أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوال السعداوى - خروف العيد: حوارات نوال ومنى (١)














المزيد.....

خروف العيد: حوارات نوال ومنى (١)


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 09:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد أن أيقظها صراخ الخروف المذبوح فى شقة الجيران سألت «منى»: هل للخروف روح مثل الإنسان يا نوال؟؟.

فاجأنى سؤالها الغريب، رغم أنه بدهى، سألته لأبى فى طفولتى، أبى قال حينئذ: طبعا للخروف روح يا نوال مثل كل الكائنات الحية، من دودة البلهارسيا والجرادة والسمكة والعصفورة والحمارة والحصان إلى الإنسان، لكن روح الإنسان تختلف عن الأرواح الأخرى، سألت أبى السؤال البدهى أيضا: كيف تختلف روح الإنسان عن روح الخروف؟

أسئلة «منى» تذكرنى بأسئلتى فى طفولتى لأبى، لم أكن أفهم معنى كلمة «الروح»، أحاصر أبى بالأسئلة حتى يزهق ويصيح بصوت عال: لا يعلم الروح إلا الله.

كان أبى إنساناً رقيقاً، صوته هادئ، وحين يرتفع صوته هكذا، تهمس أمى فى أذنى: الصوت العالى دليل العجز عن الإجابة.

صباح يوم عيد الأضحى أهب من النوم على صوته العالى يزعق: جزار! جزار!، يدخل بيتنا بجلبابه الملطخ بالدماء، نظرته حادة كالسكين فى يده، عيناه مزيج من عينى أدولف هتلر فى طفولتى، وعينى جورج بوش ونتنياهو فى الحاضر، يجر الخروف من الحبل حول عنقه، يشمر جلبابه حتى وسطه، سرواله الأبيض متهدل حتى ركبتيه، مزركش بالبقع الحمراء، مزيج من نزيف دودة البلهارسيا ودماء ذبائح العيد، يقرأ الفاتحة ويستشهد مستغفراً الله، يمسح السكين فى فروة الخروف، يرتعد جسد الحمل الوديع، لم يذبحه بعد، فقط يستعد للذبح مستمتعا بضع دقائق بعيون إخوتى السعداء، ورضا السماء، دمى يتجمد فى عروقى، الخروف لم يعد يمأمئ، هل فقد النطق؟ هل مات من الخوف قبل أن يموت؟ كنت أظن فى طفولتى أن الحيوان لا يتألم مثلنا، لا يشعر بالحزن، لا يبكى، لا يخاف الموت.

سألت منى: وهل يشعر الخروف بالخوف من الموت يا نوال؟ هل يدرك عقل الحيوان معنى الموت؟ قالت نوال: بدهى يا منى وإلا لماذا يرتعد الخروف وينتفض ويصارع حتى آخر نفس وآخر قطرة من دمه؟! قالت منى: إذن يمتلك الخروف مخيلة مثل الإنسان، نحن نتخيل ألم الموت، لم يسبق لنا الموت لنعرف ألم الموت، إن كان هناك ألم، العقل البشرى حتى اليوم يعجز عن إدراك موته، الخيال فقط يتخيل الموت، وهو خيال نابع من الخوف وليس الحقيقة، نحن نتربى على الخوف من الموت بسبب الجهل بالموت، كل مجهول مخيف أمام العقل البشرى.

سألت أبى عن الموت، بعد أسئلة كثيرة جعلته يزهق، قال بصوت عال: لا أدرى عن الموت شيئا، بعد أن أموت سأقول لك، اسألى أمك فهى أقرب إلى الله منى! كان أبى يسخر من أمى أحيانا، بسبب الغيرة منها، أكانت بديهتها أسرع منه؟ لم تكن أمى تنتمى مثله إلى جماعة «اللاأدرية» (من كلمة «لا أدرى»)، كانت تقول: الإنسان عليه أن يبحث عن الإجابة بدلا من أن يقول لا أدرى؟ يرد أبى عليها: ولماذا لا تبحثين عن الإجابة يا زينب؟ ترد عليه أمى بسخرية: لأن وقتى كله مشغول يا سيد فى الطبيخ والغسيل لتسعة من العيال وأبيهم! يسألها أبى: وهل أنا ولدتهم يا زينب؟ ترد أمى: أنا ولدتهم يا سيد لكن أنت صنعتهم حسب نظرية أرسطو، (أمى قبل زواجها من أبى، عرفت شيئاً عن أرسطو فى مدرستها الفرنسية الثانوية)، أرسطو اعتقد أن بيضة المرأة ساكنة بلا روح، والرحم وعاء ميت، فقط حيوان الذكر المنوى هو الذى يعطى الحياة للجنين. الخروف المذبوح ظل يرمقنى بعد موته بعينيه المتسعتين دهشة، هل اكتشف حقيقتى المخادعة؟ كنت أربت عليه بحنان بالغ، أقدم له البرسيم الأخضر الطازج ليأكله يمأمئ بالفرح ويربت برأسه على كتفى، أناديه باسم الدلع «خوخو»، يرمقنى بعد ذبحه فى صمت مطبق يعاتبنى بعينيه المفجوعتين كأنما يقول: كنت أظنك مخلصة فى حبك لى يا نونو (كان يدلعنى مثل أمى وأبى باسم نونو)، كنت أظنك مختلفة عن إخوتك وأخواتك، لكنك مثلهم تماما!.

كأنما يصفعنى، أكبر شتيمة أن أسمع أحداً يقول لى: أنت مثل الآخرين! كنت أتصور نفسى مختلفة عن جنس البنات، لا أعرف من أدخل هذه الأكذوبة فى مخ رأسى؟ أمى أو أبى أو معلمة الموسيقى فى أولى ابتدائى؟! الحب الأول فى حياتى لم يكتشف حقيقتى أبدأ، عاش ومات مؤمنا بأننى مختلفة عن كل المخلوقات فى الكون.

سألت منى: هل كان الخروف أذكى من حبك الأول؟ وهل للحيوان قلب يحب؟! قالت نوال: كل الكائنات الحية حتى الكلب لها قلب يحب، بل الكلب يحب صاحبه أحيانا أكثر من زوجه وأولاده، لا يطمع الكلب أبداً فى ميراث صاحبه ولا يقتله أبدا من أجل المال، والأسد يا منى لا يهاجم أحدا إلا إذا قرصه الجوع، نتنياهو وجورج بوش وأدولف هتلر، رغم شبعهم حتى التخمة، قتلوا وذبحوا شعوبا آمنة بريئة من أجل المال والأرض والبترول.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا
- السلطة الأبوية والتجارة بالجنس
- صمتوا حين كان الكلام واجباً
- الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية
- وجوه تتكرر فى كل عهد
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة
- الصورة المفبركة بدل الحقيقة المؤلمة
- المرأة الكاتبة
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة
- حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القا ...
- أنا أكتب إذن أنا أعيش
- خلايا العقل المظلمة
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء


المزيد.....




- عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوال السعداوى - خروف العيد: حوارات نوال ومنى (١)