الحكومة الالكترونية للعراق : خيال الوهم

سمير مدحت سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 3185 - 2010 / 11 / 14 - 10:44
المحور: تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
    

نسمع بين الحين والاخر تصريحات حول قرارات وتوصيات واجراءات وخطط لانجاز مشروع الحكومة الالكترونية كما هو الحال في باقي الدول المتقدمة . وقبل الخوض في امكانية بلدنا في تحقيق مثل هذا المشروع فلابد من احاطة القارئ العزيز بشيء من الشرح المبسط حول هذا الموضوع .

فالحكومة الالكترونية Electronic Government موقع الكتروني تؤسسه الحكومة على شبكة الانترنت يعتبر كبوابة رسمية للتعريف بتلك الحكومة وبما يتيح لمواطنيها انجاز معاملاتهم بطريقة آلية . ويرتبط بهذا الموقع مواقع الكترونية عديدة اخرى تمثل الدوائر الخدمية ذات العلاقة بشؤون المواطن تسمى الادارات الالكترونية Electronic Management وتتخصص هذه المواقع بوظيفة او اكثر من الوظائف ذات العلاقة بعمل الدائرة , مثل دوائر المرور او دائرة تسجيل الملكية ( العقاري ) او مكتب تسجيل الولادات والوفيات ( الاحوال المدنية ) او دائرة اصدار جوازات السفر . وتهدف الادارة الالكترونية الى تقليل الاعتماد على العنصر البشري في انجاز معاملات المواطنين باستخدام الحاسبات الالية المبرمجة لكل نوع من انواع الوظائف لتقليل الوقت والجهد والكلفة ما بين الموظف والمواطن . فيمكن للمواطن مثلا تسديد مبلغ غرامة المخالفة المرورية بحقه من دون مراجعة دائرة المرور . ويمكن له ايضا انجاز معظم معاملة نقل ملكية الدار التي يملكها الى من يشاء وهو جالس في داره ويقتصر ذهابه الى دائرة تسجيل الملكية العقارية لغرض تسجيل بصمة ابهامه للتحويل فقط .

يعتمد مبدأ الحكومة الالكترونية على الالتزام الفكري والاخلاقي قبل الالتزام التقني في استخدام التكنولوجيا المتاحة . فالحكومة الالكترونية تعمل على مبدأ ان مواطنيها أعزاء عليها الى درجة انها تحرص عند قيامهم بانجاز معاملاتهم على تقليل الوقت والجهد والكلفة في انجاز تلك المعاملات والتي هي اصلا اذا ما ريد لها ان تنجز بالطريقة الاعتيادية فهي ايضا بسيطة , الا ان اصرار الحكومات المتقدمة على توفير اقصى درجات الراحة لمواطنيها تحتم عليها تطويع التقنيات الحديثة في خدمة مواطنيها , فلا ترغب ان يتكبد المواطن عناء الذهاب الى دائرة الضريبة ( مثلا ) وتحمله كلفة النقل والمسافة والجهد البدني والوقت , فتوفر له امكانية تحقيق ذلك وهو جالس في داره . وان هذا الالتزام لا يقتصر على انجاز المعاملات فقط بل هو جزء من فلسفة حكومات هذه الدول بتوفير الراحة والرعاية في كافة مجالات الحياة .

لقد حاولت احدى الدوائر الخدمية في بلدنا انشاء ادارة الكترونية لانجاز نزع معين من المعاملات وانفقت اموال طائلة في سبيل تحقيق تقنية جديدة تتيح للمواطن انجاز معاملته بواسطة الانترنت . وقد نجح الامر فعلا في بداية الامر وبعد ايام اكتشف العاملين في هذه الدائرة من ان التطبيق الالكتروني الجديد قد قطع عنهم الكسب الحرام الذي كانوا معتادين عليه وان معاملات المواطنين اصبحت تنجز خلال يوم واحد بدلا من اشهر وقد ازعجهم ذلك مما دفعهم الى تعطيل التطبيق الالكتروني والعودة بالدائرة الى حالة أسوأ مما كانت عليه من قبل .

ان الحكومة الالكترونية وتطبيقاتها الادارية لايمكن لها ان تعمل بنجاح في بلد يتفشى فيه الفساد الاداري والمالي , ولا يمكن لها ان تنجح مع دائرة يتلذذ مديرها بمراجعة المواطنين من وراء الشبابيك والاسيجة تحت اشعة الشمس الحارقة , ولايمكن لها ان تنجح في دائرة اعتاد موظفيها على ابتزاز المواطن واستغلاله , ولايمكن لها ان تنجح ايضا مع فكر اداري ضيق منغمس في الفساد والمصلحة الشخصية .


انصح السادة المسؤولين عن مشروع الحكومة الالكترونية التريث لحين تنظيف البلد من الايادي الملوثة بالمال الحرام وتغيير النهج الفكري والاخلاقي للعاملين في مؤسسات الدولة . اما اذا كانوا مصرين على ذلك فهذا يعني انشاء واجهة اعلامية لا اكثر وانفاق اموال يمكن صرفها في معالجة الجذور الادارية الفاسدة . ولا يعني هذا اننا نقف ضد المشروع , بل ان قلوبنا وضمائرنا وخبراتنا كلها في خدمكتم الا ان التوقيت غير مناسب .

مع تمنياتي لكم بالتوفيق


* تدريسي / جامعة تكريت
[email protected]

#سمير_مدحت_سعيد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات