|
نقد مسمم النصال
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 17:22
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هل بمقدور الماركسيين ، حملة الفكر العلمي ورواد المنهجية العلمية، في مجتمع محافظ لم يدخل مرحلة البحث العلمي، أن يرسوا تقاليد الحوار ويشيعوا استخدامه كأداة الوصول إلى الحقيقة وإغناء المعرفة ؟ هل بمقدور الماركسيين توطيد مواقع المنهجية العلمية في النشاط السياسي ، إن لم نقل الحياة العامة بأكملها؟ إن التجربة المروعة لانهيار الاشتراكية قد فجرت وإلى الأبد القوالب الفكرية المتجهمة والمرجعيات المنطوية على الذات وقد تجمدت على إطلاقية صدقها. الرأي الواحد مقبرة للفكر وعقبة بوجه التقدم. طرأ جمود على الجدل حقبة زمنية طويلة تسببت في اغتراب الماركسيين عن قضايا مجتمعاتهم . التعصب والتزمت بقع مظلمة تضحي بالحقيقة لصالح رمز أو فكرة؛ تستخف بمصلحة التقدم وتعلي من نهج عبادة الفرد، الذي لم يحسن الدفاع عن بقائه رغم ما استحوذ عليه من سلطة مطلقة اقتضت التنكيل القاسي بالمعارضة؛ وليت أمر التعصب توقف عند حد التشبث بالقديم البائد ، بل ونصب من نفسه مرجعية للحقيقة ينازل الاجتهادات والتفسيرات المغايرة وحتى إبداعات الفكر التقدمي بالسباب والبذاءة اللفظية. وعلى النقيض من ذلك برزت التعددية الفكرية والسياسية دليل عافية وسيرورة تفضي إلى الخلاص من عقد التزمت والتعصب. انطلق الديالكتيك من جموده الدهري، وأخلت هيمنة الرأي الواحد المكان لتعدد الآراء وتصارعها ؛ وهذا تحول واعد وجدنا بعض تجلياته في مواضيع " الحوار المتمدن". التحاور نقد الأفكار وإثراء المعرفة ، نقد ينبني على مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة. الحوار والنقد هما بعض مستلزمات البحث العلمي، وبعض مظاهر الديمقراطية ، أرقى اكتشافات الفكر البشري. شكلت الديمقراطية وأدواتها ، الشك والنقد والحوار والموضوعية والتحليل والتركيب، قوة دافعة للتقدم الاجتماعي، وباتت أدوات مفهومية للتوصل إلى الحقيقة وإغناء المعرفة. كل عالم باحث ومكتشف يتحاور مع الواقع، ويتيح لاكتشافه فرصة الاحتكاك مع وقائعه كي ينقده و يثبت جدارته ، أو يدخل في حوار مع غيره من الباحثين المكتشفين في نفس مجاله. النقد و الحوار ضرورة يدركها كل شغيلة الفكر والعلم ويتقن التعامل معها. ونظرا لارتباطهما العضوي بالبحث العلمي فهما غريبان عن حياتنا الاجتماعية المحافظة والراكدة. ولهذا فنحن لا نتقن الحوار. ينطلق نقد بدعاوى المماحكة والمناكفة الجاهلتين . هو لا يغني المعرفة ولا يقرب من الحقيقة ؛ إنما يثير أغبرة ومنغصات. وبعض النقد تتضمن السموم الفكرية بهدف التوريط في الانحرافات وطمس الحقيقة. نشرت مقالات عدة تحدثت عن فرق مجندة في عالم الإعلام والثقافة تسهم عمدا في التضليل والإرباك الفكريين. تنهل هذه الفرق من أراشيف بعد انتزاعها من عاملي الزمان والمكان ومن السياق. يسهم البعض من هذا الفريق في النقاشات حول ممارسات العهد الستاليني ؛ ورغم أن الجيش السوفيتي أسهم في تخليص البشرية من الوحش النازي، وعلى النقيض من كتابات برجوازية إبان الحرب تثمن عاليا الدور السوفييتي في الحرب وتطلق كنية " العم جو" على رجل الكرملين انقلبت الكتابات لتماثل بين ستالين وهتلر. وفي العام الماضي احتج الإعلام والساسة في روسيا على التقولات المغرضة والمتجنية ضد ستالين. برزت في الحركة الصهيونية جماعة " اليسار الصهيوني" ركزت على تقديم الحركة بوجه متعاطف مع العرب وقدمت الصهيونية أيديولوجيا وحركة تحرر قومي لليهود. اليسار الصهيوني لم يشكل تيارا منسجما يحمل النزعة الاشتراكية . قلة خدعتها الدعاية الصهيونية القائلة أن الاشتراكيين اليهود خانوا طهارتهم الثورية، والأجدى العمل من أجل الوطن القومي أولا ثم النضال داخله من أجل الاشتراكية؛ أما أغلبية التيار فقد تقنعوا بدوافع إنسانية زائفة تستهدف خداع الشعوب العربية، والشعب الفلسطيني خاصة. في هذا المجال صدرت في الأول من نيسان (ابريل) 1910 في القاهرة صحيفة " السلام" لصاحبها نسيم ملول، ونجحت في تقديم الفكر الصهيوني بنسخة مزيفة . توقف صدورها مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبعد دخول الانكليز الي فلسطين، استأنف ملّول إصدار صحيفته في يافا بتاريخ 31 أيار (مايو) 1920. والدكتور ملول دأب على تمويه أهداف الصهيونية " المساهمة مع الفلسطينيين في النهوض بفلسطين". استخدم منبرين صحفيين في القاهرة هما "المقطم" و "الأهرام" للتمويه والتضليل. هذا علاوة على تسلله داخل حزب اللامركزية الذي أنشأه السوريون في مصر عام 1912 وترأسه رفيق العظم، وأصبح هو من أفعل أعضائه ومسؤولية. وكان من ثمرات الدور الذي لعبه في صحيفته وخارجها، إضعاف أصوات المعارضين للمشروع الصهيوني في مصر وبلاد الشام، خصوصاً عندما تمكن من إقناع بعض قادة الرأي بوجهة نظره، وفي طليعتهم الدكتور شبلي شميّل. صدق الليبراليون العرب آنذاك كل ما صدر عن الغرب من أنه يناصر القضايا العادلة. والإيديولوجية الصهيونية ، في نظر الليبراليين الغربيين،هي إيديولوجيا وحركة تحرر قومي لليهود الذين اضطهدتهم بلدان أوروبا ، وبوصفها كذلك فهي محصنة من النقد . وفي بيروت صدرت"العالم الإسرائيلي" أسبوعيا بصورة مؤقتة، لمحررها سليم إلياهو، في الأول من أيلول (سبتمبر)1921. أعلن عنها صحيفة أدبية ولم تنشر أي معالجة أدبية؛ إنما خصصت معظم صفحات أعدادها من أجل فلسطين اليهودية علي حدّ تعبير محررها الأول الياهو ساسون. كثقت الأخبار والمقالات الهادفة إلى استيطان فلسطين. وصدر العدد الأول من صحيفة "بريد اليوم" في القدس بتاريخ 11 أيار (مايو)1920 لصاحبها أ. سفير. وحملت افتتاحية العدد الأول المتوجة بكلمة "مشروعنا" أفكارا صيغت بعبارات تمويهية من مثل القول ان أكبر رجال السياسة وأعظم ذوي الأقلام بأوروبا وأميركا علقوا ويعلقون الآمال الكبيرة علي إمكان نهوض الشرق من خموله وانحطاطه اذا اشتبكت أيدي أمم الشرق، وعملوا متحدين قلباً وقالباً، فتنشأ من امتزاج الأقوام حياة جديدة شبيهة بحياة شجرة قديمة ذابلة ركب علي فرع من فروعها غصن من شجرة غضة حية، فتولد من هذا التركيب شجرة جديدة الماء والحياة، ازدهرت وأثمرت وكان ثمرها بديع اللون زكي الرائحة لذيذ الطعم.
اما الغاية الحقيقية المنشودة من الحركة الصهيونية فقد عبر عنها وينستون تشرشل ، حين قال أن الصهاينة يريدون فلسطين بكاملها . وعبر صراحة عن الرأي نفسه جابوتينسكي ، ثم بن غوريون وبيغن عندما صدر قرار التقسيم ، إذ استخفا بالقرار لأنه لا يعطيهما كامل فلسطين. ولم يتوقف بن غوريون عن التوصية بتكميل المهمة التي بدئت عام 1948. ولعل أفضل نموذج وصفي لمزاج المستوطنين الجدد ما أورده أحد هعام ، منظّر الصهيونية الروحية في مقالته "الحقيقة من أرض إسرائيل" المنشور في عام1891 ، من مطالعات جولة في فلسطين ، جاء فيها "كانوا( المستوطنون) عبيدا في أقطار منافيهم، وفجأة وجدوا أنفسهم في وسط برية غير محدودة الحرية توجد في قطر مثل تركيا فقط. هذا التعبير ولّد فيهم ميلاً نحو الطغيان الذي ينمو حين يصبح العبد ملكا. إنهم يعاملون العرب بعداء وقسوة على أراضيهم بدون حق، ويضربونهم بدون مبرر، ويتباهون بذلك. وكالعادة لم يغير طابعها الديني من دورها الكولنيالي". حتى عندما شرعت الامبراطوريات الكولنياية الأوروبية تظهر بعض التعب أمام مقاومة الشعوب المستعبدة والمعارضة الداخلية فقد بقي قادة الصهيونية أصلب المساندين للكولنيالية . وكما طرح الأمر جابوتينسكي كان لديهم " تصميم لا يهتز في الإبقاء على حوض المتوسط بأكمله بأيدي الأوروبيين". يمكن التشكيك في نوايا اليسار الصهيوني في زمن البدايات؛ ولكن بعد عقود من جرائم الإبادة، بعد أن جاهرت قيادة دولة إسرائيل أن هدفها الاستحواذ على كامل " أرض الآباء بعد هذا التساهل مع المستوطنين ، لم يعد مقبولا التشكيك فحسب ، وليس مقبولا التحاور مع طروحاتهم، التي تسرب القضية المركزية للحركة الصهيونية . في كتيب صدر باللغة الإنجليزية للسيد فوزي الأسمر ( قبل أن يغادر البلاد ويحصل على شهادة الدكتوراة) عنوانه " أن تكون عربيا في إسرائيل"، تحدث عن تجربة العمل في مجلة حزب "مابام" لليسار الصهيوني في أوائل خمسينات القرن الماضي، قال منحنا الحرية في التعبير عن آرائنا: أن نشيد بالاتحاد السوفييتي وبستالين وبجمال عبد الناصر وندعو للسلام العالمي ونهاجم الامبريالية ودولها بلا استثناء ؛ لكن موضوعا بعينه حظر على المجلة التطرق إليه ولو تلميحا .. إنه موضوع مصادرة أراضي العرب الفلسطينيين وبناء المستوطنات عليها. وفي الوقت الراهن يبدو أن التحضير للعدوان على لبنان عن طريق شيطنة حزب الله والمقاومة اللبنانية يشكل الهدف المركزي . تقضي الخطة ، حسب التهديدات الصادرة والتأكيدات بأن كل عدوان تنفذه إسرائيل يأتي أشد بطشا ووحشية من سابقه، وأن الاجتياح القادم سوف يحرق الأرض والإنسان، والتهديد يتناول كل ما يوجد على أرض لبنان كيما لا يتبقى ليلةَ الغزو، سوى الاسم كرمز لبلدٍ فَقَدَ أكثر من نصف وطنه أو مساحته وربما غالبية سكانه. في هذا الإطار نرى ناقدا " ماركسيا" يدعى يعقوب ابراهامي لا يوفر مناسبة لنقد الحزب الشيوعي اللبناني او قائده الرفيق خالد حداده إلا وعرج على "تذيل" الحزب لنصر الله. في تحليل للوضع اللبناني لم يسترع انتباه ابراهامي غير تبعية الحزب لنصر الله ،"يتحدث عن التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي لكي يخفي سيره وراء التعصب القومي العربي والإسلام الفاشي . هل إسرائيل هي التي قتلت فرج الله الحلو؟ هل إسرائيل هي التي ذبحت حسين مروة؟" جريمة إسرائيل أفدح وأخطر. إسرائيل فتكت قنابلها " الذكية" بآلاف اللبنانيين خلال دقائق ، وهي تتلقى من الإدارة الأميركية قنابل "أذكى " وطائرات أشد فتكا ليس بغرض الاستعراضات!! بأسلوب مبتذل مراوغ لا يكف ابراهامي عن ترديد فرية التذيل لحزب الله و" التعصب القومي والإسلام الفاشي". وكأن اليهودية السلفية لم تتحول إلى فاشية منذ أزمان! المعروف أن الشيوعيين اللبنانيين التقطوا منذ البداية ازدواجية حزب الله بين مقاومة وطنية صلبة وبين المشاركة في نظام طائفي هو مجلبة الكوارث للبنان . ويناضل الشيوعيون اللبنانيون تحت شعار "تحالف دون تبعية وتمايز دون صدام" . ذلك أن المقاومة المسلحة اللبنانية من جانبها منخرطة في نفس الوقت في ائتلاف نظام طائفي استحق بجدارة " لقب قابر الانتصارات، ومجهض احتمالات تثمير الانتصار على العدو". نظام المحاصصة الطائفية يتعامل مع هموم الناس المباشرة من جوع وفقر وتجهيل وكأنها هموم ثانوية. وبجرائر النظام الطائفي الذي يتمسك به حزب الله تحمل لبنان أزمات دين عام وحروب وفتن داخلية، وإفقار جماهيري واسع النطاق. ينصح هذا " الصديق " اللدود الماركسيين العرب، محذرا من أن تيارهم "يعيش أزمة قاتلة لن ينجو منها، ولن تقوم له قائمة بعدها، ما لم يعد النظر في كل مواقفه، النظرية والعملية، من –القضية الفلسطينية-" لأنه بدون ذلك سيبقى "ذيلاً –مبتوراً- للقوميين العرب والإسلام الفاشي". لنقارن هذا الترشيد السيئ بما تقوله مناضلة حقيقية من أجل مصالح الشعبين على أرض فلسطين: الدكتورة نوريت بيليد إلحانان طبيبة وأم يهودية شكلت حركة "أمهات ضد الحرب"، ومضت تنشر أفكارها داخل إسرائيل وفي الخارج. ألقت كلمة أمام برلمان أوروبا بدعوة منه كشفت فيها جرائم الحرب ضد شعب غزة . وفي مقال عن حرب غزة شكت من أن بعض الصغار اليهود يتعلمون قتل غير اليهود، إما عن طريق حاخاماتهم، أو من الجنود الذين يفاخرون دائماً بما فعلوا. وقد وصفت قيم المجتمع الإسرائيلي بأنها فاسدة، واحتجت على طرد الفلسطينيين من بيوتهم في الشيخ جراح، أحد أحياء القدس، وانتقدت اغتيال فلسطينيين على أساس الشك في أنهم يمارسون العنف أمام أطفالهم فيما الإرهابيون اليهود يتمتعون بجميع تسهيلات النظام القضائي الإسرائيلي. يجدر باليساري حقا أن لا ينسى ، وهو غزير المعرفة ، أن الفاشية اليهودية تهيمن على قيادة وحدات الجيش الإسرائيلي وبعض قياداته المركزية . وهذه الهيمنة وثقافتها العنصرية مصدر الجرائم المقترفة في حرب غزة. وهناك مدارس دينية يتعلم فيها العساكر تعاليم التوراة بصدد إبادة الغوييم وتنتشر على نطاق واسع فتاوى الحاخامات داخل صفوف الجيش وبين المستوطنين. بدل شحن المواقف ضد سلفية تدافع عن وطنها ، ولو بأساليب بدائية تنفع العدو أكثر مما تلحق به الأذى ، يجدر باليساري أن يردع السلفية المتحزبة للعدوان الامبريالي والحروب الكونية خدمة لمصالح التجمع الاقتصادي ـ العسكري داخل الولايات المتحدة وإسرائيل. تقدر الإحصاءات أن أكثر من نصف يهود الولايات المتحدة، الذين يُعرِّفون أنفسهم على هذا النحو، لن يؤيدوا تعريفا دينيا للشعب اليهودي ولدولة إسرائيل. وهم ينتقدون القوانين العنصرية التي تقرها الكنيست . في العام الجاري هناك واحد وعشرون قانونا تحتوي جميعها على بنود تمييزية عنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين، يقف وراءها أعضاء من اليمين الفاشي ، وتتضمن الفصل بين اليهود والمواطنين الفلسطينيين، وتصل إلى حد المناداة بطرد أصحاب الأرض الأصليين من وطنهم. بل وصلت الوقاحة ببعض أعضاء اليمين المتطرف، للتقدم من الكنيست بقانون أسموه "قانون طرد الغزاة". وهذا ما يستحق اهتمام كل يساري في جنبات العالم .
هذا ما يتعلق بالنقد المسموم؛ وهناك النقد الجاهل المثير للأغبرة والمعبر عن ضيق الأفق وضيق الصدر. فبصدد مقال حول ثورة أكتوبر ونقص المناعة الذي فتك بالنظام (1تشرين ثاني / نوفمبر) ورد تعليقان لم ينشر مضموناهما نظرا لأن منطويات التعليقين التنفيس عن حقد، وليس المساعدة في الاقتراب من الحقيقة. والستالينيون يثورون لأدنى نقد لبعض تصرفات معلمهم ، وإن اختلطت الانتقادات بتقييم إيجابي لجوانب من سيرته. معارضوهم أعداء، وشأن معلمهم يجيزون لأنفسهم الكلام الفظ ويتصرفون بصدور ضيقة ، مستبدلين الحجة بالسباب؛ ومحولين معارضيهم أعداء للبروليتاريا وأعداء للاشتراكية. ربما تنفع بذاءة القول في التنفيس عن توتر عصبي بسبب قصور الإدراك ؛ لكن ذلك إهانة للقراء . تعليق آخر عنوانه "المنظرون الجد" يسخر، والسخرية محقة ومشروعة أحيانا ؛ غير أننا بصدد مقتبسات من كتابات لينين حول بناء المجتمع الجديد لمقارنة ذلك بما تجسد على أرض الواقع. وهذا لا يحمل صفة التنظير، حيث لا تعالي يستحق السخرية. تعليق أرسله بلال محمد بعنوان "أعداء الشيوعية " زعم فيه بفرمان سلطاني ،" أثبت التاريخ عملياً أن أعداء ستالين هم أعداء الشيوعية والكاتب أعلاه من أعداء ستالين". كيف أثبت التاريخ عمليا؟ وكيف أن الشيوعية وجدت تجسيدها المادي في شخص ستالين؟! السر عند السيد بلال. وعنوان آخر لمقال نشر على صفحات الحوار المتمدن يقول أعداء ستالين أعداء البروليتاريا، فكيف مضت البرهنة ؟! بينما الحقيقة التاريخية بينت أن ستالين وضع رقاب البروليتاريين تحت مداس البيروقراطية. استبدل ستالين هيمنة الرأسماليين بهيمنة البيروقراطيين ممن أداروا عملية الإنتاج بعيدا عن الاستجابة لحاجات المجتمع المتنامية باستمرار، حسبما يوصي قانون الاشتراكية الأساس. وأخيرا تحولوا إلى ذئاب وسط قطيع اعتاد الخمول رغم أنفه. هنا يجب التفتيش عن كارثة الانهيار السوفييتي! المقال حول مرض نقص المناعة طرح تساؤلات لم يجب أحد عليها : ما سبب صمت الطبقة العاملة والشعب السوفييتي إزاء "خيانة" التنكر للستالينية، علما أن آلاف شهداء الحرب استشهدوا وهم يهتفون بحياة ستالين، وكانت شخصيته موضع عبادة جماعية؟ كيف انتظرت الظواهر الغريبة عن الاشتراكية حتى منتصف عقد السبعينات كي تبدأ فعلها السلبي في المجتمع السوفييتي؟ ألا يبرر ذلك الاستنتاج بأن عهد بريجنيف، الذي انقلب على الخروتشوفية، هو المولد للاختلالات التي أجهزت على النظام؟.... ولا يناقش أصحاب هذا الاتهام الانقلاب البيروقراطي على خروتشيف عام 1964؛ ولا يتساءلون بصدد لغز توقف انتقاد ستالين أثناء الحقبة البريجنيفية ، وتغييب ظواهر سلبية وردت حول عهد ستالين في مؤلفات وضعت إبان قيادة خروتشيف". ألا يبيح ذلك اعتقاد أن البريجنيفية هي ستالينية جديدة بامتياز؟ القضية في جوهرها لم تعد مكانة ستالين أو خروشتشوف؛ فقد قضيا وقضت بعدهما أجيال. إنما المهم هو ماذا نخلص من محاكمة هذه الحقبة أو تلك لصالح قضية التقدم . أبرزت مجريات الأحداث أن الديمقراطية تشكل دينامو جميع عمليات التقدم.
تعليق آخر يقول ان، " الكاتب لم يكن أمينا مع التاريخ ورواه كما يرغب وليس كما هو "، ويحاوره الكاتب ويرد عليه وعلى آخر من شاكلته، " يقتضي أدب الحوار إيراد الفقرة غير الأمينة والرد عليها بالتوثيق الأمين . أما أن تنزل التهمة مثل فرمانات السلاطين فهذا لا يمت بصلة للحوار المتمدن . التعليقان الواردان لا يليق الحوار معهما". ويكون الرد على الرد خلاصة فجاجة الإصرار على موقف زميت. لو اعتاد صاحبنا القراءة المتمعنة لعرف الجواب على سؤاله من نص المقال. اجل، لم يتطرق المقال مباشرة لموضوع طرد القادة الستة من المكتب السياسي؛ ولكن الحصافة تتيح الاستدلال من عبارة "أن خروتشيف برز من جهاز البيروقراطية ولم يقلص نفوذها التاريخي على الحياة السوفييتية" أن الحل البيروقراطي للخلاف داخل المكتب السياسي هو من مخلفات القيادة البيروقراطية. بالطبع جاءت جميع إجراءات خروشتشوف فوقية تكتسي بالغموض. لم تطلق المبادرات الجماهيرية ولا شكلت تحولا إلى قيادة العمال لعملية الإنتاج وإدارته، كي ينتفي الاستلاب والاغتراب. تجاوز الناقد العبارة ذات الدلالة ووجه السؤال على شكل مناكف : "أسألك لماذا طرد البلاشفة الستة وهم نصف عدد أعضاء المكتب السياسي مالنكوف ومولوتوف وكاغانوفتش وشبيلوف وبولغانين وفورشيلوف من المكتب السياسي ــ هل يجوز هذا بموجب النظام الداخلي للحزب؟ أجب إن كنت أميناً مع التاريخ !؟ ألم تزور التاريخ؟ " . ولا بد من قبول التحدي، ولو أن ذلك يقتضي النزول عند ألف باء المعرفة. فكون خروشتشوف طلع من الجهاز البيروقراطي واحتفظ بمناقبه، يعني أنه تعامل مع المعارضة بسلطة الحكم لا بسلطة الجماهير. لم تأت إجراءاته جذرية للخلاص من الطاعون البيروقراطي وسقط ضحية للطاعون، كي تستمر الآفة وينهار النظام بفعل الطاعون. في مجال آخر يظهر البعض ، وهم في حمى التجني على موقف أو شخصية ، استخفافا يفضح الجهل بحقائق علمية دامغة؛ فمن مظاهر التخلف عدم احترام أهل الاختصاص، وقذفهم بالقاذورات. تخلف الإدارة هو بعض مظاهر التخلف العربي. نحن ندير المشاكل بعفوية وعلى طريقة تسيير الحال، أو من قفا اليد كما يقال. وبالنتيجة تواصلت المشاكل والنواقص ومظاهر التقصير واستفحلت وتشابكت في أزمات مزمنة . ومع هذا يأتي من يستخف بالإدارة . كتب بلال السوري( ربما هو نفس بلال محمد و يخجل من جهله) " لو ذهب المعلقان أعلاه لدراسة الاقتصاد حتى درجة الدكتوراه وعملا عملياً في الإنتاج الصناعي لبضع سنوات لأدركا حينئذٍ أن ما يحرك مسار الإنتاج في هذه الجهة أو تلك هو الهدف الأخير من الإنتاج أي محتواه الطبقي وجودة الإدارة تأتي في المحل العاشر لكن - عرب وين طنبوره وين . . !!!" انتهى كلام السيد يلال السوري. أما لينين فكتب يقول "اقتضت ضرورات البناء استخدام مثقفي البرجوازية ، خاصة من بين عداد أولئك الذين مارسوا النشاط في تنظيم الإنتاج الكبير في ميادين المحاسبة والضبط والإدارة "( التأكيد من الكاتب). يخلص كل عاقل من قول لينين إلى نقيض ما ذهب إليه بلال السوري. فالإدارة عصب الإنتاج وجوهر عملية البناء الاقتصادي. هكذا ينحدر النقاش إلى درك المناكفة ، ويفقد الحوار وظيفته في إغناء المعرفة والاقتراب من الحقيقة. مرة أخرى ، النقد ينبني على مقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة. الحوار والنقد هما بعض مستلزمات البحث العلمي، وبعض مظاهر الديمقراطية ، أرقى اكتشافات الفكر البشري.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتظاريون والانتخابات الأميركية
-
في ذكرى ثورة أكتوبر العظمى متى بدأ نقص المناعة ينخر جسد النظ
...
-
الطريق الثالث غير عبث التفاوض وعبث العنف القاصر
-
الوساطة الأميركية مشكلة وليست الحل
-
ديبلوماسية إدارة الصراع وابتزاز التنازلات
-
عقد حصار لا تنفع معها المواعظ
-
دلالات فشل المفاوضات الجارية
-
كيف نحول الأفكار إلى قوة تغيير
-
الأمن الوطني مفهوم مركب من عناصر اقتصادية وسياسية وثقافية
-
اليسار الفلسطيني وصراع الديكة
-
دانيال بايبس بروفيسور مزور وعنصي
-
الفهلوة السنية في تشويه الإسلام والماركسية
-
إصرار على بديل تآكل الحقوق الفلسطينية
-
الزهد داخل صومعة العقلانية الإنسانية
-
معالم الفكر الثوري وتبعاته
-
أوباما ينحني للريح والريح يمينية
-
العلة المستنزفة للطاقات الكفاحية الفلسطينية
-
لمن تقرع أجراس الليبراليين الجدد؟
-
الدين بين ليبرالية الدكتور حجي والليبراليين الجد
-
قرصنة بحرية وبرية
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|