أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - توفيق أبو شومر - بكاء على أطلال القدس بمناسبة العيد















المزيد.....

بكاء على أطلال القدس بمناسبة العيد


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 3185 - 2010 / 11 / 14 - 18:44
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الوقوف على الأطلال عند العرب تراثٌ عربيٌ أصيل، خلَّدَهُ الشعراء والأدباء والكتاب والمفكرون والنابغون واعتبره الجاهليون كرنفالا احتفاليا رائعا، وواظبوا على إحيائه في مهرجان كبير في سوق عكاظ، وكانت إجادة طقس الوقوف على الأطلال هي جواز السفر إلى خيام الشعر في هذا السوق، وكان بكاءُ الطلل يُعدُّ إنجازا شعريا يُشار له بالبنان، يُحدِّدُ مصير القصائد، لذا عمد النقاد والأدباء إلى تلحين هذا الطقس في أنغام موسيقية شتَّى وقسموه إلى بحورٍ وصدور وأعجاز، ووزعوه بين الشباب والكهول كلحنٍ شعبيِّ خالدٍ ، يشير إلى لغة العروبة وفنها الشعري التليد !
لا تستغربوا حين عدَّ العربُ الوقوفَ على الأطلالِ شرطا رئيسا من شروط جودة البيان، وسبك الشعر، وشرطا أساسيا لبدء القصيد، فلا يكون الشاعرُ شاعرا إذا لم يُحسن الوقوف والبكاء على الأطلال وندبها، ولا تُستساغُ القصائدُ إذا خلتْ من بقايا الأطلال وشظايا الخيمات، ومخلفات القدور، وأوتاد الأخبية، وقلائد الهوادج وحتى بعر الغزلان وأبقار الوحش!
ولا تندهشوا حين أقول إننا – نحن العرب- كنا منذ جاهليتنا الأولى طللين، حتى أن أطلالنا صاغت تراثنا كله، وأرست قواعد قبائلنا وعشائرنا، ومنحتنا أسماءنا وسمات وجوهنا،وشكَّلت جيناتنا العاطفية ، لذا فإن جيناتنا العربية هي أيضا جينات طللية!
ولعلّ أبرز خصائص حاملي الجينة الطللية، أنهم خياليون، فخيالهم هو واقعهم، وأنهم قادرون بفعل هذه الجينة الفريدة أن يجعلوا الجماد الأصم ناطقا، بكل اللغات واللهجات وفق تقاليد أجدادنا الشعراء الجاهليين فعنترة فارسنا الطللي يقول:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
أما المرقش فقد حظي باسمه لأنه حاور الأطلال بكفاءة فقال:
هل بالديار أن تُجيب صمم؟.. لو كان رسمٌ ناطقا كلم.
أما طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي، فهو يتوحد في الأطلال ويذوب فيها إلى درجة الفناء:
وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم... يقولون لا تهلك أسىً وتجلد !
وبحكم جينتي العربية الطللية فإنني سأقدم بعض الدلائل على أن كثيرين من الفلسطينيين والعرب استبدلوا القدسَ بأطلال الجزيرة العربية البائدة، لكي يُجوِّدوا بها قصائدهم ، فلا يجوز أن تخلو الجغرافيا العربية في أي عصر من العصور من مركز طللي رئيس!
وكل ذلك على الرغم من وجود أطلال عربية كثيرة غيرها، كان يجب أن تكون لها الأولوية ، فالأندلس أهم طلل عربي بكاه الشعراءُ والأدباء عن بُعد حتى تحجرتْ قوافيهم بعد أن استنفدوا كل مخزوناتهم من الدموع، وكذا كل الأجزاء التي اقتطعت من جسد العرب،في سبتة ومليليه وغيرها. ها هي القدس اليوم تتحول إلى تمثال طللي أمام أعيننا يزين بها شعراءُ السياسة أشعارَهم، ويستفتحون بها خطبهم ومطولاتهم، ويستدرجون سامعيهم للبكاء معهم والتصفيق لهم !
وظلتْ القصائد العربية تُقاس بكمية هطل الدموع، ونزف المآقي، وظل مقياس الجودة يُكال بمقدار بُعد القصائد عن أسوار القدس وأبوابها، فكلما ابتعدتْ القصائدُ عن ساحات القدس وشوارعها ورموزها كانت هي الأحلى والأجمل، فالبكاء عندنا دائما يحلو على الأطلال البعيدة النائية!
لن أتهم أمة العرب بالتفريط في شرف القدس ، ولن أندب حظ الفلسطينيين ممن لم يستفيقوا بعد على صرخات مدينتهم، ولن ألوم أهل القدس أنفسهم على صرخاتهم وآلامهم وشكاواهم التي ظلت مائدة دسمة رئيسة من موائد المعلقات الإعلامية العربية!
فالقدس اليوم تخلو من القدس، ولم يبقَ فيها سوى صدى وقع خطو أجدادنا ، وأنين نبض أوردة أمهاتنا، وبقايا جذور أشجارنا، ومستحثات عظام محاربينا، وصدى أصوات جحافل جيوشنا!
سأردد على مسامعكم لحني الطللي التالي ، وهو لحنٌ إعلاميٌ يشترك في عزفه السياسيون والكتاب وزائرو القدس ومتابعو أخبارها :
البيتُ لنا...و القدس لنا
بأيدينا سنبنيها.
وبالغالي سنفديها
ننير جوها الحالك
بلحنٍ من مآسينا
ولن أكرر تفاصيل التحذيرات التي تنبأتُ بها أنا وغيري منذ زمن، حين رأيتها وهي في غرفة الإنعاش، تتغذى على هوائها المشحون بالبارود ، بعد أن أخضع الجنود دفقات الهواء المتسللة إليها، واعتقلوها وأخضعوها لإجراءات التفتيش الصارمة، وصادروا كل هواء جديد بحجة، أنَّ ما في القدس من هوائها المُعتَّق في السراديب يكفيها للتنفس، وهو علاجها الوحيد، وفق مقاييس الاستشعار التي يحملها الجنود ضمن حقائب مهماتهم العسكرية!
فالهواء النقي يدخل في قائمة الممنوعات لأنه قد يتحول إلى عواصف إرهابية، تعيد القدس إلى القدس.
وما تزال القدس تتغذّى على بقايا طعامها المعلب في شوارعها وأزقتها، المحفوظ فيما بقي في مخازنها وأنفاقها التاريخية،بعد ان أزال منه الحاخامون كل المواد التاريخية التي لا يستسيغون مذاقها، وحوّلوه إلى طعامَ (كوشير) أشرف على مراقبته وختمه بخاتم الحاخامين الربيين المجازين من الحاخامية الكبرى وفق أحكام الشريعة، وهو طعامُ منزوعٌ منه الطعامُ ، غذاءٌ يُبقي الارتعاش والانكماش فقط، وينفي الحركة والانتعلش!
سأقف على أطلال القدس جريا على عادة أسلافي، واقتداء بسيرتهم الصالحة، وانصياعا إلى التقاليد القبلية التي تُسيِّرني ، فها هي عروسنا القدس تُسبى أمام أنظارنا، وتسرق من بين ضلوعنا، وتهدم حجرا حجرا!
لم تحظ مدينة من المدن بهذا العدد الهائل من الواقفين على أبواب أطلالها، فبعضهم يندبونها، وبعضهم ينعونها ، وآخرون يشيِّعونها إلى مثواها الأخير، فلم يبق من أبوابها وشرفاتها الخشبية إلا بقية أعواد لا تكفي حتى لتسخين وجبات طعام جنود الحواجز!
قدموا الشكر لحكومة إسرائيل التي أغدقت عليها الجنود، فأصبح لكل حجر مقدسي حارسان، حارس في النهار، وآخر في الليل، هذا فيما عدا جنود المحاكم المركزية واللوائية والمحكمة العليا الذين يُخلون البيوت من بُناتها ومواليدها وأهلها وساكنيها ، لتعود إلى حضن من بكوها وأحبوها عن بُعدٍ في صفحات كتب أجدادهم!
ويبدو أن ذلك يصب في مصلحة الإبداع الشعري العربي !! حتى يتمكن ساكنوها العرب من أن يبكوها عن بعد، وفق تقاليدهم الأدبية، بأشعارٍ تفيض ألما وعذوبة!
هل جنى على القدس اسمُها؟ أم جنى عليها أهلها وآباؤها وأبناؤها ؟ أم أنها تدفع ضريبة بهائها وجمالها وفتنتها؟
ها هي أسراب الخراب تنخلها رملة رملة، وتغربلها حصاة بعد حصاة، وتنخرها ذرةً بعد ذرَّة، وتُغلق أبوابها بابا بعد باب ، وتقشر حجارتها حجرا حجرا، ليسكنها الخواءُ، وتملؤها الأحجبة والرُّقى والتمائم والمسوح والشالات والعصائبُ والقبعات واللفائف والباروكات والأردية السوداء، والمازوزاه والكيفا والتفلين والتاليت والتسيست والتشرمل، وفقا لشرعة الهلاخاه المقدسة!
هكذا كتب على القدس أن تظل طللا إلى أبد الآبدين، بيوتها أكوامٌ ، وجدرانها مغاراتٌ وكهوفٌ، وشوارعها أنهارٌ من الدم، ومساجدها وكنائسها نعوشٌ وأكفان!
تنتحبُ القدس لأنها لم تتمكن أن تتزين لأبنائها كعادة المدن، ولو ليومٍ واحد، على الرغم من أنها اعتادت خلال تاريخها الطويل أن تكحل عيون المدن، وتصبغ شفاهها، وتسرح شعرها، وتضمخها بالعطر والند والريحان والطيب والمسك والعنبر والقرنفل وزهر الليمون.
أيتها الغانية الطللية مَن جعلك تتوكأين على عكازين رثة الثوب مقطبة الجبين، منكوشة الشعر حافية القدمين تسعلين سُعال الموت؟
تُرى هل أخطأ أطباؤك في علاجك، فأصابوك بشلل نصفي، أم أنكِ أدمنتِ الخراب والقتل والدمار، وفقدتِ ذاكرة التاريخ، وصرتِ تتجولين هائمةً، غريبة عن نفسك، تسألين الوافدين عن شوارعك وعناوين بيوتك، وأسماء اهلك وذويك؟!!
فمَن يُعيد السلامَ إلى مدينة السلام؟ (سؤال طللي)!!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستحيلات الإسرائيلية الخمسة
- وباء الإحباط
- معزوفة على كونشيرتو القدس
- وليمة ويكيلكس الإعلامية
- احترسوا من تهمة اللاسامية
- نحت فلسفي من غزة
- بيرس حكيم بني إسرائيل
- اضحكوا بلا قيود
- احذروا المساس بالاستيطان المقدس
- أسباب تألق وانطفاء المواقع الصحفية الإلكترونية بسرعة
- فئران في شوارع غزة
- مجانين بني إسرائيل
- بزنس الطب والدواء
- رسالة فلسطينية إلى عوفاديا يوسيف
- ثلاثة أخبار متفرقة
- تطهير وطني عرقي
- السياسة في إسرائيل
- جامعاتنا العربية وهارفارد
- هل قاتل السود في أمريكا فلسطيني؟
- قصتي مع الطاهر وطّار


المزيد.....




- عزيز الشافعي يدعم شيرين ويوضح موقفه من إصدار أغنيتها الجديدت ...
- أمريكا تجدد دعوتها لسوريا للإفراج عن الصحفي -المختطف- أوستن ...
- قصف مدفعي إسرائيلي من العيار الثقيل يستهدف مجرى نهر الليطاني ...
- متهم بالعمالة للحكومة المصرية يتوصل لصفقة مع السلطات الأميرك ...
- في ختام اليوم 313 للحرب على غزة.. آحدث تفاصيل الوضع الميداني ...
- مصراتة الليبية تعلن إعادة تفعيل المجلس العسكري ردا على نقل ص ...
- السلطات الفرنسية تمنع دخول الفرقاطة الروسية -شتاندارت- موانئ ...
- العاصفة إرنستو تضرب بورتوريكو وسط تحذيرات من تحولها إلى إعصا ...
- ماكرون يعلن مقتل طيارين فرنسيين جراء تصادم مقاتلتي -رافال-
- -حزب الله- ينشر ملخص عملياته ضد مواقع وانتشار الجيش الإسرائي ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - توفيق أبو شومر - بكاء على أطلال القدس بمناسبة العيد