أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم حجاج - مسرح العبث المصرى بين البيروقراطية والديمقراطية.. دراسة نقدية لمسرحية -فوت علينا بكرة-















المزيد.....



مسرح العبث المصرى بين البيروقراطية والديمقراطية.. دراسة نقدية لمسرحية -فوت علينا بكرة-


إبراهيم حجاج

الحوار المتمدن-العدد: 3189 - 2010 / 11 / 18 - 16:57
المحور: الادب والفن
    


مسرح العبث المصرى بين البيروقراطية والديمقراطية.. دراسة نقدية لمسرحية -فوت علينا بكرة- بقلم : ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم المسرح كلية الآداب جامعة الاسكندرية
مرت الإنسانية فى النصف الثانى من القرن العشرين بأزمة عصيبة تعددت أسبابها ، ولعل طبيعة تلك الفترة الحافلة بالحروب ، والتجارب النووية والعلمية ، والفلسفات والنظريات الجديدة ، كان لها الدور البارز فى تعميق هذه الأزمة فبدلاً من تكريس العلم لبناء الإنسان وتطوره ، تم استغلاله فى خدمة الحروب والدمار ، مما تسبب فى خسارة البشرية للملايين الذين طحنتهم تلك الحروب بأسلحتها المدمرة أو بآثارها الجانبية غير المباشرة .
كما ارتبطت تلك الأزمة ارتباطاً وثيقاً باستخدام الآلة على نطاق واسع فى عالمنا المعاصر ، فقد أدت القوة الهائلة التى تمتلكها هذه الآلات إلى شعور الناس لوقوعهم ضحية عملية ضخمة غير مفهومة ، فالإنسان حين ابتكر الآلة تصور أنها سوف تكون فى خدمته ، فإذا بالأمور تنقلب ليصبح هو خادمها ، ويتحول الناس إلى تروس فيها ، يعيش كلٍ داخل نفسه متقوقع فى مشكلاته لا يجد وقتاً ولا رغبة للتخاطب مع غيره من البشر .
وهكذا بدأت توجهاته تسلك مسلكاً معبراً عن أزماته ، وخبراته الجديدة ، " ففى ظل هذه الأجواء المفعمة بالغثيان والتشاؤم ، كان هناك إحساس عارم بعبث الحياة وانعدام جدواها ومعناها ، وافتقاد الهدف الذى يسعى الإنسان إليه ، فعلام السعى والجهد والمعاناة نحو تحقيق هدف قد يدمر فى أية لحظة وسط حروب تحركها أطماع دولية لا يقوى الفرد على مجابهتها لضعف شأنه وقلة حيلته ، وكان طبيعياً فى ظل هذه الظروف أن تفرز مشاعر متباينة مضطربة مثل اليأس والقلق والتوتر والتمرد واللامعقول والغربة ."
وعلى إثر ذلك ظهرت اتجاهات فكرية جديدة فرضت نفسها على الساحة المسرحية كضرورة فنية لمواكبة الظرف التاريخى الذى عاشه الإنسان فى تلك الفترة ، وقد تمردت تلك الاتجاهات على القديم وعلى الراهن فى الشكل والمضمون بحثاً عن لغة مسرحية جديدة، إذ أدرك الفنانون أن الأشكال والصيغ المألوفة ، أو التقليدية لم تعد صالحة للوفاء بمتطلبات اللحظة التاريخية أو للتعبير عن أزماتها وصراعاتها ، وتحولاتها على مستوى الأنساق المختلفة .
ومن بين تلك الحركات برزت المدرسة العبثية كأحد الأشكال التى لفتت الأنظار بما فيها من حداثة وخروج تام عن المألوف فى المسرح ، " حيث كانت الرؤية العبثية لمصير الإنسان ، وواقعة هى المنطلق الفكرى الرئيسى فى عروض هذا الاتجاه الجديد ، ولهذا فليس من الغريب أن نجده يتخذ موقفاً معادياً من اللغة المنطوقة ـ لغة الحوار والفكر ـ ويسعى إلى تهميش الكلمة ، أو تفريغها من محتواها عن طريق إبراز آليتها وتحجرها وانفصالها عن الواقع البشرى الحى ، والوضع الإنسانى الحقيقى ، أو نفيها تماماً عن المسرح ، واستبدالها بتراكيب صوتية جديدة لا لغوية ، بكل ما يحمله هذا التهميش أو الاستبدال من دلالات لأنماط التفكير السائد والمؤسسات العقيدية ، الأطر القيمية الموروثة.

والعبث (Absurd ) " كلمة من أصل لاتينى معناها النشاز ، والنبو عن القاعدة ، انعدام المعنى " ، وانعدام التناسق ، والخلو من الهدف ، والانفصال الذى يجعل التصرف غير مبرر ، والكلمة فاقدة للمعنى ، والأسباب لا تشير إلى النتائج ، ولا تتفق معها .
وأول من أسس مفهوم العبث بمعناه الحديث هو الكاتب المسرحى ألبير كامى عندما وضع بحثه الفلسفى " أسطورة سيزيف " الذى نشره عام 1942 ، وفيه اعتبر كامى الإحساس بالعبث مرضاً من أمراض الروح المعاصرة ، وشبهه بلعنة "سيزيف " الذى استخف بالآلهة ، وتمرد علي الموت فحكم عليه " زيوس" بأن يقضى الأبدية فى الجحيم يدفع حجراً ضخماً إلى قمة جبل شاهق ، حتى إذا ما بلغ القمة تهاوى منه الحجر إلى القاع من جديد ، ليهبط وراءه ، ويعاود الكرة مرة إثر مرة ، بلا نهاية لعذابه ، وكأنما " زيوس " قد أدرك بخبثه الإلهى ـ على حد قول كامى ـ أنه ما من عذاب يعانيه الإنسان أفظع من الجهد الذى لا طائل من ورائه .
ومسرح العبث فى مضمونه يرصد ظواهر الأزمة ويعبر عن انفصال الإنسان عن جذوره، حيث يعكس إحساس الكاتب الغربى بعبث الحياة المعاصرة وقيامها على كثير من الأوضاع غير المعقولة نتيجة الحروب ، والصراعات ، وسيطرة النظم السياسية على مصير الإنسان .
وقد أحس بهذه المعانى كثير من كتاب المسرح الجادين قبل ظهور مسرح العبث ، لكنهم عبروا عن إحساسهم بعبث الحياة ، ومتنا قضاتها فى إطار مسرحى منطقى مرتب لا يتلاءم مع مضمون العمل المسرحى ، ثم جاء كتاب العبث فحاولوا أن يلائموا بين الشكل والمضمون ، بحيث يلتحمان معا بلا تناقض فيصبح الشكل فى اختلاط أحداثه وتحلله من المنطق ، والسياق المفهوم ، واستخدامه للغة ، على نحو يمثل ما فى لغة الحياة من تناقض وسطحية ، وصورة لما فى واقع الحياة من عبث وأوضاع غير معقولة .
وقد صادف مسرح العبث نجاحاً ملحوظاً فى بداية ظهوره ، وصل صداه إلى مصر ، وتأثر به بعض كتاب المسرح المصرى ، فإذا كان العبث قد أدى دوراً واضحاً فى الفكر الأوروبى نظراً للظروف التى مرت بها أوروبا فى ذلك الوقت ، فهو قد ألقى بظلاله أيضاً على الفكر المسرحى المصرى ، فقد حاول كتابنا أن يطرحوا أفكاراً جديدة حول عبث الحياة منهم توفيق الحكيم ، ميخائيل رومان ، صلاح عبد الصبور ، ويوسف إدريس .
فقد كان توفيق الحكيم رائداً فى هذا المجال ، وقد رأى أن العبث الحقيقى هو فقدان تعادل الإنسان ، وخلله فى علاقته بنفسه ، أو مجتمعه ، فالحكيم يرى أن العالم لا يقوم به عبث إلا إذا اختل ميزان تعادل هذا الكون .
والجدير بالذكر أن هذا النوع من المسرح لم يصادف نجاحاً فى مصر فى حينه ، لا على مستوى التأليف ولا على مستوى الاستقبال الجماهيرى ، لأنه يعكس حاجات فنية ونفسية لبيئة تختلف اختلافاً جوهرياً عن بيئة المجتمع المصرى بتراثه الحضارى والدينى الممتد عبر التاريخ والذى ما كان يمكن أن يجعله يؤمن بفلسفة عبثية الوجود .
فقد أثبت مسرح العبث بشكله الأوروبى أو الغربى الصرف أنه غريب على تربتنا الثقافية لأنه أيضاً يتناول مشاكل غريبة على واقعنا المُعاش ، وإذا كان هذا المسرح يمثل ظاهرة صحية فى بلدان لا تعانى من مشاكل الغذاء أو المسكن أو الملبس وحرية التعبير ، وتستطيع أن تدخل فى دوائر الميتافيزيقا والوهم والحقيقة فإن هذا المسرح يعتبر ترفاً فكرياً بالنسبة لبلدان تكون الظروف الإنسانية فيها ظروفاً مادية صعبة لأنها ظروف عالم قد خرج لتوه من دائرة مستعمر أجنبى ظل جاثماً على صدور الناس لقرون ، وهكذا تصبح مشاكل هذا العالم هى مشاكل الحرية التفكير والتعبير ، وحرية العيش على مستوى إنسانى لائق من ناحية المأكل والملبس والمسكن.

وإذا كان العبث المصرى قد حاول فى البداية أن يحاكى الشكل الغربى إلا أنه فيما بعد اكتشف إمكانية توظيف الشكل التعبيرى للعبث لخدمة قضايا اجتماعية وسياسية مصرية وعربية، ففى فترة السبعينيات عاشت مصر عبثاً فرضته المتغيرات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية ، وقد حاول بعض الكتاب تقريب عالم العبث وتطويعه كشكل مسرحى أو قالب درامى ليتناول قضايا اجتماعية ، ووضعه فى خدمة ما يمكن أن نسميه بمسرح النقد الاجتماعى ، ومن بين هؤلاء الكتاب برز اسم "محمد سلماوى " الذى "التقط جملة (فوت علينا بكرة ) المألوفة فيحولها فى جرأة شديدة إلى شيء جديد غير مألوف شيء يثير سخطنا على الواقع المقلوب ، وكأننا نراه الآن لأول مرة من خلال عينى المؤلف فنكتشف عبثيته الصارخة ، لقد نجح المؤلف فى تطويع مسرح العبث لمضمون مصرى خالص ، ليس باختياره لموضوعات مستمدة من الواقع الذى نعيشه فحسب ، وإنما أيضاً باستخدام الأساليب العبثية بشكل مختلف ولأهداف جديدة " .
وتدور أحداث مسرحية "فوت علينا بكرة " حول المواطن البسيط "أحمد " الذى تخرج حديثاً فى الجامعة ، وتبددت أماله فى الحصول على فرصة عمل بعد أن انتظر ثلاث سنوات عجاف ، لم يستطع خلالها أن يكون نفسه مادياً فيلجأ إلى الخلاص الشخصى ، ويقرر السفر إلى إحدى الدول العربية ليشق طريقه خارج بلده بعد أن ضاقت به الدنيا داخلها . وتسوقه الأقدار إلى إحدى المصالح الحكومية التى يتقدم إليها للحصول على خاتم الدولة لاعتماد الأوراق اللازمة للسفر .
ويصادف أن يأتى "أحمد " إلى المصلحة أثناء انعقاد اجتماع عام يقرر فيه مدير المصلحة " عبد العال بك" إصدار قرار إدارى بإلغاء التسيب ، ومعاقبة كل من تسول له نفسه مخالفة القرار الجديد ، وأمام انشغال الموظفين بهذا الاجتماع ، يصيح كل منهم فى وجه " أحمد " بجملة " فوت علينا بكرة " ، ومن سوء حظه يفوت عليهم فى اليوم ذاته بعد فض الاجتماع ، لتبدأ محاكمته ، وحسابه حساباً عسيراً بكم من الأسئلة التى تصل فى غرابتها إلى مرتبة العبثية ، لماذا يريد السفر للبلاد العربية ؟ كيف يترك بلده التى تحتاج إلى سواعد أبنائها ؟ البلد التى كبرته وربته وعلمته .. من سيبنى هذه البلد إذا هجرها أبناؤها ؟ لماذا لم يتزوج قبل السفر ؟ وإذا كان مسافراً من أجل خطيبته فأين هى ؟ ولماذا لم تأت معه ؟
ويتم استدعاء " نبيلة " خطيبة " أحمد " إلى خشبة المسرح فى اللحظة التى يبرز فيها صورتها ، ويحاول " عبد العال بك " (مدير المصلحة ) ، عبد السلام أفندى ( أحد موظفيها ) محاصرتها بالأسئلة لمعرفة محل إقامتها ، أو رقم تليفونها ، ثم تختفى نبيلة بعد مواجهة عنيفة بينها وبين أباطرة البيروقراطية فى هذه المصلحة .
وبعد نفاذ صبره يطلب " أحمد " معاملته على اعتبار أنه غير خاطب ، وهنا يتفجر سيل الأسئلة من جديد . لماذا لم يتأهل قبل سفره ؟ وكيف سيعيش فى الغربة وحيداً ؟ وإذا كان لم يتزوج بعد فلما لا يتعجل ويعقد قرانه إذ أن خير البر عاجله والغربة قاسية ولماذا لا يتزوج من أحد العاملين بالمؤسسة ؟ وهنا يخرج " عبد السلام أفندى " من خلف أكوام الملفات مرتدياً ثوب زفاف أبيض يتخايل به أمام " أحمد " ـ على خشبة المسرح ـ الذى يقف حائراً مندهشاً غير مصدقاً لما يراه .

"أحمد : يا إخوانا مش معقول كده ! أنا مش قادر أصدق اللى بيحصل ده (فى
سخرية ) أنا حاسس إنى باتفرج على مسرحية من مسرحيات اللامعقول !.

عبد السلام أفندى: أهو إحنا بقى بتوع اللامعقول .. إحنا اللى بدعناه قبل ما يعرفوه فى بلاد
برة ! عايز إيه بقى ؟ "

ويحاول "أحمد " المحافظة على البقية الباقية من رشده ، ويصرخ فى الموظفين بأنه لا يريد السفر ، ولا يريد أختاماً ، ولا أوراقاً ، فهو يريد الخروج من هذه المؤسسة فحسب ، ويأتى رد "عبد العال بك" مخيباً لآماله فى النجاة بنفسه من هذه الدوامة .

عبد العال (بك) : تخرج إزاى يا أستاذ هى المسألة فوضى ولا إيه ؟ بقى تدخل مكتب
حكومى وتضيع وقت كبار الموظفين ، وبعدين تقول سيبونى أروح؟ أُمال
كنت جاى ليه ؟ علشان تتسلى ؟ ما قلنا لك تتفضل من غير مطرود ما
عجبكش ، فوت علينا بكرة بردو معجبكش دلوقتى جاى تقول روحونى ؟
الراجل لازم يبقى له موقف ثابت .. يبقى له كلمة.

عبد السلام أفندى : راجل مالوش كلمة .

أحمد : ( فى فزع ) أنا عايز أخرج من هنا .

عبد العال (بك) : دخول الحمام مش زى خروجه يا أستاذ .

أحمد : سيبونى أخرج .

عبد العال (بك) : إزاى تخرج من غير تحقيق ؟ "

ويصبح خلاص "أحمد " مستحيلاً بعد أن اكتشف الجميع أن سلوكه سلوكاً مريباً مثيراً للشبهات ولابد من محاكمته ، وهكذا تبدأ المحاسبة التعذيبية التى يكال له خلالها سيل من الاتهامات بدءاً من التشكيك فى وطنيته ، وصولاً إلى اتهامه بالإرهاب والجاسوسية والشيوعية والناصرية والوفدية والعلمانية وما إلى ذلك من الاتهامات المتناقضة المتباينة ، وتنتهى المسرحية بجريمة أكثر عبثية ، فبدلاً من ختم أوراق السفر لأحمد يتم انتهاك حرمة جسده بعد تجريده من ملابسه وصلبه على أحد جدران المؤسسة ، وختم جسده العارى إلى أن يموت .

إن النص يمكن أن يفهم على أكثر من مستوى ويحمل أكثر من دلالة ، حيث ترتدى القضية التى يحملها أكثر من ثوب تصب جميعها فى إطار من النقد الاجتماعى والسياسى الهادف الذى يقدم بدوره عريضة احتجاج ضد الأنظمة الفاسدة والشخصيات السلبية أياً ما كانت ، حيث تعكس الرؤية الفكرية للنص ـ بوجهها الظاهرى ـ معاناة المواطن المصرى البسيط فى مواجهة بيروقراطية جامدة ، تتزعمها فئة من كبار موظفى الإدارات الحكومية الذين يتعاملون مباشرة مع الجمهور ، ويقومون بالتطبيق الحرفى الممل للنظام الإدارى ، وعدم تجاوزهم لأى مفردات وضوابط يحتويها هذا النظام ، مهما كانت صغيرة وغير ذات أهمية ، مما يؤدى إلى تعقيد الإجراءات ، وتعطيل مصالح المواطن الذى يجد نفسه قد غاص فى عالم عبثى يستحيل فهمه ينتهى بالإجهاز عليه وموته .
لقد اكتشف "سلماوى" أن العبث واللامعقول ، والفوضى أصبحت الآن من السمات الرئيسية لنسيج حياتنا اليومية ، " فقد تحول النسر المدموغ على الأوراق الرسمية إلى نسر وحشى يلتهم أعز الأحلام .. لقد أصبح النسر المحلق فى الفضاء الفسيح رمزاً للتعويق والتعطيل " ، وتحول المكتب الحكومى الذى بُنى من أجل تقديم خدمات للشعب إلى شيء مناقض تماماً ، لهذا لجأ "سلماوى" إلى تكنيك العبث ليس لتوصيل أحاسيس اليأس واللاجدوى والعدمية كما حدث فى مسرح العبث بشكله الأوروبى ، ولكن لتعميق الإحساس بخطورة المشكلة ، وإثارة الوعى وصولاً إلى التغيير .

"نبيلة : (تنفجر فجأة ) أنت خدام الشعب والمكتب ده لخدمة الشعب والبلد دى مش عزبة
بتاعتكم تستغلوها لمصلحتكم دى بلدنا إحنا "

لقد تناول " سلماوى " العبث الواقعى المصرى الذى ينبع من واقع الأحداث فى ظل منطق الحياة المعكوس ، حيث يرصد النص الحالة المتردية التى وصل إليها المجتمع المصرى على أيدى جمهرة من الموظفين التى توقفت عقولهم وتخشبت مثل المكاتب البالية التى يجلسون عليها ، وتحولوا إلى عبدة للبيروقراطية العتيقة ، والروتين القمىء .
إن مشكلة البيروقراطية ، أو بعبارة أخرى مشكلة التعقيدات المكتبية والإدارية ، تعتبر فى هذا العصر مشكلة عالمية لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات البشرية المتقدمة والنامية على اختلاف أنظمتها واتجاهاتها ، وقد أوضح "الفريد سوفى" ، أن "أتساع نشاط الدولة يقتضى بالضرورة إنشاء المزيد من المكاتب والهيئات التى تتولى الإشراف على هذا النشاط المتسع وتتطلب أيضاً زيادة عدد الموظفين الإداريين والفنيين ، وهذا القول يصدق على الدول الآخذة بالنظم الاشتراكية ، مثلما يصدق على الدول الآخذة بالنظم الرأسمالية ، مع فارق لابد من الالتفات إليه دائما وهو طبيعة كل من هذه الأنظمة ، وأهدافها ، واتجاهاتها فى العمل والتصرف.
والبيروقراطية مفهوم يستخدم فى علم الاجتماع والعلوم السياسية بما يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة فى المجتمعات المنظمة ، " وقد شاع استخدامه فى ألمانيا فى القرن التاسع عشر حينما زاد تدخل الدولة وسيطر الموظفون على أجهزة الحكومة " ، ومع ذلك لا وجود لاتفاق أساسى بين العلماء الاجتماعيين حول معنى البيروقراطية " وقد يصل التعارض إلى حد وصفها بالفاعلية الإدارية ، كظاهرة أساسية ضرورية لإنجاز الأعمال والمهام من ناحية ، ومن ناحية أخرى يربطها البعض بالشلل الإدارى وانتشار الروتين ، والقواعد الجامدة ، وبطء الإجراءات وسيطرة العلاقات الشخصية ، "
وهذا الجانب السلبى هو ما تناوله " سلماوى " فى نصه ، حيث أن مشكلة البيروقراطية، وتخلف النظم الإدارية هى واحدة من أهم المشاكل التى واجهت المجتمع المصرى فى النصف الأخير من القرن العشرين ، " وذلك بسبب الأخذ بنظام مبدأ أهل الثقة عند اختيار القيادات ، وهو المبدأ الذى ساد بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، وقام على اختيار القيادات من أهل الثقة والولاء على حساب أهل الكفاءة والخبرة والتخصص ، فأصبحت كل المناصب القيادية من فئة أصحاب الولاء ممن ليس لهم دراية كافية بعلم الإدارة وفنونه مما أدى إلى اختلال الأجهزة الإدارية وضعفها ، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة .(37)

ويبرز " عبد العال بك" فى نص " سلماوى " فى أعلى الهرم المكتبى كشخصية انتهازية ، وكخير مثال للمدير الفاسد المرتشى المشغول بمصالحه الخاصة ، وعلاقاته المريبة بأصحاب النفوذ فى مواقع أخرى ، بالإضافة إلى استثمار وظيفته ومركزه ، واستغلال علاقة زوجته برؤسائه للصعود من هرم لهرم أكبر وكل ذلك فى ظل سياسة البيروقراطية التى تسود الأنظمة الإدارية فى ذلك الوقت .

"عبد العال بك : (فى التليفون) يا تفيده أنا مش عايز اللجنة دى .. دى منظر وبس لكن
المجلس هو اللى حايمشى لنا شغلنا كله أنتِ ناسية إنى حاخش شريك فى
السوبر ماركت بتاع حسين بيه والترخيص بتاعه لا يمكن حايطلع إلا لو
أنا دخلت المجلس .. انتخاب إيه بس يا تفيده ولا انتخاب ولا حاجة هو
عبعاطى اللى فى أيده كل حاجة معلش علشان خاطرى كلميه تانى .. أنا
مـقدرش أكلمه فـى البيت لاكن أنت واخدة عليه وهـو بينفذ لكى كل
طلباتك."
وإن كان "عبد العال بك" يمثل قمة الهرم الفاسد فإن قاعدته يمثلها مجموعة من الموظفين فارغى العقول أمثال " عبد السلام أفندى " ، و " عبد المجيد أفندى " ، وأتباعهم أدوات الجهاز البيروقراطى اللذين يتحركون كالدمى ويرددون كلام "عبد العال بك " دون أدنى تفكير أو مبرر منطقى. "وقد أتت صورة "كورس" الموظفين منافية لمفهوم الواقعية الفوتوغرافية ، فقد ارتدى أحدهم جلباباً ، والآخر بيجامة ، وهم يحملون أدوات المقاهى والمطاعم ، فى محاولة من الكاتب لتجسيد معانى الإهمال ، وازدراء العمل واللامبالاة ، والرغبة فى تحويل مكان العمل إلى مكان للتسلية لأنه ليست للعمل ذاته قيمة" .
ومع نهاية المسرحية يتحول "كورس" الموظفين إلى زبانية للتعذيب والإذلال ، فمع إشارة عبد العال بك الأولى يمسكون بأحمد ويسحبونه إلى الحائط الخلفى فيضعون وجهه على الحائط ، ويمدون ذراعيه ممسكين به كالمصلوب ومع إشارة " عبد السلام أفندى " ينقسم أفراد الكورس إلى ثلاث مجموعات ، المجموعة الأولى تخلع عن أحمد ثيابه ، والمجموعة الثانية تستمر فى الإمساك به فى وضع المصلوب ، والمجموعة الثالثة تتجه مع عبد السلام أفندى إلى خاتم الدولة لتساعده فى حمل ذلك الخاتم العملاق (عامود يصل طوله إلى مترين)، ويظل يختم به أحمد على جسده العارى ، وكأنه تحول إلى ورقة رسمية يجب أن تختم ، بينما ينشد كورس الموظفين فى عبثية واضحة إحدى أغانى الأطفال (واحد أتنين ثلاثة .... إبرة الخياطة ) ، وكأنهم فريق من الجلادين المرضى نفسياً ـ وأغلبهم كذلك فى واقعنا العملى بالفعل ـ يتسلون بالضحية ، حتى يسقط محطماً تحت أرجلهم.
ويوحى المشهد بجريمة اغتصاب جنسى تنتهى بموت أحمد فى دلالة رمزية تستهدف الكشف عن مدى القهر والإذلال الذى يعانى فيه الفرد فى ظل الأنظمة البيروقراطية التى حولت المؤسسات الحكومية التى من صميم عملها تقديم خدمة للمواطن لتيسير مصالحه إلى أداه للقضاء عليه ، وموت هذه المصالح مادياً ومعنوياً وأمام فساد الجهاز الحكومى وفشله فى تأدية هدفه " يصبح أحمد ضحية تقدم قرباناً على مذبح البيروقراطية ، خاصة أن أحمد يموت بالفعل ، وهو يتلقى خاتم الدولة المرعب فوق جسده ، وليس هناك ما ينفى أن ما فعلته طبقة الموظفين تلك (طقس ) ربما يتكرر كل يوم مع ضحية جديدة . "

وينتمى " عبد العال بك " ، ومجموعة موظفيه إلى نمط الانحراف الطقوسى أو الروتينى، وهو ما أسماه "ميرتون " بطقوسية البيروقراطية ، وهم من يستمدون رضاءهم من مسايرتهم للوسائل المحددة ، والامتثال القهرى للأعراف والقوانين ، "وقد يثار التساؤل حول إمكانية وصف هذا النموذج بأنه سلوك انحرافي خاصة وأنه سلوك مسموح به من الناحية النظامية . وإن كان غير مفضل ثقافياً فإنه لا يمثل مشكلة اجتماعية . ولكن الامتثال الشديد للقوانين والأعراف يعزز المسايرة الكاملة للروتين مما يبعد الفرد عن أية إضافة أو تعديل أو تجديد ويقلل مستوى الطموح لديه ويصيبه بالإحباط.
هذا بالإضافة إلى أن طبيعة البناء البيروقراطى تعوق تحقيق رغبات موظفيه فى الترقية والحصول على المكافآت ، ومن ثم يلجأون لوسائل أخرى غير مشروعة لتحقيق تلك التطلعات ، وعليه تعد السلطة البيروقراطية عاملاً دافعاً للسلوك الإجرامى.

" عبد العال : (فى التليفون) مين ؟ آه جوز خديجة ؟ ماله ؟ لا دى مسألة سهله خالص
.. قولى لخديجة أنا حجيب له استثناء من الوزارة عندنا على طول لا ما
فيش أى مشكلة حاجيبله استثناء بس يفتح مخه معانا فى موضوع البُنا
بتاع مدينة الأوق

ولم يقتصر الأمر فى نص "سلماوى" على مجرد الشكوى من البيروقراطية ، وآثارها السلبية، وإن كانت الشكوى فى حد ذاتها تنبه إلى ضرورة إيجاد كل الحلول الممكنة للتخلص من هذه الآثار والأضرار ، ولم يكتفْ الكاتب بالسخرية منها بكلمات أو جمل عابرة بل قدم ما يمكن تسميته بمأساة البيروقراطية التى تغتصب حقوق المواطن ، وتقتل مصالحه، بينما يقف هو مكتوف اليدين لا حول له ولا قوة أمام جبروت ، وتعنت السادة موظفى الحكومة .
ولم تقف الرؤية الفكرية للنص عند حدود إدانة البيروقراطية ، بل تتعداها إلى معنى أكثر شمولية وهو علاقة الحاكم بالمحكوم ، حيث تتخذ من البيروقراطية غطاءً يعنى بالسياسة ، ويترجمها . فيقدم لنا النص الفرد ( المحكوم الضعيف ) فى مواجهة استبداد السلطة الأقوى منه لينتقد من خلال تلك المواجهة غير المتكافئة ضياع العدالة الاجتماعية وحرية الرأى للمواطن المسحوق المستذل الذى لا يستطيع أن يقاوم جبروت الحاكم وطغيانه فالنص يدين بشكل صارخ النظم البوليسية الشمولية التى بزغ نشاطها مع ثورة يوليو تحت شعارات ثورية مزيفة ، واستمرت حتى حكم السادات ، والتى احترفت امتهان آدمية البشر " عن طريق القمع البوليسى ومحاربة كل التيارات الفكرية إلى جانب اختلاق الاتهامات ولصقها جزافاً ، فهذا ملحد ، وذلك يثير فتنه طائفية ، وهذا خارج عن الوحدة الوطنية ، وذلك يهدد السلام الاجتماعى ، ويدور المجتمع فى متاهات لا نهاية لها ويسود الكبت وتنتشر الانتهازية واللامبالاة ، " وكل ذلك بحجة الحفاظ على أمن الدولة وسلامتها من المتربصين بها فباسم الديمقراطية ألغيت كل حرية، وباسم الأمن أنشئت أجهزة الرعب ، وباسم الثورة على الفساد قطع كل لسان ينتقد الفساد .
وقد كان عام 1977 عاماً حاسماً لهذا التناقض وأكملت السلطة طريقها بوضوح ضد الشعب والوطن ، واستغلت معاناة الشعب لتبرر صلحها مع إسرائيل ، وينتهى وهم الديمقراطية تحت وطأة القهر الذى سيطر على الجميع ، ولم تعد الدولة تسمح بصراع الأفكار وتففت تغلق المجلات ولم تعد تسمح بأى عمل إلا إذا كان موجهاً لصالحها "

ويرمز "عبد العال بك" فى نص " سلماوى " إلى السلطة المستبدة التى دأبت على التحكم فى مصائر الشعب واستغلاله تحت شعار حمايته والعمل لصالحه .

عبد العال بك : ما هى آراءك السياسية ؟ أكتب يا عبد المجيد أفندى .

موظف (1) : شيوعى ! .

موظف (2) : وفدى ! .

موظف (3) : ناصرى ! .

موظف (4) : إخوانجى ! .

عبد العال (بك) : مين بقية زملاءك ؟ فين تفاصيل الخطة ؟ .

أحمد : ......

عبد العال (بك) : (يصفعه ) أنت مش عايز تتجوز .. قصدى مش عايز تتكلم ؟ (يشير إلى
الكورس فيمسكونه من يدية ويسحبونه إلى الحائط الخلفى فيضعون وجهه
إلى الحائط ويمدون ذراعيه ممسكين به كالمصلوب ) يا عبد السلام أفندى
الظـاهر الأخ عنده أوراق عايز يختمها ، أختمها لـه ، يا لـله شوف
شغلك."

إن مسرح "محمد سلماوى" مواجهة للتعذيب والإذلال ، واستنكار المطالب المشروعة للإنسان وتحريف الأحلام النبيلة ، وغيرها من الممارسات الفاسدة التى تتفاقم ، وتستشرى فى ظل نقائص اجتماعية أخرى أخطر أوجاعاً وأشد تأزماً ، وعندئذ سوف نتلقى نحن الأبرياء الشرفاء الضربات والطعنات مختومة بخاتم الدولة الذى يتضخم بدوره . فقد تحولت الدولة من سلطة مشروعة إلى سلطة ضاربة تعمل مخالبها وأنيابها باسم شرعية أخرى لن تعدم لها منظرين وخدماً .
ومن هذا المنطلق فجريمة اغتصاب "أحمد " حتى الموت ما هى إلا رمز لامتهان تلك السلطة الجائرة لكرامة المواطن المصرى ، وكبريائه . فقد نجح الكاتب فى الربط بين التعذيب البيروقراطى المحدد بمؤسسة حكومية ، وبين قهر السلطة للشعب ، وكبتها لحرياته.
كما ربط النص بين ذلك القهر ، ومرحلة الاهتزاز الاقتصادى والسياسى والاجتماعى التى شهدتها فترة السبعينيات ، فيقدم لنا صورة حية وصادقة لما كان يحدث فى عصر "السادات" من ممارسات اقتصادية خاطئة فى ظل سياسة الانفتاح ، وما حملته من تداعيات ، وتناقضات ، كالثراء الفاحش ، والفقر المدقع ، والوصولية والانتهازية ، ومن ثم راجت فى السبعينيات قيم الكسب المادى السريع من أقصر الطرق ، وتفشى بين أفراد المجتمع سباق محموم من أجل المادة .

"أحمد : مش عارف أيه اللى جرى فى البلد ؟ ناس كثير بتعمل فلوس ، فلوس
كثير وبسرعة لكن كلها حرام والحلال ما بيعملش فلوس ، اللى بيهلب
بيجمع ملايين واللى ماشى دوغرى هو اللى تعبان .

عبد العال بك : (يتحدث فى التليفون) نعم ! أيوة يا تفيده .. هيه عملتى أيه ؟ كلمتى
عبعاطى؟ .. فى الحمام ؟ طيب اطلبيه تانى قبل ما ينزل يروح الشغل
ومتعرفيش تعترى فيه.

أحمد : أنا مش عايز فلوس حرام ، عايز أكون نفسى عن طريق الشغل مش
النصب . "

إذا كانت اللغة المنطقية هى صاحبة اليد العليا فى المسرح التقليدى ، فهى لا تلعب فى المسرح العبثى الأوروبى إلا دورا ثانويا للتعبير عن حالة اللا تواصل والغربة التى يعانى منها الإنسان المعاصر بعد حربين طاحنتين .
" ولقد أظهرت التجارب اليومية أن اللغة تقف أحياناً فى وجه الحقيقة ، بل وستاراً لها فتكون الحقيقة فى واد واللغة فى واد أخر فثمة هوة سحيقة بين ظواهر الروابط الاجتماعية والحقيقة الكامنة وراءها فى كثير من الأحيان "
وفى نص " فوت علينا بكرة " نجد " أحمد " يتحدث عن سيادة منطق " الفهلوة " فى ظل السياسة الاقتصادية الجديدة ، بينما يخاطب "عبد العال بك " زوجته تليفونياً بشأن بعض المصالح الخاصة به . فقد فعل " سلماوى " فى مسرحيته نفس ما يفعله العبثيون الأوربيون، ولكن بعد ملاءمته لمتطلبات الواقع الاجتماعى المصرى ، فقد تتداخل الجمل دون تواصل إلا أنها تصب فى النهاية داخل قاموس مشترك ، يعكس خلل الأنظمة السائدة ، ويفضح قيم الفردية والبراجماتية التى استشرت فى المجتمع المصرى فترة الانفتاح .
وأمام الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بفعل التحولات الجديدة التى شهدتها فترة السبعينيات تحولت " بور سعيد " (المدينة الباسلة ) من رمز للمقاومة الشعبية إلى سوق تجارى للنصب والتهليب .

"أحمد : المدينة الباسلة كلها دلوقتى غش فى غش ، الحاجة إللى بجنيه واحد
بتحط عليها تيكت أفرنجى وكأنها صنع الخارج وتتباع بعشرة جنية على
انها مستوردة ، واللى مستورد فعلا جايبينه من أسواق " الكانتو" مستعمل
وبيبيعوه هنا بأضعاف ثمنه"

كما دفعت ظروف الانفتاح المواطن المصرى ، أو على الأقل أدخلته فى دائرة انتظار انفراج أزماته بالحلول الفردية ، ومنها الرغبة فى الهرب والهجرة عند أول فرصة بحثاً عن حياة أفضل خارج وطنه بدلاً من الهبوط إلى قاع الهاوية ، حيث الفقر والمعاناة ، وهو الحل الذى اختاره "أحمد " بطل نص " فوت علينا بكرة " حيث سعى إلى إيجاد الخلاص الشخصى بالسفر إلى إحدى الدول العربية للعمل بها بعد أن ضاقت به سبل العيش والكسب الشريف داخل بلده ولكنه ما إن يبدأ فى إنجاز مهمة بسيطة لا تتعدى ختم بعض الأوراق الخاصة بالسفر ، حتى يجد نفسه أمام مهمة مستحيلة فى ظل حالة الفوضى والتسيب واللامبالاة التى تعيشها المصلحة بل والمجتمع المصرى بأكمله ، وينتهى الأمر بسحقه والقضاء عليه وتعود نبيلة (خطيبة أحمد) للظهور فى مشهد الاغتصاب الأخير وتصرخ محتجة على أوضاع البلد المقلوبة ، ومتألمة من صور الفساد التى انتشرت فى المجتمع المصرى كالخلايا السرطانية . " إن هزيمة "أحمد " الأخيرة وصرخة "نبيلة" أبلغ تعبير عن هزيمة الفعل الفردى الهروبى ، وهزيمة الانتظار غير المجدى للغد القادم دون حركة جمعية " وهنا تتخذ جريمة قتل أحمد فى نهاية نص سلماوى بعداً جديداً، فبالإضافة إلى كونها رمزاً لقتل البيروقراطية لمصالح المواطن البسيط ، أو كونها فضحاً للتعدى السافر للسلطة الجائرة على حريات شعبها المقهور تحت وطأة الظلم والاستعباد ، فهى تمثل أيضاً فى بعدها الثالث عقاباً مستحقاً لكل معانى الهروبية والانهزامية التى جسدها " أحمد" . فكما أدانت الكاتبة " نهاد جاد " هروب " صفية " فى نص " ع الرصيف " يدين سلماوى " أحمد " ، ويعتبره خطوة انهزامية غير مجدية ، مصيرها الفشل وهو ما يدفع المتلقى إلى إعادة التفكير حول ضرورة التثوير الجمعى ضد الأجهزة الفاسدة التى أثبتت فشلها ، وإثارة الوعى ضد رموز الفساد بهدف القضاء عليها من أجل الإصلاح والتغيير بدلا من اللجوء إلى الحلول الهروبية التى لا تستهدف تغيير النظام بقدر ما ترغب فى الابتعاد عنه لتحقيق الذات خارج محيط القهر الذى يلقى بظلاله على كافة الرؤى الفكرية التى يتضمنها النص .
ومع ذلك يجنح " سلماوى " فى نهاية المسرحية إلى التفاؤل والأمل فى غدٍ مشرق تتخلص فيه مصر من أنظمتها العقيمة إدارياً وسياسياً ليعود أبناؤها الهاربون إلى حضنها الدافئ فمع وقع أختام الدولة على جسد " أحمد " العارى تنظر " نبيلة " أمامها فى الفراغ وتتجه إلى مقدمة المسرح قائلة :

" نبيلة : أحمد أنا شايفة الدنيا بتتغير يا أحمد .

عبد السلام أفندى : حداشر .

نبيلة : شايفة الشمس بتشرق والدنيا بتنور .

عبد السلام أفندى : إتناشر .

نبيلة : شايفة أوراق الخريف بتتساقط وبيطلع مكانها أوراق جديدة .

عبد السلام أفندى : تلاتاشر .

نبيلة : شايفة الخضرة بتكسى الشجرة كلها وبترجعها شباب من تانى بعد ما
ما كان ورقها كله وقع والناس اتصورت انها خلاص ماتت . "

إن أهم ما يميز النص ، الوعى الكامل بالمعاناة الاجتماعية فى ظل الظروف السياسية المعاصرة ، وشحذ الحوافز الفردية والجماعية من أجل الإصلاح والتغيير فى الوقت الذى يندد فيه بالأساليب القمعية للسلطة ، والبيروقراطية ، ومن ثم يمكن أن نضعه فى مصاف النصوص التى تمتلك أدواتاً للضبط الاجتماعى بما لها من دور تنويرى وتثويرى .
ابراهيم حجاج
مدرس مساعد
كلية الآداب



#إبراهيم_حجاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم أباطرة الانفتاح فى المسرح المصرى دراسة نقدية لمسرحية-ع ...
- الدراما المسرحية وجرائم شركات توظيف الأموال دراسة نقدية لمسر ...
- -عفوا أيها الأجداد...علينا السلام- فانتازيا المسرح المصرى بي ...
- الدراما المسرحية وجرائم الاعتداء على السلطة
- القرد كثيف الشعر بين حيوانية البدائية وفجاجة الحضارة الحديثة ...
- نظرية الانعكاس ....ما لها وما عليها.
- المسرح والمجتمع
- ملخص رسالة ماجستير ظاهرة الجريمة فى المسرح المصرى
- ظاهرة التمرد فى المسرح
- الأدب ونظرية الضبط الاجتماعى
- تأثير الثورة على كتاب المسرح المصرى فى الستينيات
- نظرية الفن للفن
- أسطورة نفى أفلاطون للشعراء عن مدينته الفاضلة
- قضايا المجتمع بين المسرح الأمريكى والأوروبى الحديث
- المسرح وقضايا المجتمع من العصر اليونانى عصر النهضة
- قراءة جديدة لمسرح توفيق الحكيم رؤية نقدية لنص-ياطالع الشجرة ...
- الدين والمسرح....خدعوك فقالوا...


المزيد.....




- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم حجاج - مسرح العبث المصرى بين البيروقراطية والديمقراطية.. دراسة نقدية لمسرحية -فوت علينا بكرة-