|
تدنيس المقدس (قراءة سلفية تهين الرسول محمد: حديث أم حرام)
سلام عبود
الحوار المتمدن-العدد: 3183 - 2010 / 11 / 12 - 21:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يتوجه هذا البحث، بدرجة أولى، الى القارئ ذي الميول السلفية، للتحاور معه، ولمساعدته على إيجاد زوايا نظر، ربما لم تخطر بباله من قبل، تهدف الى تعريفه بأن الحماسة العمياء للعقيدة تطفئ نور العقل، وأن التعصب للمبدأ غير المسنود بالعلم، والاعتقاد الخاطئ باحتكار الحقيقة، ربما يقودان الى ارتكاب أضرار أفدح من تلك التي يرتكبها أعداء المبدأ الحقيقيين. في هذا البحث ستتم مراقبة سبل التعامل الطائشة مع المثل الأعلى والنصوص والتأويل والواقعة التاريخية، وكيف أنها قد تصل الى نتائج بالغة الضرر، تلحق الأذى بالعقيدة وبمثلها العليا، عند اختلال ضبط توازناتها، وعندما تُفقد السيطرة على معادلة العقل والإيمان فيها. لا يهدف هذا البحث الى دراسة التاريخ الإسلامي أو المفاهيم الدينية، ولا يحاجج أحدا في ثوابته الإيمانية، بل يهدف الى الوقوف عند مسألة وظيفية محددة: كشف طبيعة اشتغال العقل السلفي، وتحرّي أوجه نشاطه الداخلية، وسبل صياغة قواعد خطابه الفكري، بصرف النظر عن طابعه العقائدي. أي إنه بحث في المنطق واللغة وفي الدلالات الفكرية المترتبة عليها. إن المنطق السلفي على درجة عالية من درجات الوهن والإملاق الوظيفي، حتى أنه لا يتوانى عن تدنيس معتقداته ذاتها وتسفيهها، مفرطا بها لصالح المبالغة في المحافظة على قواعده العقلية المغلقة والفقيرة. وفي هذا المثال النموذجي، "حديث أم حرام"، نرى بيسر، كيف أن القراءة السلفية قد تقود الى الطعن في جوهر العقيدة والقدح فيها، وقد تسهم في تدنيس أعلى رموزها، وهي تظن أنها تقوم بتمجيدها وتنزيهها. إن العقل السلفي قد يضحّي بالرمز لصالح افتعال الحجة والبرهان، وبالغاية لصالح الوسيلة، وبالتاريخ لصالح اللحظة العابرة، وبالمضمون لصالح الشكل. لأن العقل السلفي يبني أفكاره بطريقة "عنكبوتيّة". ولكن ما يميز القراءة السلفية عن سبل اشتغال العناكب، هو أنّ العناكب دويبات ماهرة في صنع بيوت لها، تستخدمها لمنافع مركبّة، تجدد بها دورة وجودها: السكن والدفاع والغذاء. أمّا البَنّاء السلفي فهو ماهر في صناعة حزمة معقدة من الأنسجة والخيوط المتشابكة ببعضها، من دون أن يُعنى بدورها الوظيفي، أي من غير أن يُعنى بمقدار صلاحيتها في أن تكون بيتا، وليس مصيدة يصطاد بها نفسه، ويكبّل بها يديه ورجليه وعقله، حتى يغدو نسيجه سجنا، أكثر منه مأوى وأرضا للسكنى والعيش المشترك. وهذا الأمر لا ينطبق على السلفية الدينية وحدها، بل يشمل منظومات الفكر المتحجرة كافة. ففي فترات انحطاط الفكر الشمولي يميل التفكير الجامد الى الطرائق العنكبوتية ذاتها لتبرير أفعاله المكشوفة لدى الآخر ، المغاير، بوضوح. في هذا المثال نرى كيف أن القراءة السلفية المتحجرة لا تقف حجر عثرة أمام التاريخ واللغة والعقل فحسب، بل تكون أيضا في عداء صريح مع مقدساتها الكبرى. وهنا أذكر أني اختصمت مرّة خصومة قاتلة مع واحد من أعز وأقدم أصدقائي. سبب ذلك يعود الى أني وصفت دعوته النبيلة لي الى زيارة ضريح لينين، بأنها دعوة وحشيّة، خالية من الرحمة، وأن من حنّط لينين أدنى من مرتبة حيوان، وأنه يستحق أن يوضع في قفص ويطاف به على البشرية كلها، باعتباره النموذج الأعلى للتخلف العقلي والنفسي والسياسي. فما كان من الصديق إلا أن تركني غاضبا، ثم ألحق غضبه العصبوي بكتابة سلسلة من التقارير تؤكد صلتي، منذ يفاعتي، بالأممية الرابعة، المتحالفة خفية مع الإمبريالية العالمية، أي انحرافي الفكري عن مجرى العقيدة الحكومية الرسمية المحتكر الأوحد للحقيقة. لهذا السببب أحسب أن المنطق السلفي المحنّط يتجاوز حدود الأديان، الى عموم التفكير الشكلي، التبريري، الجامد.
أم حرام: عودة الى التاريخ أحد أقدم النصوص المكتوبة، التي توضح ظاهرة الخؤولة، كإشكالية أخلاقية وسلوكية وفنية، نجده في حديث نبوي أخرجه البخاري ومسلم. وهو حديث ثبتت صحته عند الجماعة، لسلامة روايته، ولكن جرى التشكيك فيه من قبل آخرين، بسبب تناقضات مضمونه الكثيرة والمثيرة. وهذا النص مادة بحثية نموذجية تصلح أن تكون منطلقا تأسيسيا لموضوعنا هذا، لأسباب عديدة، عقلية وفنية، تتعلق بمادة النص وبما أثارته من تعارضات وخلافات حادة، مستعصية على الحل، لم تزل مستمرة حتى يومنا هذا، بصرف النظر عن محتوى النص دينيا. وهذا شأن لا صلة لبحثنا به من قريب أو بعيد. لأن بحثنا هذا يتناول النص كقيمة تاريخية، وكوثيقة سردية، لتثبيت واقعة خلافية إسلامية من منظورتحليلي خالص. يقول الحديث في إحدى رواياته: " حدث أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله يوما . فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كالملوك على الأسرة- كما قال في الأولى- قالت: فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين. " تحليل النص: شخوص النص: الرسول محمد، أم حرام، وعبادة بن الصامت. قطبا الحدث هما الرسول محمد وأم حرام بنت ملحان. أما عبادة بن الصامت فلا يقع في صلب الحدث، وإنما يأتي ذكرة مقحما، في جملة اعتراضية، توضح للقارئ أنه زوج أم حرام. الموضوع: رواية عن عن أنس بن مالك تصف الوقائع الآتية: 1- مقدمة توضيحية سابقة للحدث، تتحدث عن اعتياد الرسول الحضور الى بيت أم حرام وتناوله الطعام عندها، وعن كونها متزوجة من رجل اسمه عبادة بن الصامت. 2- تقوم أم حرام بتفلية رأس الرسول. ( تفترض المقدمة أن الرسول تناول طعامه) 3- ينام الرسول في حجرها. 4- يستغرق في النوم. 5- يرى الرسول حلما في منامه، يتعلق بذهاب جماعة من أمة الاسلام في غزوة بحرية، تبدو عليهم علامات النصر. 6- يستيقظ الرسول ضاحكا ويقوم برواية الحلم لأم حرام. 7- يعود الرسول الى النوم، ويحلم مجددا. 8- يصحو مرة ثانية ضاحكا، ويخبر أم حرام بأن الحلم نفسه تكرر مرة ثانية. 9- تطلب منه أن يدعو لها بأن تكون من الذاهبين الى البحر. 10- يستجيب الرسول الى طلبها. المكان: يثرب، بيت أم حرام، ويقال أنه بيت مشترك تتقاسمه مع أختها أم سليم ، والدة أنس بن مالك، خادم الرسول. الجانب التاريخي: لا توجد قرائن تاريخية موثوقة جدا تحدد زمن وقوع الحدث. بيد أن إشارات عديدة تحيط بالحديث ربما تصنع إطارا زمنيا محتملا. أبرز هذه الإشارات وردت في سياق الدفاع عن صحة وقوع الحدث، لدى المدافعين عن صحة متن النص، الذين أكدوا أن من أسباب تردد الرسول على بيت أم سليم هو أنه كان يعطف عليها، بسبب مقتل أخيها حرام بن ملحان، حينما قال: " أرحمُها قتل أخوها معي" (حديث نبوي). وقد استشهد حرام في موقعة بئر معونة في السنة الرابعة للهجرة. وكان حرام أحد قراء القرآن (كانوا سبعين رجلا ويقال أربعين)، الذين ارسلهم النبي محمد الى المشركين لاستمالتهم للدعوة، ولكن المشركين غدروا بهم فقتلوا. وحينما تلقى حرام الطعنة المميتة، وكان يحمل كتابا من الرسول، قال: "فزت ورب الكعبة"، فذهب قوله مثلا. بيد أن دراسة شخصية أم سليم تشير الى أمر لا يتطابق تماما مع موضوع العطف والرحمة، التي تعني التصبير على البلاء، بالمعنى الذي ورد في الحديث السابق. فطبيعة أم سليم لا تتطابق مع موضوع التعاطف العابر، لأن الرسول على معرفة بها قبل ذلك الحدث. ورواة الحديث هذا هم أنفسهم الذين يصرون على أن أم حرام خالته، أي أن أم سليم أخت خالته. وأم سليم امرأة معروفة بالقوة والجلد. فقد شاركت في معارك المسلمين، وكانت تقوم بمساعدة المقاتلين على أرض المعركة، حتى أنها كانت تحمل خنجرا في إحدى المعارك. أما حادثة موت ولدها من زوجها طلحة، فهي حادثة على قدر عظيم من الغرابة في حجم قوة المشاعر والاحتمال. يروى أنها أخفت عن الأب (طلحة) موت ابنه المريض، وتزينت له، وحينما أتمّ مواقعتها أخبرته بلطف ورقـّة متناهيتين، وبمنطق إيماني حصيف وهادئ، أن الله استرد أمانته. وقصة زواجها لا تقل عن هذه الواقعة في الدلالة، فقد رفضت الزواج بمشرك، ولم تقبله إلا بعد أن أسلم، واعتبرت إسلامه صداقها. فأم سليم امرأة مميزة، ليست كالنساء، معروفة لدى الرسول جيدا، قوية وحازمة، لا تحتاج الى شفقة، أو مسايرة. ويروى عنها أنها كانت راوية، وواضعة لأحد أبرز وأعمق الاسئلة الجنسية الموجهة الى الرسول، حينما طلبت منه أن يفتيها في أمر غُسل المرأة إذا احتلمت. وروي أن جواب الرسول الفقهي والصريح أخجلها، فغطت وجهها بيديها. وهو حديث يتطلب منا توضيحا أوفي، سنقوم به لاحقا. لم تكن هذه العائلة مجهولة في التاريخ الاسلامي، على الرغم من أنها لم تكن من العوائل العليا. كان الأخ حرام بن ملحان أحد القراء، وقد قتل في وقت مبكر من تاريخ الدعوة. أما ابن أم سليم فهوالصحابي أنس بن مالك خادم الرسول. وأنس من المقربين من الرسول، أودعته أمه في خدمة الرسول منذ أن كان في العاشرة ( أهدته اليه، لأن الأنصار استقبلوا الرسول بالهدايا)، وخدم الرسول عشر سنوات، وأثرى فيما بعد ثراء ملحوظا. ومن الأحداث الهامة في حياته الطويلة أنه كان على عدم وئام مع الحجاج، الذي نعته بـ"المنافق"، بسبب عدم تحديده موقفا قاطعا في معركة الجمل. فاشتكاه الى الخليفة عبدالملك بن مروان، الذي نصره على الحجاج. أما عبادة بن الصامت، زوج أم حرام، فقد كان أحد نقباء القوافل، وكان أحد جامعي القرآن. استعمله الرسول على الصدقات، وكان أحد المشاركين في معارك نشر الإسلام. وضعه الخليفة عمر بن الخطاب على القضاء في حلب في ولاية معاوية، لكنه اختصم مع معاوية خصومة شديدة بسبب تشدده في أمور الدين، ترك على إثرها الشام وعاد الى المدينة قائلا: لا يمكن لأرض أن تجمعني بمعاوية. أنصفه عمر وأعاده، على الرغم من اعتراض معاوية. بيد أن الخلاف استعر بينهما مجددا فاضطر عمر الى القبول برأي معاوية، وتم ابعاده عن الشام. ومن الحوادث المشهودة له أنه أخذ حفنة من التراب في كفه وحشا بها فم أحد الخطباء، الذين بالغوا في مدح معاوية، فأثار غضب معاوية. شهد مع زوجته أم حرام غزوة قبرص البحرية سنة 28 هجرية، التي ماتت فيها أم حرام، وكانت كبيرة في السن كما قيل. روت أم سليم أربعة عشر حديثا، وروت أم حرام سبعة. وارتبطت العائلة بسورتين قرآنيتين. الأولى (ال عمران)، التي خصت قتلى موقعة بئر معونة، وكانت حادثة استشهاد حرام أبرز معالم هذه المأساة، لأنه كان حامل كتاب الرسول، ولأنه صاحب القول االمأثور " فزت ورب الكعبة". وسورة ال عمران أكثر سورالقرآن التحريضية تداولا بين الناس" ولا تحسبن الذين قتلول في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون". كما خُصت العائلة بسورة (المجادلة)، التي نزلت على أثر خلاف بين أوس، أخي عبادة بن الصامت، وزوجته خولة بنت ثعلبة. عند مقارنة دور الأختين، نجد أن أم سليم تشغل موقعا هاما في تاريخ المرأة المسلمة، لجرأتها، وقوة شخصيتها، ودفاعها الفريد عن الإسلام كعقيدة ودعوة ومؤسسة حكم. ولكن، على الرغم من هذا كله، فإن اسمها الشخصي ظل غامضا، مبهما، فقد ظهرت غير رواية عنه قيل أنها سهلة، وقيل: رُميلة. وقيل: رُميتة، وقيل: أنيفة. حتى كنيتها كانت لا تخلو من اللبس، على الرغم من ورودها في حديث نبوي. أمّا أم حرام فلم تكن موضع ذكر. تأسست شهرتها، جلها، على حديث غزوة قبرص، الذي وضع من قبل بعض المصنفين الإسلاميين في باب المعجزات. مات الرسول عن عمر يناهز الثانية والستين (570- 632)، وكان في فترة وقوع حديث غزوة قبرص بين الرابعة والخمسين والستين من عمره، أما أم حرام فقد ماتت بعد وفاة الرسول بثمانية عشر عاما. لم يكن حديث أم حرام هو الأول الذي يتناول صلة العائلة بالرسول على نحو وصفي وتفصيلي. فقد وجد حديث آخر، روي عن أم سليم، تتحدث فيه عن أنها كانت تجمع عرق الرسول حينما كان يقيل في بيتها. وقد روي الحديث بطرق مختلفة جدا، لكنها جميعها تتفق على أمر واحد هو نوم الرسول عند أم سليم وجمعها عرقه، الذي كان بمثابة الطيب عندها. وهذه الحكاية فيها قدر كبير من الغرابة، فهي لا تقتصر على الملامسة الجسدية، في بعض رواياتها، بل تتعداها الى الحرية التي كان الرسول يتمتع بها في هذا البيت. وفي هذا الموضع نشأ الخلاف التاريخي حول نص حديث أم حرام.
المقدس بين المضمون والشكل
انقسم المختلفون في معالجة نص أم حرام الى فريقين، الأول ينكر الواقعة كلها بسبب بطلان مضمونها، لأن فحوى الواقعة يعرّض شخص الرسول الى تساؤلات أخلاقية كثيرة جدا. أما الفريق المدافع فقد حصر دفاعه عن الواقعة، لا في مضمونها، بل في ناحيتين خارجيتين، ترتبطان برواية النص وببعض علائقه التوثيقية والمرجعية، هما: الدفاع عن الاسناد (صحة الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه- رواه مسلم أيضا- والذي لا يرقى اليه الشك في نظرهم)، ومحاولة ايجاد تبريرات تقوي مضمون النص، لاسناد وتسويغ شرعية الفعل في الواقعة. أي أن الفريق الأول كان ينكر وقوع الواقعة، لكي ينزه الرسول، مركزا اعتراضه في المتن، في حين كان الثاني يثبت صحة الواقعة استنادا الى صحة الاسناد، من طريق إضافة تفصيلات تمنحه النص قبولا دينيا يحلل وقوعه، أي مركزا قوته في صحة مصادرالرواية. عدا موضوع التفلية والاعتراضات المرتبطة به، التي تتناقض تماما مع النظافة العالية التي عرفت عن الرسول، فإن نوم الرسول وقربه الشديد من المرأة، يعد ملامسة غير جائزة شرعيا في نظر المعترضين، والأهم من هذا أن أم حرام، كما يروي الحديث نفسه، في جملة اعتراضية، كانت تحت صحابي جليل هو عبادة بن الصامت. فكيف تم ذلك؟ وجد الفريق المدافع عن الواقعه تبريرا شرعيا للملامسة في ما يعرف بالمحرم، وربطته كل الروايات من دون استثناء بموضوع الخؤولة، على الرغم من تضارب وتنوع وتعدد الروايات. فمن قائل إن أم حرام تعود بنسبها الى بني النجار، الذين هم قوم أم الرسول. لكن هذا الرأي رُدّ واعتبر فاسدا، لأن هذه الصلة الرمزية البعيدة لا تدخل على الاطلاق في دائرة المحرم. لذلك تعددت الروايات وأخذت تجنح نحو ايجاد رابطة خؤولة أكثر قربا؛ فقيل إنها خالة لأبيه، ولم يتم إثبات هذا النسب أولا، كما أن هذا النسب لا يقدم حلاّ شرعيا للمحرم، لبعده. فظهرت رواية تقول إن أم حرام تعدّ خالة للرسول، لأنها اشتركت مع أم الرسول في الرضاعة. وقد وجد كثيرون في الرواية الأخيرة تطمينا يجلب الاقناع. فهذه الصلة ممكنة شرعيا الى حد ما، ولكن. لقد حلت هذه الرواية مشكلة المحرم بطريقة حاذقة جدا، لكنها وقعت في مأزق جديد هو كيفية إثبات هذا النسب. إذ لا يوجد في سيرة العائلة ما يثبت هذا، حتى أن الرسول حينما سُئل عن سبب قربه من العائلة أجاب بإنه فعل ذلك "رحمة"، بسبب موت أخي المرأتين حرام بن ملحان شهيدا. ولم يشر الرسول أو الشراح الى رابطة الخؤولة قط، ولم يلمح أحد الى هذه القرابة ولو تلميحا. ويزيد الأمر تعقيدا أن أمّ حرام ذهبت الى غزوة قبرص بعد وفاة الرسول بثمانية عشر عاما. ولو أنها حقا رضعت مع آمنة بنت وهب، فإنها تكون قد ذهبت الى الغزو بعمر يناهز المئة عام. وهذا تصور خرافي، لا يقبله عقل، بسبب ارتباطه بغزوة قبرص، التي عدّت واحدة من أشق الغزوات، بسبب طبيعتها البحرية وتدني خبرة المسلمين بالبحر وقتذاك. جاء هذا الدعم الكبير المؤيد لفحوى الرواية: الخؤولة، على لسان رجل كبير من أعلام المسلمين، هو ابن الجوزي (510 – 595 هـ)، الذي أثبت صحة رابطة الخؤولة، حينما روى عنه قوله "سمعت من بعض الحفاظ انها كانت اخت امنة بنت وهب من الرضاعة ، أي أنها خالة الرسول." أي أنها كانت محرما للرسول. وبذلك قطع ابن الجوزي الشك باليقن. ورفع تماما الحرج عن المدافعين عن مضمون الواقعة، وأنهى الجدل حولها بشكل حاسم. لكن رواية ابن الجوزي المنقذة جاءت متأخرة جدا. فقد رويت بعد خمسمئة عام على حدوث الواقعة، والأكثر إثارة للدهشة أنها اكتشفت صلة القرابة بعد ثلثمئة عام من ظهور الحديث نفسه، الذي أخرجه البخاري ( 194- 256، أكمل كتابه صحيحه عام 232 للهجرة تقريبا) بعد مئتي عام على وقوع الحادثة. وإذا كان الدفاع عن صحة الرواية حتى القرنين الثاني والثالث الهجريين مقبولا، فإن ايجاد رواية من دون نص أو مرجعيات وقرائن سابقة، بعد خمسمئة عام، أمر لا يجوّزه عقل أو يبحه علم. أين كانت هذه الخؤولة طوال هذه القرون؟ أمّا الأغرب من هذا كله فهو صفة العناد التي لازمت مؤيدي فحوى الواقعة. فهؤلاء دافعوا عن مضمون الواقعة، مثبتين صحتها، بسبب صحة رواتها، غير آبهين بتناقضات فحواها. وهذا يعني أن صحة الإسناد كانت لديهم أهم من مضمون حياة الرسول نفسه. كان دفاع العقل السلفي منصبا على الإسناد، وعلى الرواية، التي راحوا يخترعون لها سلسلة طويلة متناقضة، متضاربة، من التبريرات، لكي يلغوا فكرة التحريم، من دون أن يجرؤوا على التشكيك في صحة الواقعة انطلاقا من فساد المضمون. وهنا يجد المرء أن الفكر السلفي يناضل شكليا من أجل إثبات الفكرة التي يؤمن بها، ولا يهمه في ذلك كون هذه الفكرة تخالف العقل والمنطق، بل ولا يهمه إن كانت تسيء في مراميها الى جوهر المعتقد ورموزه الكبرى. إن الدفاع عن الإسناد يعني الدفاع عن مؤسسة الشرعية العقائدية القائمة، على حساب العقل، وعلى حساب العقيدة نفسها. لأن الفكر السلفي يجد في ترابط الأشياء الخارجي، في علاقاتها وصلاتها الشكلية بنية مقدسة لا يجوز فصل أجزائها، لأن هذا الفصل يفتح ثغرات في جدار المنطق السلفي، المتماسك شكليا، والمؤسس على قواعد عقلية واهية. لذا نرى دائما أن السلفية المتشددة تجد تأكيداتها الإيمانية من طريق المحافظة الدعائية على الشكل الخارجي: الملابس، المظهر، والطقوس والعلامات الحسية، والانشغالات النفسية الفتيشية. وهذا مظهر تشترك فيه السلفيات كافة، الدينية وغير الدينية. ومن الملاحظ أن طاهرة القتل بالسيف، لدى السلفيين، جزء من هذه الفتيشية المرضية. لأن القتل بالسيف أكثر مشقة على القالتل والقتيل معا. لكن السلفيين بفضلون القيام به، رغما عن كونهم خبراء ماهرين في استخدام الأسلحة الحديثة، لأنه جزء من منظومة العقل الذي يجذبه الشكل المتخلف، فيرى فيه قدرا من الانسجام مع وعيه المتدني المشدود الى الوراء. التعصب يلغي جوهر العقيدة حينما نتعمق أكثر في تحليل النص، ونقوم بمقارنة دقيقة بينه وبين حجج الدفاع عن صحة الإسناد والروايات المرتبطة بها، نكتشف أمرا جللا. إن الدفاع المتعصب، الذي يبدو في الظاهر غير قابل للمساومة في الشأن الديني، يقف في تعارض تام مع أسس الدين الجوهرية بسفور مطلق. لو تأملنا تفسير حديث الرسول عن أم سليم " أرحمُها، قتل أخوها معي" لا نجد في حديث الرسول كلمة واحدة، أو إيماءة ولو ضئيلة، لها صلة بقائمة الحجج الطويلة التي أوردها مفسرو حديث أم حرام عن رابطة الخؤولة، وحدود التحريم. إن الرسول، من الناحية المنطقية، أعرف من غيره بشجرة أنسابه. لهذا السبب، فلو كان التحريم والتحليل هنا، يتعلق بالنسب (الخؤولة)، ولو كان هذا السبب حصرا هو سبب إباحة اللقاء، لكان الرسول نفسه أول من بادر الى قوله، لأنه ببساطة تامة أدرى من سواه بمعرفة نسبه، وهو الأقرب زمنيا الى الحدث المزعوم (اشتراك أمه بالرضاعة مع أم حرام) من رواة مجهولين ولدوا بعده بخمسمئة عام. ولو كانت الإباحة تتعلق بالنسب وحده، فإن الرسول، باعتباره المشرّع الأكبر والأعلى بعد الله (القرآن) يعرف جيدا حدود فتوى التحريم ومجوزاتها. وإذا دققنا جيدا في السؤال الذي وجّه الى الرسول، لوجدنا أن السائل كان يطالب الرسول بأن يقدم توضيحا لسلوكه، وهو أمر عظيم الخطورة في دلالاته الاجتماعية والعقلية، لأنه يعطي للفرد المؤمن حق مساءلة حتى نبي الله على أفعاله. وتلك واحدة من الوقائع الهامة التي تبين حدود السلطة النقدية الخلاقة، التي سمح يها الإسلام في عصره الأول، قياسا بحجم التحريم والإنغلاق الذي نراه يسمم حياة المسلمين في الأزمان اللاحقة. والأمر الثاني أن السائل كان يريد توضيحا فقهيا يحدد له ما هو حرام وما هو حلال في العلاقة بين الناس. وهنا تكمن أهمية الإجابة. فالإجابة لم تكن تبريرا للسوك، وإنما كانت تحديدا فقهيا لمساحة الحرية التي يتمتع بها المسلم. وهي حرية عظيمة، لو قمنا بفهم المثال على حقيقته، وفق الصيغة التي رويت عن الرسول: الرحمة وسيلة شرعية للاتصال بين البشر، بصرف النظر عن طبيعة جنسهم. إن الفكر السلفي الذي يناضل من أجل إنكار هذه الحقائق الواضحة جدا، إنما يدافع عن رؤيته المعتمة والمغلقة للعالم، حتى إذا كانت هذه الرؤية تتصادم تصادما تاما مع منطق الرسول السلوكي والتعبيري، وتتصادم من دون شفقة مع مكانة وقيمة المثل الأعلى الديني: نبي الأمة. إن الفكر السلفي لا يعطل العقل والمنطق حسب، بل يسخرهما أيضا باحتراف تام من أجل غايات أنانية: تثبيت صحة رؤيته القاصرة للحياة، حتى لو اقتضى الأمر إلحاق الضرر العقلي والتربوي بأعلى رموز الدين. إن التعصب الديني طريق فاسد ومهلك، لأنه طريق لا يبالي بأحد سواه، ولا ينظر الى نتائج أفعاله ومقدار مسايرتها لقوانين الحياة كفعل اجتماعي، وقوانين المنطق كممارسة عقلية، وقوانين الأخلاق كممارسة سلوكية. إن السلفية لا تتوانى عن ليّ أذرع النصوص، واختلاق مرجعيات كاذبة لها، وتجريدها من بعدها الواقعي التاريخي، والأهم من كل ذلك إغلاق آفاق امتداها الى الحاضر والمستقبل. المعجزة حينما نناقش هذه الحادثة من زاوية أخرى، أكثر عمقا من التحاور حول المتن والإسناد، نكتشف حقائق جديدة أكثر إثارة. فمن أسباب التشبث بصحة الرواية عند السلفيين كون حديث غزوة البحر، المرتبط بأم حرام، يصنف ضمن الأحاديث المتعلقة بالنبوءات، أي بالمعجزات والخوارق. لذلك وضع كثيرون هذا الحديث في مقدمة أحاديث المعجزات. ومن المعروف جدا في تاريخ الإسلام أن أعظم معجزات الرسول محمد كانت أنه كان بشرا مثل غيره من الناس، ولم يوظف المعجزة الشخصية لتثبيت الدين الإسلامي ونشر رسالته. وربما يكون الإعجاز الأعظم للاسلام، مقارنة بغيره من الأديان، أنه أحدث ثورة شاملة سياسية واجتماعية وفكرية ودينية وحضارية من دون الحاجة الى خوارق فوق أرضية. كان ظهوره وانتشاره وإطاحته العالم القديم بأسره هو الانقلاب الإعجازي الأعظم في تراتب الحضارات. لذلك ظلّ الإسلام يكتفي بعرض حججه من طريق المعجزات الإلهية -الربانية وليس البشرية- فحسب، باستثناء معجزات الأنبياء السابقين للرسول محمد. وهذا أمر لا يقبل به أنصار الفكر السلفي. لأن اختراع المعجزات الأرضية، وليست السماوية فحسب، جزء أساسي من نظام تفكيرهم. لذلك فإن إنكار مضون هذه الواقعة يعني إسقاط واحدة من المعجزات، التي يدّعون نسبتها الى الرسول. وإن هذا الإسقاط ينتقص من قدر الرسول، كما لو أن قدره ومكانته لا تقومان إلا بمثل هذه المرويات الزائدة عن اللزوم. ما المعجزة في حديث أم حرام؟ الجانب الرؤيوي فيها هو أن أم حرام ذهبت سنة 28 هـ بصحبة زوجها في غزوة قبرص وماتت هناك، حينما سقطت من ظهر دابة كانت تركبها. أي أن دعاء الرسول لها بالذهاب قد تحقق، والأهم أن رؤية غزوة قبرص ظهرت إشاراتها في أحلام الرسول محمد. حينما نعود الى تاريخ الغزو البحري الإسلامي نجد ما هو مفيد ودال لتوضيح هذه الصورة الملتبسة. تتفق المصادر الإسلامية على أن معاوية بن أبي سفيان كتب الى الخليفة عمر الخطاب يطلب منه الإذن بركوب البحر والسيطرة على قبرص، لأنها في تقديره بوابة هامة لتحركات الروم. لكن الخليفة تردد في منح الإذن، وطلب من معاوية التروي وموافاته بمعلومات أكثر تفصيلا عن ركوب البحر. وحينما بسط معاوية الأمر لعمر راعه الأمر، لما يحويه البحر من مخاطر، خشي منها الخليفة على المسلمين، فلم يأذن لمعاوية بالغزو. لكن بعد نظر معاوية السياسي والحربي، جعله يواصل الضغط على دار الخلافة، وتمّ له الأمر بيسر في خلافة عثمان. وهذا يعني أن فكرة غزو البحر باعتبارها وسيلة حربية جديدة، والتمدد القاري للدولة العربية الإسلامية، باعتباره غاية سياسية وعقائدية، لم تكن موضع تفكير في ذلك الوقت، حينما كان المسلمون يعانون بشدة من ضغط أحداث معركة أحد الجسيمة، وما تبعها من مآس، منها مأساة مقتل القراء السبعين في موقعة بئر معونة. هل كانت حادثة ذهاب أم حرام الى قبرص وموتها أساسا بني عليه الحديث؟ لا أحد يعرف، لكن المعروف جدا أن الرسول خص أخت أم حرام بحديث رؤيوي آخر، غير قابل للطعن، لا إسنادا ولا مضمونا، هو الحديث الذي يروي تأكيد الرسول على ذهاب أم سليم الى الجنة. روي عن أنس بن مالك، وهو ابن أم سليم، أن الرسول قال:" دخلت الجنة فسمعت خشفة (حركة) فقلت ما هذا؟ قالوا هذه الرميصاء بنت ملحان". أي أم سليم. هل أراد البعض أن يصنع لأم حرام قدرا يوازي قدر أختها؟ ربما، وربما لهذا السبب رُبط الأمر بنهايتها المفجعة، السقوط والموت. والسقوط هنا، في غاية جهادية، لا يعني سوى الذهاب بصاحبه الى الجنة: " ولا تحسبوا الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا". لماذا ظهرت في الحديث جملة اعتراضية لا تصب في جوهر الحدث؟ هذا تساؤول كبير لم يكلف أحد نفسه التوقف عنده. لماذا حشر اسم عبادة بن الصامت في الحديث، في جملة اعتراضية، لم يكن موقعها مفيدا، أو موضحا، أو مفسرا لأمر ما، عدا الاشارة الى أن أم حرام كانت زوجته حينما جرت أحداث الرواية؟ هل كان لخلاف عبادة بن الصامت مع معاوية أثر في هذا الاستطراد الفني؟ لو دققنا النظر في حديث غزوة قبرص جيدا نجد أن الرؤيا الإعجازية التي قام بها النبي محمد، تدعم بقوة وجهة نظر معاوية المتعلقة بغزو قبرص. لماذا لم يستخدم معاوية، المعروف بفطنته وذكائه ومكره، هذا الحديث النبوي حجة دامغة، في وقتها المناسب، لاقناع الخليفة عمر بن الخطاب بامكانية ركوب البحر وتحقيق النصر فيه، باسناد مباشر من حديث الرسول نفسه؟ وهل كان عمر بن الخطاب جاهلا بأحوال الرسول وبالأحاديث المروية عنه، التي تمس تطور بناء السلطة حصريا، التي هي إحدى وظائف عمر الرئيسية. وهي يعقل أن تهمل مثل هذه الاحاديث الداعمة لبناء الدولة الوليدة حتى يكتشفها الرواة بعد عدة قرون، حينما أضحت عبرت رقعة الدولة الإسلامية حدود القارات؟ ولو دققنا الأمر أكثر سنجد أن هذا الحديث يخص معاوية شخصيا، ليس لتعلقه بغزوة قبرص فحسب، بل لتعلقه بأمر شخصي آخر، هو خبر ذكر خصمه عبادة بن الصامت في حديث نبوي. هل كان معاوية يجهل هذا الحديث؟ كيف يجهله والحديث يخص زوجة ألد خصومه؟ كيف يجهله ولم يمض على رواية الحديث آنذاك سوى عقدين من السنين؟ كيف يجهله وأم حرام خالة الرسول وخالة خادم الرسول؟ هذه أسئلة بحثية تتعلق بمرجعيات النص تاريخيا، لا يحق لأحد تجاهلها.
السلفية لا تقرأ يحار المرء وهو يقرأ محاججات السلفيين. ويصاب بالدهشة وهو يرى التناقضات العقلية والتاريخية تنساب متسارعة على صفحات كتاباتهم، من دون أن يفطنوا لها أو يعيروها إهتماما خاصا. من يقرأ حديث أم سليم عن احتلام المرأة، يتداعى الى ذهنه، من دون إبطاء، حديث نبوي آخر، روي عن البخاري نفسه، يتعلق بالموضوع نفسه، ولكنه ينسب الى امرأة أخرى، هي الصحابية خولة بنت حكيم. فقد جاء في الروايات أن " خولة بنت حكيم السلمية وهي إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم، سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن المرأة تحتلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتغتسلْ ". أما حديث أم سليم فنصه: "عنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ». فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ ..." ( رواه البخارى) وفي روايات أخرى أن الحديث تم بحضور السيدة عائشة، التي نهرت أم سليم لأنها تفوهت بذلك أمام الرسول، وأن عائشة هي صاحبة التساؤل الأخير الوارد في الحديث " وتحتلم المرأة؟". وهناك من روى الواقعة في معرض الحديث عن وطء الجن للنساء، وحكم الشرع في ذلك. وقد خالف هنا بعض الفقهاء المتبحرين في علم الجن حديث الرسول مع خولة وأم سليم بوجوب الاغتسال، ورأوا أنه حكم لا ينطبق على الجن احتلاما ومواقعة فعلية، لأن ماء الجن مادة من مشتقات النار، أما ماء البشر فهو سائل، وهذا سبب كاف لإبطال شرعية حكم الرسول. حينما نطابق منطوق الحديثين نجد أنهما يتناولان الموضوع عينه، ولكن بكلمات وتفصيلات مختلفة. ما سر هذا التشابه؟ عندما ندقق مليّا في فحوى الحديثين نجد أنهما يطرحان سؤالا يقع ضمن الغوامض الجنسية الطريفة، التي تخطر على بال الرجال، في الغالب، أما جزؤه المتعلق بالجن، فهو جزء من الحذلقات التافهة، التي لصقت بالإسلام جهلا من بعض العاطلين فكريا وعقليا. ولكن، في هذا التكرار غير المبرر تظهر بذرة الشك الاولى، وتتعاظم أهمية التساؤل القائل: لماذا تكرر السؤال لدى غير صحابية من البيئة ذاتها، والحقبة ذاتها. أمّا المفاجأة الكبرى فتأتي حينما نعلم أمرا آخر، يتجاوز حدود الحديث ويمتد الى شخصية خولة بنت حكيم نفسها وصلتها بالرسول. وهو أمر يضفي على موضوع صحة حديث أم حلال تعقيدا جديدا، يصعب على أحد فكّ ألغازه المتشعبة. وخولة بنت حكيم من المسلمات اللواتي اعتنقن الإسلام في بدء ظهوره، هاجرت الى الحبشة مع زوجها عثمان بن مظعون. أمّا ابن مظعون فهو صحابي عظيم الورع، بلغ به الزهد في الحياة حدا جعل الرواة يضعونه في منزلة الإمام علي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري زهدا، وقد مدحه الإمام علي بكلمات جميلة. أما الرسول فقد نصحه بأن يخفف من شدة بخله في حب مباهج الحياة، وأخبره بأن الرهبانية ليست من طباع المسلم. ظلت خولة زوجا له حتى وفاته، وعند موته رثته بشعر جميل. ومما يروى عنها أنها وهبت نفسها للرسول زوجة. وهي عادة جاهلية معروفة تهب فيها النساء أنفسهن الى الأسياد وكبار القوم من دون مهر، ( وهذه نقطة تشابه ثانية. فأم سليم وهبت ابنها خادما للرسول!). وقد استعر خلاف بين الرواة والمفسرين المسلمين بسبب هذه الواقعة. وجوهر الخلاف لا يتركز حول صدق الواقعة: حقيقة كون خولة قد وهبت نفسها للرسول، ولكن لسبب آخر، هو السبب نفسه، الذي دار الخلاف فيه بين الرواة والمؤرخين والمفسرين، عند الحديث عن أم حرام: أي بسبب موضوع الخؤولة. وهذا تشابه ثالث، مدهش. بيد أن الأكثر إثارة للدهشة هو أن الأسباب التي أوردها المفسرون والرواة لتثبيت جواز أن تهب خولة نفسها للرسول، هي عينها حرفيا، التبريرات التي استخدمت لغرض تثبيت جواز اقتراب الرسول من أم حرام. والأمران متعارضان تعارضا مطلقا. فما هو حرام هنا يتحول الى حلال هناك، وما هو حلال ينقلب الى تحريم. لقد جعل الرواة رابطة الخؤولة، التي تصل بين خولة والرسول، سببا واهيا لا يجوّز تحريم إمكانية زواجهما (لم يقبل الرسول بها هدية ولم يتزوجها، لكنها ظلت قريبة من بيت الرسول ونسائه)، لأنها في رأي الرواة خالة غير قريبة، أي أنها ليست أختا مباشرة لأم الرسول، في حين أن بُعد نسب أم حرام لم يمنع المفسرين من جعلها شخصا محرما على الرسول. وقد اضطر المتعصبون الى اختلاق قصة الرضاعة، لكي يمنحوا الرواية تسويغا شرعيا مقبولا، ولكن على حساب مكانة وقدسية الرسول نفسه. هذا التشابه والتناقض، يجعل من ارتباط الروايتين ببعضهما، واختلاط التفسيرات والأحاديث ببعضها، عنصر ضعف في بناء حديث أم حرام، ويعزز أكثر فأكثر فكرة الفقر العقلي للجدل السلفي، ويظهر تدني مقدراته على اعتماد مرويات ثابتة الأصول، وحجج مكينة تخدم العقيدة خدمة تنويرية قائمة على الأسوة وقوة المثال، وأن لا تكتفي بتدعم جوانب هامشية منه، مستعيضة عن الجوهر بالعرض، وعن المضمون بالشكل.
المحتوى النفسي والتعبيري للنص
يكشف لنا البناء النفسي واللغوي لنص الحديث جوانب أخرى، مثيرة، تتعلق بطرق صياغة وتوجيه الأفكار في النصوص المنقولة عن سلسلة طويلة من الرواة. حينما نعود الى تسلسل بناء النص طبقا الى روايته الشائعة، التي قسّمناها الى عشر حلقات، نجد أن التسلسل السردي لا يخلو من المشكلات الفنية واللغوية. ففي الحلقة الرابعة: النوم والحلم والاستيقاظ، يوجد ما يوقظ الشكوك. والأسئلة هنا كما أسلفنا ليست فقهية أو أخلاقية، وإنما فنية تتعلق ببناء النص، ونفسية تتعلق بالحالة الانفعالية للأشخاص، وهي أمور خارج سياق ما يعرف بالمقدس. لإن استغراق رجل في النوم، وهو في مكانة الرسول محمد وفي سنه ومنزلته، في حجر خالة له فعل غير قابل للحدوث بيسر في الأحوال الاعتيادية. ربما يأخذ النعاس طفلا ، ولكن ليس رجلا راشدا، إلا في حالات محددة منها شدة التعب أو المرض أو الاسترخاء الاستثنائي، وهي حالات لم يُشر اليها في النص، لأن الرسول جاء وأكل ثم وضعه رأسه في حجرها وأخذت تفلي رأسه. وإذا افترضنا أن الرسول كان في تلك اللحظة يعاني من شدة التعب، الذي يدفع المرء الى النوم، فإن مثل هذا الوضع الجسدي والنفسي لا يقود الى حدوث ما حدث في الحلقة الخامسة. ويغدو الفعل أشد صعوبة في الحلقة السادسة وما بعدها، رغم أن الحلقتين التاسعة والعاشرة هما تكرار للحالات التي سبقتها، جاءت ثانيتهما في الرواية لتأكيد رسالة وغاية الحدث، التي هي جزء من بقايا التعبير الشفاهي المولع بالتكرار. فالاستغراق في النوم في ظرف شديد الخصوصية مثل هذا لا يمنح صاحبه التأهيل الكافي لإنتاج حلم جميل، يستدعي الضحك، كحلم غزو البحر والانتصار. لقد تنبه بعض المعلقين الى كلمة ضحك، فأبدلوها بابتسام. وهي انتباهة ذكية، وصيغة مقبوله، جاءت متأخرة، أكثر من الف وأربعمئة عام، تشي بأن هناك من اصطدم بما نقوم نحن بتوضيحه الآن: الجانب النفسي والصياغة اللفظية للحدث. وحتى لو استخدمنا مفردة الابتسام بدلا من الضحك - هنا يحدث تطابق فعلي بين الحلم الجميل وابتسام الحالم، الذي يشعر بالزهو والفخر والإعجاب. وهي مشاعر تثير في نفس النائم الحالم تعابير الفرح- إلا أن ذلك لا يحلّ مشكلة التناقض بين التعب والإجهاد أو الاسترخاء التام، الذي قاد الى النوم ورؤية الحلم الجميل، الذي يستدعي الابتسام. يستطيع الباحث أن يسترسل أكثر في تحليل البنية النفسية للنص، بيد أنه لا يحتاج الى ذلك البتة. لأنّ هذه الأسئلة الإشكالية كلها تمّ محوها بكلمة واحدة، حينما لجأ أنصار المذهب الشكلي من السلفيين الى طوق النجاة الأبدي، الذي ألغى الجدل السابق كله، وألغى معه أية إمكانية لمواصلة بحث الموضوع: بما أن النبي مرسل إلهي، لذلك يستطيع ما لا يستطيعه الآخرون من البشر، وما ينطبق على الآخرين لا ينطبق عليه حتى نفسيّا وسلوكيا وأخلاقيا. فهو يستطيع النوم في حجر خالة له من دون حاجة الى أن يكون مريضا أو تعبا، ومن دون حاجة الى تبرير أفعاله، سواء كانت أم حرام خالة له حقا أم خالة رمزية، فالرسول في حلّ من كل هذا، لأنه بشر لا تسري عليه قوانين الآخرين. وهذا التخريج مفيد جدا في ناحية واحدة، هي أنه حسم النقاش وأقفله تماما باسم ما يعرف بـ "المعجزة" والاستثناء، لكنه تخريج قاتل من الناحية التشريعية والفقهية، لأنه يجرد الرسول تماما من صفة المثال، فما ينطبق عليه يتوجب بالضرورة ألا ينطبق على المسلمين العاديين. وذلك فساد ما بعده فساد، لأنه يلغي المكون الثاني للتشريع الإسلامي: الحديث والسيرة النبوية. من هنا نخلص الى أن الفكر السلفي، الذي صنع حججه المتناقضة والمفتعلة، على حساب التاريخ، ودون مراعاة لمحتوى النص، ومن دون مراعاة لما يجرّه من عواقب أخلاقية وفقهية وعقلية تمس صورة أعلى رمز ديني، لجأ الى الطريقة الوحيدة المتبقية لديه: صناعة المعجزات، في موضع حياتي بسيط، لا يقتضي ولا يستوجب وجود معجزة. إنه بيت العنكبوت، الذي يتحول على يد العقل السلفي الى سجن أبدي محكم الإقفال، لا مخرج فيه. # # # هذه التخريجات والتلفيقات العقلية الرديئة، وهذه الرسوم السلفية المتحجرة لنبي الإسلام، تتفوق تفوقا عظيما في إشاراتها التدنيسية على رسوم صحيفة يولاند بوستن الدانماركية التحقيرية، ولا يستبعد أن تكون، في جزء منها، بعض المرجعيات الخفية لتلك الرسوم التي أثارت العالم الإسلامي كله. يقول بيان وزارة الحرب في دولة العراق الإسلامية الصادر في 2-11 ، عقب مجزرة كنيسة (سيدة النجاة): " وليعلم هؤلاء المشركون ( يعني النصارى) وفي مقدمتهم طاغوت الفاتيكان أن سيف القتل لن يرفع عن رقاب أتباعهم" وعن أهل الكتاب يقول أبو عمر البغدادي في سريعته الفريدة، المناقضة تماما لنصوص الإسلام: "ان طوائف أهل الكتاب وغيرهم من الصابئة ونحوهم في دولة الإسلام اليوم أهل حرب لا ذمة فقد نقضوا ما عاهدوا عليه من وجوه كثيرة لا حصر لها" ولا يختلف الأمر في الموقف من الشيعة، الذين وصفوا بأنهم أنجاس مناكير، في بيان وزارة إعلام دولة العراق الاسلامية عقب مجازر يوم الثلاثاء 3-11، معتبرا سلسلة الأعمال التفجيرية التي ضربت سكان بغداد "بدء انطلاق حملة الثأر" لمعاقبة أولئك الذين يسبون أمهات المؤمنين وعرض خاتم الأنبياء، واعدا أن يكون هذا اليوم "يوما واحدا من أيام قادمة كثيرة مخضبة بالدم". وفي المقابل كان إطلاق صواريخ "مجهولة" علىالأحياء السنية ردا ثأريا لا يقل وحشية كفعل انتقامي، ولا يقل فسادا وكفرا كفكر سياسي أو ديني يقف خلف الفعل. وقد لعبت المواقع التحريضية الشخصية والعامة، التي تدعي المسيحية، والتي تضع في مقدمة أهدافها مهمة تهجير المسيحيين العراقيين من أرضهم، دورا إجراميا خطيرا بحق المسيحيين. فلم تكن رسائلهم الاستفزازية، التي تسفه مقدسات المسلمين لمناسبة ومن دون مناسبة، المعممة في شبكات الحاسوب، سوى أدوات تحريضية إضافية، تزيد من حجم الإثارة والاحتراب وتلحق أضرارا جسيمة بجماعة أصيلة عرفت بحياتها المسالمة. وقد لوحظ بوضوح كيف اهتبل التبشير السياسي الميليشاوي لحزب القوات اللبنانية الاخبار المفجعة، ودخل فورا على خط الصراع المباشر، متجاوزا حدود الشجب والإدانة والتعاطف ومد يد العون، الى التحرض وصناعة الأكاذب فور وقوع جريمة (سيدة النجاة)، الذي صورته القوات اللبنانية على أنه " جاء بعد ثلاثة أيام من رفع الحواجز التي وضعها الجيش الأميركي لحماية الكنيسة"، وأن القتلى زادوا على المئة وخمسين. وربما تكون الحسنة الوحيدة من فورة التحريض تلك هي إفشاء الدور الاميركي في عملية الاقتحام وتحرير الرهان "الـسبعة عشر" الناجين، الذي أنكرته الحكومتان العراقية والأميركية. مثل هذا التحريض المكشوف لا يختلف في جوهره عن رسالة السلفيين المسلمين سنة أو شيعة، لأن يخدم هدفا واحدا هو النيل من وحدة الشعب والمجتع العراقي ووحدة نسيجه التاريخي، وتأجيج المشاعر العدوانية لدى الأطراف المتصارعة. مباريات الدم، التي تخوضها الأطراف السلفية المختلفة، باسم الدين، لا صلة لها من قريب أو بعيد بجوهر العقائد، لأنها في محصلتها النهائية لا تتعدى أن تكون أرضية عملية في خدمة مشروع تدمير بنية الواقع الاجتماعي التاريخية للمنطقة ومحو هويتها الخاصة، التي هي هدف جوهري لمشروع الغزو الأجنبي التدميري، ولكن بأدوات ولغات محلية. كل هذا يجعلنا نتساءل: هل قرآن هذا الجماعات هو نفسه قرآن المسلمين الذي نزل على رسوله؟ وهل محمد بن عبدالله هو نبيهم حقا؟ بيانات دولة العراق الإسلامية تقول خلاف ذلك تماما؟ مناقشات موضوع الخؤولة، التي امتدت لأكثر من ألف عام، تؤكد بالحجج والبراهين القاطعة، عكس ذلك. في هذا المقال يرى القارئ بوضوح تام أن من يلوث "حرمة خاتم الأنبياء" هو الفكر السلفي، بسبب تحجره، وفقر منطقه، وكسله العقلي والوظيفي. فهو أميل الى العقاب منه الى الإصلاح، وأميل الى الجهل منه الى العلم، وأميل الى الشر الصريح منه الى الخير، وأميل الى الكفر منه الى الإيمان. تلك علامات واضحة لا يستطيع أن ينكرها قارئ يتحلى بعقيدة صادقة قائمة على الإيمان بصلاح البشر، وليس الإيمان المطلق بعقيدة الحلول محل الخالق في الحكم على النفوس والنيات والمصائر.
#سلام_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكومة من تنك، وقَتَلة من ذهب، وإعلام خردة!
-
أسرار وثائق ويكيلكس!
-
تفكيك المقدس واستنطاق المسكوت عنه
-
دكتاتورية الكراهية: الفرد العراقي من مجتمع التعبئة الى حالة
...
-
نقد الخطاب الديني، التفكير والتكفير واللعب على المكشوف
-
النظافة من الإيمان: ثلاث كلمات قتلت سردشت
-
كاكه سرو وعبلة: قصّة حبّ كرديّة
-
البحث عن السعادة الخادعة في الأدب الغريب وثقافة الآخر
-
الثقافة والعنف بين التحليل النفسي وعلم الاجتماع
-
يهود العراق وخرافة البحث عن وطن افتراضي
-
هل نرتقي بضربة حذاء؟!
-
البعثيُّ الذكيُّ والعراقيُّ الغبيُّ! ( رسالة الى المثقف البع
...
-
سيئات حميد مجيد الفاضلة
-
رسالة شخصية الى نائبة عراقية: صفية الوفية!
-
رسالة شخصية الى السيد هوشيار زيباري: العقل زينة
-
جنايات علي الدباغ الجسيمة ( رسالة شخصية الى الناطق الرسمي با
...
-
الكرد الفيلية: عراقيون رغم أنف العرقيين جميعا!
-
البيان الشيوعي لمرحلة الاحتلال- الجزء الثالث
-
البيان الشيوعي لمرحلة الاحتلال - الجزء الثاني
-
موت الماركسية أو ورطة النصر.... الحلقة الأولى: موت الاشتراكي
...
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|