أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - مزبلة الرؤوس البشرية/قصة قصيرة/














المزيد.....

مزبلة الرؤوس البشرية/قصة قصيرة/


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 00:36
المحور: الادب والفن
    


تجلس المرأة باكراً،مع صياح أوّل ديك تكون قد هيأت وعيها لنهار جديد،وحيدة،خطف زوجها ذات ليلة،كانا معاً،ناما،تحاورا،عند منتصف الليل،أفاقت على طرقات تكاد تخلع باب البيت،لم ترغب بتر حلم زوجها،كان يواصل سمفونية تعبه عبر شخيره الأبدي.
فتحت المرأة باب البيت،ثمة شباب بهيئة عسكر،لمحت خمسة منهم،واقفون،لا شيء يتضح من ملامحهم،رأت أسلحتهم تستهدف رأسها،همس ذبيح صدر من فم يسكن الظلمة:
ـ أين هو.
ـ نائم.
ـ لينزل حالاً.
وقفت المرأة غارقة في صمت بدا لذيذاً،تفاعل فيها نداء مجهول بدأ يستوضح ملامحه،فهي تعرف زوجها،رجل بسيط،يبيع قناني الماء البارد على رصيف طريق مزدحم بالعطشى، الأوامر التي صدرت برفع التجاوزات من على أرصفة الشوارع،ستحرمهما من مصدر العيش ،باغتتها فرحة غامرة لحظة ومضت في ذهنها جهود زوجها في الأيام السابقة،كانت هي تبتهل لتسهيل أمره،تودعه بطاسة ماء وتستقبله ببسمة صدق،تمتص زخم التعب المتقطر من سحنته،بينما هو خاض غمار مراجعات مكوكية،نزف ما كان يملك من نقود وصبر وتوسلات،لقبوله كادراً في سلك(الشرطة الاتحادية).
لم تحتمل فرحتها،هرعت راكضة لتنهضه،فزع الزوج،متعباً،ما زال فوضى النهارات المنصرمة يتمسك بأهداب عينيه:
ـ أنهض..يبدو أسمك ظهر ضمن القوائم.
لم يتكلم،هبط يتحرى،مسكه أحدهم كما يمسك كبشاً جامحاً،ساقه إلى صندوق مركبة ضائعة في ظلام الليل الأخير.
***
جلست المرأة فرحانة،تريد طلوع النهار،قررت أن تذبح الديك،ستطعم سبعة جيران من لحمه،قرار أقسمت عليه،ها هو زوجها أخيراً وجد عملاً،مكسباً معيشياً دائماً،جاء الصبح، نادته طرقات مرتبكة على الباب،هرعت تستقبله،أرجأت زغاريدها لما بعد العناق،ستمطر وجنتيه بسيل قبلات،ستدور حوله سبع دورات.
مات حلمها،وجدت فتاة الجيران فاقدة لسانها،عيناها حمراوين،دامعتين،كانت تشير بسبابة مرتجفة نحو(مزبلة المحلة)،شيء ما،قاهر وفضولي،سكنها وسحبها،رفعت كيساً نايلونياً، فتحته،لم تتمكن من ترطيب الصباح بصرخة،سقطت.
من لحظتها ما عادت تتذكر شيئاً من الذي حصل.
***
المرأة استعادت وعيها بعد أشهر،وحيدة،لا تملك بقايا شجرة تستظل تحت أفياءها،تدربت على الصمت،روّضت جسدها على النوم الباكر،النهوض قبل صياح الديكة،مع دخولها حالة ذهّنية جديدة،رغبة وجدتها معقولة،أرادت أن تتأكد من مصداقية قضيتها.
خرجت ذات فجر،مشت على رؤوس أصابعها،وصلت(مزبلة المحلة)،رغبت أن تعرف هل حقاً ذلك(الرأس المقطوع)الذي وجدته في كيس النايلون كان رأس زوجها،منذ فترة بدأت الشكوك تعتمل فيها،تباغتها كوابيس لا ترحم،ناقشت نفسها،توصلت إلى قناعة متوسطة،أن ما رأته قد يكون شبيه محض،فزوجها مذ خرج يرافق(رجال الظلام)،لم يعد،لم يتصل.
ـ رأس بشري جديد..!!
لفظ لسانها الجملة،لم تفقد حواسها،كل شيء معهود ومشاع وممكن التآلف معه،رأس لا يشبه رأس زوجها،رغم توافق تام للعيون،نفس الشارب على الفم،بدأت ردود أفعال ذهنها تشكك من يقينها،شجرة يقين نبتت في بيداء أملها:
ـ ما زال يعيش..!!
المرأة واصلت الخروج فجراً،وكلّما تجد رأس بعينين مفتوحتين،تحمله،تنقله خلسة إلى الحمّام،تغمضه،تغسله،تطيبه،تكفنه،تنقله إلى حديقة منزلها،هناك تقبره على سبيل الأمانة.
***
تمضي الأيام،المرأة تواصل عملها الإنساني،بحثاً عن رأس زوجها الغائب،قبل أن تفيق الناس على رائحة بغيضة،توجهت أنوف الناس كمؤشر(البوصلة)إلى القطب الجاذب،هناك استقرت سفينة اليقين.
جاءت قوّات متعددة المهن،أخرجوا الرؤوس المكفونة،واحد وأربعون رأس بعيون مفتوحة، نقلوا المرأة الصامتة إلى سجن النساء،وتم إعدامها بناء على قرار(المحكمة الاتحادية)كونها داعمة(إرهاب).
***
في صبيحة مشرقة قرب(مزبلة المحلّة)،شهد الناس عملية إعدامها،لم يتأسف أحد لحالها، بعدما رأوا بأم أعينهم كيف قامت القوّات متعددة المهن،أخراج ملء حوض مركبة،رؤوس بشرية مجهولة الهوية،مكفونة بعناية،من حديقة منزلها.
***
فرحة الناس بتلك النهاية لم تدم طويلاً،بدأت الرؤوس البشرية المقطوعة تتواصل ورودها إلى(مزبلة المحلة)،هذه المرة بدأت كلاب سائبة تكتشفها،تجرجرها،تتقاتل عليها،تحركت ألسنة الناس،اشتغلت عقولهم،اكتشفوا خطأ ظنونهم بتلك المرأة المعدومة،راحوا يبحثون عن تفسير مقنع لما يحصل،أذهانهم بدأت تتحرك،تعيد تلك الجملة الذبيحة التي قالتها المرأة المعدومة لجارتها ـ قبل شنقها ـ كوصية قابلة التنفيذ:
ـ أمانة عليك،إذا وجدت رأس زوجي،اغسليه وكفنيه وادفنيه قرب قبري..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في ليلة مأزومة/قصة قصيرة/
- في أزمنة ليست سحيقة//قصة قصيرة//
- ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)
- بعد رحيله..جائزة محي الدين زنكنة للمسرح
- مسرحية(ماما..عمو..بابا..ميت)القسم الثاني..الأخير
- ماما..عمو..بابا..ميّت(مسرحية)القسم الأوّل
- حديث مقاهينا(مسرحية)المشهد الثالث/الأخير
- حديث مقاهينا(مسرحية)المشهد الثاني
- حديث مقاهينا(مسرحية)المشهد الأوّل
- قصة قصيرة(الذبيحة)مهداة إلى/سعد محمد رحيم
- رواية(قفل قلبي)القسم الأخير
- قفل قلبي(رواية)16 الديوان الملحق بالرواية2
- قفل قلبي(رواية)16
- قفل قلبي(15)
- قفل قلبي(رواية)14
- قفل قلبي(رواية)13
- قفل قلبي(رواية)12
- قفل قلبي(رواية)11
- قفل قلبي(رواية)10
- قفل قلبي(رواية)9


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - مزبلة الرؤوس البشرية/قصة قصيرة/