتهم مما يجرنا دون أن نشعر إلى الانخراط في صرا عات الماضي ومشكلاته ويؤدي إلى جعل حاضرنا مشغول بماضينا، بالتالي النظر للمستقبل بتوجيه من الماضي والحاضر ومشكلاتهما معا" . تلك السمات لتاريخنا الثقافي يظهره كتاريخ مقطع الأوصال يميزه الخلاف في الرأي وليس بناء الرأي، أو كما يقول الجابري هو أيضا تاريخ علوم و فنون و معرفة منفصلة عن بعضها، إلى جانب أن تاريخنا تسوده علاقة انقطاع واضطراب عن التاريخ العالمي. ليس اللوم بالطبع علي طريقة القدماء بل على انقيادنا الأعمى وغير المدروس لما كان نتاجا لظروف تاريخية خاصة، وتم بالتالي استبعاد كل القراءات النقدية للتراث، فانعدم النقد الذاتي وأصبح الجديد لا يعدو نسخاً وتكراراً للقديم بكل أخطائه وعلاته. إن الزمان لا يقف عند حد، وتراكمات الحياة تزداد تعقيداً، وفي مثل هذه الوضعية يصح القول أن الصراع بين الحداثة والتقليد هو انعكاس لصراع طبقي ثقافي علي الصعيد الاجتماعي والفكري وإن حضور الغرب بوجهيه التوسعي العدواني والتقدمي الحاضر قد أضاف إلي التعقيدات الداخلية تعقيدات أخرى سواء المتعلق منها بالحكم العثماني ومخلفاته أم بمظاهر التعدد في الوطن العربي، الأمر الذي أدى إلى بلورة تحالفات سياسية وتيارات فكرية انقسمت بدورها بين المحافظة والليبرالية، ونشأ التناقض بين الوطني القومي والآخر الأجنبي المستعمر، وبالتالي تم توظيف التراث كسلاح من أجل المقاومة وتأكيد الذات والحضور، كل ذلك وما تخلله من تناحر وعداء اتجاه القيم الغربية قد جعل من استحضار التراث هدفاً بحد ذاته، فازداد ثقل حضور الماضي في الوعي العربي والإسلامي، وانعكس كتحصيل حاصل على الذهنية الفلسطينية، خصوصا بازدياد التهديد الذي يمثله الاحتلال. في هذا الإطار تشعر النخب المثقفة في المجتمع العربي والفلسطيني بحقيقة الأزمة كما تعي تماماً أبعداها الراهنة والمستقبلية، فهناك هوة عميقة تفصل بين التراث الثقافي العربي القومي وبين الفكر العالمي الحداثي. لكن الإنسانية مترابطة وكذا علومها، ولم تكن الحداثة لتقوم لولا القديم، ولكن لم يكن للحداثة أن تقوم كما قامت إلا باختلافها جوهرياً عن القديم حيث بدأت الحداثة منذ القرن الخامس عشر ولعل أهم بوادرها ما عرف في حينه بعصر النهضة الذي تخللته ثورات وحركات الإصلاح الديني والثورة العلمية والتطور الدستوري والثورة الصناعية وقيام الدول القومية. " والحداثة تنطلق من مواقف إيمانية أهمها الإيمان بالعالم الطبيعي بأنه العالم الحقيقي الذي يجب أن تنصرف إليه الأذهان وتصهر فيه الجهود وأنه ليس مجرد جسر نمر به إلي عالم ثابت سرمدي. من الجدير ذكره هنا أن الفكر الغربي يرتكز أساساً على الإيمان بالإنسان بصفته أهم كائن بالعالم وهو الغاية والعامل معاً، وإن تحرره من العوائق الداخلية والخارجية هي الغاية، وأن الإيمان بالعقل هو القيمة الحقيقية للإنسان ومصدر تفوقه. الإيمان بالقوي والروابط الإنسانية أساسا لبناء المجتمعات وإنه إيمان يعتمد الإنسان فاعلا ومشاركا في تقرير مصيره". ولقد منحت الحداثة المجتمعات قوى المعرفة والطموح الإنساني من أجل التقدم العلمي والتقني. إن منجزات الحداثة في مجال مكافحة الأمراض و التغلب علي الحواجز الطبيعية وانتشار وسائل التعليم والمنجزات في مجال الحريات ونضال الشعوب من أجل حريتهم وحقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واندلاع الثورات وفعاليات التضامن كل ذلك من مكاسب الحياة العصرية، وبرغم الانتكاسات فإن نضال الإنسان لأجل حقوقه ولأجل التنمية لم يتوقف بل بقيت جذوة النضال حية في الإنسان لتغدو كرامته وحقوقه وحرياته هي المعيار الحقيقي للتقدم، ومن الضروري هنا الإشارة إلى تجارب قوية خاضها الشعب الفلسطيني تبلورت من خلالها وأثناءها مؤسسات حداثية وجدت ما تفعله لأجل الإنسان وحقوقه سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد مقاومة الاحتلال، ونذكر - مثالاًُ لا حصراً – نضالات اتحادات العمال والطلاب والمعلمين والمرأة، الأمر الذي يؤكد مجدداً أن المجتمع الفلسطيني يحتوي على سمات قوية للحداثة في نفس الوقت الذي يحتوي فيه المجتمع الفلسطيني على كافة مظاهر المحافظة والتقليد. ثانياً: العلمانيـة والدين: من الصعوبة بمكان فصل إشكالية الحداثة والتقليد عن إشكالية العلمانية الدين، وذلك لارتباط عميق الصلة بين الحداثة والعلمانية والتقليد والدين من جهة أخري، وهذا في حد ذاته يشكل عاملا يجعل المفاهيم الوردة تحت كل من العنوانين تبدوا متشابهة رغم تأكيدنا علي وجوب وضرورة الفصل الموضوعي في الحالتين، ذلك أن القوي المحافظة والدينية تقع في إشكالية التناقض بين موافقتها المبدئية علي التحديث مع رفضها لمبدأ العلمانية. " العلمانية من المفاهيم التي أقحمت في الجدل المحتدم في العالم العربي والإسلامي حول علاقة الديني بالدنيوي، يظهرها بعضهم كأسلوب حياة وحكم متعارض مع الشريعة الإسلامية، ويطرحها آخرون بشكل لا يضعها موضع التصادم مع الإسلام. وهناك شبه إجماع لدى المختصين على أنها تعني فصل الدين عن الدولة والسياسة . وحيث إن العلمانية في نظرهم شكلت عنصرا أساسيا في تطور الحضارة الغربية، وإحدى ركائزها، فإن الأمر، في نظرهم، يتطلب تطبيق العلمانية في العالم العربي الإسلامي لتكون ركيزة نهضة حضارية " . ويقول إبراهيم أبراش " إن الفهم الحقيقي للعلمانية التي أخذ بها الغرب، يعني أن أمور الدين ليست حكرا على جماعة تدعي أنها واسطة بين الإنسان وربه، فالعلمانية ترفض التسليم بأن أمور الدنيا لا تستقيم إلا إذا نظمت وسارت على أساس تطبيق نص أو تعاليم دينية واضحة ومحددة، والعلمانية لا تنفي وجود الرب ولا تحاربه، بل تقبل استحضاره والتعايش معه، لكن ليس كنصوص قاطعة أو تعاليم صارمة، بل كروح وقيم ومبادئ تكيف ذاتها مع خصوصيات كل مجتمع وتتلاءم مع كل مستجدات تطرأ ". من المهم جداً ملاحظة أن الصدام بين الفكر العلماني والفكر الديني في العالم العربي الإسلامي ومنذ القدم كان يحسم في الغالب لصالح الفكر الديني بدءا من محاولات تغليب العقل عند المعتزلة إلى المتصوفة في العصر العباسي، مروراً بمحاولة طه حسين لنقد التراث ثم مقتل حسين مروة في لبنان وفرج فودة في مصر بخلاف مسألة تكفير د. نصر أبو زيد ود. سيد القمني، وجل هؤلاء جمع أزمتهم قاسماً مشتركاً هو محاولة دراسة التراث بصورة نقدية تهدف إلى تصحيح قواعد التعامل معه، فالتفكير ومحاولة المساس أو الاقتراب من المقدس صعبة لغاية اومحظورة، هذا إذا لم نتجاهل مسألة المد الإسلامي كظاهرة بديلة للفقر وضياع فلسطين وفساد الأنظمة التي طرحت شكلا الفكرة القومية ورصعتها ببريق اشتراكي يقوم على عدالة التوزيع بعد كفاية الإنتاج، وفي هذا السياق يجدر الانتباه إلى اندفاع ظاهرة الأسلمة بصورة تصاعدية أقوى من ذي قبل، الأمر الذي يستوجب مزيد من التوضيح لتداعيات تلك الظاهرة في المشهد الاجتماعي الثقافي الفلسطيني. قد يعتقد البعض أن القوى الإسلامية بلا مشروع أو أنها خاوية فكرياً، بل على العكس تماماً، فهي تعمل جاهدة للتواجد وفرض النفوذ حتى في أقوى مؤسسات المجتمع بدءا من مجالس الطلبة والمعلمين والمهندسين والأطباء والمحاسبين، كما أن لديها مجلات وصحف دورية تعمل بصورة قوية لاستثمار وحصاد العمليات العسكرية التي يتم تحقيقها فيما يخص النضال ضد الاحتلال، بالإضافة إلى ذلك يمتلك الإسلاميون مقدرة على توظيف أدوات التحديث كالإنترنت مثلا، لتزيد من نطاق حركة الاستقطاب بين فئة الشباب والشابات وطلبة الجامعات، أيضاً للقوى الإسلامية جمعيات كثيرة ذات أثر بالغ في المجتمع فيما يتعلق بكفالات الأيتام وأسر الشهداء وتوزيع المعونات ولجان الزكاة، كل ذلك بجانب العمل الدءوب لتخريج كادرات شابة لقيادة العمل الثقافي الإسلامي والتعبوي في المساجد وغيرها، واهتمامهم بدورات في أحكام الترتيل والحفظ والخط والفنون الإسلامية وإقامة المهرجانات، كل ذلك يعطي تلك القوى نفوذاً واسعاً وطاقة هائلة على ترسيخ الجذور عميقاً في المجتمع ويجعل الحديث – كما سلف - عن مسألة العلمنة أمراً صعبا. إذا حاولنا تقييم ما يقوله بعض المثقفين العرب عند حديثهم عن أمور الدين والعلمانية فسنجد ثغرات وإشكاليات عدة في محاولتهم جسر الهوة بين العلمانية والدين، وتبرز هذه الإشكالية على مستوى المعرفة الفلسفية في الادعاء بأن العلمانية لا تتناقض مع الدين، فإذا كان ذلك كذلك، فلماذا يتم تكفير أي تأويل عقلي علماني للنصوص الدينية وهي آلية ألقت بظلالها السوداء على مجمل حركة تاريخ الفكر العربي ؟ ولماذا تفتح القوى الإسلامية نيران مساجدها على مسودة قانون العقوبات الفلسطيني ؟ واضح أن محاولات التقليل من حقيقة التنافر والصدام بين الفكرين هي تسطيح للقضية. كذلك توجد إشكالية تتعلق بطرح المثقفين في هذا السياق، فحتى لو تم اقتباس مفهوم العلمانية كنتاج للتجربة الغربية فإن النسخ الكربوني لذلك المفهوم على الواقع العربي سيكون بمثابة ديكورات وقشور زائفة، حيث تستقي بعض المؤسسات العلمانية التكوين والتوجه مجرد وجودها من مصادر الدعم الغربي دون أن يكون لها أثر كبير في المجتمع، بالإضافة إلى أن العلمانية لم تتشكل في الغرب بمجرد جلسة قررت فيها نخبة من المثقفين ذلك، بل كانت أيدلوجيا طبقة جديدة ركيزتها الأساسية جملة من التحولات الاقتصادية، الأمر الذي يجعل من التنمية الاقتصادية جوهراً ومطلبا لا يمكن تجاهله أو القفز عنه، وهذا ما سيأتي تفصيلة لاحقا عند الحديث عن المشهد الاقتصادي. وما فاقم عدم تبلور الفكر العقلاني العلماني في أذهان الناس وممارساتهم، انتشار مظاهر الجهل والبؤس والتعصب، بسبب موقف النخب الفكرية والسياسية التي تتملق عواطف الجماهير جراء الإحباط المتكرر وذلك بحثا عن شعبية ميكافيلية، مع أن وظيفة المثقف الفكرية هي إرشاد الجماهير والتفكير في مصالحها بمنأى عن الأنانية والمصلحة الخاصة. كما عانت الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية كثيرا من سيادة ثقافة المؤامرة وانتشار التعصب. إن حرمان المجتمع من الحياة الديمقراطية التنموية ورفع الشعارات المفخمة التي كانت سبيلا لقيام الشموليات العربية أدت إلي حالة يائسة تبعث على الرثاء ويسودها الكثير من الإحباط. لذا فإن وجود ثقافة عقلانية متنورة قد يكون بصيص الضوء في العتمة القائمة. واقع الحال يؤكد بأن الشعوب العربية ستظل هامشية تسير في ذيل الأمم في مختلف النواحي ما لم تمتلك نخبها الثقافية جرأة الدفاع عن مباديء التنمية والتنوير والديمقراطية، ضد التجهيل وثقافة العنف والتعصب والتقوقع التي تجتاح بشراسة العالمين العربي والإسلامي، فلا تقدم ولا مكانة فاعلة لأنظمة القهر والفساد ولا بديل عن سيادة الديموقراطية وروح الحوار والتسامح والاحترام الصارم للمواطن وحقوقه وكرامته، على أن يتم غرس ذلك منذ الطفولة وفي برامج التعليم والتربية على مختلف المستويات، وهذه – على الأرجح - هي المعايير التي تحدد معاني ومصطلحات المستقبل مقابل التقليد الموروث" ، فحجم المعرفة الإنسانية خلال العقد الأخير وحده يفوق بمرات المعرفة التي كانت سائدة في القرون السابقة، وهذا التطور المعرفي بحاجة إلى دمج في منظومة القيم والأفكار والمعتقدات السائدة، وعملية تكييف ـ و تعايش ما بين الدين وبينها، وخصوصا أن هذه المعرفة ليست وليدة أفكار فلسطينية أصيلة، بل جاءت من الغرب بقيمه ومعتقداته" ، وللعلم فان موقف التيار الديني السائد يتضمن ازدواجية واضحة، فالإسلاميين وهم خارج السلطة مع التعددية والديمقراطية والحريات لأنها طريقهم إلى السلطة أو على الأقل تتيح لهم حرية العمل المؤسسي، ولكنهم عندما يصلوا إلى السلطة لن يحترموا مطلقاً قواعد الديمقراطية. هنا تحديداً يطفو على السطح أحد أهم وأبرز المعوقات لمشروع التربية التقدمية القائمة علي قانون وتشريعات تراعي التطور والتجدد في الحياة الانسانية، حيث إن بعض أصحاب الفكر الديني يعتقد بعدم أهلية البشر للتشريع، باعتبار أن الشريعة موجودة وجاهزة في النصوص الدينية، "دستورنا القران "وأكثر من ذلك ثمة قواعد فقهية تؤكد بصورة قاطعة بأن " لا اجتهاد مع وجود نص "، رغم الدارس الباحث في التاريخ الإسلامي يتبين عدم صحة تلك الاعتقادات، حيث قام الخليفة عمر بن الخطاب بتوقيف حد السرقة في عام الرمادة، كما قام بإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم بعد ازدياد عدد المسلمين، وفي الحالتين كانت هناك نصوص قرآنية واضحة لا لبس فيها ! إن رفض القول بصحة وضع قوانين بشرية تنظم حياة الناس في مختلف مجالات الحياة، والتشبث والتقيد بالنصوص، من دون مرونة في التعامل، يعني أن النص الديني، يحتوي على إجابات حول كل مشاكل ومستجدات العصر، وأن كل صغيرة وكبيرة يتوفر النص الديني على إجابة مباشرة عنها. هذا يعني أنه يمكننا أن نجد في النصوص الدينية ما يشرح العلاقات الدولية المعاصرة، ونظرية الدولة والاقتصاد والإدارة والتأمين والشركات، وقوانين النقل البحري والمواصلات، والذرة، والاستنساخ وقوانين الفضاء وغيرها من المجالات... إلخ، وهذا شيء غير موجود في النص فلقد تطورت أحوال البشرية عما كانت علية في الماضي تطورا نوعيا والقانون باعتباره منظماً لأحوال المجتمع كان علية ان يواكب التطور فان محاولة إسباغ عصرية علي التراث لا يحتملها ولا تحتمله، وأي تجاهل لمشكلات العصر ليس في صالحنا كما يقول كل من جلال أمين وجوزيف مغيرل". ولعل الشيء الأقرب إلى المنطق وإلى حقيقة النص الديني – بحسب أبراش - بأنه " يعود إلى الناس تأويل النص الديني والتعامل معه بيسر ووضع هذه التأويلات والتفسيرات في قوانين وضعية تجيب عن مشاكل العصر، وبما لا يجعلها تتناقض مع روح الإسلام ومبادئه الأخلاقية، بمعنى أن القوانين الوضعية - في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم الإنسانية .. الخ - تدخل في باب الاجتهاد في أمور مستجدة، وهذا يتفق مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " أنتم أعلم بشؤون دنياكم". وهذا هو مفهوم العلمانية الذي يجب تبنيه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية " كما أن كتاب الإسلام وأصول الحكم للدكتور علي عبد الرازق قد فتح بوضوح وشجاعة فكرية ملف تخطئة الادعاء بأن الإسلام دين ودولة مؤكدا بالأدلة التاريخية الدينية الإسلامية بأن الخلافة كانت خياراً بشرياً وليس إلهياً وأن القران الكريم لم ينص علي شكل محدد للحكم والسلطة والسياسية. فلسطينيا أدي غياب الدولة بالمعني السياسي إلى تغليب الهم السياسي علي باقي الهموم الأخرى، بالتالي اثر ذلك علي الهموم الثقافية والاجتماعية، ولعل تردد القوى السياسية العلمانية كان سببا أيضا في إعاقة فرص التقدم الديمقراطي، فلقد تعززت فرص السلفيين لإدامة نشاطهم الفكري ومقاومة المستجدات التي قد تنعش الفكر العلماني بالرغم من إن تعميم التعليم قد حمل كثير من الفلسطينيين للانتساب إلي أحزاب علمانية إلا إن كل ذلك بقي متواضعا في ظل استحضار متطلبات الهم الوطني وطغيان ذلك علي باقي مناحي الحياة وهمومها، ما فرض علي العلمانيين تنازلات كثيرة بدعوى الحاجة إلي الوحدة، الأمر الذي زودهم بحجة وجيهة يسترون بها ضعفهم، كما أن التيار العلماني قد تعرض إلى أحداث وتحولات أدت إلى تراجع المد القومي العلماني، الأمر الذي فسح المجال للتيار الأصولي ليملأ الفراغ، إلى جانب تأثيرات انهيار المعسكر الاشتراكي، وفوق كل ذلك كان الاحتلال والعدوان الصهيوني المتعاظم وقمعه المتواصل، لانتفاضات الشعب الفلسطيني، ورفضه لكل القوانين ومقررات الشرعة الدولية. لعل المطلوب هنا التأكيد بأن العلمانية تحتاج إلى حوامل اجتماعية واقتصادية وتحتاج إلى علمانيين يمتلكون أسس العلمنة، وفي ظل نقص فاعلية الحوامل العلمانية في المجتمع الفلسطيني انعقدت الغلبة للموروث وتوالت المحبطات مما دفع بالعلمانيين للتراجع، مع إن واقع الحال يؤكد حاجة المجتمع الفلسطيني للعلمانية، خاصة في ظل المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها الشعب والمجتمع، فالمحتل يقوم بتدمير منهجي لكل ما يساعد المجتمع على التطور باتجاه الديمقراطية والتنمية، وهذا يوضح حجم وهول التحديات التي تواجه للفكر العلماني وإمكاناته، ذلك بأن الواقع معاند للعلمانية من جهتين الأولى داخلية اجتماعية باسم أصالة سابقة، والثانية خارجية من قبل الاحتلال المتحالف مع الإدارة الأمريكية بشكل يعيق آفاق التطور والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني. ثالثاً: العولمة - ما بعد الحداثة في داخل النفق المظلم لواقع مجتمعي مفكك وضعيف، تطالعنا العولمة، تلك المفردة التي أصبحت تطرح رؤاها الخاصة بصورة تكاد تنسف وتبطل كل ما سبقها من مفاهيم للجغرافيا والحدود والواقع الجديد بكل عوالمه الخائلية ومجتمعاته التي تتمثل من أفراد لا يجمعهم سوى إمكانيات ثورة الاتصال، تلك العولمة ينظر إليها كمجموعة من المخاوف والأهوال التي تهدد النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لشعوب العالم وثقافاتها، وتحديدا شعوب العالم الثالث ما ينجم عن ذلك من احتكارات كونية للاقتصاد العالمي والموارد الطبيعية و النفطية وتعاظم النفقات على التسلح في مقابل تراجع النفقات في محاربة الفقر والجوع والمرض والجهل، ما يؤدي إلى حرمان الدول المتخلفة من أشد ما تحتاج له للنهضة والتقدم، علاوة على أن اتساع الهوة بين الشعوب القادرة والضعيفة واختلال النظام الاقتصادي العالمي وانخفاض معدلات النمو وتفشي الفقر والبطالة وارتفاع المديونية وتفاقم تبعية الدول الفقيرة إلى الدول الصناعية، ناهيك عن معدلات التكاثر السكاني المتزايدة بصورة محمومة، وتناقص الموارد الطبيعية وتلوث البيئة الطبيعية وانتشار نزاعات الاستهلاك و تغليب السطحية والتقليد على الاقتباس المتبصر وانتشار قيم الفساد و الأنانية وبروز أمية القيم وتزايد الانحراف والعنف كل هذا يهدد ما وصلت إليه البشرية من قيم الحداثة وإنجازات التقدم العلمي ويؤدي إلى زيادة التقليد والأصولية في العالم، والمجتمع الفلسطيني جزء من العالم يتأثر بشكل كبير بهذه الأحداث التي تترك آثار وبصمات خطيرة على تكوين المجتمع. والسؤال المطروح الآن: كيف يمكن الصمود في وجه التحديات الجديدة المفروضة ؟ هذا لو نحينا جانباً قدرة الدولة الصهيونيةة بل ودورها المؤثر والمتفوق في أدوات العولمة التي تتيح لها استقطاب أوسع للعقول والكفاءات، مسلحة بلوحة متعددة الألوان من الثقافة والتكنلوجيا وحتى علوم اللغات، ومن الفنون والمسرح إلى الموسيقى ؟ ينبغي هنا الاعتراف بهول التحدي وخطورة ما هو قادم إذا لم يتم التدارك الفوري والعاجل للإشكالية قيد البحث والدراسة، أي مدى الحاجة المتزايدة إلى تناول قضايا تحرير الإنسان و تربيتة وتنميته وتوفير كل ضمانات احترام حقوق مواطنته، ودمجه في الحداثة التي تعني قبل كل شي حرية العلم والفكر العقلاني ومرونة الذهن والقبول بالاختلاف والتعددية الفكرية وحرية المعتقد الديمقراطي والمواطنة. ففي ظل التسارع المعرفي والتغير في العالم فإن المطلوب من المجتمعات والبشر اكتساب قدرات التحرك والتكيف لضمان البقاء والتقدم، ولابد لها من مغادرة نطاق التقليد، والطموح نحو الإبداع في الحكم الصالح والتنمية والتحرر الذاتي وإحقاق الديمقراطية والتحرر من العصبيات العشائرية والإرثية. يشار هنا إلى أن الثقافة الفلسطينية تعاني كما (العربية من ثنائية وانقسام، ثنائية التقليد والحداثة ولا يحتاج الإنسان لجهد كبير لكي يرى الفجوة التي تفصل بين الثقافتين) ، فالانغلاق والانكفاء على الذات والاغتراب يجعلنا نواجه التحديات بعقول سلبية هروبية فعلينا الانخراط في الحضارة الإنسانية دون تردد ودون حدود لأنها حضارة إنسانية لا يمكننا الوقوف ضدها ولا تحقيق التقدم خارجها، وللأسف إن ما يكبل العقل والعمل المشترك في المجتمع الفلسطيني في مجال التنمية هو ضعف الإرادة السياسية التي يمكن إرجاعها إلى غياب المجتمع المدني – الديمقراطي، وغياب دور المثقفين وتشريعاتهم للمستقبل بالإضافة إلى دور العوامل الخارجية المتمثلة في الاستعمار والصهيونية والإمبريالية العالمية والأمركة، التي تهدف إلى إبقاء حالة التخلف والتبعية في مجتمعنا. " إن خصائص وسمات المجتمعات العصرية باتت تؤثر فيها العوامل الخارجية بشكل كبير، فالحروب المرتقبة والناشئة الآن وجرائم العدوان والحرب و الاحتلال الأجنبي آخذة في التصاعد، والتدمير الحضاري لمنجزات البشرية في مجالات التنمية وحقوق الإنسان آخذ في التسارع المحموم، ويمكن القول أن العالم يمر بأزمات وهموم غير عادية". إن المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني تتطلب ثورة منهجية تمكن من القيام بمجموعة من الأدوار دفعة واحدة في إطار عملية تربية و تنمية شاملة بعيدة عن التخدير الأيدولوجي والافتراء على حقائق التاريخ، لأن تحويل العلاقة من علاقة قوامها التنمية والتحرر إلى علاقة تتخذ حدية الصراع بين داخل مطلق وخارج مطلق، وبالتالي تنامى الحديث عن الغزو الفكري بدلاً من الاعتراف ومواجهة عوامل التخلف والضعف الذاتي، وانسحب ذلك على تنحية الشروط الاجتماعية والثقافية للتنمية، وتم اعتماد البنى الثقافية والاجتماعية الموروثة التي تحولت إلى عوامل للمناعة الوطنية أمام هاجس الغزو الفكري. كل ما سبق جعل من قضايا التحرر والمدنية تنفصم عن البنى الاجتماعية والثقافية التقليدية وبقيت تلك البنى على حالها دون أن يطرأ عليها أي تغير جوهري، وتحول الخطاب النهضوي الحداثي إلى خطاب تقليدي ماضوي، مما مكن الاحتلال والإمبريالية من التحكم بأجزاء من عالمنا المطلق بناءً على خصوصية مزعومة، وعليه فإن الفلسطينيين مطالبون بفحص أدواتهم في المعركة من أجل التقدم والتنمية والانعتاق، بما يمكنهم من مواجهة تحديات العصر في إطار كوني يتسم بالتعقيد والهيمنة الأمريكية، الأمر الذي يستوجب توسيع دائرة التضامن الدولي مع جميع القوى والجمعيات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك القوى المناهضة للعولمة. رابعاً: نظرة على الواقع الاجتماعي من المنظور التربوي لعل المتأمل للواقع يلاحظ فجاعة المأساة، فالقيم المجتمعية السائدة في المجتمع العربي والفلسطيني هي قيم إيمانية بالمطلق الغيبي والقدري حيث تسود قيم الاتباع والتسليم والانقياد، وليس قيم التفكير والإبداع، قيم سيطرة العاطفة بدل الاحتكام للعقل، قيم الشكل والمظهر على حساب الجوهر، وقيم الأنانية الفردية على أنقاض الصالح العام.قيم الشعور بالذنب والخيبة، قيم الطاعة وليس قيم التمرد. قيم النزوع نحو الاتكالية واللامبالاة علي حساب الاعتماد علي الذات، والنزوع نحو التشديد علي العضوية مقابلا الاستقلال الذاتي.النزوع نحو الفردية وتأكيد سيطرة الرجل علي المرأه. كذلك عوامل الضبط خارجية وليست ذاتية، كما أن ثقافتنا شفاهية تتسم بالفجاعية وغلبة الهم الوطني عليها، بالإضافة إلى انعقاد السيادة للأمية الثقافية والجهل بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان على نحو لا يمكن قبوله، مع أن الفلسطينيين أقل شعوب المنطقة أمية. كل ذلك يؤكده حليم بركات في كتابه " المجتمع العربي المعاصر" وسمير أمين في كتابه " أزمة المجتمع العربي "، ويوافق عليه عدد كبير من المثقفين الفلسطينيين مثل حسن خضر وفيصل حوراني وجميل هلال ومنير فاشة وآخرون. إن واقع الأسرة الفلسطينية ونظام التعليم يعززان من السلطة الأبوية وينتجان نسخ متشابهة من الأجيال وهذا ما أكده الباحث د سفيان أبو نجيلة في كتابه خصائص شخصية الفلسطينيين، وفيما يلي مزيد من الضوء.على صعيد الأسرة: ويظهر جلياً على الصعيد الأسري أن الصورة الغالبة للعلاقات الأسرية بين الأبناء والأبوين في مجتمعنا الفلسطيني هي علاقة فوقية قائمة على النظام الأبوي الذي يتميز بسيطرة الأب المطلقة وخضوع الأم بشكل ظاهر مع تأثيرها بشكل خفي، ما يجعل علاقات النظام الأسري محكومة في الغالب بغياب الحوار والتربية الديمقراطية والذي يولد علاقات متنوعة حسب الموقف نتيجة للاختلاط في أساليب التربية والذي يعنى الاختلال في العلاقة بين الفرد والمجتمع الذي بدوره يفرز الكثير من الآثار السلبية أهمها: صعوبة التكيف وتحقيق التوافق في ظل حالة من غياب التثقيف حول الدور الاجتماعي المأمول من الأبناء بجوانبه المتشابكة وما يؤكد ذلك هو واقع الأسر الفلسطينية التي لا تمتلك وعي كافي بحقوق الأطفال أو فلسفة تربوية واضحة تخدم هذا التوجه. غير أن حلقة الصراع بين الأجيال قد تبدو غير ممتدة وغير خطيرة بحكم دخول عوامل دينية واجتماعية كالعادات والتقاليد لتحد من هذا الصراع - وإن بقي مكبوتاً - خاصة وأن التمييز بين الذكور والإناث واضح وجلي. في الغالب تؤدي هذة التربية إلى القبول بالواقع كما هو أو التعايش معه نظراً لتعود الإنسان الفلسطيني منذ صغرة علي القمع والتميز وهذا يشكل بحد ذاته معيق من معيقات إيجاد دستور وممارسات ديموقراطية. هنا ينبغي على التربية التقدمية أن تعمل على حماية الاستقلالية الفكرية للشباب والأفراد من هيمنة وتسلط الآباء وفق ضوابط عقلانية تحد من ظواهر عدة مثل غياب حرية الاختيار والزواج المبكر وقضايا التمييز وخلافه بما يؤسس لمواطنة تقدمية ديموقراطية. المؤسسات التعليمية: إن قراءة نقدية واعية في واقع هذه المؤسسات التعليمية بمناهجها وطرق تدريسها والمعلمين فيها ..الخ – يتأكد العكس من ذلك فهي تعتمد بالأساس آليات الحفظ والتلقين ومن ثم الاسترجاع الكربوني، الشيء الذي يقتل كل إمكانية للتفاعل الخلاق بين عقل المتعلم والمعلومة التي يتلقاها، والغالب أن عملية التعليم في فلسطين تفتقر في محتواها ومنهاجها التعليمي وطرق تدريسها لما يؤهل الطالب للمساهمة كعضو فعال في تنمية المجتمع المحلي، وتكفي الإشارة إلى ضعف المناهج الجديدة وضبابية أهدافها. ويأتي تأكيد ذلك في السياق " .. وللنهوض بالتعليم والتقدم به نحو الأفضل لا بد من البدء بإصلاح جذري تراكمي بما يؤدي إلى نتائج ايجابية على كافة الصعد الثقافية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا يتطلب تغيير في المفاهيم والأهداف بحيث لا تقتصر على الحفظ الغيبي بل لا بد من النظر للمتعلم كإنسان ذو إرادة، والمعلم هو أحد الوسائط للتعلم المفضي إلى توظيف المعرفة وتطبيقها، وإلى الإبداع والخيال والمبادرة والمنطقية والنزاهة وغيرها " و التربية التقدمية هي أحد العوامل الذي يبني عليها التغير التربوي والفلسفة التربوية والاجتماعية، لذلك ستكون هي أحد العوامل المقررة في التغير الاجتماعي والتنموي وهذا يستدعي من الباحثين عن التغير من الاستناد عليها وامتلاك مركز قوة ودفع جديد باتجاه التنمية و التقدم والديمقراطية. خامساً: المجتمع المدني في فلسطين من اللافت ذلك القول المأثور لأبي ذر الغفاري في معرض تحريضه لفقراء دولة معاوية فنراه يقول (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج علي الناس شاهرا سيفه)، وإذا استبدلنا الدولة الأموية بالدولة الغربية المعاصرة، ثم أبا ذر الغفاري باتحادات العمال والاحزاب والصحافة الحرة في أوروبا وأعدنا القراءة من جديد، فماذا عساها أن تكون النتيجة ؟ بكثير من الاختزال يصبح لزاماً طرح ذات التساؤلات فلسطينياً، فالمجتمع المدني يحتاج إلى مجتمع سياسي كون المجتمع المدني هو المساحة ما بين الأسرة والدولة بما في ذلك السوق وأشكال التنظيم الأخرى، ومنظمات المجتمع هي منظمات وسيطة بين الفرد والدولة فالدولة غائبة ومقومات المجتمع بالمعنى القانوني لا تزال غير حاضرة بالكامل فالإقليم والشعب والسيادة عناصر غير مكتملة في المجتمع الفلسطيني بسبب الاحتلال وممارساته. الملاحظ منذ أوسلو لدور منظمات المجتمع المدني يرى أن لها دور في مواجهة الاحتلال من جهة ومن جهة أخرى مواجهة بعض التعديات من السلطة. لذا لابد لقوي اليسار ومنظمات المجتمع المدني من امتلاك مشروع تربوي تقدمي لكي تثبت أفكارها الديموقراطية والتنموية لتزيد من قدرتها في الضغط والتأثير.وفي سياق الحديث عن المجتمع المدني لابد من تناول أبرز مكونات هذا المجتمع ولو بصورة مختصرة، كالمنظمات الأهلية وغير الحكومية والنقابات والأحزاب المعارضة. 1 - المنظمات الأهلية وغير الحكومية إن ظاهرة المنظمات غير الحكومية ككل تثير الجدل على الصعيد المحلي حيث يحمل المجتمع المحلي موقفا سلبيا تجاه العديد منها نظراً لارتباطها بالتمويل من الحكومات والمنظمات الغربية، وأظهرت التجربة أن بعضها اختفى وقلص خدماته عندما رفع عنه التمويل. وقد وجهت انتقادات شديدة ومتعددة إلى هذا النمط من التنمية والذي بدوره يتيح للأجانب السيطرة على التنمية والسياسة، إلى جانب كون ذلك يؤدي إلى إهدار الموارد وازدواجية المشاريع وتدني مستوى الخدمات وعدم القدرة على الاستمرارية ويجعل مصير بعض المنظمات الفلسطينية مرهوناً بخيارات المانحين، الأمر الذي يجعل تلك المنظمات عرضة للتأثر الشديد بالمتغيرات السياسية الخارجية ويرهن حراكها في القضايا الإستراتجية فوجود مجموعة من الخطوط العامة المتماسكة والمهنية يساعد على تقوية وتمكين المنظمات الأهلية الفلسطينية وبالمقابل استمرار الممارسات الفالتة من أي محاسبة سيؤدي إلى مواصلة عملية شرذمة وإضعاف قطاع العمل الأهلي وبالتالي إضعاف دورة في عمليات البناء والدمقرطة والتنمية للمجتمع ويضعف من قدراتها على المساهمة إيجابا في إيجاد دستور تنموي.من جهة أخرى هناك بعض الملاحظات النقدية التي تضر بالمنظمات الأهلية وغير الحكومية والتي لا يجوز إعفائها من المسؤولية. هناك تنافس غير صحي على التمويل، ضعف في التنسيق المحلي وازدواجية في تقديم بعض الخدمات، الخضوع لأولويات المانحين، الكثير من المنظمات لا تفلت من فرض التبعية التي تمارسها الأحزاب السياسية والسلطة، إضافة إلى ذلك غياب الديمقراطية وعدم دورية الانتخابات ونزاهتها في المؤسسات الأهلية وغير الحكومية على حدٍ سواء، وهذا بدوره أدى إلى غياب مبادئ المحاسبة والشفافية وانتشار مظاهر الفساد المالي والإداري، واستشراء نزعات الاستهلاك والإغاثة المؤقتة، وإلى زيادة الإحباط لدي العاملين. وفي ضوء هذا الواقع (فاقد الشئ لا يعطيه ) يمكن القول أن تلك المنظمات تعاني من أمراض عدة تجعل عدد كبير منها غير مؤهل للعب الدور المنوط به في التأسيس لمجتمع مدني بالتالي لتربية تقدمية ديمقراطية تنموية. وبالرغم مما سبق فإن ذلك لا يلغي بالضرورة الدور الإيجابي لبعض المؤسسات في مجال بناء الإنسان والمجتمع الفلسطيني وتنميته وتثقيفه ديمقراطياً ومدنياً. 2 - النقابات وأحزاب المعارضة مع قدوم ونشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، قامت الأجهزة الأمنية بالتدخل في تشكيل معظم النقابات التي يفترض فيها أن تناضل لتحصيل الحقوق المهنية لأعضائها ومنتسبيها، والأنكى أن معظم قيادات العمل النقابي أصبحوا موظفين في السلطة وبالتالي تم تفريغ العمل النقابي من محتواه بالكامل، هذا بالإضافة إلى معاناة تلك النقابات من ذات الأمراض المتعلقة بغياب الديمقراطية وتكاد تتكرر كافة المظاهر السلبية ذاتها التي تم استعراضها سابقاً عند الحديث عن المنظمات الأهلية وغير الحكومية. أما فيما يتعلق بأحزاب المعارضة فهي ليست أفضل حالاً، حيث تتمكن بعض الأحزاب من إخراج مسيرة بعشرات الآلاف في مهرجان انطلاقتها ولا تتمكن من إخراج تظاهرة لأجل النضال المطلبي وقضايا الأسعار والبطالة. هذا الشاهد وغيره يؤكد ضعف قدرة أحزاب المعارضة على المشاركة في نضال مدني وهذا مؤشر علي ضعف قدرتها في التأثير إيجابا لصالح قضايا الناس المطلبية أو حتى التأثير لصالح ايجاد مجتمع ديمقراطي مدني حر يستجيب لما تطرحه من شعارات وبرامج علي الأوراق. 3 – وسائل الإعلام أصرت السلطة على إحكام قبضتها على معظم وسائل ومنابر الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، مما أضعف أهم أدوات حرية التعبير والرقابة الشعبية على مؤسسات السلطة بل والمؤسسات كافة، ونظراً لغياب الإعلام الفلسطيني الحر اتجه المعارضون إلى القنوات الفضائية الأخرى واتجه الجمهور الفلسطيني لاستقاء معلوماته من مصادر غير فلسطينية، الشيء الذي أعطى القوى الخارجية هامشاً أكبر للتدخل والتأثير وانعكس كل ذلك سلباً على المشروع النضالي والديمقراطي. لكن ذلك لم يمنع قوى المعارضة من امتلاك منابر أخرى، كالمساجد في حالة القوى الإسلامية، وفي هذا السياق يشار إلى قوة تأثير تلك المنابر، ليس فقط بسبب ارتكازها على الخطاب الديني، بل كذلك لأن معظم الجمهور غير قاريء ويستقي معلوماته شفهياً. ومع ذلك فإن المنابر قلما تناولت النضال المطلبي، بل هيمن السياسي والديني على معظم أركان الخطب. موجز القول أن احتكار السلطة لوسائل الإعلام من جهة، وغياب الوعي والقدرة لدى المعارضة لاستغلال المتوفر والمتاح لديها من جهة ثانية، قد أفقد الإعلام الفلسطيني قدرته على ممارسة الدور المنوط به فيما يخص حالة التوازن بين السلطة والشعب، مما أضاف ضعفاً آخر إلى بنية ومقومات المجتمع المدني، وينسحب هذا الضعف علي مشروع التربية التقدمية الذي لم يأخذ حقه بالنقاش والحوار اللازم لتعميم الوعي لدي الجماهير ويجعلها تقرر بوعي في مشروع سيرسم ملامح مستقبل جيل قادم. نظرة على المشهد السياسي اتسم المشروع العربي للنهوض الديمقراطي بغياب الأهداف الاستراتيجية والرؤية معاً، ما أدى إلى غياب الإجابة على السؤال القلق بشأن المستقبل ؟ وغياب الوعي الفاعل الذي يستطيع الناس من خلاله قراءة حقيقة الصراع من حولهم علي نحو يملكهم حق المشاركة في مباشرته لتغيير واقعهم نحو الأفضل، بالتالي وقعت إشكالية مؤلمة بين واقع الخطاب والممارسة من جهة وحقيقة المنجزات من جهة أخرى. فلسطينياً تكررت ذات الفجوات بين شعارات التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية سيما في فترة ما بعد أوسلو. هذه وأخري تشكل عوامل مقررة تعيق الإجماع الوطني علي برنامج سياسي ديمقراطي تحرري، وبالتالي الاتفاق علي تربية تقدمية سيكون بلامر العسير نسبيا وربما يؤدي إلى جدل عاصف، إذا ما تم أخذ جميع ما ورد عند استعراض المشهد الاجتماعي الثقافي الفلسطيني، لذلك كان لابد من إبراز بعض المحاور ذات العلاقة بالمشهد السياسي الفلسطيني الراهن والتي سيشار إليها بقدر تعلقها بموضوعنا. 1 - محطات تاريخية من الصعب التركيز على الحاضر دون الحديث عن الماضي الذي يوجد به تفسيرات لعدد كبير من الأشياء: مرت فلسطين بتغيرات سياسية عدة، فقد كانت فلسطين جزءا من الدولة العثمانية التي تبنت نظام الخلافة الإسلامية بشكل نظام حكم ملكي ويطبق عليها الدستور العثماني . في ظل اتفاقية سايكس - بيكو البريطانية الفرنسية لعام 1916 و وعد بلفور في عام 1917 تم احتلال فلسطين من قبل الجيوش البريطانية في أيلول عام 1918 وقد أقر مؤتمر سان ريمو سنة 1920 انتداب بريطانيا الذي تكلل بموافقة عصبة الأمم على صك الانتداب في تموز عام 1922. ورغم مقاومة أهل فلسطين للاحتلال البريطاني واستمرت الاضرابات والثورات والانتفاضات التي لم تتوقف حتى انتهاء الانتداب البريطاني في 15 أيار عام 1948 بقرار من هيئة الأمم عرف بقرار التقسيم قرار 181. إثر انتهاء الانتداب ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل أعلنت الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل في عام 1949 وقام وضع فريد للشعب الفلسطيني فقد بقي جزء على أرضه داخل حدود 48، وبقي جزء على أرضه في قطاع غزة تحت سيطرة الحكم المصري وجزء ثالث على أرضه في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، كما تشتت أجزاء أخرى منه في سوريا ولبنان ومصر وحكمت بموجب قوانين تلك البلاد. بذلك باتت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية بعد قيام وحدة اندماجية مع شرق الأردن، وفي ظل هذه الوحدة لم يتمكن الفلسطينيون من بناء مؤسسات سياسية وتربوية مستقلة وأصبحوا مواطنين يحملون الجنسية الأردنية، أما قطاع غزة فلم يتم ضمه لمصر كما لم يصبح كيانا مستقلا في الوقت نفسه، بل عينت الحكومة المصرية حاكماً عاماً على القطاع يتمتع بصلاحيات واسعة وفي عام 1962 تم تأسيس مجلس تشريعي لسكان القطاع شكل مكانا ما لطرح قضية الكيانية والهوية الفلسطينية. فيما بعد " وقعت الأراضي الفلسطينية بكاملها تحت الاحتلال الإسرائيلي إثر حرب عام 1967 سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة وتم إنشاء الحكم العسكري الإسرائيلي، وصدرت الأوامر العسكرية ورفضت إسرائيل تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة. ورغم وجود الاحتلال الإسرائيلي كحالة واقعية تمثل السلطة والقمع والقهر إلا أن سلطة الاحتلال ظلت غير مشروعة وغير مكتملة، نظراً لامتلاك الشعب الفلسطيني مقومات السيادة التي بقيت كامنة فيه رغم أنه لم يمارسها بسبب الاحتلال، ثم بدأت بعض مظاهر السيادة تعود إلى الشعب الفلسطيني عام 1988 حيث تم فك الارتباط القانوني والإداري مع الأردن وفي العام نفسه تم إعلان استقلال الدولة الفلسطينية وإصدار وثيقة الاستقلال، وبعد انتهاء انتفاضة عام 1987 تم توقيع اتفاقات أسلو في عام 1993 التي أسفرت عن نشوء سلطة حكم ذاتي، ". غير أن هذا الكيان لا يتمتع بالشخصية القانونية الدولية الكاملة، فهو لا يستطيع ممارسة كامل الصلاحيات والمسؤوليات في مجال العلاقات الدولية وإنما تمارس هذه الصلاحيات بالنيابة عنه منظمة التحرير الفلسطينية، ويملك المجلس - في إطار وظيفته التشريعية - آلية سن القوانين أيا كان موضوعها إلا إذا كانت مخالفة لإعلان المبادئ أو الاتفاقيات التي تم توقيعها أو تلك التي ينتظر توقيعها، وبذلك نرى أن القدرة التشريعية للمجلس مقيدة. ما سبق يوضح كماً هائلاً وإرثاً متناثراً من التجارب في مجال القوانين والوثائق والسياسات التربوية التي لا تربطها صلة ولا تشكل بمجموعها نسقاً متكاملاً، ومهما يكن من أمر، يظل هذا الإرث فرصة لمناقشة إمكانيات ترتيبه وتطويره للخروج بنسق يبقى موضوعاً على طاولة المشروع التربوي، لكن ضمن الوعي العميق بطبيعة تلك الوثائق بحسب ظروفها التاريخية، مع قراءة لحاجات الواقع الفلسطيني الحالي والمستقبلي ضمن المعطيات والمستجدات المحلية والعالمية. 2- إشكالية العلاقة بين السلطة ومنظمة التحرير من جهة أخرى تطفو على السطح قضية جوهرية تتعلق بإشكالية العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، حيث بتشكيل السلطة الوطنية في أيار 1994، دخلت علاقتها مع المنظمة حيزها الرسمي والعلمي الملموس ولاحقا ترعرعت في ظل أجواء مأزومة داخليا وخارجا وعاشت العلاقة بينهما منذ البداية حالة من المد والجزر والتوتر. ومن المفيد التذكير أن أوضاع م.ت.ف كمكون رئيس للحالة السياسة لم تكن على ما يرام منذ ما قبل مؤتمر مدريد. ويفترض أن لا يكون هناك خلاف على أن م.ت.ف كمؤسسة وفصائل عانت في تلك المرحلة من تراجع دورها الكفاحي في مواجهة الاحتلال ومن غياب الديموقراطية وعسكرة علاقاتها الداخلية و علاقاتها مع الناس. وبمعزل عن مواقف القوى المؤيدة أو المعارضة للسلطة الوطنية، فلا أحد يستطيع إنكار أن قدوم السلطة قد شكل امتحانا لفكر وخبرات الفلسطينيين وقدرتهم على إدارة شؤونهم بأنفسهم في بناء أول سلطة فلسطينية على أجزاء من أرض فلسطين. وعند إجراء مراجعة لمرحلة السلطة الوطنية كتجربة نجد أنها لم تستطع تحقيق الحد الأدنى مما كان يتمناه الفلسطينيون، وأنها – على العكس - ألقت بإرث منظمة التحرير السلبي الذي طغى ربما على نواحيه الإيجابية حيث عانت كل مؤسسات المنظمة من تآكل داخلي ومن تغييب واقعي لدورها وصارت شبه محالة على التقاعد، كما أن ضبابية العلاقة بين المنظمة والسلطة أضعفت كليهما وأثارت تساؤلات شعبية حول مستقبلهما، ولم يمض وقت طويل حتى سلبت السلطة م.ت.ف. معظم مهامها وصلاحياتها، ولكنها في الوقت نفسه لم تملأ كل حيزها الجماهيري والخارجي، وتم تهميش وإضعاف منظمة التحرير كمرجعية أساسية للشعب الفلسطيني. كذلك فإن التشكيل الإداري للسلطة كان متماهياً مع أنموذج سلطة الحزب الواحد، ما أدى إلى إثقال كاهلها بمئات من السياسيين أو المدعين بها، وبالتالي أسفر ذلك عن نقص حاد في الكفاءات والخبرات، كما أرهقت التعيينات الواسعة جدا والعشوائية المحكومة باسترضاء الكوادر تارة وشراء الذمم تارة أخرى - كاهل السلطة الفلسطينية بأعباء مالية ضخمة، ما فرض على السلطة الفلسطينية إنفاق معظم الواردات المحلية والمساعدات الممنوحة في مجالات غير منتجة، ونذكر عجز السلطة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والكهرباء كأمثلة.كذلك فإن لجوء السلطة لمعالجة العلاقة مع المعارضة اكتسبت طابع المصادمات العنيفة غير الديمقراطية وعدم الاحتكام للقانون كما أن قضايا الرشوة والفساد والمحسوبية وهيمنة السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية والقضائية وانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني..الخ. وتقارير التنمية ومراكز حقوق الإنسان وبرامج الفضائيات - خير مرجع وشاهد على فداحة تلك الأخطاء والانتهاكات. ما سبق جعل السلطة في نظر الجميع سلطة فاشلة ينخرها الفساد مما أدى إلى انفضاض قطاعات إضافية من الشعب الفلسطيني من حولها وبخاصة أولئك المتطلعين إلى قيام سلطة ديمقراطية، وأصبح بإمكان المواطن الفلسطيني المفاضلة والمقارنة بين صورة السلطة بصفتها امتداد للأنظمة العربية المتخلفة والدكتاتورية التي طالما انتقدها ورفضها نموذجا لحكمه وسلطته، كل هذا جرى ويجري في وقت هجر فيه الشارع الفلسطيني الفصائل والتنظيمات الوطنية والأحزاب بصيغتها وعلاقاتها غير الديمقراطية. فالتعيينات العشوائية والانتقائية ذات الصبغة الحزبية زادت من طغيان الفصائلية على بنيانها التنظيمي وأظهرت العصبوية التنظيمية في أبشع صورها ووسعت الصراع على مناصب النفوذ والمصالح، الأمر الذي أفقد الشارع الفلسطيني ثقته بالسلطة وربما بمشروع التسوية الذي أفرزها من أساسه. الفكرة الأساسية من طرح جملة التناقضات والإشكاليات بين السلطة والمنظمة، تقوم على أن الهدف والمحصلة لكل منهما مختلفة، فالمنظمة ستأخذ بعين الاعتبار مراعاة فلسطينيي الداخل والشتات وحقوقهم وهو ما تصر إسرائيل على تجاهل الشتات والتنكر له، فيما ستقوم السلطة بمعالجة الموضوع في مناطق نفوذها وسيطرتها لتنسجم مع خارطة الطريق وجملة الاتفاقات الموقعة سابقاً أو تلك التي سيتم توقيعها. إن هذا الموضوع يطرح جملة من القضايا ويؤكد ضرورة إحياء م.ت.ف وتفعيل دور مؤسساتها علي أسس ديمقراطية، ووضع المصالح العامة فوق أي اعتبار آخر. إشكاليات السلطة والفصائل السلطة ملتزمة بالاتفاقات التي تحكمها التي تمنعها من التعاون مع منظمات ما زالت مصنفة أمريكياً وإسرائيلياً كمنظمات >إرهابية < حماس والجهاد والشعبية و.. إلخ. بمعنى تمنعها ليس فقط من أن تقيم علاقات معها، بل وأن تلتقي معها على برنامج يتناقض مع هذه الاتفاقات، إلا إذا وافقت هذه القوى على الدخول إلى برنامج هذه الاتفاقات. ".إن أي لقاء مع المعارضة، وفق الشروط الجديدة كان سيحتم على السلطة الوطنية أن تعيد النظر في مؤسساتها القائمة السياسية والتشريعية، مثل المجلس الوطني والمركزي وبقية المؤسسات الحكومية، حيث يفرض أي اتفاق دخول المعارضة جسم هذه المؤسسات، ولو بنسب معينة، وهذا أمر ليس في وارد السلطة الآن ". ومن شروط الإجماع الوطني أيضاً المراقبة والمحاسبة، والملاحظ أن السلطة الوطنية لا تتحمل النقد لا من الفصائل ولا حتى من المجلس التشريعي، الأمر الذي فاقم قضايا الفساد وزادها حدة، وهذا بدوره زاد الفجوة اتساعاً باتجاه التفكير بإقامة حكومة وحدة وطنية حقيقية، ذلك لأنها تمس مصالح عناصر وقوى موجودة في جسم السلطة الوطنية، وما يزيد الأمور تعقيداً أن هذه الحكومة لن ترضي أمريكا وإسرائيل بأي حال، لأن ذلك سيعني تغير قواعد اللعبة من أساسها. لكن السؤال الذي ظل مشتعلاً في أذهان القاعدة العريضة من الجماهير هو كيف انسجم كل هذا البناء بكل تناقضاته وخلافاته من أجهزة ومؤسسات السلطة والفصائل مجتمعه بحيث تم تجاوز القضايا المطلبية التي تشكل عصب الحياة وشريانها النابض، لتأتي إصلاحات فاتورة الأسعار والرواتب ومصادر الموازنة العامة مفروضة أمريكياً وإسرائيلياً ؟ إن الديمقراطية وممارستها على نطاق يلبي الحاجة في المجتمع الفلسطيني يتطلب وجود تيار ديمقراطي حقيقي، يتبني مشروع تقدمي ديمقراطي وأن الأسس الكفيلة ببلورة هذا التيار هي أن يحمل قضايا الناس، وأن تكون القوى والشخصيات القائمة على هذا التيار مؤمنين بالديمقراطية وبقضايا العدالة الاجتماعية. ولا شك بأن هكذا تيار لن يهبط من عدم بل من حتمية إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني لنفسه، أو على الأقل لتعيد الفصائل الفلسطينية إصلاح برامجها ورؤاها، وأن تولي الجبهة الداخلية اهتماماً لا يقل عن ذلك الذي توليه للعمل السياسي، والمفروض منطقياً أن تنبع قوة العمل السياسي من مدى الاستقرار الذي يتمتع به الداخل. هذه المعادلة ما زالت غائبة، كما أن اتساع الهامش الديمقراطي سوف يحتمل ظهور كفاءات جديدة تغني وتثري دمقرطة المجتمع وتقدمة ولابد من توفير شوط استقطابهم وفتح الافاق لهم عبر معاملتهم وتربيتهم تربية تقدمية. قضايا التحرر الوطني والديمقراطية والتنمية الغالبية في المجتمع الفلسطيني في الحالة الراهنة، تربط بين مهمة استكمال التحرير الوطني والتحول الديمقراطي في إطار السلطة الفلسطينية والمنظمة، وخاصة فيما يتعلق بالمشاركة في صنع القرار من خلال الانتخابات الشرعية والدورية، ويضيف هؤلاء أن البناء الديمقراطي يعزز من فرص تحقيق أهداف التحرير الوطني في دحر الاحتلال وقيام دولة مستقلة. والديمقراطية لا تتحقق إلا بالكفاح والنضال الدءوب لأجل تحقيقها. من ناحية أخرى يري فواز طرابلسي أن ثمة صلة عميقة بين قرار انفراد حركة التحرير بالسلطة وبين قطيعتها للمجتمع وديمقراطية النظام الذي تبنيه وديمقراطية التنظيم الداخلي لتلك السلطة ويستنتج طرابلسى أن قرار وحدانية السلطة باسم الشرعية الثورية أدى سلفاً إلى بناء سلطة استبدادية، وأن تبني التعددية في السلطة أو في المجتمع أو في الدولة الاستبدادية هو شرط ضروري وليس كافيا للديمقراطية، والشرط الكافي هو تحويل الشرعية إلى شرعية ديمقراطية - كما سلف - عبر انتخابات دورية بالتوافق مع إطلاق كافة الحريات. وقد أكد تقرير التنمية البشرية على أن " إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية يتطلب العمل على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة في نفس الوقت وبتوازن دقيق، كما يتطلب التعلم من الدروس واستخلاص العبر والتصرف بشكل مسئول حيال إصلاح مؤسسات السلطة – المجتمع ". السؤال هل يمكن قيام ديمقراطية في مجتمع غير مدني؟ وهل يكن بناء مجتمع مدني بأسلوب غير ديمقراطي؟ إن طرح إشكالية الديمقراطية والمجتمع المدني في الحالة العربية الراهنة، يكتسب طابعاً دراماتياً يعبر عن وعي الشعب ووعي النخبة المثقفة بالخصوص، في هذا الوقت بالذات، وبصورة لم يسبق لها مثيل، بغياب الديمقراطية والديمقراطيين وغياب "المجتمع المدني" في الوطن العربي، في كل قطر من أقطاره: غياب دولة المؤسسات، الدولة التي تستمد وجودها وشرعيتها من مؤسسات مستقلة عنها، وليس العكس،ان ما هو قائم اليوم في الأقطار العربية هو أما دولة الفرد (أو الحزب الوحيد) وأما دولة المؤسسة العشائرية (القبلية) وأما دولة تخفي جوهرها اللاديمقراطي بمظاهر ديمقراطية شكلية ومزيفة. "وإذاً فجميع الأقطار العربية، دون استثناء تعاني أوضاعاً تتسم بغياب الديمقراطية والافتقار إلى مقومات المجتمع المدني. وهكـذا، فالإشكالية المطروحة هي مشكلة الانتقال من وضعية غير ديمقراطية - أو ذات مظاهر ديمقراطية مزيفة - إلى وضعية ديمقراطية حقيقية في ظل ظروف تختلف جذرياً عن الظرف الذي تم فيه الانتقال التاريخي "الطبيعي" إلى الديمقراطية في أوروبا الحديثة". إن ربط عملية التحرر بالديمقراطية محق، فلا تحرر بدون مشاركة الناس ولا ديمقراطية أيضاً بدون مشاركة الناس، ذلك أن الديمقراطية مفتاح المشاركة للناس ومفتاح التحرر والتحول باتجاه مجتمع مدني حر، ولابد من التأكيد مجدداً على أن الدستور هو الآلية الناظمة لكل ما سبق، وهذا بدوره يؤكد المطروح في عنوان الورقة حول ضرورة أن يكون الدستور تنموياً ديمقراطياً، ويبقى المستقبل لكي يجيب على مسائل التطبيق والتنفيذ، ومقدرة المجتمع أفراداً ومؤسسات على الإفادة منه. "فشلت نظريات التنمية التقليدية في العالم النامي سواء منها تلك التي اعتمدت مدخل التحديث والنمو الاقتصادي علي غرار التجربة الغربية أو تلك التي اعتمدت مدخل العدالة الاجتماعية أو ما اصطلح على تسميته بالديمقراطية الاجتماعية" اليوم يسود اعتقاد بين خبراء التنمية أنه لا تنمية بدون ديمقراطية كما جاء في وثائق الأمم المتحدة التي تحدد خمسة مداخل للتنمية تشكل رزمة واحدة لتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والإنصاف ومكافحة الفقر والبنية التحية. لكن خصوصية الحالة الفلسطينية وغياب الدولة الوطنية أدى إلى تبلور مفاهيم تنموية عدة، بدأت بنفي وجود تنمية حقيقية في ظل احتلال، ثم ساد نموذج التنمية من أجل بناء قاعدة الدولة، ثم انتقل إلى نموذج التنمية من أجل الصمود والمقاومة، ومع قدوم السلطة تنمية من أجل البناء" ، وأخيراً يجري الحديث عن مفهوم التنمية الانعتاقية الشاملة. فلسطينيا تشكل الديمقراطية والتربية التقدمية الديمقراطية ضرورة لا غني عنها لإنجاح وتحقيق أهداف التنمية، ذلك أن التنمية الحقيقة تتطلب الحشد الطوعي لقدرات الناس، ومن غير الممكن تحقيق ذلك إلا في مناخ ديمقراطي تقدمي يحارب ظواهر الفساد والاحتكارات والثراء السريع وغير المشروع ويعطي الكفاءات المبدعة حقوقها كاملة، إلى ذلك فإن المناخ الديمقراطي يمكن من إدارة الموارد القليلة المتاحة بطريقة رشيدة ونافعة، فالتنمية والتربية التقدمية والديمقراطية وحقوق الإنسان مفاعيل ينبغي لها السير معاً بصورة متناغمة، وهذا هو نهج ( التنمية البشرية الانعتاقية التي تسعى إلى الدمج المحكم والمتوازن بين متطلبات التحرر والتنمية البشرية وتنظر إليهما كوحدة متكاملة تعتمد عناصرها على بعضها البعض، كما أن التنمية والتحرر هي عمليات مستمرة ذات طابع ديناميكي يتطلب التفكير الخلاق والحركة المستمرة والمترافقة وحفظ التوازن والاتجاه ويتلخص نهجها بالدمج المحكم بين متطلبات المقاومة والتنمية وتفعيل لطاقات الإنسانية من خلال المشاركة المجتمعية والتربية والتعليم ومضاعفة الجهود والسعي للمحافظة على حقوق الأجيال المقبلة في تفعيل دور المرأة وتكريس سيادة القانون ) في نهاية الحديث عن مكونات المشهد السياسي تتجدد التساؤلات المهمة والمصيرية ذات العلاقة بمشروع التربية التقدمية ، فأية مفاهيم للديمقراطية وأية مفاهيم للتنمية وللحرية سيعمل المشروع على بلورتها ؟ وما هي الإمكانيات المتوفرة لتحقيق ما يتم إقراره نظرياً. علماً بأن معظم التنمويين و التربويين يتفقون علي ضرورة أن يتم تضمين مشروع التربية التقدمية كافة مبادئ الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان. المشهد الاقتصادي رغم التوحد الفلسطيني الشامل في الإطار الوطني، إلا أن ذلك لم يلغي خصوصية الوضع الطبقي الذي تطور بصورة واضحة في الضفة والقطاع بشكل خاص، وبقى حال اللاجئين في مخيمات اللاجئين في الداخل والشتات على ما هو عليه تقريباً " فقد تطورت – في الضفة والقطاع – شريحة من البرجوازية التجارية الكومبرادورية المستفيدة من مناخ الانفتاح أو السوق الرأسمالي ويبدو أن الهدف من ذلك كان ترويض كافة العناصر الوطنية السابقة – عبر الامتيازات والوكالات – وتحييد القطاع الأوسع من الناس، ...، فقد استطاعت هذه الطبقة التكيف مع المتغيرات الجديدة السياسية والاجتماعية، وبالطبع حافظت هذه الطبقة على سلوكياتها وأخلاقياتها وعلاقاتها الاجتماعية والسياسية بما ينسجم مع مصالحها ". وبالرغم من أن سيطرتها السياسية لم تعد قائمة بالمعنى المباشر، إلا أن هيمنتها بقيت من خلال دورها في نشر قيمها السياسية والاجتماعية والأخلاقية في أوساط الجماهير – بتوافق المصالح مع السلطة. إن الظروف الاقتصادية التي يعانيها الشعب الفلسطيني من نقص في الموارد نتاج ممارسات الاحتلال التوسعية والقمعية من حصار وتبعية للاقتصاد الإسرائيلي، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد في فلسطين 600$ سنويا مع كل ما يوفره ذلك من فقر و بطالة وعدم المقدرة علي توفير لقمة العيش ومتطلبات الحياة الكريمة مما يكرس أولوية الإغاثة علي حساب مفاهيم التنمية والحق.كما أن المؤشرات الدالة على ذلك تشير إلى أن 85% من حركة التجارة من خلال إسرائيل ونسبة البطالة تصل إلى 41.5% وترتفع النسبة في قطاع غزة لتصل 64.3% هذه النسبة مؤهلة للارتفاع أكثر بفعل استمرار التصعيد من قبل سلطات الاحتلال و معدلات الفقر قد ارتفعت من 20%قبل الانتفاضة لتصل إلى 72%في صفوف العاملين حاليا حسب تقارير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين. وقد وصل العجز في الموازنة عام 2002 إلى 328 مليون دولار كما أن حجم القروض وصل إلى 1.3مليار دولار وهي تشكل 20% من الناتج الإجمالي المحلي وهذه مشكلة للجيل الراهن والأجيال المقبلة فكيف سيتم تسديد هذه الديون. أضف إلى ذلك أن نسبة قطاع التنمية الاجتماعية لا يزال لا يتجاوز 36%من نسبة الموازنة مع استمرار ارتفاع النفقات الجارية بما يزيد عن 60% في الموازنة عام 2003، ومن المثير معرفة أن 000 50 طالباً جامعياً لم يعد بإمكانهم دفع رسوم التعليم الخاص بهم. من المؤسف حقاً أن تأتي الإصلاحات المتعلقة بفاتورة الأسعار والرواتب ومصادر الموازنة العامة مفروضة أمريكياً، الأمر الذي يؤكد من جديد حاجة المجتمع الفلسطيني لإصلاح وطني شامل وأصيل ليقوم هو بتلك الإصلاحات، والمؤكد أن بالإمكان تحسين الأداء الاقتصادي عبر تقليص الأنفاق البذخ في مؤسسات السلطة وعبر التخطيط بشكل أفضل لاستخدام المواد المتاحة وإنهاء مظاهر الاحتكارات وإنهاء انتهاك الحقوق الاقتصادية للمواطن، وكان حرياً بالفلسطينيين معالجة وإصلاح الأوضاع الداخلية بأنفسهم قبل أن تترك تلك الأوضاع فريسة لخلق ذرائع التدخل الأجنبي. في النهاية يجب الاعتراف بمحدودية الخيارات في ظل التسلط والقمع الاحتلالي، فالفلسطينيين لا يمتلكون إلا خيارين الأول هو الانخراط التابعي في الاقتصاد الصهيوني الإمبريالي المعولم، الذي يؤكد الواقع ظلاميته، والأرجح أنه يلوح في الأفق وبالتالي سيكبل تطور المجتمع الفلسطيني في شتي المجالات. والخيار الثاني هو التوجه نحو سوق عربية مشتركة والانخراط في الخيار العربي والنهوض به وتقويته باتجاه فتح سوق العمل العربي أمام قوى العمل الشابة الفلسطينية كسبيل للفك من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وهذا خيار يحتاج إلى جهد وقرار سياسي واقتصادي بالمعنى الشمولي. ولكن الواضح أن تحديات متعددة تقف أمام تطور الواقع الاقتصادي الفلسطيني، فالأوضاع الاقتصادية هي أوضاع مقررة في تطور المجتمع علي كافة المستويات ولكم أن تتخيلوا ما يحدثه ذلك من تراجع ونكوص للمجتمع الفلسطيني. وهذا ما ينبغي أن نشير له عند تربية النشئ بشكل أو بآخر لكي نحدد معهم الملامح والتوجهات الاقتصادية للمستقبل القائمة علي اقتصاد العدالة الاجتماعية. الخـلاصــة أخيراً، وفي محاولة الورقة إبراز كافة المحددات ذات العلاقة بمشروع التربية التقدمية، يظل الباب مفتوحاً على مصراعيه لكل الفلسطينيين – والنخب المفكرة والمثقفة تحديداً – في اواساط مؤسساتنا لكي تمارس دورها التاريخي والريادي، في النقد وتحريك فئات المجتمع والمؤسسات لتحقيق أوسع مشاركة ممكنة، لمشروع سوف يحدد ملامح المستقبل ، و يشكل خطاً للأمان ومفصلاً للنظام وإطاراً للاستقرار ومحركاً للتقدم والنمو، خاصة في ظل تنامي اللامبالاة، وفي ظل ضعف بنية المجتمع المدني، الأمر الذي يضاعف كثيراً من المهمات الملقاة على عاتق تلك النخب، في كافة أماكن تواجدها، سواء في الجامعات أو في المؤسسات الأهلية وغير الحكومية، أو في الأحزاب السياسية، والباحث المدقق لمعظم مشاهد الحياة الفلسطينية، الاجتماعية و التربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية يخلص إلى كثير من الاستنتاجات نسوق أهمها : 1 – لابد من الاعتراف بكبر التحديات التي تواجه التنمية الانعتاقية والديمقراطية والتربية التقدمية في ظل خضوع الشعب الفلسطيني للاحتلال والتفريق العنصري، لذا فإن على التربية التقدمية أن تحث علي حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وأن تضمن أيضاً الحث علي احترام جميع مواثيق حقوق الإنسان والشرعة الدولية. 2 – لا تنمية ولا ديمقراطية ولا تقدم دون تحرير الإنسان، وهذا بدوره يضع سؤالاً حول مدي ضمان الحريات بما في ذلك حرية التفكير والاعتقاد والتعبير عن الرأي بحسب ما نصت عليه وثيقة إعلان الاستقلال 1988، وبحسب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فالإنسان وطاقاته الكامنة هو الملاذ الأخير لتنمية حقيقية تحمي المجتمع من عواصف الإلحاق والتبعية التي كرسها الاحتلال، وفي ظل تلك التي تتصاعد حدتها مع ما يسمى بمؤثرات العولمة والامركة. 3 – كما تقدم في المحاور السابقة، فقد تم توصيف الكثير بذات الرؤى التي يتم فيها توصيف الواقع العربي بصورة عامة، وفلسطين جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وبرغم الحالة الكئيبة التي آل إليها الوضع العربي، فإنه لا مناص من اعتبارات دستورية تخص الواقع العربي وتسعى لتحقيق تكامل تنموي على كافة الأصعدة، ويخطيء من يظن أن تحقيق التنمية والتقدم في المجتمعات العربية سيحدث دون تنسيق عربي مشترك وهادف. 4 – من المستحيل على أي شعب إحراز تقدم في أي شأن من شئونه دون نظام تربوي تعليمي تقدمي يعمل على تحقيق أهداف الشعب بصورة تتكامل فيها التطلعات والطموحات، وبالنظر إلى المناهج الحالية والجديدة يجمع الدارسون على عدم خضوعها لمجموعة أهداف مخططة بشكل صحيح بقدر ما هي تنفيذ لآليات أقرب إلى الفوضى وأكثر ميلاً للارتجال، وعلى التربويين والمناضلين من اجل التغيير مناقشة موضوعة مهمة وجد خطيرة، وهي المتعلقة بكيفية صناعة المناهج وإصلاح النظام التربوي والتعليمي بجميع عناصره ومكوناته الأساسية، وذلك لإنتاج عقليات تتكامل في تفاعلها الإيجابي وتواصلها الرشيد داخلياً وعربياً ودولياً، لذلك يجب أن يكون حضور الماضي والتراث بصورة مقننة ومنظمة وهادفة لكي لا تجعل العقلية بكاملها ماضوية. 5 – تعاني المجتمعات العربية والمجتمع الفلسطيني من انتشار ظواهر تقتل التقدم وتبطيء النمو، وفي مقدمتها الفساد بكل أشكاله السياسية والمالية، وهنا لابد من تربية تستطيع توعية المواطنين علي مبادئ الحياة المدنية مثل ضرورة فصل السلطات واستقلال القضاء وتكريس شرعية الانتخابات الحرة والنزيهة والدورية، ويجدر في هذا السياق الانتباه إلى عدم طغيان الشرعية الثورية على الشرعية الدستورية، وينبغي لمبدأ محاسبة المخالفين للقانون أن يطبق بعدالة وشمولية. 6 – إن عدم القيام بإصلاح جذري وشامل يراعي مصلحة الجماهير، يرقى الآن إلى مستوى من الخزي والعار بعد أن تركت تلك المفاصل ذريعة للتدخل الأجنبي بل ومن جهات يفترض أنها تصادر حقوق الشعب الفلسطيني وترتكب الجرائم بحقه. 7 – المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات يعاني من مراكز قوى وفئات طبقية ونخب مستفيدة من بقاء التخلف، وهي بالتالي ستكون معادية لأي تغيير ديمقراطي. 8 – يعاني المجتمع والمستقبل الفلسطيني مشكلات حرمان الأطفال من معظم حقوقهم المعيشية والتربوية وكذلك لمباديء التعامل النمطي التسلطي ضدهم، وعلى مشروعنا التربوي ان يركز علي إعطاء الضمان الكافي لمعالجة حقوق الطفل وكذلك حقوق المرأة في المساواة واحترام دورها ومكانتها في المجتمع، فلا تنمية حقيقية بدون مشاركة وتفعيل نصف المجتمع.
إن معظم تشكيلات المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات والأصدقاء المتضامنين مع شعبنا وقضيتنا يتطلعون الي ضمان التنمية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وخاصة المرأة والطفل مع ضرورة ان يجتهد الجميع لإبداع معالجة ديمقراطية وتنموية تتلاءم مع خصوصيات الفلسطينيين في الداخل والشتات. وهذا يحتاج إلى دور فاعل وشجاعة من المؤسسات والأفراد المعنيين وعلى الناس أن يعوا بأن الحقوق تنتزع . فمعاندة التاريخ لن يكتب لها الاستمرار إلى مالا نهاية". فنحن محكومون بالأمل، الأمل الاستراتيجي. في الختام، ورغم الوعي الكامل بالتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وفي الفترة التاريخية الراهنة تحديداً، فإن كل ما سبق لا يعدو محاولة تهدف إلى إلقاء الضوء على محاور هي في نظرنا مهمة، وهي لا تناقش مشروع التربية التقدمية في فلسطين لانة غير متبلور بعد بقدر ما تضع محددات يفرضها الواقع الفلسطيني بتعقيداته الشائكة، ويظل القول الفصل في هذا الموضوع للقوي المستنيرة الفاعلة، التي عليها يقع عبيء الاختيار بين البقاء في وهدة الضعف والفقر والتخلف والتربية التقليدية، أو النهوض والنمو والتقدم، بين استمرار حالة الذل والعبودية وقهر الاحتلال، أو الانعتاق الشامل والاستقلال.
#صلاح_عبد_العاطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطفولة في فلسطين بين ضراوة الواقع وضرورات الرد
-
التشبيك بين مؤسسات المجتمع المدني
-
الشباب الفلسطيني الواقع والطموح
-
تقرير اخباري عن مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني بالسويد
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|