|
قضايا المجتمع بين المسرح الأمريكى والأوروبى الحديث
إبراهيم حجاج
الحوار المتمدن-العدد: 3184 - 2010 / 11 / 13 - 00:21
المحور:
الادب والفن
قضايا المجتمع بين المسرح الأمريكى والأوروبى الحديث بقلم ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الاداب جامعة الاسكندرية قد شهدت الدراما الحديثة تحولات فنية متنوعة جاءت مواكبة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فمنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأ الاتجاه نحو الواقعية وتطورت الدراما الاجتماعية التى تعالج مشكلات حقيقية ولا شك فى أن كتاباً مثل "إبسن" Ibsen ، "وشو" Shaw ، و "تشيكوف" Anton Chekhov قد ساهموا فى إحداث تغيرات فعالة . "فلقد اعتنق الشاعر النرويجى "إبسن" مذهب الواقعية فى الأدب عقب الحروب التى خاضتها روسيا مع الدانمارك ثم مع فرنسا ، وما تبعها من معاهدات ، وأحداث سياسية ، وهزات اجتماعية ، فكرس نفسه لتشخيص أمراض المجتمع ، وأدوات النفس البشرية فبدأ يكتب مسرحياته باللغة التى يتحدث بها الناس ، وسرعان ما أصبح أحد زعماء المدرسة الواقعية ، وفى سنة 1877 كتب "إبسن" المسرحية الشعرية " أعمدة المجتمع" التى عالج فيها مشكلة النفاق الاجتماعى ، ثم مسرحية " بيت دمية " التى وجه فيها سياط نقده إلى وضع المرأة فى المجتمع وعدم مساواتها بالرجل باعتبارها إنساناً له شخصيته وكرامته لا مجرد دمية لا دور لها فى الحياة سوى إمتاع زوجها وتسليته. أما "شو" فقد تضمنت مسرحياته أراءه فى العلاقات الإنسانية والاجتماعية " وهو كاشتراكى من مؤسسى الجمعية الفابية الاشتراكية فى إنجلترا يعتبر نفسه داعية لها يعبر بفنه المسرحى عن أهمية التحول الاشتراكى للمجتمعات الراقية . إن كل المشاكل التى طرحها شو للمناقشة خلقها فى الواقع المجتمع الطبقى الرأسمالى الذى أبرز شو سلبياته وتناوله بالنقد اللاذع فى معظم مسرحياته فنراه فى مسرحية " منازل الأرامل" يصور الرأسمالية كالأخطبوط تمد أطرافها فى كل نواحى المجتمع فيستشرى فيه الظلم والفساد القائم على الاستغلال والحصول على المال بأى وسيلة دون اعتبار للقيم الأخلاقية والإنسانية. كما نراه يطرح قضية الصراع الطبقى فى مسرحية " بيجماليون" بوجهة نظر جديدة " فهو يرى أن المسألة ليست مجرد فروق اقتصادية بين الطبقات بل عادات متأصلة فى نفوس أفراد كل منها. ويرى تشيكوف " أن مأساة العصر الحديث إنما هى مأساة ضياع الهمم والأفكار وسط سلسلة كالحة مريرة من تفاهات الحياة اليومية ، وسخافات العيش الروتينى . إن مأساة العصر الحديث فى نظره هى مأساة البلادة والضياع والهمة التى لا تشتعل إلا ريثما تخبو مأساة الذين لا يهبُّّون لمقاتلة القدر ، بل يتلقون صفعاته صاغرين ولا يملكون إلا أن يأملون فى مستقبل لا توجد فيه صفعات لهذا تتطلع الشقيقات الثلاث فى مسرحيته التى تحمل نفس الاسم إلى الانتقال إلى "موسكو " ، حربا من الحياة الضيقة العقيمة التى يحياها الجميع فى بلدة صغيرة من بلدان الريف الروسى . والحديث السابق عن المسرح وارتباطه الشديد بقضايا المجتمع ينقلنا للحديث عن المسرح الموجه الذى يعتبر أيضاً أحد الاتجاهات الحديثة التى تؤمن بفكرة التزام الكاتب بقضايا مجتمعه، محاولاً أن يعكسها فى إبداعاته الأدبية . ويعرف رفيق الصبان المسرح الموجه بأنه "مسرح تعليمى وتوجيهى وثقافى تختفى وراؤه دائما تيارات سياسية واقتصادية تحاول أن تجعل منه أداه فكريه خطيرة يمكن استغلالها إلى أقصى الحدود.ويعتبر "اروين بسكاتور" Erwin Piscator ـ الذى يعد أول من اعتنق فكرة المسرح السياسى ـ من أكبر رواد هذا الاتجاه فهو لا يريد أن يلعب دور الفنان بل دور السياسى عن وعى وتسليم بالحاجة إلى التعريف بشكل واسع بالصراع الطبقى ، والمشاركة فى قيادته. إنه يريد للطبقة العاملة أن تعرف ، وأن تكافح عن وعى بالحقائق ، لذل فقد سعى إلى تخطيط وتنفيذ نوع جديد من المسرح موجه بالكامل إلى الدعاية السياسية والاجتماعية ويقصد به مسرح الطبقة العاملة (المسرح البروليتارى) كما أكد بيسكاتور على أن وظيفة المسرح بصفته مؤسسة فنية قد تعدلت ، ولم تعد مهمة المسرح قاصرة على النواحى الجمالية فقط ، بل أصبح من مهماته مخاطبة عقول الجماهير ، بعد أن كان ذلك قاصراً على مخاطبة عواطفهم وانتظار رد الفعل لذلك، لقد أصبح المسرح اتصالاً وثيقاً بالمشاهدين ، وأصبح من ضمن مهماته توصيل المعرفة بوضوح تام ، فالمسرح يصل إلى نهايته المنطقية فى الحياة الاجتماعية والسياسية . وقد حذا تلميذه "برتولد بريخت " Bertolt Brecht حذوه حيث يرى "أن المسرح مرآه حقيقية تنعكس عليها مشاكلنا كلها . ويؤمن بعد ذلك أن مسؤولية جسيمة وخطيرة تقع على عاتق هؤلاء الذين يعملون بالمسرح ويعملون من أجله أنهم صنعة التاريخ لذلك لا يحق لهم بشكل من الأشكال أن يهربوا من المؤثرات المدهشة اقتصادية كانت أم سياسية التى تحيط بمجتمعهم ليعالجوا مشاكل عاطفية بعيدة عن التأثير المباشر أو التوجيه الفكرى العميق. فقد جاءت المحاولات التى قام بها "بريخت " فى المسرح كرد فعل للتغيرات التى لحقت بالمجتمع الألمانى فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وما أحدثته هذه الحرب من تغير فى الوعى السياسى والاجتماعى نتيجة لانهيار كثير من القيم "فلقد كان هدف "بريخت" الأول أن يجعل المتفرج يرى العالم الحقيقى ويفهمه ، أن يجعله يفهم كيف تدور الحياة فى المجتمع الرأسمالى المعاصر بحيث يسعى إلى تغييره فلقد كانت مسرحيات " بريخت " تعكس قضايا الإنسان وصراعه المرير مع القهر والاستغلال. ويظهر هدفه هذا بوضوح فى مسرحية " الاستثناء والقاعدة" حيث لخص " بريخت " على لسان مجموعة الممثلين فكرته عن المسرح الذى يجب أن يكون هدفه توجيه المتلقى لتغيير الواقع الذى اعتدنا علية لتصحيح الأخطاء التى أصبحت قاعدة على الرغم من أنها لابد أن تكون هى الاستثناء . وقد اعترض "بريخت " على نظرية "أرسطو" فى المسرح التى تقوم على محاكاة الواقع وإيهام المشاهدين بأن ما يشاهدونه هو هذا الواقع فعلاً وحاول أن يتخطى هذه المحاكاة ، وهذا الإيهام إلى مفهوم آخر للمسرح (المسرح الملحمى ) حيث يناقش الواقع مناقشة ديالكتيكية بقصد تنوير الجماهير بحقائق هذا الواقع ، فهو يرى أن المسرح رسالة اجتماعية وسياسية لابد أن يستفيد منها المتلقى ، وأن ينعكس هذا على تصرفاته حيال القضايا الاجتماعية التى تواجهه لذا فهو لا يريد للمتلقى أن يتقبل الواقع كما هو ، بل يريد له أن يناقشه عقلانياً ويفرق بين ما هو قاعدة وما هو استثناء . وفى أعمال رائد الوجودية "جان بول سارتر" J.P.sartre ما يؤكد قوله بأن " لا وجود للفن إلا بواسطة الآخرين ومن أجلهم ، فهو يرى أن هدف الكاتب هو "أن يساعد على إحداث تغييرات محددة فى المجتمع الذى يعيش فيه وأن يتحالف مع كل الراغبين فى تغيير وضع الإنسان الاجتماعى ومستوى إدراكه بحيث لا يدع إنساناً يجهل العالم أو يدعى السذاجة ، فنجده وقد قاد هجوماً عنيفاً على ألمانيا النازية بوصفها محتل غاصب لأرض بلاده فى مسرحيته "الذباب "، كما نراه ناقداً لاذعاً للمجتمع الأمريكى متهماً إياه بافتقاده لمفاهيم المساواة الإنسانية مما لا يتناسب مع مكانة أمريكا على الساحة العالمية بطرحه لقضية التفرقة العنصرية فى مسرحية "المومس الفاضلة " . وتعرض مسرحية "الجحيم " فى صورة نتوء بارز العلاقات والصلات البشرية التى لا يمكنها أن تقوم أو تستقيم وسط عنف التصادمات التى تنجم عن الأنانية وتضارب المصالح ليصبح الجحيم هو الآخر الذى يعذبنا وينكر علينا حريتنا بان يصدر ضدنا أحكاماً يديننا بها ومن ثم يصبح قاضياً وجلاداً فى نفس الوقت . " ولعل السبب فى نظرة سارتر المتشائمة إلى علاقة الإنسان بالآخرين لا ينحصر فى طبيعة سارتر أو تكوينه النفسى إنما يعزى إلى أن مسرحه قد ولد فى جو فرنسا المحتلة وفى عصر المقاومة الشعبية وما تبع ذلك من وحشية الاستعمار وألوان الخيانة بين الفرنسيين أنفسهم مما جعل هذا المسرح يستنشق هواء الحرب والقتل والتعذيب ويفوح بجميع ضروب الإذلال التى توجه ضد روح الإنسان وجسده وسعادته. إن الإبداعات الأدبية لسارتر فى النصف الثانى فى القرن العشرين كانت تعكس أزمة القيم التى يعيشها الإنسان فى ظل الحرب العالمية الثانية ، فكرة اغترابه عن العالم. وفى المسرح الأمريكى اتخذ "يوجين أونيل " Eugene O neille بعض المواقف من العاهات الاجتماعية عبر مسرحياته الأولى إلا انه قد مال إلى التعمق فيها عبر مسرحيات لاحقه كما فى الإمبراطور جونس ، "القرد المشعر" "أبناء الله كلهم لهم اجنحة" ، وتتناول الأخيرة قصة زواج بين امرأة بيضاء وزنجى ، وقد أثارت هذه المسرحية عاصفة من الاحتجاج العنصرى وضجة فى الأوساط الأمريكية لأنها فضحت واقع التمييز العنصرى والطبقى. وعندما ظهرت مسرحية "وفاة بائع متجول" للكاتب الأمريكى " آرثر ميلر " Arthur Miller اعتبرها النقاد قمة الجهود التى بذلها كتاب المسرح من أجل التعبير عن الحياة الأمريكية تعبيرا واقعياً ناقداًً فقد اعتمدت فى نجاحها على كونها نموذجاً طيباً لما يمكن أن نسميه بمسرحية الطبقة الوسطى ، فهى تهتم بمصير رجل عادى يعيش فى بيئة عادية إلا أنه يتمسك بمعتقداته وأحلامه ، وتقدم دراما شعرية تضرب بجذورها فى أساليب الأمريكيين وعاداتهم. كما عالج " ميلر " موضوع مسرحيته "كلهم أبنائى " من قصة واقعية حدثت فى الغرب الأوسط من الولايات المتحدة لإحدى الأسر التى تحطمت عندما أسلمت ابنة أباها للسلطات بعدما اكتشفت أنه كان يبيع أسلحة فاسدة للجيش أثناء الحرب. ومما سبق يتضح لنا أن للمسرح دوراً وظيفياً يتمثل فى أنه يعكس المشكلات الحياتية بصورة واضحة ودقيقة تكشف النقاب عن الواقع الاجتماعى وعن علاقة الإنسان بهذا الواقع . ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية كلية الاداب جامعة الاسكندرية
#إبراهيم_حجاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسرح وقضايا المجتمع من العصر اليونانى عصر النهضة
-
قراءة جديدة لمسرح توفيق الحكيم رؤية نقدية لنص-ياطالع الشجرة
...
-
الدين والمسرح....خدعوك فقالوا...
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|