أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم حجاج - نظرية الانعكاس ....ما لها وما عليها.















المزيد.....



نظرية الانعكاس ....ما لها وما عليها.


إبراهيم حجاج

الحوار المتمدن-العدد: 3186 - 2010 / 11 / 15 - 01:05
المحور: الادب والفن
    


نظرية الانعكاس ....ما لها وما عليها. بقلم : ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم المسرح كلية الآداب جامعة الاسكندرية
يعتبر "جورج لوكاش" G.LUCKACS فيلسوف الواقعية الأكبر فى النصف الأول من القرن العشرين هو المنظر الأساسى لمبادئ المدرسة الجدلية التى تعود إلى الفيلسوف الألمانى " هيجل " HEGEL ورأيه الذى بلوره فيما بعد " ماركس " MARX فى العلاقة بين البنى التحتية ( علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج ) والبنى الفوقية (الثقافة والفنون والفلسفة ) ، حيث أوضح أن هذه العلاقة متبادلة ومتفاعلة مما يجعلها علاقة جدلية قائمة على التأثير والتأثر .
بمعنى أن أى تغيير فى البناء الاقتصادى والاجتماعى يؤدى إلى تغيير فى شكل الوعى أو مجمل البناء الفوقى الذى يعود فيؤثر فى البناء التحتى من خلال تثبيته أو تعديله أو تغييره ، فالواقع المادى فى تفاعل مستمر مع الأفكار . والتغيرات التى تحدث فى المجتمع نتيجة للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها تؤثر فى الوضع الإنسانى ومن ثم فى شكل الدراما ومضمونها ، وهذا يعنى أن الأدب انعكاسً للواقع الاجتماعى .
هذا ، وكان يظن قبل ظهور الفلسفة المادية أن البنية الفوقية للمجتمع تتطور على نحو مستقل ومتميز كل التميز عن البنية التحتية حتى ربطته تلك الفلسفة بعضه ببعض وفسرته بعد وصله بتطور المجتمع .
"وخلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين أدرك بعض علماء الاجتماع أهمية إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة السوسيولوجية لدراسة الأدب باعتباره ظاهرة اجتماعية مثل باقى الظواهر الاجتماعية الأخرى ، وأطلق على هذا الفرع الجديد من الدراسة أسم ( علم اجتماع الأدب )
وقد أكد هذا العلم الجديد على أن الأدب ليس نتاجا فرديا ، بل هو ضرب من ضروب الإنتاج الجماعى ، ومن هنا يتضح أهمية المجتمع فى عملية الإبداع الفنى بشكل عام ، والإبداع الأدبى بشكل خاص ، فالأدب يتأثر بالأوضاع الاجتماعية والتاريخية ، وهو مشروط بالظروف الاجتماعية والتاريخية . والعلاقة بين الأدب والمجتمع هى أولا وأخيرا علاقة تأثير وتأثر ، ولقد أكد عالم الاجتماع الفرنسى "إميل دور كايم" E.durkherm على اجتماعية الظاهرة الأدبية بقوله " أن الأدب ظاهرة اجتماعية ، وإنه إنتاج نسبى يخضع لظروف الزمان والمكان ، وهو عمل له أصول خاصة به وله مدارسه ولا يبنى على مخاطر العبقرية الفردية، وهو اجتماعى أيضا من ناحية انه يتطلب جمهورا يعجب به ويقدره . "
والمسرح بوصفه أحد الأجناس الأدبية يعتبر " أكثر الفنون ارتباطاً بالحياة فهو نشاط إنتاجى جماعى جدلى تتحول فيه الممارسة الإبداعية إلى ممارسة اجتماعية معرفية عبر عمليات الإرسال والتلقى وإعادة إنتاج الدلالة بصورة مستمرة مع كل عرض فى سياق توأمة الحوار الدائم مع الواقع المتغير."
وأكثر النظريات تمثيلا لهذا الاتجاه هى " نظرية الانعكاس " والتى تهتم بالعلاقات والنظم المادية داخل المجتمع ثم تبحث فى طبيعة الصلات والعلاقات والمتبادلة بين المجتمع والأدب من خلال رصد التأثيرات المتبادلة بينها ، تلك الوظيفة التى يبلورها أبو الحسن سلام فى مجال المسرح فيعرفها على أنها " قصر غاية التلقى على الانعكاسات المتبادلة للمجتمع إرسالا واستقبالا مؤكدا على امتطاء الذات الاجتماعية لعلاقات الإنتاج وانعكاسات الصراع الطبقى على بنية النص أو العرض المسرحى " ويتأكد هذا المعنى من خلال كلمات "ماركس " Marx حين يقول : أن الأدب والفن هما سلاح الطبقة ففى المجتمع المقسم إلى طبقات يعكس الأدب والفن بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة معنويات طبقة معينة ، وآرائها السياسية وذوقها الجمالى."
ذلك أن ما طرأ على المجتمع الإنسانى من تطور اقتصادى وسياسى وفكرى فى مطلع القرن العشرين ، وما لحق به من حروب طاحنة عالمية ومحلية وما استجد من نظم سياسية وما خاضته بعض الدول من ثورات وصراعات لنيل الحرية والاستقلال كل ذلك فرض على الأديب دورا فعالا فى المجتمع الذى يعيش فيه والمشاركة فى قضاياه بما يضمن مواجهة الفساد . فالأدب ـ فى نظر الباحثين ـ أداه من أدوات الاصلاح الاجتماعى بوصفة وسيله من وسائل الدعاية الثورية ضد الممارسات الفاسدة. ولا يختلف اثنان فى أن هذه الوظيفة التنويرية للأدب هى التى تستهدفها نظرية الانعكاس وهى التى نادى بها الفلاسفة والمفكرون منذ أقدم العصور حيث يؤكد سقراط Socrates على أن "الفن سواء ما كان فنا جميلا أو فنا صناعيا له وظيفة تخدم الحياة الإنسانية والأخلاقية."
وإذا تتبعنا الجذور التاريخية للعلاقة بين الأدب والمجتمع سنجد أن مفهوم الانعكاس يضرب بجذوره فى أعماق الماضى وأن الفكرة التى مؤداها أن الأدب يعكس المجتمع ويصور الواقع الاجتماعى ليست بالفكرة الجديدة بل هى قديمة قدم مفهوم أفلاطون Plato عن المحاكاة .
فقد أشار أفلاطون إلى مفهوم " المرآة التى توضع أمام الطبيعة لتمثل فكرة انعكاس الحياة فى الأدب وأستخدم أرسطو أيضا مفهوم المحاكاة حيث أكد على أن الفنون بصفة عامة تعد محاكاة للواقع وأصبحت هذه الفكرة مألوفة بعد ذلك فى النقد الأدبى ابتداء من عصر شيشرون الرومانى حيث استخدم مصطلح " مرآة العادات " أى أن الاعمال الفنية والأدبية تصور العادات والتقاليد المجتمعية واستخدم هذا المفهوم أيضا لدى نقاد العصور الوسطى وكانت تشير فى هذه الحقبة إلى نوع تعليمى انتشر منذ القرن الثالث عشر حتى القرن الخامس عشر وتقدم أعمال هذا النوع لطبقات مختلفة من الأفراد مثل "مرآة العذارى" "مرآة الراهبات" ....... الخ والمرآة هنا لا تعنى ما هم علية بل ما يجب أن يكونوا عليه ، وبعكس العرف السائد حاليا كانت وظيفة المرآة حين ذاك معيارية وليست تصويرية وقد استخدم شكسبير مفهوم " المرآة والانعكاس " فى مسرحه حيث كان يؤكد على واقعية الفن الذى يجب أن يكون ـ على حد تعبيره ـ انعكاسا للحياة لا تحريفا لها . (11)
ومن المثير للدهشة فى هذا العرض التاريخى الوجيز أن أفلاطون أستاذ المثالية الأول والذى أقصى الشعراء من مدينته الفاضلة قد اعترف بوظيفة الفن الاجتماعية والسياسية فقد ذكر فى كتابه " القوانين " Laws " أن الفن يساهم فى تكوين المواطنين ، ويقوى المجتمع برابطة تصل كل منا بالآخرين . " (12)
وما إن ظهر مصطلح الواقعية فى الأدب فى منتصف القرن التاسع عشر حتى صار تعبير "أن الفن انعكاس أمين للطبيعة " شعارا لها (13) واعتبرت الفن المقبول والذى تباركه هو ما كان مرتبطا بالمجتمع مقدما له ما يتفاعل معه ويغير منه ، وعلى هذا المعتقد فإن الأديب عليه أن يغترف مادته من المنهل العام للمجتمع وأن يغمس قلمه فى مشكلاته وان تكون لديه القدرة على الإحساس بتموجات الحياة الاجتماعية والرصد الدقيق لخلجات المجتمع والاستكشاف الواعى لقضاياه من خلال رؤية ثاقبة وحس مرهف فالتجربة الأدبية تنشأ فردية آنية ، ولكنها لا يمكن أن تبلغ مداها وتحقق ذاتها إلا إذا خرجت من حدود الفرد إلى المجتمع ، ومن الواقع الخاص إلى الواقع العام وغدت المشكلة فى نفس الأديب رمزاً للمشكلة فى ضمير الإنسانية لان المجتمع هو مجال تكامل التجربة الأدبية ، كما انه هو مجال تكامل الفرد .
وترجع أول معالجة حقيقية للعلاقة بين الأدب والمجتمع إلى الفيلسوف الفرنسى "هيبوليت تين" H.taine وعلى غرار سابقيه أمثال "أوجست كونت" Auguste conte 1798 ـ 1856 مؤسس الفلسفة الوضعية وأول من صك مصطلح علم الاجتماع . حاول تين إخضاع الأدب والفن إلى أسس مادية مستقاة من المجتمع تعكس حقائق مؤكدة ومحددة، حيث يرى أن الأعمال الأدبية ينبغى أن تفهم على أنها نتيجة أو محصلة ثلاثة عوامل متمازجة العصر ، والجنس (العرق) ، والبيئة . (14)
فإذا بدأنا بالجنس سنجد أن تين taine قد عرفه فى ضوء السمات النظرية والوراثية والمزاج الانفعالى حيث أشار إلى أن هناك اختلافا واسع النطاق بين الأجناس البشرية بعضها البعض من حيث الظروف المعيشة و الموطن الأصلى والأصل التاريخى .. الخ "حيث يكتسب الجنس الخصائص المميزة له من البيئة الطبيعية والعادات والتقاليد المتوارثة والأحداث التاريخية التى مر بها فى أصله .فضلاً عن الدوافع والرغبات الدفينة التى تلعب دوراً هاماً فى صياغة الفعل الإنسانى وتطويره " . (15)
وبالنسبة للعصر وهو العامل الثانى الذى يحدد شكل ومضمون الأدب ـ كما أشار تين ـ فقد قصد به الأفكار والمفاهيم الإنسانية المسيطرة على روح العصر المنتج للعمل الأدبى وأخيرا أكد تين على دور البيئة كعامل أساسى فى تحديد شكل ومضمون الأجناس الأدبية وتعنى البيئة أشياء كثيرة كالمناخ والجغرافيا الطبيعية والنظم الاجتماعية التى تحتضنها هذه البيئة .
أما نظرية الانعكاس فقد ارتبطت بالمعنى الحرفى لها بـ " لينين " حيث أكد أن إحساسنا وشعورنا ليس سوى صورة للعالم الخارجى وهذا القول يؤكد على أن الاعمال الفنية ـ بصفة عامة ـ ما هى إلا انعكاس للواقع وان الأدب ـ بصفة خاصة ـ مرآه تصور الواقع الاجتماعى فى تناقضه وتعقده ولذلك كان " تولستوى " عند " لينين " مرآة الثورة الروسية لعام 1917 حيث كان مرآة حقيقية لتلك الظروف المتناقضة التى أحاطت بنشاط الفلاحين التاريخى فى هذه الثورة .
ويرى ماركس Marx "أن الإنسان كائن اجتماعى ينبع إبداعه من نشاطه العملى ويطرأ عليه التغير والتبدل بعمله على تغيير الطبيعة وتبديلها."
إن كلمات ماركس تحمل إشارة واضحة للدور الوظيفى للفن فى المجتمع ذلك الدور الذى يؤكده عالم الانثروبولوجيا الفرنسى " ليفى شتراوس" Levi Strauss فى عبارة لها مغزاها ودلالاتها العميقة حيث يقول :
" إن الزهرة التى تنمو فى البرارى دون أن يشعر بوجودها أحد لا تعنى شيئا على الإطلاق ولكنها تكتسب معنى محددا ، وتؤدى رسالة واضحة للجميع ، حين تصبح جزءا فى إكليل الزهور الذى يرسل فى تشييع الجنازات ، أو فى تكوين باقات الزهور التى ترسل للمشاركة فى الأفراح ."
وبالقياس على الفنان نجد أن وجوده الفعال يتحدد بمدى تعايشه لواقعة الاجتماعى والمشاركة فى قضاياه بعرضها والدفاع عنها أو معارضتها من وجهة نظر حرة حريصة على قيام العدالة والمساواة والحرية بهدف الاصلاح والتغيير .
ولا شك أن الأدب كما يقرر رينيه ويليك " نظام اجتماعى يصطنع اللغة وسيطاً له ، واللغة إبداع اجتماعى وإذا كان الأدب يمثل الحياة فإن الحياة ذاتها حقيقة اجتماعية.والكاتب المسرحى حينما يصور لنا كائنا إنسانيا كاملا فهو لا يعيد تصوير الإنسان فقط بل يعيد تصوير المجتمع الذى ينتمى إليه هذا الإنسان . وهذا المجتمع ليس إلا ذرة من الكون ومن ثمة فالفن الذى خلق هذا الإنسان يعكس لنا الكون كله."
ويفسر "بول فاليرى" Paul valery العلاقة بين الفنان وبين الآخرين فيؤكد أن الفنان فى أثناء عملية الخلق الفنى يضع نصب عينيه الذين سيتوجه إليهم بعمله ومدى تأثيره فيهم فيقول : إن المبدع هو ذلك الشخص الذى بإمكانه أن يدع الآخرين يبدعون ، فالفنان والمتلقى يتشاركان بفاعلية وتتحدد قيمة العمل الفنى من خلال هذه العلاقة التبادلية بين كلا منهما . وفى المسرح إذا لم تكن هناك علاقة تفاعل بين خشبة المسرح والمشاهدين فإن المسرحية تموت أو تصبح رديئة أو لم يعد لها وجود على الإطلاق.
وبناءً على ذلك فإن الكاتب عندما يبدأ بالتفكير فى عمل فنى يبدأ بحساب التأثيرات الخارجية، فهو يهتم عن وعى أو غير وعى بالأشخاص الذين سيتأثرون بعمله ، ويكون لنفسه فكرة عن هؤلاء الذين يتجه إليهم كما يتصور من ناحية ثانية الوسائل التى يمكنه أن يحصل عليها لتحقيق هذا التأثير .
ويشير جان دوفينو jean duvignaud ( عالم اجتماع فى مجال المسرح ) إلى محور آخر من محاور العلاقة بين الأدب والمجتمع ،حث "يعتبر الدراما نوعاً من الميزان الثقافى الذى يسجل أزمة القيم والمعايير الأخلاقية لعصر معين ويظهر فضائح الخلاف مع الأخلاق الرسمية "
وقد تناول نقاد الأدب العربى العلاقة بين الأدب والمجتمع بالبحث والتحليل فيؤكد "طه حسين " على أن كل أديب لا يستقى مادته وروحه من حياة الشغب فليس أديبا ، ولا هو بكاتب للأدب وعلى ذلك فلابد من أن تعرف ماذا يقول الشعب وكيف يعيش الشعب وكيف يحكى حكاياته وأقاصيصه ولابد للأدباء من دراسة الأدب والحياة فى البيئات المختلفة للناس، ويرى "أحمد أمين" فى كتابه " النقد الأدبى " أن الأديب ليس حقيقة مفردة مستقلة منعزلة ، بل له صلاته التى تربطه بالماضى والحاضر ، وأفكار الشاعر أو الأديب هى لدرجة كبيرة وليدة البيئة ، وعلى ذلك فخير تعريف للأدب انه التعبير عن الحياة ، أو بعضها ، بعبارة جميلة . وإلى شيء من هذا يذهب " محمد حسين هيكل " فيعرف الأدب بأنه فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما فى الحياة من حق وجمال بواسطة الكلام إن "طه حسين " ، و " احمد أمين " ، و " محمد حسين هيكل " يقرون بوجود العلاقة الوثيقة بين الأدب والحياة وكلامهم السابق له أثره فيما أنتجوه من أدب مصرى ، وما أضافوه إلى النقد خلال الحقبة الأخيرة من تاريخنا.
ويؤكد "لويس عوض " على أن " الأدب لا ينفصل عن المجتمع ، وليس نشاطاً فى فراغ، فالأدب والفن والفكر والسياسة والإصلاح الاجتماعى ... كل هذه الأشياء أدوات للتعبير الاجتماعى ، وليست مجرد فانتازيا."
أما "نبيل راغب " فيقر بالعلاقة بين الأدب والمجتمع فيقول " أن العلاقة بين الأدب والحياة علاقة عضوية متبادلة تأثيراً وتأثراً مثل العلاقة بين العلم والحياة وإذا كان العلم يغير أنماط الحياة على كل المستويات ، فأن الأدب يقوم بنفس المهمة لأنه يؤثر فى وجدان الناس ويغير من نظرتهم إلى الحياة وبالتالى سلوكهم فيها." (25)
ويؤكد على أنه " لا يمكن الفصل بين الفن والحياة ، إذ أننا لو قمنا بهذه المهمة فسنفصل الروح عن الجسد ومن ثم تصير الروح شيئاً مجرداً لا نستطيع إدراكه أو استيعابه ، ويتحول الجسد إلى جثة هامدة لا حراك فيها."
ويتفق " توفيق الحكيم " مع "جان دوفينو" فى الربط بين المذهب الفنى والمذهب الخلقى حين قال " هناك صلة فى اعتقادى بين رجل الفن ورجل الدين ذلك أن الدين والفن كلاهما يضيء من مشكاة واحدة ، هى ذلك القبس العلوى الذى يملأ قلب الإنسان بالراحة والصفاء والإيمان وان مصدر الجمال فى الفن هو ذلك الشعور بالسمو الذى يغمر الإنسان عند اتصاله بالأثر الفنى ، ومن أجل هذا كان لابد أن يكون مثل الدين قائماً على قواعد الأخلاق."
وبناءً على كل هذه الآراء يمكننا القول بأن الفن والأدب هما من المؤسسات الاجتماعية المتفاعلة مع الواقع الاجتماعى ومتغيراته بغرض الإصلاح والتقويم .
ولقد وجهت إلى نظرية الانعكاس بعض الانتقادات والاعتراضات من قبل النقاد والمشتغلين بالأدب حيث انتقد البعض مسمى " الانعكاس " رافضاً قصور دور المسرح على النقل الحرفى للواقع ، وهدمها البعض الآخر ليشيد محلها نظريات تمجد الدور الترفيهى للمسرح وتقصره على المتعة والتسلية .
فقد أكد " رايموند ويليامز" Raymond Williams على أن هناك مفهوماً أخر معدل لمفهوم " الانعكاس " وهو التوفيق أو " التوليف " الذى يدل اسمه على عملية فعالة وليس على تلك الآلية السكونية التى توحى بها كلمة انعكاس ، ويرتكز المفهوم الجديد على عاملى الفاعلية واللامباشرة ، حيث يقدم تصوراً متميزاً لموضوع العلاقة بين الأدب والمجتمع تجاوز مسألة انعكاس الواقع مباشرة فى الأدب مؤكدا على أن الواقع يمر بعملية "توفيق" تغير محتواه الأصلى أو على الأقل تغير صورته من خلال إسباغها لنسق خاص أو شكل خاص على هذا المحتوى الواقعى الخارجى ، إذ ينطوى التوفيق على نوع من التعبير غير المباشر الذى يتحور فى الواقع الاجتماعى من خلال أشكال متعددة من الإسقاط أو التقنيع وبذلك يمكن بعملية تحليل مناقضة استعادة صورة الواقع الاجتماعى الأصلية بعد نزع الأقنعة أو تعرية الإسقاطات.
وبذلك فقد أفسح المفهوم الجديد المجال أمام العقل الواعى بالواقع بوصفه المرآة التى تتلقى الصورة قبل أن تعكسها ، والتى تتعامل بالقطع مع هذه الصورة بفاعلية يترتب عليها تغير الكثير من ملامحها وتفاصيلها فى عملية أقرب إلى إعادة الصياغة منها إلى الانعكاس ، فهو يرى أن مهمة الأديب لا تقتصر على النقل الحرفى للواقع بل تتعدى ذلك إلى صبغته برؤية الفنان التى يحددها فكرة وخياله ، بالإضافة إلى العبقرية الشخصية أو الموهبة الذاتية التى تداركها "تين" وأضافها إلى ثالوثه (البيئة ـ الجنس ـ العصر ) " حين أشاد بعبقرية "شكسبير " فى مقدمة كتابه عن الأدب الإنجليزى حيث أشار إلى أن هناك أشخاصاً أدباء كبارا يرتفعون بقاماتهم عن الوسط الذى عاشوا فيه ، ويحققون بمواهبهم مستويات نوعية من الإبداع لا يمكن أن تفسر فقط طبقاً لنظريته السابقة ، بل لابد من إدخال عامل آخر ، وهو عامل الموهبة الفردية وعبقرية الأشخاص فى حساب الناقد والدارس للإبداع الأدبى."
ويرى الباحث أن مفهوم " التوفيق " يحمل فى طياته اعترافاً ضمنياً بضرورة أن يعكس الأدب الواقع الاجتماعى على أن تتم عملية " الانعكاس " على مستوى المضمون لا الشكل بحيث يتخذ الأدب من المجتمع مادة خام قابلة للصياغة والتشكيل ليعكسها من منظورات متعددة قد تكون رمزية أو تعبيرية أو ملحمية حسب الرؤية الفكرية الخاصة بالمؤلف والتى يبلغ بها أعماق الضمائر والقلوب لتحقيق التأثير المتبادل بينه وبين جمهوره ، وهذا ما يؤكده "ماركس" بقوله :" أن الفنانون صوروا العالم بأشكال مختلفة غير أن مهمتهم هى تغييره."
وعلى مستوى النقد العربى يؤكد "فاروق عبد الوهاب " على أن " تاريخ الفن فى العالم عبارة عن محاولات متصلة من جانب الفنانين لحل مشكلتهم الأزلية مع شكل فنهم فالمضمون واحد والهدف الأساسى من وراء الفن الواحد ، فالمضمون لا يخرج دائماً عن حياة الإنسان ، وحياة الناس وعلاقاتهم ببعضهم البعض ، وتصوير هذه العلاقات من زاوية جديدة ، زاوية خاصة . فالعلاقات موجودة ، ولكن الجديد الذى يقدمه لنا الفنان هو أن يرى هذه العلاقات فى ضوء جديد ، وغالباً ما يكون ضوءه هو الخاص ، وهذه الخصوصية هى التى تضفى على المضمون جدته، ومن ثم شكله الجديد فما يميز الفنان عن غيره من البشر هو قدرته على أن يرى تكوينات جديدة فى أشياء لم تجذب انتباه غيره من الناس"، مع الأخذ فى الاعتبار أن أى تجديد فى الشكل لا يخدم غرضاً ولا يستمد مبرراته من مضمون اجتماعى يظل شكلاً عقيماً تماماً لا ثمرة فيه ، وتأكيداً لهذا المعنى يستنكر "رشاد رشدى " ـ وهو أحد المتحمسين لمدرسة النقد الحديث ـ النقد الذى وجه إلى مسرحية "الأرانب" بشأن تحول بطلها إلى امرأة وتحول البطلة إلى رجل بدعوى أن هذا مخالف للواقع الحياتى ويرى أن " المؤلف " لطفى الخولى " يدعو إلى أن يحدث هذا التحول فى الحياة والواقع ، وأن هذا التحول ـ فى مجال الدراما ـ ليس إلا تجسيداً للمشكلة الاجتماعية التى يعالجها المؤلف ، وهو فى إطارها العام ضرورة أو حتمية التغيير فى مجتمع متطور متطلع، وفى إطارها الخاص حقيقة مساواة المرأة للرجل فى مثل هذا المجتمع أو رفض الرجل لهذه الحقيقة وضرورة تقبله لها ، بل وضرورة تقبل المجتمع للتطور والتغيير الدائم لأن هذا شيء طبيعى."
إن رشاد رشدى يطالبنا بأن ننسى الواقع كما نعرفه ونستبدله بالواقع الدرامى ، حيث الصورة المسرحية المقدمة بأشكال جديدة ممتزجة برؤية المؤلف .
كما أن هذه الأشكال على اختلافها ليست نتاجاً فردياً ، بل هى وليدة ظروف اجتماعية معينة ساهمت فى إفرازها وهذا ما يشير إليه "إرنست فيشر" Ernst Fischer فى قوله "إن التاريخ الاجتماعى للفن يؤكد أن الأشكال الفنية ليست مجرد أشكال نابعة من الوعى الفردى ـ يحددها السمع والبصر ـ وإنما هى إلى تعبير عن نظرة إلى العالم يحددها المجتمع ".
وإلى شيء من هذا يذهب "لوسيان جولدمان" L. Goldman أحد رواد الاتجاه البنيوى التكوينى ( التوليدى) ، والذى تأسس موقفه من دراسة الأدب على النظرية المادية الجدلية ، "فالأدب فى نظر جولدمان " مثله مثل المجتمع ، هو كل متكامل ، فكل عمل أدبى لا يمكن فهمه إلا من خلال فهم أجزائه المكونة له فى علاقتها مع بعضها البعض ، إلى جانب ذلك نجد عنده الاهتمام ببنية المقولات التى تكشف عن رؤية للعالم " بمعنى أن البنية الفكرية للعمل الأدبى تولد وتجسد بدورها بنية اجتماعية طبقية .
والدليل على هذا أن الحرب العالمية الثانية بوحشيتها اللامعقولة وتخريبها الهمجى المدمر كانت سبباً فى توجيه كتاب الدراما لصياغة موضوعاتهم فى شكل درامى عبثى للتعبير عن الواقع بغير الواقع والالتجاء إلى اللامعقول واللامنطقى فى كل تعبير فنى .
حيث يعتقد كتاب المسرح العبثى ، أن وجودنا فى الحياة هو العبث بعينه لأننا نولد بغير إرادتنا ونموت بدون أن نسعى للموت ونحيى ما بين المولد والممات محتجزين فى أجسادنا وعقولنا ، ولهذا جاءت لغة العبث مفرغة من المعنى لتؤكد لا جدوية الأفعال ، أو تناول الأفكار بين الناس .
ومع ذلك لم تخلوا إبداعاتهم من المضامين الاجتماعية ، فعلى سبيل المثال تكشف مسرحية "الخرتيت" للكاتب العبثى " يوجين يونسكو" Eugene Ionesco القناع عن أحد الأوضاع الاجتماعية السياسية الفاسدة حيث ما يسميه يونسكو ( داء الخرتيت ) هو النازية التى كانت عند نشأتها بين الحربين العالميتين اختراعاً أو ابتكاراً من المفكرين أو الأيديولوجيين الذين يتفننون فى خلق عقائد جديدة ، فهم لا يفكرون ولا يتأملون فيما يقولون إنما يحفظون عن ظهر قلب بعض الشعارات العقائدية أو الفكرية يقومون بإلقائها بصورة أليه كقطعة المحفوظات فى أفواه التلاميذ ، ويزيفون الفهم والمفاهيم ، ويحاربون روح التعايش السلمى ، حيث أن الخرتيت لا يمكن أن يتفاهم مه من ليس خرتيتاً مثله لذا يأمل " يونسكو" أن ينهج المتلقى نهج " بيرنجيه " بطل المسرحية فى نبذه للأيديولوجية التى تحيط به وذلك برفضه أن يكون خرتيتاً .
ويتضح مما سبق انه مهما اختلفت الرؤى والأشكال الفنية التى ينسج منها الكاتب إبداعاته فأنها تلتقى فى النهاية عند نقطه أو أرض مشتركة واحدة تؤكد أن العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة ديناميكية والتأثير بينهما متصل متمازج تختلط فيه الذاتية بالاجتماعية عن طريق التفاعل القائم بينهما .
أما عن النظريات والاتجاهات المناهضة لنظرية " الانعكاس " فتعتبر نظرية "الفن للفن" واحدة من أهم النظريات التى أقرت بقطع الصلة بين الأدب والمجتمع ، " فقد قامت دعوة الفن للفن فى مطلع القرن التاسع عشر كنوع من الهروب من تبعات الحاضر ، فتجاهل الأدباء لذلك العهد ـ فى أدبهم ـ مطالب عصرهم ، وهدفوا إلى خلق أدب هو صورة الترف فى ذاته وكانوا لا يحفلون بالغايات الاجتماعية والخلقية " ، ويرون أن "العمل الفنى الجديد له توافقه وانسجامه الداخلى وعلى هذا الانسجام يتوقف الأثر المطلوب لا على اتفاق العمل مع الحياة أو اختلافه عنها . "
وينظر بعض النقاد للدعوة السابقة كرد فعل للمذهب الرومانتيكى ، الذى لا يحفل بغير الترجمة عن العاطفى الشخصية ، وينزل بالأدب إلى مستوى الوسيلة ، حيث يرى أصحاب " مذهب الفن للفن " أن من حق الأدب أن يصبح غاية فى ذاته ، لا مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر الخاصة .
ومن هنا جاء تعريف إبراهيم حمادة لنظرية الفن للفن على أنها " اتجاه جمالى فى الخلق الفنى هدف به أصلاً الشاعر والناثر "ثيوفيل جويتيه " ( 1811 ـ 1872) إلى الثورة ضد استخدام الفن كأداة للتعبير عن الذات . إن هدف الفن ـ فى نظره ـ ينبغى أن يكون لذاته الجمالية لا أن يكون وسيلة للإفصاح عن مشاعر الفنان الخاصة ."
وقد انبثقت هذه النظرية عن الفلسفة المثالية التى يعد الفيلسوف الألمانى " كانط" Kant أهم روادها ، حيث تقوم فلسفته على الإيمان بعدم وجود عالم خارجى منفصل عن الإنسان وأن الحقيقة هى نتاج النفس البشرية وبأن الشيء ما هو إلا فكرتنا عن الشيء أى أن الحقيقة هى مجرد أفكار لا دلاله لها فى عالم خارجى محسوس ، وفى ظل نظريته لم يعد الشعر محاكاة للطبيعة كما كان الاعتقاد فى القرن الثامن عشر وإنما محاكاة الخلق نفسها أى أن العمل الفنى كائناً عضوياً مستقلاً عن أى شيء خارجه . فهو يعد المتعة الفنية غاية فى ذاتها فلا ينبغى أن نبحث وراءها عن غاية خلقية أو اجتماعية ويعتبر أن " الجمال هو رضاء مجرد من الغرض. "
" فهو لا يرى عناصر الجمال إلا فى الشكل أو المضمون فيلقى به خارج نطاق علم الجمال "
وتعتبر آراء " كانط " هى الدعامة الأساسية لدعاة نظرية الفن للفن حيث عادت إلى فرنسا فى أوائل القرن التاسع عشر كوكبة من المثقفين الفرنسيين المهاجرين الذين أسهموا فى نشر أفكاره وفلسفته ومنهم الشاعر " جويتيه " الذى يقول فى مقدمة ديوانه "قصائد أولى" ( 1832) " إذا كان هناك ثمة هدف يحاول هذا الكتاب تحقيقه فهو فقط يحاول أن يكون جميلاً. "
ويعتبر أوسكار وايلد Oscar Wilde واحداً من أنصار هذا المذهب ، وكانت مسرحية "سالومى " ثمرة من ثمار دعوى الفن للفن حيث لا مجال للاعتبارات الدينية أو الأخلاقية أو القومية عند التعامل مع نص كهذا .
إن هذه المسرحية تعرض تصويراً قوياً للحب الجسدى الشهوانى العنيف ، ولكنها تفتقر إلى المبررات التى يمكن أن تقنع المتلقى بهذا الحب ، إذ ليس من السهل أن تصدق كيف أن سالومى ، تلك الفتاه العذراء تندفع فجأة وبدون مقدمات فى حب يوحنا المعمدان لتصل إلى تلك الدرجة من الشهوى الجسدية دون الإحساس حتى بأى نوع من الحياء أو الخجل.
كما رفع ت . س إليوت T.S Eliot راية مذهب الفن للفن فى أول عهده بالنقد ( وهى المرحلة التى تبدأ فى عام 1917 ) حيث كان همه كله منصرفاً إلى توفير الأسس الجمالية فى العمل الأدبى ، فيها كان يفر " إليوت " مما يسميه ( خلط الأجناس ) يقصد بذلك خلط الأدب بالفلسفة أو بالاجتماع ، فهو يرى أن العمل الأدبى ليس وسيلة ولكنه غاية فى ذاته ن ولا يمكن أن يكون إلا صوره لنفسه فقط ، إلا أن " إليوت " كان فى المرحلة الثانية من مراحل تطوره أقرب إلى النزعة الواقعية حيث ذكر فى مقدمة كتابه "الغابة المقدسة" (1928) أنه مهما قيل فى استقلال الفن ، ومهما أجتهد أهله فى الاكتفاء به غاية فى ذاته ، فأنه لا بد وأن يمس مسائل الخلق والدين والسياسة .
وعلى الرغم من بزوغ نظرية الفن للفن فى مطلع القرن التاسع عشر ، إلا أن جذورها تمتد إلى القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد " ، حيث شاعت بعض الآراء والنظريات التى انتهت إلى نظرية حسية فى الجمال غايتها : أن الفن هو إحداث لذة عند الجمهور المتذوق . وعلى الفنان أن يقدم للجمهور ما يلذة ويرضيه لا ما يجب عليه أن يعمله ، حتى ولو كان ذلك الفن تمويها وغير مطبق للحقيقة الموضوعية . ومن الطبيعى أن يثور أفلاطون وأمثاله على هذه النظرية الحسية فى الجمال ، حيث أصبح الفن عند محترفيه مجرد قواعد محفوظة وصفها أفلاطون بأنها لا توجه الجمهور إلى الخير بل إلى اللذة . ولما كان هذا الفن لا ينطوى على خير ولا حقيقة ولا جمال ، فقد وصفه أفلاطون بأنه خيال ومحاكاة مزيفة للحقيقة ، واستبعده من مدينته الفاضلة "
وعلى هذا النحو يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار أن نقد أفلاطون كان موجهاً إلى الاتجاهات الجديدة فى الفن والفكر المعاصر له ، فهو لم يوجه اتهامه إلى الشعر على الإطلاق بل إلى الشعر بقصد اللذة .
لقد جاءت أسطورة نفى أفلاطون الشعراء فى مدينته المثالية نتيجة لإساءة فهم كتاب الجمهورية إذ ذكر أفلاطون الشاعر بقوله (علينا أن نبجله باعتباره شيئاً مقدساً وساحراً وممتعاً، علينا أن نعرفه بأنه لا وجود لمن يماثله فى مدينتنا ، وأنه لا يسمح بوجود هذا المثيل وعلينا ألا نعمده بزيت الرايتنج ونكلل جبينه بالغار ، وأن نقصيه إلى مدينة أخرى . ومن ناحيتنا نبحث لصالحنا عن شاعر أخر أكثر جفافاً وأقل قدره على التسلية وحكاية القصص بقوم بتمثيل أحاديث الرجل الخير لنا ) ( 398 A . ويؤكد لنا من يسيئون فهم أفلاطون بأن ضحية هذا الإبعاد هو الشاعر على الإطلاق . ولو أنهم قرءوا العبارة إلى أخرها كما جاء ذكرها هنا ، لأمكنهم أن يروا أنه لا يمكن أن يكون المقصود كذلك ، فهو لم يقصد الشاعر التمثيلى على الإطلاق ، بل قصد الشاعر الذى يعمل على التسلية والذى يمثل ببراعة رائعة وبطريقة مثالية للغاية التوافه والمنفرات .
وقد واجهت دعوت الفن للفن نفس المعارضة التى واجهتها النظرية الحسية فى الجمال فى عصور ما قبل الميلاد ، فلقد عاب الاشتراكيون على الدعوة محاولة فصلها عن المجتمع.
كما قاد " سارتر" حملة ساخرة على هؤلاء الذين يحصرون قيمة الأدب فى نواحيه الفنية وينفون أن يكون للأدب تأثير أو هدف، فرفض الفصل بين الجمال الفنى والقيمة.
وأقر بان الكاتب الذى يتبع تعاليم دعاة ( الفن للفن ) ، يهتم قبل كل شيء بكتابة أثار لا تخدم شيئا البتة ، أثار محرومة من الجذور ، وهكذا يضع نفسه على هامش المجتمع ، أو لا يقبل بالأحرى إلا يمثل فيه إلا بصفة مستهلك محض ، وعلى وجه الدقة كطالب متعه . فالفن الخالص والفن الفارغ سواء بسواء ، والدعوى إلى مثل هذا الفن ـ فيما يرى "سارتر" ـ ليست إلا ذريعة تذرع بها نكرات القرن الأخير لأنهم أبو أن يسلكوا سبيل التجديد والكشف وأن يبدعوا شيئاً ذا قيمه .
ويرى الباحث أن قصور دور الفن على إبراز النواحى الجمالية يقلل من فرص خلوده ، إذ أن الجمال ليس مطلق فكما يتغير مقياس الحياة بتغيير ظروفها يختلف الإحساس بالجمال من عصر إلى عصر وكذلك من طبقة إلى طبقة .
كما يرى أن قصور وظيفة الفن على المتعة والتسلية ، إنما هو دحض لقيمته وإغفال لدوره الفعال فى الارتقاء بمستوى الحياة الواقعية إلى المثالية ، فلو كان الفن هو ما يجلب المتعة فيمكننا الاعتراف بان الطعام الطيب وشم الروائح الذكية ومختلف الأحاسيس المادية الأخرى يمكن أن تعتبر فنوناً .
ويتفق الباحث مع جلبرت موراى Gilbert Murray فى قوله بأن إبداع أى عمل فنى لابد وأن يقوم على قصد المنفعة والاستخدام ، فليس ثمة صورة ترسم لأناس عمى ، ولا يبنى قارب فى غير وجود ماء .
إلا أنه يضيف لرأى "جلبرت موراى " رفض " سارتر " للفصل بين الجمال الفنى والقيمة حيث يرى الباحث أن وظيفة الفن كمنشط لوعى المتلقى تجاه الممارسات الاجتماعية التى تحيط به لا تتعارض مع طبيعته كوسيلة للإمتاع والترفيه وأن رعاية القيم الجمالية ضرورى للفنان وضرورى للفن وإلا تداخلت الخطوط بين العلم والأدب ، وأنه إذا تضافرت القيم الجمالية التى يتضمنها العمل الفنى مع القيمة الاجتماعية التى يهدف إليها المبدع لخلق عمل متكامل يجمع بين الإقناع والإمتاع أصبح للفن هدفٌ أسمى من أن يكون لمجرد التسلية.
ابراهيم حجاج
مدرس مساعد بقسم المسرح
كلية الآداب جامعة الاسكندرية



#إبراهيم_حجاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح والمجتمع
- ملخص رسالة ماجستير ظاهرة الجريمة فى المسرح المصرى
- ظاهرة التمرد فى المسرح
- الأدب ونظرية الضبط الاجتماعى
- تأثير الثورة على كتاب المسرح المصرى فى الستينيات
- نظرية الفن للفن
- أسطورة نفى أفلاطون للشعراء عن مدينته الفاضلة
- قضايا المجتمع بين المسرح الأمريكى والأوروبى الحديث
- المسرح وقضايا المجتمع من العصر اليونانى عصر النهضة
- قراءة جديدة لمسرح توفيق الحكيم رؤية نقدية لنص-ياطالع الشجرة ...
- الدين والمسرح....خدعوك فقالوا...


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم حجاج - نظرية الانعكاس ....ما لها وما عليها.